يوم الثلاثاء 12 فبراير 2013 اجرت كوريا الشمالية تجربة نووية ثالثة تحت سطح الأرض أشد قوة من التجربتين السابقتين اللتان تمتا في 9 أكتوبر 2006 ثم في 25 مايو 2009، وأكدت في بيان صدر من عاصمتها بيونغ يانغ أنه في التجربة الثالثة تم استخدام قنبلة مصغرة اقل وزنا. الإشارة إلى أن القنبلة مصغرة هو لتأكيد قدرة صواريخها وطائراتها على استخدامها ضد أهداف خارج أراضيها مما يثبت قدرة الردع لديها. سلطات كوريا الجنوبية في سيول قدرت قوة الانفجار ما بين 6 و7 كيلوطن، ما يزيد بكثير عن قوة التجربتين السابقتين. في العاصمة الأمريكيةواشنطن افادت الاستخبارت ان بيونغ يانغ اجرت "على الارجح" تجربة نووية بقوة "عدة كيلوطن". وقال مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الامريكية الذي يشرف على 16 وكالة استخبارات في البلاد في بيان أن "كوريا الشمالية أجرت على الأرجح تجربة نووية تحت الأرض في منطقة بونغيي في 12 فبراير 2013". وتابع البيان إن التحليلات الأولى تظهر ان "قوة الانفجار بلغت عدة كيلوطن" مؤكدا مواصلة تحليل الوضع. وأعلنت وكالة مراقبة التجارب النووية التابعة للامم المتحدة وتتخذ مقرا في فيينا ان الانفجار بلغت قوته 5 درجات على مقياس ريشتر فيما بلغ التفجير السابق 4.2 درجات. واضافت ان هذا "الحدث الزلزالي" له ميزات "متطابقة الى حد كبير" مع التجربتين السابقتين لكوريا الشمالية حيث مركز الزلزال قريب من سطح الأرض. وقدرت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية قوة انفجار الثلاثاء بين 6 و7 كيلوطن مقابل كيلوطن واحد لتجربة 2006 وما بين 2 و6 كيلوطن لتجربة 2009. وصرح خبير الزلازل في جامعة كولومبيا "وون يونغ كيم" ان قوة التفجير بلغت 7.3 كيلوطن واظهر ان برنامج بيونغ يانغ النووي "فعال حقا" بعد تجربتين اوليين ضعيفتين في 2006 و2009. وقال بروس بينيت محلل الدفاع البارز في شركة راند، ان كوريا الشمالية "حققت تقدما كبيرا جدا" في هذه التجربة مقارنة مع التجربتين السابقتين. وفي ديسمبر 2012 وضعت كوريا الشمالية قمرا فضائيا في مداره اطلقته بصاروخ سقط بالقرب من الفيليبين. واثار ذلك الاطلاق احتمال ان تتمكن كوريا الشمالية، القادرة حاليا على ضرب كوريا الجنوبية واليابان حليفتي واشنطن، من ان تضرب الاراضي الامريكية. وذكر معهد العلوم والامن الدولي الامريكي انه لن يفاجأ من امتلاك كوريا الشمالي عبوة نووية صغيرة، الا انه شكك في استطاعتها تركيب راس حربي على صاروخ عابر للقارات. غير ان بينيت لم يستبعد ان تكون كوريا الشمالية قد استعانت بعالم من الاتحاد السوفياتي السابق او بلد اخر لبناء رؤوس حربية. وقال "هذا يثير تهديدا اكثر خطورة حتى بالنسبة للولايات المتحدة في هذه المرحلة". يذكر أن قدرة القنبلة الذرية التي القاها الامريكيون على هيروشيما خلال الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية بلغت 15 كيلوطن. بعد ساعات من التجربة النووية أعلن وزير الدفاع الامريكي المنتهية ولايته ليون بانيتا ان كوريا الشمالية تشكل "تهديدا خطيرا" للولايات المتحدة. وصرح بانيتا امام موظفين في البنتاغون قبل ايام