ينعقد خلال شهر مايو 2010 بنيويورك المؤتمر الدولي لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بمشاركة الموقعين عليها وعددهم 189 دولة. وتنقسم توقعات المراقبين بخصوص نتيجة المؤتمر، فمنهم من يتوقع فشله وآخرون يؤكدون أنه سينجح خاصة تحت تأثير ضغوط الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا. الذين يتوقعون تعثر المؤتمر يشيرون الى أن مواقف روسيا والصين تختلف عن الغربيين خاصة وأن الكرملين يرى أن الولاياتالمتحدة رغم تبدل رئيسها وتقلص نفوذ المحافظين الجدد في دوائر قراراتها، لا تزال تتربص بروسيا وترغب في تحويلها الى مجرد قوة اقليمية لا تملك تأثيرا كبيرا على الصعيد الدولي، ويتوقع أن يتعزز موقف دول العالم الثالث والنامية بالتحفظ الروسي الصيني تجاه المخططات الغربية التي تريد زيادة الطوق المتقلص على ما يعتبر من الأمور السيادية لبقية دول المعمور. القوى الغربية تود أن تتم مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي والموافقة على خطة عمل لتعزيزها بحيث يتعذر على دول قدرتها المخابرات الأمريكية عددها ب 17 أن تحصل على تكنولوجيا حساسة أو أن تكتسب القدرة على إنتاج أسلحة نووية، وهو مفهوم فضفاض يمكن من وقف حركة التقدم العلمي. الدول الغربية من جهة والنامية والفقيرة من جانب آخر، على خلاف منذ سنوات حول المعاهدة. وتتهم الدول النامية والفقيرة القوى الكبرى باحتكار التكنولوجيا النووية وتريد وضع حد لهذا، مؤكدة أن المعاهدة تحتوي على ثغرات خطيرة وأنها تتيح للدول الكبرى الكيل بمكيالين، وهو أمر واضح خاصة في الشرق الأوسط حيث تحمي الدول الغربية ترسانة إسرائيل النووية التي تقدر ب 200 رأس نووي. أما الدول الغربية الغنية فتقول أنه تشعر بالقلق من التهديد الذي يمثله سباق التسلح النووي في آسيا والشرق الأوسط. وتخشى هذه الدول من حدوث نهضة في مجال الطاقة النووية على مستوى العالم على نحو يزيد من خطر الانتشار النووي، مدعية أن امتلاك غيرها للسلاح النووي يهدد أمن العالم، متناسية أنها هي التي تسببت في حربين عالميتين وأنها متهمة بأنها تريد عن طريق احتكار السلاح النووي التحكم في مصير بقية العالم غير النووي. مساواة يود عدد كبير من الموقعين على معاهدة منع الانتشار النووي أن يدعو المؤتمر الذي ستتم مراجعة المعاهدة خلاله الى تطبيقها على الجميع مما يعني أنه يجب أن يتم الضغط على اسرائيل وباكستان والهند للتوقيع والتخلص من أي رؤوس حربية تمتلكها، وذلك بموازاة مع التزام بقية الدول النووية بالتخلص من ترسانتها بشكل نهائي. وكانت كوريا الشمالية قد انسحبت من معاهدة منع الانتشار النووي عام 2003 وأجرت تجارب على معدات نووية في عام 2006 وفي وقت سابق من عام 2009. وللولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وضع خاص في إطار معاهدة منع الانتشار النووي اذ يسمح لها بالاحتفاظ بأسلحتها لكنها تعهدت ببدء مفاوضات لنزع السلاح وهو الوعد الذي لم ينفذ. القسط الأكبر من المعركة التي ستدور خلال شهر مايو 2010 حول تمديد وتجديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ستخوضها الدول العربية بمساندة قوية من باكستان والهند والبرازيل ودول أخرى ترفض أن يقسم العالم الى دول قادرة على محو الآخرين وآخرى لا تملك حتى إمكانية الرد والدفاع عن نفسها. الشرق الأوسط يوم 3 ديسمبر 2009 وفي جنيف بسويسرا أكد السفير هشام بدر مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة ضرورة التزام كافة الدول دون تمييز بأحكام اتفاقية منع الانتشار النووي، محذرا من أن مصداقية نظام منع الانتشار تبقى على المحك طالما يتم السماح لعدد من الدول بالخروج على أحكامها وعدم ممارسة الضغوط عليها للانضمام للاتفاقية. وشدد بدر في بيان أمام مؤتمر نزع السلاح الذي انعقد في هذا التوقيت بمقر المنظمة الدولية بجنيف، على ضرورة إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي بالشرق الأوسط تنفيذا لقرارات مجلس الأمن والرأي الإستشارى لمحكمة العدل الدولية، وإلزام إسرائيل بالانضمام لمعاهدة منع الانتشار وإخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية. يقوم نظام معاهدة منع الانتشار على ثلاثة أعمدة: منع الانتشار، ونزع السلاح النووي، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وتتصور المعاهدة عملية تشييد كل من هذه الأعمدة من خلال سلسلة من الخطوات المتماثلة من قبل الدول التي تمتلك أسلحة نووية، والدول التي لا تمتلك أسلحة نووية في ذات الوقت. ولتقوية نظام منع الانتشار بحيث يصبح قادرا على مواجهة تحديات اليوم يجب أن يكون مبنيا على أسس عادلة تساوي بين الدول. ولكن الواقع العملي قام على غير ذلك، فالأمر أصبح خاصة للدول الغربية هو حرمان بقية دول العالم من سلاح بدعوى أنه يهدد الأمن العالمي ونصبوا أنفسهم حكماء واعتبروا الآخرين أي غالبية العالم من صنف الحمق. ويشبه العديد من الخبراء محاولة احتكار السلاح النووي بتلك التي جرت قبل قرون لإحتكار البارود ويتوقعون فشلها. أسلحة إسرائيل يوم الاثنين 4 يناير 2010 قال متحدث رسمي مصري أن القاهرة لن توقع على البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الإنتشار النووي قبل إقرار مشروع بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وقال المتحدث بإسم الخارجية المصرية حسام زكي في تصريح للصحافيين «إن مصر وفي إطار حفاظها على أمنها لا تزمع الانضمام إلى أية إتفاقيات جديدة في مجال نزع السلاح ولن تمضي في التصديق على الاتفاقيات التي وقعتها حتى يتم إتخاذ خطوات جدية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل». ويعطي البرتوكول الإضافي، الذي بدأ العمل فيه عام 1997، سلطات واسعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة الانشطة النووية لبلدانها الأعضاء حتى تلك التي تقع خارج نطاق دورة الوقود النووي كالأبحاث في الجامعات. وقال زكي «إن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب التطبيق العادل والشامل للمعاهدة». وأضاف إن «السياسات الغربية القائمة على الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي لن يكتب لها النجاح بسبب تجاهلها للقدرات النووية الإسرائيلية التي تمثل من وجهة نظرنا، التهديد الأول والأكبر للأمن في المنطقة». وتابع «إن السبيل الوحيد لمعالجة مشكلة أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، بما فيها الملف النووي الإيراني يتمثل في مطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار»، ومشددا على أن «الدول العربية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام إنتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط بهذا الشكل وأنها لن تسمح لنفسها بأن تكون في وضع تستمر فيه إسرائيل بإمتلاك الأسلحة النووية وتتمسك إيران ببرنامجها النووي من دون أن تتحرك هي للحفاظ على أمنها». قبل ذلك وخلال اجتماع اللجنة التحضيرية لمراجعة المعاهدة، أكدت مصر أن استمرار تطوير اسرائيل لبرامجها النووية سيؤدي إلي اطلاق سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط