رغم أن الولاياتالمتحدةوالصين وروسيا تحتل المراكز الثلاثة الأولى في تقرير النفقات العسكرية الذي صدر حديثا بواسطة معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي، فقد سجلت بلدان الشرق الأوسط أعلى زيادة نسبية وفقا لهذا التقرير؛ فلأول مرة تكون تركيا ضمن تلك الدول التي تنفق بشكل كبير على التسلح. وبينما تنخفض مستويات الإنفاق بشكل عام في الغرب، تنضم دول جديدة بمنطقة الشرق الأوسط إلى لعبة التسلح. يعزى السبب الأساسي وراء تراجع الإنفاق العسكري في الغرب إلى أن الدول الغربية تدير ظهرها لمنطقة الشرق الأوسط. ورغم أن غياب أسلحة الدول الغربية من منطقة الشرق الأوسط يعد أمرا مرحبا به، فإن سياسة العزلة تؤدي أيضا إلى مشاكل خطيرة؛ فبينما يحاول الغرب أن يعطي انطباعا بأنه قد «أدى واجبه» من خلال العروض المتكررة والتحذيرات القاسية، ولكن غير الفعالة، فإن هذا الأمر لم يكن مجديا، فلم تتوقف المذابح والأعداد المتزايدة للاجئين. وعند تقييم هذا الأمر من حيث المساعدات الإنسانية، فمن المثير للدهشة أن حجم الإنفاق العسكري للولايات المتحدة في العام الماضي وصل إلى 640 مليار دولار، في حين وصل حجم الإنفاق على المساعدات الإنسانية أربعة مليارات دولار فقط. وبإجراء المقارنة ذاتها على تركيا، تلك الدولة التي لديها حدود واسعة حول منطقة الشرق الأوسط؛ فرغم أنها احتلت المرتبة ال14 على قائمة الإنفاق العسكري، فإنها وصلت إلى المرتبة الثالثة في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية. وبشكل عام، تسير الدول التابعة للأمم المتحدة على نفس نهج الولاياتالمتحدة في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية؛ فقد وصل مستوى المعونة المطلوب من الدول الأعضاء من جانب الأممالمتحدة إلى ما يعادل 1-130 من الإنفاق العسكري لتلك الدول، فالعالم لا يريد إنقاذ أي شخص، ولكنه يفضل إنفاق المال في التدمير. تشكل الأسلحة النووية الأساس للاستثمارات الغربية، وبالفعل لم تستخدم أي دولة الأسلحة النووية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن نجد أن كافة الاتفاقيات والخلافات، وعمليات السلام والتهديدات في العالم تدور حول الأسلحة النووية. كما أن الدول القوية تعمل على الاستثمار في الأسلحة النووية، لأنها تدرك أن ذلك يعني «إذا كنت تملك أسلحة نووية، هذا يعني عدم الاقتراب منك، وعدم التدخل في شؤونك!». ومن ثم، هذا الأمر يعني أن باكستان قلقة من الهند، والهند قلقة من الصين، والصين قلقة من الهند وروسيا والولاياتالمتحدة، وكذلك إسرائيل قلقة من إيران، وإيران قلقة من إسرائيل والولاياتالمتحدة؛ فتلك الدول يهدد بعضها بعضا، ولكن لا يمكنها إعلان الحرب، بعضها ضد بعض. إنه من المفارقة أن يتسبب «السلام القسري» الناجم عن الأسلحة النووية في الواقع في وجود مأزق؛ فهذا السلام «القسري» يعني أنه رغم وجود الوجوه المبتسمة والمصافحات التي تجري بين القادة في العواصم الأوربية، فإنهم يدركون أن شرارة واحدة من الممكن أن تسفر عن وقوع كارثة من شأنها أن تدمر العالم. في الواقع، إن سباق الأسلحة