من مغادرة منصبه "رأينا ما قامت به كوريا الشمالية في الاسابيع الماضية باطلاق صاروخ والان تجربتها النووية". واضاف ان "كوريا الشمالية تشكل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وعلينا الاستعداد لذلك". وندد الرئيس باراك اوباما بالتجربة ووصفها ب"الشديدة الاستفزاز، الذي لا يجعل كوريا الشمالية اكثر امانا" داعيا الى تحرك دولي "سريع" و"ذي صدقية" ردا عليها. الامين العام للامم المتحدة بان كين مون أدان التجربة النووية معتبرا انها "مزعزعة للاستقرار بشكل كبير" وتشكل "انتهاكا واضحا وخطيرا لقرارات مجلس الامن"، بحسب ما نقل عنه المتحدث باسمه مارتن نسيركي. دول حلف الناتو وغالبية دول أوروبا إتخذت موقفا مشابها. الصين وروسيا رغم إستهجانهما للتجربة الكورية لم يسلكا طريق واشنطن في الدعوة إلى فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. حيث ذكر بيان لوزارة الخارجية الروسية أن "بيونغ يانغ بإجرائها تجربة نووية جديدة تجاهلت من جديد أصول القانون الدولي واستخفت بقرارات مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك نتوقع ألا تستخدم هذه الخطوة لبيونغ يانغ كذريعة لزيادة النشاط العسكري حول شبه الجزيرة الكورية". الصين أعربت عن "معارضتها الشديدة" للتجربة واعلنت وزارة الخارجية في بيان ان "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية قامت بتجربة نووية جديدة رغم معارضة كامل المجتمع الدولي" بدون استعمال كلمة "ادانة". قبل التجربة النووية الكورية الشمالية بحوالي أسبوعين قدرت عدة مصادر رصد أن العالم على أبواب العصر النووي الثاني حيث ستنهار نهائيا اتفاقية حظر الانتشار النووي وسيحل عهد جديد من توازن القوى يستبدل ما هو قائم حاليا. العصر العالمي النووي الثاني يوم 25 يناير 2013 كتبت صحيفة "جابان تايمز" اليابانية: "أعقب قيام كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ طويل المدى مؤخرا، دفق هائل من الإدانة العالمية بدا هزليا من حيث إمكانية التنبؤ به وعجزه عن التأثير في الواقع. وهذا الإطلاق أكد واقعا أكبر لم يعد بالإمكان تجاهله، وهو أن العالم قد دخل عصرا نوويا ثانيا، والقنبلة الذرية عادت من أجل فصل ثان، أداء مستعاد في مرحة ما بعد الحرب الباردة. وهذا النمط الأكبر يحتاج إلى أن يفهم إذا ما أريدت إدارته. لا تزال ملامح العصر النووي الثاني تتشكل، ولكن السنوات القليلة المقبلة ستكون حافلة بالمخاطر بشكل خاص، لأن الجدة نفسها كقاعدة عامة توجد مخاطر، والخطوط الحمراء يعاد تحديدها، وقد استغرق ذلك 10 سنوات على الأقل في العصر النووي، وهذه المرة لن تكون مختلفة. في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرقها، تتجلى العداوات القديمة في سياق نووي. وقد غير هذا بالفعل الأوضاع العسكرية على امتداد الشرق الأوسط، فجزء من الترسانة النووية الإسرائيلية يجري نقله إلى البحر. حيث توضع رؤوس نووية على غواصات تعمل بالديزل لمنع استهدافها في هجوم مفاجئ. تطلق إسرائيل كذلك جيلا جديدا من الأقمار الصناعية، لتوفير تحذير مبكر من استعدادات الدول الأخرى لضربات بالصواريخ ضدها. فإذا قامت دولة في المنطقة بنشر صواريخها المتحركة، فإن إسرائيل تريد أن تعرف ذلك في التو. هكذا، فإن المشكلة القديمة المتعلقة بالسلام العربي الإسرائيلي، ينظر إليها الآن في سياق جديد هو السياق النووي، وهاتان المشكلتان يتم ربطهما معا. كيف ستستجيب إسرائيل لهجمات بالصواريخ من غزة أو لبنان أو مصر، إذا كانت تواجه في الوقت نفسه تهديد شن هجوم نووي عليها من قوة إقليمية في المنطقة؟. وقد ضاعفت باكستان حجم ترسانتها النووية في السنوات الخمس الأخيرة، وقواتها المسلحة تتأهب لنشر أسلحة نووية تكتيكية جديدة، أسلحة ميادين معارك قصيرة المدى، بينما نشرت الهند ثلاثيا نوويا يتألف من الطائرات القاذفة والصواريخ والغواصات، وقامت في عام 2012 باختبار صاروخ بالستي عابر للقارات، الأمر الذي منحها القدرة على إمكانية ضرب بكين وشنغهاي وما هو أبعد. ولدى الهند بالتأكيد رؤوس حربية متعددة يجري تطويرها، كما أطلقت أقمارا صناعية لمساعدتها على استهداف القوات الباكستانية. وفي شرق آسيا، مضت كوريا الشمالية في الطريق النووي، وهي مصممة على أن تضيف نوعية جديدة تماما من قنابل اليورانيوم إلى ترسانتها النووية، وقامت باختبار موجات إطلاق سريعة بمقدورها شن هجمات على كوريا الجنوبية واليابان، قبل تعرضها لأي هجوم مضاد. والصين أيضا تنقل قواتها النووية إلى الصواريخ المتحركة والغواصات، وهذه الأسلحة يمكن وضعها موضع الاستنفار بطريقة ستبدو واضحة للأقمار الصناعية الأمريكية والإعلام العالمي، وهكذا فإن الصين بمقدورها بيسر إضفاء الطابع النووي على أزمة مع أمريكا أو أي دولة أخرى. وروسيا التي لا ترغب في أن تقف مكتوفة الأيدي، قامت مؤخرا بإجراء أكبر مناورات نووية على امتداد عقود، لتذكير الجميع بأنها تظل لاعبا نوويا. ورغم تعدد المخاطر، فإن المشكلة الأكثر إلحاحا تنبع من انهيار احتكار القوى الكبرى للسلاح النووي، وتمكين قوى أصغر مثل كوريا الشمالية وباكستان وإسرائيل نوويا. وفي الوقت الحالي تمس الحاجة إلى مجموعة جديدة من القواعد، من أجل الدبلوماسية والاستراتيجية العسكرية والأسلحة، لكي يمكن تحقيق توازن هذا النظام النووي الآخذ في الظهور. تجنب مصير العراق مساء يوم الثلاثاء 12 فبراير 2013 صرح مدير معهد الدراسات الجيوستراتيجية الروسي ليونيد ايفاشوف أن "تجربة بيونغ يانغ النووية الأخيرة لا تشكل مخاطر على الأمن الدولي. وأنه لا يمكن القول بأن المجتمع الدولي بأكمله استنكر التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية" مضيفا أن "الحديث يدور عن النخب الغربيةواليابان وكوريا الجنوبية وروسيا للأسف". وأعرب الخبير الروسي في حديث لقناة "روسيا اليوم" عن اعتقاده "بأن هذه التجربة لن تؤدي إلا الى مزيد من التوتر في المنطقة". وأضاف أن "قيام بيونغ يانغ بهذه التجربة جاء نتيجة لتعطل عمل منظومة الأمن الدولي وعدم وجود ضمانات أمنية للدول" مشيرا في هذا السياق الى أن "كوريا الشمالية لا ترغب في أن يكون لها مصير كيوغسلافيا والعراق وليبيا". وأشار الخبير الروسي إلى أن بيونغ يويغ أكدت في بيان لوزارة خارجيتها ان تجربتها النووية هي"اجراء طبيعي للدفاع