ويمثل عائقا رئيسيا لاحلال السلام والأمن في المنطقة. وقال مندوب مصر الدائم لدي الأممالمتحدة إن هناك مخاوف أمنية حقيقية من برامج اسرائيل النووية، خاصة في ظل رفضها لمبادرة السلام العربية ولحل الدولتين فضلا عن عدم انضمامها لمعاهدة منع انتشار الاسلحة النووية. وشدد السفير المصري علي ضرورة اخضاع كافة منشأت اسرائيل النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقال إن الشعوب العربية تتساءل عن جدوي المد اللانهائي للمعاهدة، خاصة مع الرفض الاسرائيلي للانضمام للمعاهدة التي لم تسفر بعد عن اخلاء الشرق الأوسط من الاسلحة النووية. وحذر من امكانية دعم بعض الدول النووية لدول اخري خارج نطاق المعاهدة من بينها اسرائيل، وقال إن حدوث ذلك من شأنه تقويض مصداقية المعاهدة، مشيرا الي الحاجة الماسة لإجراء مراجعة شاملة لتعزيز فاعلية المعاهدة كأساس لنظام عالمي حقيقي لمنع الانتشار. وأضاف مندوب مصر الدائم لدي الأممالمتحدة أن مصر تؤيد استفادة الدول غير النووية الأعضاء بالمعاهدة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لمواجهة تحديات التنمية. وأكد رفض مصر لمحاولات بعض الدول فرض تصنيفات مصطنعة بين تقنيات نووية حساسة وأخري غير حساسة، أو بين تقسيم الدول غير النووية الي دول مسؤولة أو غير مسؤولة، كما أكد رفض القاهرة فرض قيود متزايدة من قبل مجموعة الموردين النوويين وغيرها من الترتيبات التمييزية في حين يتم التنازل عنها لبعض الدول. سيل من أوراق العمل وقد تميزت الأيام الأخيرة للاجتماع بتقديم سيل من أوراق العمل، سواء من الدول الأعضاء أو المجموعات الجغرافية، وكان أبرزها ورقة عمل عربية موحدة قدمها عميد السلك الدبلوماسي العربي سليم بن محمد الريامي سفير سلطنة عمان بالنيابة عن مجموعة الدول العربية، وتركزت حول ضرورة تطبيق القرار المتعلق بالشرق الأوسط الذي تبناه مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والذي كان مخصصا لاستعراض المعاهدة وتمديدها لعام 1995، وثلاث أوراق عمل قدمتها مجموعة دول حركة عدم الانحياز الأطراف بالمعاهدة، الأولى حول الشرق الأوسط وضرورة جعله منطقة خالية من الأسلحة النووية، والثانية حول الترتيبات الإجرائية والترتيبات الأخرى للتوصل إلى نتائج فعالة وناجحة للجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار في عام 2010؛ والثالثة حول الحظر الشامل للتجارب النووية، بالإضافة إلى ورقتي عمل قدمتهما مصر الأولى حول تنفيذ قرار المؤتمر الاستعراضي لعام 1995، والوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة عام 2000 بشأن الشرق الأوسط،، والثانية حول المسائل الرئيسية والفنية المتعلقة بفعالية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. كما قدمت سوريا ورقة عمل حول المسائل التي سينظر بها في الاجتماع الأول للجنة التحضيرية، وشددت فيها على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وعدم اعتماد المجتمع الدولي سياسة مزدوجة المعايير أو التغاضي عن الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإسرائيلي على الأمن والسلم الدوليين، المطالبة بممارسة كافة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد إسرائيل لإرغامها على الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار ووضع كافة منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية ونظام الوكالة الذرية للضمانات النووية الشاملة. وقال مراقبون ان المسؤولين المصريين طرحوا على وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، الذي زار القاهرة في بداية يناير 2010 أهمية معالجة مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية عند الحديث عن برنامج إيران النووي. وانضمت مصر الى معاهدة منع الانتشار النووي عام 1968، الا أنها لم تصدق على المعاهدة الا في عام 1981. واشنطن غاضبة الموقف العربي الذي تم الإتفاق على أن تمثله القاهرة أثار قلق واشنطن بل ذهبت مجلة دير شبيغل الألمانية الى القول أن البيت الأبيض اعتبره موقفا عدائيا، وأنه جند آلته الاعلامية والدعائية الضخمة لمناهضة وتسفيه هذا الموقف. خلال شهر نوفمبر 2009 نشرت مؤسسة كارنيغي الامريكية التي تعلن أن مهامها تتضمن الحفاظ على السلام الدولي مقالة عن الأحداث المحتمل حدوثها بمؤتمر المراجعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وتأثير الدور المصري على نسبية نجاح أو إخفاق المؤتمر في التوصل إلى وثيقة ختامية متفق عليها، على الأقل، من غالبية الدول خاصة النووية في مقدمتها الولاياتالمتحدة. وقد أعد تلك الدراسة التي حملت عنوان «القيادة النووية المصرية: الوقت لإعادة تنظيم؟ مساعدة شؤون البحث في برنامج حظر الانتشار النووي كيمبرلي ميشر، التي تجري بحوثا بشأن الدفاع الصاروخي الأمريكي، والسياسة النووية الروسية. تعكس الدراسة الرؤية والتصورات الأمريكية للدور المصري، ومدى تأثير قيادتها الإقليمية لإحراز تقدم ملموس بشأن قضايا نزع السلاح، وما اتسم به مؤخرا نظام منع الانتشار بالجمود والركود، حيث تعكس الدراسات والمقالات المقدمة من مراكز الفكر والرأي الأمريكية كأحد اللاعبين في تحديد أولويات أجندة السياسة الخارجية التوجهات والرؤى والهواجس الأمريكية بشأن قضايا هامة للإدارة الأمريكية. بمعنى آخر تعد إصداراتها مرآة لمنظور الإدارة الأمريكية. تنقسم الدراسة إلى خمسة أجزاء. يستعرض الجزء الأول بعنوان «لحظات جديدة» أو «ميلاد جديد» الإجراءات المتخذة من جانب الولاياتالمتحدة لإحياء العلاقات المتبلدة والمتوترة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي عن طريق البوابة المصرية، بإعتبارها منبرا للشرق الأوسط. فقد اختار الرئيس أوباما القاهرة لإلقاء خطابه أمام حشد يتجاوز الثلاثة آلاف في الرابع من يونيو 2009، والذي كان بالنسبة لمخططي سياسة البيت الأبيض بمثابة بدء حقبة جديدة من البناء والتعاون بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي. وكان الخطاب في الوقت ذاته حسب التفسير الأمريكي بمثابة اعتراف أمريكي بالدور الاستراتيجي الهام لمصر لإقامة وإعادة تنشيط العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي. في المقابل تنتظر الإدارة الأمريكية أن يترجم الدور المصري الأقوال والثقة الأمريكية إلى نتائج ملموسة خاصة بشأن ملف نزع السلاح وحظر الانتشار. فترى الباحثة أن الدور المصري يجب أن يترجم الثقة الأمريكية بمنع حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، مما يعد أمرا عاجلا، خاصة في ظل تقدم إيران في قدراتها النووية، واحتمال أن تكون مصر سياسيا واقعة بين دولتين نوويتين مما قد يزيد من تولد ضغوط محلية للحصول على رادع نووي كوسيلة لضمان الأمن والمحافظة على النفوذ الإقليمي. وتقول الإدارة الأمريكية أنه مع ذلك، فإن أفضل طريقة لمصر للاستفادة من التهديد الأمني الذي تمثله إيران هو الاستمرار في أن تكون نموذجا لضبط النفس في الشرق الأوسط، والضغط من أجل الأمن ونزع السلاح في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، من خلال قدرة مصر