تقديم : الخيل مؤثث أساسي في المواسم التقليدية ووسائل أساسية لتحقيق الفرجة الشعبية ، و العودة إلى إحياء هذا التقليد لن يكون إلا إيجابيا لأن هذا النوع من الرياضات منغرسة في المتخيل الجمعي ...و كما هو في الحديث : علموا أبناءكم السباحة و الرماية و ركوب الخيل .. و الملاحظ لأن هناك تجربة و خبرة مغربية أصيلة في تربية الخيول و إعدادها للتباري و الظهور في الميدان و إبهار المتفرج ، و اعتداد الفارس بفرسه واضح و هو جزء من الديكور العام الذي يجعل الآخرين يحصلون على الفرجة .. إنه عودة إلى ذلك الزمن المجيد حيث لم يكن الفرس مجرد ديكور أو أكسسوار للفرجة ، و حيث لا يرى الفارس نفسه إلا فوق صهوة جواده ، و حيث يكون امتلاك الفرس مروءة و نخوة و أصالة وحظوة اجتماعية .. و هناك كلام كثير قيل عن الخيل توارثته الثقافة الشعبية المغربية مثل : الخيل هبة من الريح .. للي بغى يركب يركب ادهم أو كما قيل : الخيل عراف الثيران جواف و الجمال كتاف بمعنى أن طريقة اختيار الحصان يكون بالنظر إلى انسياب شعر عرفه الذي يتطاير مع الرياح ... و تغنت الأغنية الشعبية المغربية بقوة الحصان و استحضرت إيحاءاته الرمزية .. العود البرقي في الغابة يجري كون شافو حبيبي هو يسرجو و ما قيل في الخيل أيضا : دهم مغلوق ولا زرق مشقوق و لا برقي محروق لا لقيتيه في السوق عرف راه مسروق أي أن صاحبه باعه سرقة خوفا من القبيلة ... أما السير الشعبية و الحكايات فقد أشادت كثيرا بالفرس و برمزيته و اتخذته رمزا للبطولة و المجد و الأصالة .. و التمييز بين الخيول ينبغي أن يكون حسب المعايير التالية : البرقي خارج من تحت مو والأزرق تا يجمع فمو و الادهم ما ترفد همو الفرس : اختلفت أصناف الخيول و تعددت ألوانها ، و الألوان المشهورة هي : الأدهم و هو الحصان ذو اللون الأسود الأزرق حط الريال : وردة بيضا ووردة زرقا .. ريال بيض و ريال زرق .. حجر الواد البرقي وهو الأحمر القمري وهو الأبيض السنابي وهو الأصفر الدغمومي و هو الرمادي و أجود الخيل ثلاثة تذكرهما الثقافة الشعبية المغربية و تفاضل بينهم : في المرتبة الأولى نجد الأدهم فهو جيد دائما و في كل الأحوال و يعتبره الكثيرون سلطانا على جميع الخيول . ..سلطان الخيل هو الادهم .. فالأزرق ذو اللون المشكل من ريال ازرق و ريال ابيض، خاصة عندما يخرج من مرحلة سنان الحليب وينضج .. ثم البرقي أو الحصان ذو اللون الأحمر الداكن الذي يبقى كما هو و لا يتغير عن وضعه الأول .. واعتنى الفرسان المغاربة بجودة السروج و جماليتها فاتخذوا سروجا مطرزة ، و تحدثوا عن ألوان السروج المناسبة لأنواع الخيول: السرج الأخضر يناسب الأدهم و يزيده بهاء أو الأبيض السكري ، كما يناسب الأخضر الأزرق ... كما يناسب الأخضر أيضا السنابي .. السرج الكبريتي يناسب حجر الواد السرج الأصفر يناسب البرقي .. زينة الفرس : يسهر الفارس على نظافة فرسه بعناية فائقة ، و يزينه بقلائد جميلة و يسرح عرفه كما تسرح النساء شعورهن ، و قد يخضبه بالحناء ، أو يضع له النواقيس النحاسية الصقيلة ، و يكلله بالقلائد ، و يختار له السروج المطرزة ، يقول أحد الفرسان : العود كنت داير ليه ثلاثة و ربعة نواقس أو أجراس مللي يجري يحرك الأجراس في إيقاع جميل العود يغسلو ليه بشابان وتوضع له القلادة ..الركاب و السرج المطرج و تزينه بالنواقيس لتكتمل الفرجة .. و الخيول تختلف في فرجتها و سرعتها حسب الدم أي الأصل ، و حسب التدريب فهناك الحصان الذي يتقدم في الميدان و كأنه يرقص، فأحد الخيول كان مدربا على الرقص وتتبع إيقاعات الطرب الشعبي .. بين الفارس و الحصان :علاقة حميمية : يعتني الفارس بشؤون حصانه منذ الصغر ويخلق معه علاقة خاصة ، تنسجها الألفة و يحركها الحنين ، تصل درجة الفهم و التفاهم إلى أبعد المدى بين الفارس و الحصان ، فيفهم عنه كل أحواله ، هي علاقة شبه حوارية تشبه حوار عنترة مع فرسه : لو كان علم المحاورة اشتكى ...