عن النفس ولا تتناقض مع أي قانون دولي". وأشار البيان إلى انه "على واشنطن ضرورة اختيار اذا ما كانت تحترم حقوق كوريا الشمالية في اطلاق الصواريخ أو اتباع سياسة عدائية خاطئة تؤدى إلى وضع متفجر". واوضحت كوريا الشمالية ان "التجربة النووية جرت في اطار تدابير تهدف إلى حماية أمننا القومي وسيادتنا من العداء المتواصل من جانب الولاياتالمتحدة التي انتهكت حق جمهوريتنا في القيام بعمليات سلمية لاطلاق اقمار صناعية". عدد من المحللين أشاروا إلى ان التجربة جرت قبل ساعات من خطاب اوباما حول حال الاتحاد. وقال ماساو اوكونوغي الاستاذ في جامعة كيو في اليابان ان "تكتيك كوريا الشمالية يقضي بإثارة وضع أزمة وحض الأسرة الدولية على التفاوض معها". وتابع ان الشمال "لن يتوقف عند هذا الحد بالتاكيد وسيجعل هذه الأزمة النووية تستمر حتى يوليو 2013 عند احتفال واشنطن بالذكرى الستين لوقف اطلاق النار في الحرب الكورية التي دارت بين سنة 1950و 1953. ورأى ان بيونغ يانغ تسعى لتحويل اتفاق وقف اطلاق النار إلى معاهدة سلام لم يتم التوصل اليها منذ ستين عاما. سيناريو مكرر يرى عدد من المحللين أن التهديدات الأمريكية أساسا والغربية عامة ضد كوريا الشمالية ليست أكثر من زوبعة في فنجان، ويشير هؤلاء أن حديث الغرب عن فرض عقوبات على بيونغ يانغ أمر سخيف لأن كوريا الشمالية لا تقيم علاقات إقتصادية أوعسكرية إلا مع دول تعتبر خصما للولايات المتحدة أو غير تابعة لها ولهذا فهي لا تطبق أي عقوبات. كتب المحللان بول ايكيرت ومايكل مارتينا يوم 13 فبراير لوكالة رويترز: "تجربة نووية تجريها كوريا الشمالية تثير ادانة دولية فعقوبات متواضعة من الاممالمتحدة ثم تعبر الولاياتالمتحدة عن أملها في أن تكبح الصين جماح حليفتها الجريئة. وفي نهاية الأمر توبخ بكين جارتها بيونغ يانغ دون أن يحدث شيء يذكر. لقد شاهد العالم هذا الفيلم من قبل ومن المرجح أن يشهد اعادة له بعد التجربة النووية الثالثة لكوريا الشمالية. وعادة ما تحجم بكين عن تأييد فرض عقوبات قاسية على كوريا الشمالية خشية أن يؤدي هذا إلى اضطرابات في الدولة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها وتشترك في حدود معها. والان وفي ظل تعرضها لتهديد بسبب توجيه الجيش الامريكي تركيزه نحو اسيا فان احتمال أن تتبنى بكين موقف واشنطن من بيونغ يانغ يتضاءل. وقال شين دينغ لي خبير الأمن الاقليمي في جامعة فودان في شنغهاي "كلما غيرت الولاياتالمتحدة توازنات قواتها في غرب المحيط الهادي اضطرت الصين الى التخلي عن جزء من مساحة المناورة المتروكة لها في تنظيم علاقتها مع كوريا الشمالية". وتستغل كوريا الشمالية المستويات الحالية من ضعف الثقة بين الصين والولاياتالمتحدة. وكان اول رد فعل للصين على التجربة هو أنها "مستاءة بشدة ورافضة تماما" للتجربة مما يشير الى أن قيادة بكينالجديدة لن تتخذ اجراءات صارمة تجاه جارتها التي تشاركها في حدود طويلة وتجارة متزايدة. وتعتبر هذه التصريحات فاترة مقارنة بتحذيرات صارمة في بعض وسائل الاعلام الصينية الرسمية منها تلميحات بخفض المساعدات سبقت التجربة. ويقول خبراء في السياسة