في ترسيخ آفاق عربية حول الحد من التسلح وتعزيز ريادتها الإقليمية. واشنطن تبحث عن مخرج جاءت في الجزء الثاني من التقرير بعنوان «جمود السلطة» اشارة إلى ما انتهى إليه مؤتمر المراجعة في عام 1995، حيث قادت مصر أربع عشرة دولة عربية لمقاومة المد اللانهائي لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وكان نتيجة هذا الاتحاد أن اضطرت الدول الثلاث: الولاياتالمتحدة، المملكة المتحدة، والاتحاد الروسي إلى التوصل إلى حل وسط عن طريق رعاية القرار المتعلق بالشرق الأوسط لكسب التأييد العربي للتمديد. ومنذ أن تم تمرير القرار دون تصويت كجزء من قرار التمديد، يتم النظر إلى القرار على أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالتمديد. ونتيجة لذلك، أصرت مصر وشجعت دولا أخرى بالمنطقة على تجميد أي محاولة إحراز أي تمرير للمعاهدة إلا إذا تم تقدم مقابل في تنفيذ قرار الشرق الأوسط. ويقول الأمريكيون «لقد تسبب ذلك في الوصول إلى جمود تمارسه سلطة ممثلة في مصر بما لديها من سلطة إقليمية». في 20 ديسمبر 2009 جاء في دراسة أمريكية للباحثة كيمبرلي ميشر العاملة في مؤسسة كارنيغي: على الرغم من أن المبادئ المصرية والموقف التفاوضي المتشدد نجح في إلزام الدول بالقرار المتعلق بالشرق الأوسط، إلا أنه ساق أيضا إلى الدخول في حقبة من المأزق السياسي. فإذا حاولت الدول النووية أن تنأى بنفسها عن القرار قبل مؤتمر عام 2010، فرضت مصر طريقا مسدودا في جميع اجتماعات اللجنة التحضيرية. وقد نجحت مصر، في نهاية المطاف، في إحراز تقدم نحو قرار منطقة الشرق الأوسط لعام 1995 واعتباره في الهيئة الفرعية في مؤتمر استعراض عام 2000، فضلا عن تجميع الوثائق المتعلقة بالتنفيذ في أمانة الأممالمتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فازت مصر بإعادة تأكيد القرار المتعلق بالشرق الأوسط في الوثيقة النهائية للمؤتمر لعام 2000، وبالتالي ألزم الدول الثلاثة بالتزامات قرار الشرق الأوسط لعام 1995 وربط القرار بالتمديد مرة أخرى. وفي المؤتمر الاستعراضي لعام 2005، تحركت الولاياتالمتحدة بمزيد من الحزم والعدائية للتقليل من أهمية القرارات الصادرة عن المؤتمرات السابقة خاصة مؤتمر 1995، إلا أن مصر اعترضت بشدة، ونتيجة لذلك استمرت المفاوضات شهرا كاملا ثم أفضت إلى اتفاق على نقاط الملخص المبدئي للمؤتمر، في حين لم تصدر وثيقة توافقية تؤكد من جديد الألتزام بالقرار 1995، إلا أن مصر قاومت بنجاح اعتماد الوثيقة التي تتراجع بمقتضاها الدول عن التزامات المؤتمرات السابقة للمعاهدة. معاهدة «ستارت 1» يشير عدد من المراقبين إلى واشنطن ستحاول التغطية على تحفظات دول العالم غير النووية عبر عملية استعراضية يمكن أن تستخدمها للتدليل على سيرها في طريق النزع العالمي الشامل للأسلحة النووية. فخلال الأشهر الأخيرة سلطت الإدارة الأمريكية عبر آلتها الدعائية الضخمة الانظار على مفاوضاتها مع روسيا للوصول الى اتفاق لخفض ترسانتيهما. ففي ابريل 2009 أعلن الرئيس الامريكي باراك أوباما في كلمة ألقاها في براغ أن بلاده ملتزمة «بالسعي الى تحقيق الامن والسلام لعالم خال من الاسلحة النووية». وفي سبتمبر 2009 رأس اجتماعا لمجلس الامن الدولي أيد هذه الرؤية بالاجماع. ويقول محللون وحكومات غربية يصنفون كأنصار المعسكر الأمريكي ان قدرة أوباما على بدء تنفيذ وعده ستختبر حين تستأنف موسكووواشنطن التفاوض على اتفاق لخفض الاسلحة ومجددا في مؤتمر نيويورك في مايو. ويشيرون الى أن نجاح مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الموقعة