النووية يرمز إلى الانعدام التام لثقة الدول حيال بعضها بعضا. ورغم أن الجميع يدرك تماما هذا النفاق، فإنه من دواعي الأسف أن نجد في الواقع أن المصالح الذاتية والعلاقات بين الدول تقوم على عنصر الخوف. سيتذكر القراء أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان يقوم على حماية الدول الأعضاء ضد أي عدوان خارجي أثناء فترة الحرب الباردة. وقد انتهت الحرب الباردة، ولكن مازالت هذه الاتفاقية قائمة، ومازال «الناتو» يعمل على تسليح نفسه؛ ف»الناتو» الآن يعمل على إيجاد قواعد له في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك قاعدة إنجرليك بتركيا، وتحويل تلك القواعد إلى مخازن كبيرة للأسلحة النووية؛ فكيف يمكن أن ننظر إلى هذا الأمر؟ يتعين أن ننظر إلى ذلك الأمر باعتباره ناجما عن حالة انعدام الثقة الشديدة عبر العالم، وفي الوقت ذاته يعد قطاع التسلح كبيرا للغاية، ولا يتعين أن نغفل حقيقة أن منطقة الشرق الأوسط تقدم أكبر سوق لهذا القطاع. ويتعين أن نتذكر أن نقطة الضعف الكبرى تكمن في البلدان التي، ببساطة، لا تعتقد أنه من الممكن بناء اتحاد يقوم على المودة والتحالف. ومع استمرار تلك العوامل، سنستمر في السير باتجاه عالم مهدد بالأسلحة النووية، وسيزداد عدد الأشخاص الذين يتضورون جوعا حتى الموت، الذين أجبرتهم دولهم على ذلك، وينتظرون المساعدات الإنسانية في خضم حالة الخراب، بينما ستكون لمشتريات الأسلحة دائما الأولوية الأعلى مقارنة بالمساعدات الإنسانية. إن حالة اللامبالاة حيال المعاناة الإنسانية ستصبح صارخة بنحو أكبر؛ فبينما يستمر هؤلاء البائسون -المحرومون من حقهم في الوجود- في مواجهة الموت، ستستمر الدول في تسليح نفسها، وستستمر عمليات التوقيع على اتفاقيات «السلام» في العواصم الأوربية كما هو الحال الآن. هذا هو السيناريو الكارثي. من الصحيح أن الأسلحة النووية تؤدي إلى سلام قسري، ولكن هل يعد السلام القائم على تهديد، سلاما بالمعنى الحقيقي؟ هل من الصعب للغاية أن ندرك أنه طالما استمر التهديد بوقوع كارثة نووية، فهذا يعني أننا نسير باتجاه مستقبل أشد هولا مجرد من القيم الإنسانية كافة؟ إن السلام القائم على التهديد النووي لا يعد سلاما ولكنه كساد، أي الهدوء الذي يسبق العاصفة. الإنسانية تعد أمرا ضروريا من أجل تحقيق السلام. والعالم بحاجة إلى أن يكتشف من جديد الشعور بالإنسانية. كما أن القادة الذين يتصافحون بعضهم مع بعض بحاجة إلى أن يتذكروا أن السبب الكامن وراء وجودهم ليس السلطة والجشع والكفاح من أجل البقاء، ولكن سبب وجودهم هو التحالف والتوافق والمودة. إن العالم الذي يولي اهتمامه للإنسانية لا يتعين أن يكون عالما وحشيا، حيث البقاء للأقوى فقط؛ فالعالم يجب أن يمثل المكان الذي تتوحد فيه الشعوب والأفراد ويعيشون فيه باعتبارهم بشرا تحت سقف المودة؛ فقد خلق البشر على أساس المحبة والمودة. ويؤسفني للغاية أن هؤلاء الذين اختاروا الخوض في طريق الحرب والتسلح، يكون من الصعب للغاية عليهم أن يؤمنوا بتحقيق تحالف من المودة، ويرفضون حتى مجرد النظر في ذلك الأمر. آيلين كوجامان