الخارجية بالصين ان أولويات بكين تختلف عن أولويات الولاياتالمتحدة وحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان. ويعتبر تزعزع الاستقرار على حدود حساسة أكثر أهمية والحاحا من الازمة النووية الكورية الشمالية. وقال تشو فنغ استاذ الدراسات الدولية بجامعة بكين "كانت الصين دائما قلقة من أن كوريا الشمالية يمكن أن تنهار بسرعة". وأضاف "يمكن أن تكون قضية لاجئين او اضطرابات أهلية او مواجهات عسكرية. لهذا كانت الصين مترددة". والى جانب امداد كوريا الشمالية بكميات لا يعرف قدرها من الغذاء والوقود منذ واجهت مجاعة في التسعينات زادت بكين من حجم التجارة والاستثمار. وقالت ستيفاني كلاين البرانت مديرة قسم شمال شرق اسيا بمجموعة الازمات الدولية وتقيم في بكين "ليس الامر أن الصين لديها وسائل أخرى كثيرة لامداد كوريا الشمالية بالدعم الاقتصادي وحسب وانما بكين ايضا لن تدفع بالنظام الى موقف حرج لانها لا تريد حربا ولا تريد تغيير الوضع القائم". ولدى سؤالها عن رد فعل الصين الاولي المحدود قالت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند ان هذا كان في بدايات الجهود الدبلوماسية. وأضافت أن تأثير بكين على كوريا الشمالية هو السبب "في أن من المهم جدا أن نظل على اتصال وثيق مع الصين والسبب في أن وزير الخارجية جعل من التعاون مع نظيره الصيني الجديد أولوية" في اشارة الى وزير الخارجية الامريكي الجديد جون كيري. وربما يعود ضعف تأثير الولاياتالمتحدة على القضية، ناتجا عن سياسات الرئيس الامريكي باراك أوباما. وتعتبر واشنطن أن "تحويل أوباما للتركيز الاستراتيجي والادوات العسكرية الى منطقة اسيا والمحيط الهادي تصحيح واجب بعد عشر سنوات من الحروب الامريكية في العالم الاسلامي بينما تعتبر بكين أنه يشكل تهديدا. وقال جورج لوبيز الخبير السابق بالاممالمتحدة في مراقبة العقوبات على كوريا الشمالية ان على الولاياتالمتحدة أن تستدعي شبح تزود اليابان وكوريا الجنوبية بالاسلحة النووية او ان تقوم الدولتان بتحركات أخرى لتقوية تحالفهما مع الولاياتالمتحدة لتحفيز بكين على تبني موقف اكثر صرامة. وأضاف لوبيز من معهد كروك لدراسات السلام الدولي أن الرسالة يجب أن تكون "بكين العزيزة يجب أن تتعاملي معنا وتصنعي اطارا للقيادة الثنائية بنفس الاهداف والا ستفتح ابواب جهنم بصورة لا يمكن التنبؤ بها". وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه أوباما قال ان الولاياتالمتحدة ستتصدر الرد على التهديدات التي تمثلها كوريا الشمالية. ولم يشر الى أي دور محتمل تلعبه الصين. معاهدة ولدت ميتة بعد مرور أيام على التفجيرات النووية الهندية في 11 و13 مايو 1998 والباكستانية التي تلتها في 28 من الشهر نفسه، كتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية افتتاحية جاء فيها: "من الآن وصاعدا لن تكون الذرة حكرا على بعض الكبار العقلاء. لقد أصبحوا سبعة ومن ثم عشرة في الغد أو خمسة عشر أو أكثر. النتيجة الأولى: فشل جهود نزع السلاح خلال ثلاثين عاما. معاهدة حظر التجارب النووية ولدت ميتة. غدا ستلجأ هذه الدولة أو تلك، لسبب أو لحجة ما، إلى التسلح بالذرة. أهلاً وسهلاً بها في القرن الحادي والعشرين. مفهوم "النادي النووي" نفسه يجب مراجعته. هو نفسه أعطى ولادة القنبلتين النوويتين للهند وباكستان لا فائدة بعد اليوم لهذه "النوستالجيا" لعصر الردع النووي الذهبي. من الآن وصاعداً هل سيكون العالم متعدد القطبية أقل خطراً من الثنائي القطبية السابق أو الأحادي الحالي؟ يجب على العالم مواجهة الحقائق الجديدة بعين ثاقبة وبوعي وإدراك. من هذه الحقائق أن السلاح النووي سيصبح مبتذلاً إلى حدٍ كبير وربما يتخطاه احتدام السباق العالمي على التسلح نحو أنواع جديدة متجددة من الأسلحة: ما يسميه ألفن توفلر بأسلحة الجيل الثالث، أو ربما أنواع أكثر فتكاً ورعباً كالأسلحة الميكروبية أو الزلزالية أو البسيكوتروبية وغيرها التي بدأت مختبرات البحث الأمريكية العمل على اكتشافها. الترسانة النووية الإسرائيلية التجربة النووية الكورية تفرض إعادة الحديث عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط. جاء في بحث نشرته مجلة السياسة الدولية التي تصدرها مؤسسة الأهرام في مصر: إن منطقة الشرق الأوسط من أكثر النظم الإقليمية فى العالم التي تثار فيها المسألة النووية بطريقة أكثر جدية وخطورة من النظم الإقليمية الأخرى، رغم أن شدة وتلاحق وكثافة التفاعلات السياسية في المنطقة تكاد لا تترك فرصة حقيقية لمناقشة الوضعية الجديدة بطريقة متعمقة وعلى مستويات متعددة إلا أن الطرف المحتكر للسلاح النووي يحرص دائما على أن يستعرض قدراته النووية في أوقات محددة وبصورة مختلفة من أول التصريحات المستترة حول عدم المبادرة لاستخدام السلح النووي التي تجئ ردا على أسئلة صحفية معدة مسبقا، وحتى عمليات الاستخبارات. ورغم أن ذلك يعد أقل أدوات إعلان السياسة الخارجية مصداقية إلا أنها في نفس الوقت أكثرها خطورة فلا يمكن تجاهل احتمال وجود سياسة خارجية مختلفة ثم أنها تثير السؤال حول الأسباب التي تدفع دولة ما إلى عدم إعلان سياستها النووية أو التنصل منها، ورغم أن التصريحات الإسرائيلية لا تلزم أي طرف عربي بالعمل على أساسها فمن الخطأ بمكان أن يفسر أي تصريح رسمي حول السياسة الخارجية بصفاء النية، فمنذ نهاية الستينات بدأت عناصر الاستراتيجية الذرية تظهر في المنطقة وحتى أوائل الثمانينات أخذت هذه العناصر تتجمع حتى شكلت إطارا عاما لحقبة نووية اتسمت باحتكار أحد أطراف الصراع الأساسي في المنطقة وهو الصراع العربي الإسرائيلي للقدرات النووية وإتباع سياسة استراتيجية اصطلح الكتاب العرب على تسميتها الردع بالشك بينما يسميها الكتاب الإسرائيليون في الغالب سياسة الغموض النووي". ماذا عن برنامج إسرائيل النووي العسكري المتحقق، والمرحل فوق أزيد من مائتي صاروخ متعدد المديات والأحجام؟. هل يجوز أن تنفرد دولة واحدة في الشرق الأوسط، بسلاح الدمار الشامل هذا؟ يبدو ان الذهاب إلى برنامج نووي عربي قد بات أمر لا مفر منه حسبما كتب محلل عربي، وذلك من أجل خلق "توازن ردع متبادل"...إن أردنا السلام في هذه المنطقة، فلا بد من "توازن رعب"...