في عام 1970 سيتوقف الى حد بعيد على ما اذا كان المفاوضون الامريكيون والروس سيستطيعون اولا الاتفاق على اتفاقية تحل محل معاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية «ستارت 1». وانتهى العمل في الخامس من ديسمبر 2009 بمعاهدة «ستارت 1» التي وقعها الرئيس الامريكي جورج بوش الأب والزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف عام 1991. وقال أوباما والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في ديسمبر 2009 في كوبنهاغن انهما سيواصلان العمل من أجل الوصول الى اتفاق في عام 2010. وذكر مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن «الاتفاق الذي سيخلف ستارت 1 والذي يبدو الوصول اليه وشيكا لن يخفض ترسانتي الجانبين خفضا كبيرا لكنه سيكون اظهارا مهما للرغبة في الاتجاه نحو نزع السلاح». وأضاف أن «الموعد النهائي الاخير» للوصول لاتفاق جديد هو مايو 2010 حين يفتتح مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في نيويورك والا «سيبدأ بفجوة عميقة». التجارب النووية يقول بعض المحللين انه سيكون من المفيد لادارة أوباما أن تعيد تقديم معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لمجلس الشيوخ ليصدق عليها قبل بدء مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي. وذكر جو سيرينسيون رئيس مؤسسة بلافشيرز فاند وهي مؤسسة للسلم والأمن مقرها الولاياتالمتحدة ان غالبية الدول تعتبر التصديق على المعاهدة «المؤشر على التزام الولاياتالمتحدة بوقف انتشار الاسلحة النووية». وكان مجلس الشيوخ الذي هيمن عليه الجمهوريون قد رفض المعاهدة الشاملة لحظر التجارب النووية عام 1999. ولم تعد ادارة بوش طرحها قط لانها لم ترغب في الاشتراك بمعاهدة تحد من خياراتها على صعيد التجارب المستقبلية وهو الموقف الذي اتخذ أوباما نقيضه على الأقل في التصريحات العلنية. وقال مسؤول أمريكي ان أوباما بدأ بالفعل جس نبض أعضاء مجلس الشيوخ لحشد الدعم لمعاهدة منع التجارب النووية ويعتقد أن موافقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بدأت تظهر لصالح التصديق عليها. وقال تيبور توث رئيس منظمة معاهدة منع التجارب النووية في فيينا ان تصديق الولاياتالمتحدة سيبعث باشارة قوية الى الدول الثماني الاخرى التي تحتاج الى التصديق على المعاهدة حتى يبدأ سريانها وهي الصين ومصر والهند واندونيسيا وايران واسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان. نفاق سياسي يعلق اللواء صلاح الدين سليم أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين العرب، على اصرار الولاياتالمتحدة على حرمان الدول العربية من امتلاك قدرات نووية بدعوى انها ستقودها إلى إمكانية تملك أسلحة دمار شامل وفي نفس الوقت تسمح لإسرائيل بامتلاك هذه الأسلحة، يقول: هناك نفاق سياسي حقيقي في الموقف الأمريكي، هذا النفاق السياسي يتمثل في قضية انتساب الولاياتالمتحدة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، هذه المعاهدة أبرمت عام 1968، تم التمديد اللانهائي لها بتوافق الآراء عام 1995، ثم روجعت عام 2000، هذه المعاهدة تنص في المادة السادسة منها على أن تقوم الدول النووية الكبرى.. الدول الخمس التي أسست النادي الذري في بدايته بنزع أسلحتها النووية في وقت قريب ووفق آلية واضحة، الولاياتالمتحدة مع هذه الدول تقوم بخفض تدريجي مع استمرار تطوير أنواع أخرى من هذه الأسلحة، وترفض عمليا فكرة نزع السلاح في وقت قريب، نزع السلاح النووي، كأن