و لو كان قد علم الكلام مكلمي من الصعب أن يبيع الفارس حصانه ، إنه يبكيه إذا ما اضطر إلى ذلك من مخمصة أو حاجة ، و نظرا للحميمية التي تجمع بينها و بينه ، فهو يقيس حياته بالخيول التي كسبها ، الموت أهون عليه من أن يترك الفروسية و المشاركة في المواسم .. و بكثير من الحنين يحكي الفارس الفقدان : عود عمامي تباع قدامي و رغم تكلفة الاهتمام بالحصان و غلاء العلف و النقل ، يتحمل الفارس المشاق ليهيئ فرسه للسباق ويراقب أحواله باستمرار و يسهر على صحته .. و حدث مرة أن مات الفارس ، فأحس الفرس بذلك إحساسا غريبا ، فبكى مثل البشر ، و حزنا على صاحبه ، و حفر الأزرق بحوافره الأرضية الاسمنتية للإسطبل، و بقي يضرب بحوافره بهيجان عجيب حتى حفر في الأرض حفرة كبيرة ، وصارت تحته بركة من العرق .. الفرس و الاعتقاد : منذ القديم جدا ارتبطت الخيول بالخير بالبركة و الخير الخيل معقود على نواصيها الخيل و من الوقفات المحمودة في البيت ، و قفة الحصان التي تدل على قيمة الخيمة و قوة رجالها .. و تستعمل حدوة الحصان بكثرة كمضاد للحسد و العين ..فهي في الاعتقاد الشعبي ترد عين الحاسد و تركل نواياه الشريرة و السيئة ، و قد يصاب الحصان بدوره بعين السوء فيرقى له و تعلق له التمائم والحروز.. و هناك اعتقاد خاص في ارتباط الحصان الخماسي بالعين و الحسد ، و هو الذي تكون قوائمه الأربع بيضاء و له شمامة بيضاء على جبهته ، و يعتقد أنه غير ميمون ، و لا يستحب كسبه إلا إذا كانت تصل العلامة إلى فمه فيعتبر شارب الحليب و هو ميمون و مبارك في اعتقادهم ... و على العموم يرتبط الحصان و امتلاكه بالخير و البركة ، فالحصان أمامه الخير ، و يحكى أن الحصان يدعو لمولاه بالرزق من صلاة الفجر حتى صلاة العصر ، قبل أن يدعو لنفسه .. تدريب الفرس : قد لا يكون من اليسير تعليم الفرس مبادئ الفروسية و مناورات الميدان ، فذلك يتطلب مدة تقصر أو تطول حسب نجابة الفرس و مهارة المروض ، و من بين أساليب الترويض ، أن يجعل في قوائم الحصان قيدا و يربطه الحبل بصدره ليعلمه الدرج على قوائمه الورائية ، و يستمر هذا الفعل مدة عشر أيام ، وعندما يزيل له القيد ، و يألف صوت صاحبه وهو يقول له : بالي ...آلحافيظ الله يقصده الفرس ، و هو يرقص على قدميه الورائيتين : دايز يشطح بحال العيساوي .. وينبغي أن يدرب الحصان قبل الركوب في الموسم بخمسة عشر يوما ، و يجاري غيره من الخيل ، و يسمع صيحات العلام حتى يألفها : بالي ياحافيظ ، وا هاواه .. الفارس : شخصية العلام العلام أو قائد فرقة الفرسان شخصية مهمة في السربة ، و له دور مهم في تحقيق النجاح ، لذلك كان لا بد أن تتوفر فيه عدد من الشروط ، فالعلام عقل أولا و قبل كل شيء ، ومن مواصفات العلام أن يكون رجلا حقيقيا ، أن يكون صبارا ، و يكون مراقبا لأفراد فرقته و معتنيا بهم مثل أولاده تماما ، يكون عندو العقل الكافي لتدبير أمور الفرقة ،فهو يجمع فريقه كل مرة لينظر في أحوالهم ، و ليعلمهم و يلقنهم مراحل المحرك : ها الهزة ها الخرطة ها العيطة ها التخريجة ... و ليمرن فرقته جيدا يعمد إلى محاكاة ما يقع من مشاهد في الميدان، فيثبت الزمام، أو اللجام في أصابع رجليه ، و يحمل البندقية المكحلة في يده ، و يوضح لهم : شوفو ها كيفاش تديروا ها الهزة ها الخرطة .. عندما يكون العلام يتقدم العلفة و يكون بصدد الإعلان عن أوان الطلقة الخرجة ليس على فرسانه أن يراقبوه بالعين ، عليهم فقط أن يستعملوا آذانهم ، أن يصيخوا السمع لا أن ينظروا إليه،حتى تصدر الطلقة من البنادق بشكل جماعي متساوية في نفس الوقت ... وصف الخيول ينبغي أن تكون متساويا في الانطلاق و الوصول ، الخيل بحال لا داير ليهم السمطة في اتصال واحد ، لا أحد يتقدم أو يتأخر عن غيره ..