وثمة دول عربية مؤهلة أكثر غيرها للشروع في كسر الاحتكار النووي الإسرائيلي خاصة بعد أن انتهى العراق إلى ما انتهى إليه، وإلى أن تخرج مصر من أزمتها، وتتحسس سوريا موطئ أقدامها في المرحلة المقبلة. ثمة خطوط حمراء للأمن القومي العربي لا يجوز السماح باجتيازها، أو بالأحرى الاستمرار في اجتيازها...واحد من هذه الخطوط، التفرد الإسرائيلي بهذا السلاح...تخيلوا سيناريو التفرد الأمريكي بالقنبلة النووية، وعدم دخول دولتين أوروبيتين وروسيا والصين إلى عضوية هذا النادي، قبل أن تلتحق به كل من الهند والباكستان...أي سلم عالمي كان سيبنى في وجود دولة نووية واحدة...وحده توازن الرعب المتبادل، وفر قوة الردع المطلوبة لإجبار العملاقين على الجلوس إلى موائد التفاوض حول مختلف العناوين والأزمات الدولية. الشرق الأوسط إما أن يكون خالياً من السلاح النووي، أو لا يكون، ولا يجوز بحال أن تظل عضوية النادي النووي في هذه المنطقة، محصورة بدولة واحدة، فما بالك حين تكون هذه الدولة هي آخر استعمار ترابي على وجه الأرض؟. تقوم النظرية الأمنية الإسرائيلية على التفوق العسكري على الدول العربية مجتمعةً في المجال التقليدي، وعلى احتكار السلاح النووي ومنع أي دول عربية، أو إسلامية معادية، من الحصول عليه. وتقوم كذلك على الردع المسبق. من هنا ضرب المفاعل النووي العراقي أوزيراك في يونيو1981. وتضمن الولاياتالمتحدة لإسرائيل هذا التفوق، من هنا الضغوط التي مارستها أمريكا على دول عربية، مثل مصر وليبيا، فكرت في إدخال التكنولوجيا النووية لصناعة الكهرباء، والهجمة الشرسة على العراق منذ العام 1991 والتي انتهت بإحتلاله. المعنى العسكري للردع إن المعنى العسكري للردع بصورة عامة هو: عدم تشجيع العدو على اتخاذ عمل عسكري وذلك بأن يعرف مسبقاً أن حجم التكاليف والمغامرة يتجاوز ما يتوقعه من أرباح. وقد وسع هذا المفهوم في المجال السياسي ليعني: عدم تشجيع طرف ثان على أن يفعل شيئاً ما، بالتهديد الضمني أو المكشوف باستخدام عقوبة ما، إذا أنجز العمل الممنوع. والردع بهذا المفهوم هو مهمة شبه هجومية. ذلك أن الوظيفة الدفاعية هي وسيلة سلبية فقط. في حين أن الردع هو تهديد باتخاذ إجراءات هجومية انتقامية تشمل منع الخصم من القيام بعمل ما، وحتى في الرد على أعمال الاستفزاز. وقد حاول الأمريكان فرض هذه القناعات وتلك المفاهيم على السوفييت طيلة فترتي الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات في القرن العشرين. وتقوم الرؤية الأمريكية على تحليل العلاقة بين ثنائي "المخاطرة والرهان" الذي اعتمده السوفييت، فى مواجهة مفهوم"الكلفة والعائد" الأمريكي ، وتمثلت الصعوبة في التحليل في كيفية الوصول إلى معرفة جميع العناصر التي تدخل في حساب السوفييت آنذاك. وتقوم استراتيجية الردع النووي قبل كل شيء على المناورة بالتهديد باستخدام السلاح النووي، هذه المناورة التي تجعل الشك بمستوى العتبة النووية ممكنا. كانت فكرة الردع أحد أحجار الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية وحلفائها خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وحسب التصريحات الرسمية في ذاك الحين فإن القوات المسلحة الأمريكية لن تستخدم لبدء الحرب، ولكن قواتها بوجود