الموضوع تحول إلى احتكار حقيقي للقدرة النووية، هذه نقطة. النقطة الأخرى في النفاق السياسي: انضمت الولاياتالمتحدة إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية المبرمة في باريس في عام 1993، والولاياتالمتحدة ترفض التفتيش المفاجئ على منشآتها وعلى مصانعها، وتحدد الأسلوب الذي يمكن أن تؤخذ به العينات من تلك المصانع وتلك المنشآت، وتعتبر أن الأسبقية يجب أن تكون للأمن القومي الأمريكي قبل أي اعتبار آخر. نفاق ثالث: في قضية حظر الأسلحة البيولوجية، تلك الاتفاقية المبرمة منذ عام 1972، هناك بروتوكول يريد أن يحدد كيفية إنشاء منظمة حظر الأسلحة البيولوجية على غرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الموجودة حاليا في لاهاي، هذا البروتوكول تعطل، لأن الولاياتالمتحدة لا توافق على آلية واضحة لبحث وتقصي والتفتيش على المنشآت البيولوجية في دول العالم، وانعقد مؤتمر في ديسمبر 2001 فشل في الوصول إلى مثل هذا البروتوكول بواسطة الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها، وعلق الموضوع. إن الكلام عن العولمة وعن السلام، وعن المساواة بين الدول، وحقوقها في امتلاك وسائل الدفاع ومفاهيم الأمن الجماعي يتعارض مع احتفاظ الدول الخمس النووية بقوتها النووية طبقا للمادة السادسة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. الضربة الإستباقية خلال الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي بوش «الأبن» قدمت المخابرات الأمريكية تقريرا الى البيت الأبيض جاء فيه ان 17 دولة مرشحة لإمتلاك سلح نووي خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وأشار التقرير الى أن هذه الدول تملك كفاءات علمية ومعاهد أبحاث وجامعات توفر لها القدرة على صنع السلاح النووي بعد أشهر قليلة من اتخاذ القرار السياسي بذلك من طرف حكومتها. ويضيف التقرير الذي تحدثت عنه صحف أمريكية من بينها «الواشنطن بوست» أن القدرات النووية السابق ذكرها لا يمكن حصرها أو حظرها بواسطة الإتفاقيات الدولية وأليات التفتيش، كما أنه لا يستبعد أن يتمكن عالم أو علماء في دولة أو عدة دول من التوصل الى أساليب ثورية غير مجربة وبعيدة عن الطرق الحالية المعقدة للوصول الى التفجير النووي بالتخصيب البسيط لليورانيوم. وذكر التقرير بأن الألمان وخلال الحرب العالمية الثانية كانوا على وشك صنع سلاح نووي بأساليب لا مقارنة لها مع ما هو متبع حاليا. ويضيف التقرير أن دولا مثل باكستان تمكنت من صنع السلاح النووي وتصغيره ليكون قابلا للنقل والقصف بالطائرات والصواريخ بأساليب جديدة. واقترح التقرير تبني الإدارة الأمريكية لطرق جديدة لمنع كسر مزيد من الدول للإحتكار النووي القائم حاليا. في سنة 2008 كشف النقاب عن بيان أو تقرير أعده خمسة من أعلى الضباط والمحللين الاستراتيجيين في الغرب، وتم رفعه إلى وزارة الدفاع الأمريكية وقيادة الأطلسي في منتصف شهر يناير 2008. البيان أو الدراسة صدرت في مائة وخمسين صفحة عليها تواقيع قادة هيئات الأركان السابقين في الولاياتالمتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا، وقد نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية يوم 22 يناير 2008 مقتطفات منه. شدد البيان على ضرورة أن يكون الغرب مستعدا لشن هجوم نووي وقائي مسبق، لوقف أي انتشار وشيك للأسلحة النووية أو حيازة أي أسلحة دمار شامل أخرى. وجاء في التقرير قول هؤلاء القادة العسكريين حرفيا: «بما أن عالما خاليا من الأسلحة النووية ليس ببساطة احتمالا واقعيا، فإن