و عندما تكون الطلقة الجماعية ناجحة يرتفع الدخان إلى أن يصعد الى عنان السماء على شكل خيمة كبيرة فراق و العلام يعطي المثال لباقي الفريق بنظافته وجمال هندامه ، فهو يلبس كسوة البيضاء و يضع عمامته البيضاء ، و جواربه و يتأبط الشكارة .. العلام يراقب فرسانه واحدا واحدا، و يتعهد انضباطهم و لباسهم ، فلباس الفرسان ينبغي أن يكون متناسقا ، فلا يقبل أي نشاز، ويكون لباس الفرسان حسب المنطقة التي ينتمون إليها ،الهدون الفرجية و التشامير، و البلغة تكون حسب اللبسة ، و قد يلبس الفارس بلغة طالعة تسمى التماك تناسب الركاب الأبيض ... و العلام ينبه فرسانه و يبث فيهم الحماس لينافسوا و يتغلبوا على غيرهم من الفرق ..و يقدم في نفس الوقت وصيته للجميع و يعلمهم بالمنافسين من الفرق الأخرى قبل الفراجة .. و السربة أو الفرقة تتكون من خمسة عشر فارسا أو أكثر يتوسطهم العلام .. كل علام له طريقة و أسلوبه المتميز في تقديم الفرجة للجمهور ، عندو الطريقة ديالو كاين للي يتم غادي مدرج الخيل لمسافة أطول من غيره .. و إذا كان هناك شبه إجماع على نفس العيطة، في لحظة التخريجة : آحافيظ آحافيظ ...فهناك من يتفرد بعيطة خاصة به ويصيح مثلا : آلمسافرية.. مراحل الفرجة فراجة الخيل ليس مثلها فرجة ..فرق متتالية من الخيل أو سربات تتسارع نحو النهاية تختلف في الدرج و في الوقوف و في تناسق الطلقات في طلقة واحدة ..تذكر بماض كانت فيه روح الجماعة و التضامن سائدة .. المرحلة الأولى عندما يسمع الفرسان صرخات العلام بالي آلحافظ الله يبداو الخيل يدرجوا و يتفننوا في ذلك ..هنا الفرجة .. يتم جاي مفنن ... و قد يرقص الحصان على جهتين فيهيج المولعين بفن الفروسية .. و تكون الخيل المدرجة.. طايبة مع بعضها البعض أي متآلفة ..الوذن عل الوذن .. المرحلة الثانية أو النوضة تكون عندما يصرخ العلام هاوآهاو..و يعيد المكحلة إلى مكانها ، فلا ينطلق الفرسان حتى المرة الثانية عندما يسمعون هاواهاو .. و في المرحلة الثالثة عندما يقترب الفرسان من التخريجة أو الطلقة يصيح العلام آباليو آلولاد فيهيئون بنادقهم ، ثم يصيح : ..أباليو آلولاد ، آالمكاحل ، و بعد ذلك يصيح : أروهم يا حبابي أروهم ..إذ ذاك يطلقون النار مرة واحدة .. و عندما تنطلق التخريجة في اكتمالها يضج كل المحرك من الرأس إلى الرأس .. أما الذي لم يفرغ بندقيته في نفس الوقت مع الجماعة فيخصص له عقاب خاص و هو أن يقود العود راجلا حتى رأس المحرك، و قد يفرض العلام على الفارس الخائب أن يؤدي غرامة أو حقا للجماعة .. مول العود حقوق الفرس : و ركوب الفرس ليس أمرا هينا ، فهو يتطلب من صاحبه عدة شروط ، هناك حقوق للفرس على صاحبه، أولا أن يبتعد عن كل مسكر، و أن يكون على طهارة ، و أن مستقيما، و أن يركب بعد أداء صلاته .. و إذا خالف الفارس الشروط فقد لا ينجو من مهلك .. و عندما كانت القلوب مسلمة ، و كان الناس متضامنين و لم تدخل الفرقة الفرسان بعد، كانوا يركبون ثلاث أيام في الأسبوع و يستمرون في ذلك حتى يصل موسم الحرث .. و عندما يقترب أوان الركوب ، و تفصل أيام عشرة عن موسم مولاي عبد الله ، و تغسل الخيام الخزاين و تنظف يركب الفرسان خيولهم يومين أو ثلاثة قبل انطلاق الموسم ، حتى تألف الخيل بعضها بعضا ، عند ذلك يكون الكل مستعدا أواها ه الخيل وا العلام ...