خيار الضربة الأولى النووية يبقى أداة لا غنى عنها. إن مخاطر المزيد من انتشار الأسلحة النووية بات وشيكا، ويتعين على أمريكا وأوروبا تطوير استراتيجية كبرى للتعاطي معها». روسيا شعرت أنها من بين الأطراف المستهدفة بالدعوة الأطلسية لضربة استباقية، وذلك في نطاق صراع أوسع على الصعيد العالمي هدفه غربيا منع العودة الى حالة توازن عالمي كالتي كانت سائدة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. وهكذا، لم يكن إعلان الجنرال يوري بالويفسكي، رئيس أركان القوات المسلحة الروسية، يوم 20 يناير 2008 مفاجئا عندما أكد أن روسيا قد تقوم بتوجيه ضربات نووية استباقية وقائية لإجهاض تهديدات محتملة متزايدة موجهة إليها والى حلفائها. ولئن لفت النظر هذا التصعيد الروسي الخطير الذي بلغ مستوى التهديد بضربة نووية استباقية، في مقابلة واضحة لتهديدات أمريكية سابقة بتوجيه ضربات نووية استباقية ضد كوريا الشمالية وسواها، فإن الأمر يتجاوز الرد على حالة بعينها، مثل الإصرار الأمريكي على نصب قواعد راداراية وصاروخية في تشيكيا وبولندا على الحدود الروسية، في إطار مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، أو التوسع الهائل في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في دول القوقاز وبحر قزوين، أو الموقف من إيران، أو مسألة استقلال كوسوفو... وإنما هو تصعيد يأتي في سياق استراتيجي شامل، فقبل أن ينتهي العام 2007 رد الأمريكيون بحدة على قرار روسيا تعليق عضويتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، وفي المقابل صعد الروس موقفهم من مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي في بولندا وتشيكيا. وتواصلت لعبة شد الحبال بين الطرفين في منطقتي البحر الأسود وقزوين، بما في ذلك الحملة الأمريكية الصهيونية الأوروبية التي تستخدم قضايا التسلح في سوريا والسودان وقبلها في العراق واجهة لإعادة صياغة العالم العربي الإسلامي بأسره، واشتداد الحنق الأمريكي بسبب برنامج التسليح الروسي لفنزويلا. تسريب أسرار نووية من سخريات الواقع أن الطرف الأكر حرصا على الإبقاء على الإحتكار النووي هو أحد المساهمين في نسفه. نقلت صحيفة «صانداي تايمز» الصادرة في لندن يوم 6 يناير 2008، عن مترجمة سابقة تتقن اللغة التركية كانت تعمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولاياتالمتحدة اسمها سيبل إدموندز قولها أن مسؤولين في الولاياتالمتحدة سمحوا لدول مثل باكستان وإسرائيل وتركيا بالحصول أسرار الأسلحة النووية الأمريكية. وقالت الصحيفة البريطانية أن سيبل إدموندز أكدت أنها قد استمعت إلى تسجيلات لآلاف المكالمات الهاتفية الملتقطة أثناء عملها في مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن، وترجمت أحاديث سجلتها الوكالة سرا لدبلوماسيين أتراك، كما وصفت كيفية استخدام عملاء الاستخبارات الأجنبية دعم مسؤولين أمريكيين لإقامة شبكة من المتعاونين في المؤسسات العسكرية والنووية في الولاياتالمتحدة. وأكدت إدموندز أنها»استمعت إلى دليل على أن مسؤولا بارزا في الخارجية الأمريكية كان يتقاضى أموالا من عملاء أتراك في واشنطن لقاء تزويدهم بمعلومات حساسة باعوها في السوق السوداء إلى دول من بينها باكستان». ونسبت الصحيفة إلى ادموندز قولها إن «الأتراك والإسرائيليين زرعوا متعاونين في المؤسسات العسكرية والأكاديميات الأمريكية التي تتعامل مع التقنية النووية، كانوا يزودونهم بمواد نووية لبيعها في السوق السوداء وكان الباكستانيون من بين مشتري هذه المواد».