الأسلحة النووية، ستردع أي عدو محتمل من اتخاذ خطوات عدوانية. خاصة وأن الاتحاد السوفييتي كان لا يملك الأسلحة النووية في بادئ الأمر. ولذلك فإن سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية استهدفت العمل من موقع القوة المدمرة هذه. وقد تجلى تأثير هذه السياسة على استراتيجيتها وعلى أعمال القيادة العسكرية الرسمية التي حددت استراتيجيتها العسكرية بأنها "علم وفن استخدام القوات المسلحة للدول من أجل تأمين أهداف السياسة الوطنية عن طريق استخدام القوة ، أو التهديد باستخدامها". وفق ما جاء في كتاب "دليل ضباط الأركان في القوات المسلحة الأمريكية لعام 1959". التزام فقد معناه التزمت معظم الدول العربية والإسلامية باتفاقيات حظر انتشار الأسلحة، وكانت البداية مقترنة دوليا بالتزام الدول النووية الرئيسية بنزع السلاح، ولم تنفذ الدول التي تمتلك تلك الأسلحة هذا الالتزام، بينما باتت الدول الإسلامية نفسها تشارك في الضغوط على بعضها بعضا على هذا الصعيد، فما هي النتائج؟. يقول بعض مَن خاضوا في قضية الخلل الكبير على صعيد التسلح المتطور عموما، وليس بأسلحة الدمار الشامل فقط، إن الدول العربية والإسلامية متخلفة عموما، وتتعرض للضغوط الدولية المكثفة، وإن امتلاك القليل لا يردع أحدا على كل حال، وامتلاك الكثير غير ممكن، فالأفضل إذن عدم المحاولة أصلا. وبغض النظر عن عدم صحة هذه المقولة، فعواقب الأخذ بها في عالم السياسة الواقعية المعاصر، قد تكون من خلال التعرض المطلق للعدوان وللتسليم دون عدوان، كعواقب رفضها أو أشد. ثم هل هي صحيحة فعلا؟.. أليس مما يقول به المتخصصون عسكريا، إن الردع لا يتحقق فقط عند الوصول إلى مستوى تكافؤ القوى المتنازعة، بل يبدأ عند الوصول إلى مستوى معين، هو ما سبق وصفه بتوفير ما يكفي لضربة موجعة ردا على عدوان محتمل؟. كما يقال أيضا إن الأفضل توفير النفقات الضخمة المطلوبة لامتلاك الأسلحة الفتاكة أو حتى الأسلحة المتطورة من غير الثلاثية المعروفة من نووية وكيمياوية وحيوية، وذلك لصرف تلك الأموال في ميادين التنمية والتطوير. وهذه كلمة حق في غير موضعها، فالتنمية والتطوير يشملان الميدان العسكري دوما، ولا يتحققان بدونه، كما تفقد المقولة مصداقيتها على أرض الواقع القائم، إذ لم تتوافر قوة رادعة على امتداد العقود الماضية، كما لم يتحقق قدر يذكر من التطور الإنتاجي الحقيقي والتقدم العلمي والتقني "لا استيراد منتجاته" على السواء، بل أصبح من أخطر جوانب هذه المقولة تلك العلاقة البالغة الأهمية بين حظر أسباب القوة العسكرية وحظر أسباب التقدم!. استغلال التهديد لتحقيق المكاسب جاء في تقرير لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن: منذ أن امتلك الاتحاد السوفيتى الأسلحة والوسائط النووية، نشأت حالة جديدة سواء عبر الناتو، أو في سياسة الكتلة الشرقية، يمكن تسميتها "بالجيوب النووية"، وتعنى تسريب تكنولوجيا السلاح النووي إلى قوى إقليمية حليفة لهذا المعسكر أو ذاك في مواقع حيوية للمعسكر الخصم، وقد تأكد هذا التوجه بدخول العملاق الصيني في عضوية "النادي النووي"، وقد بدأ هذا التوجه لمواجهة نشر السلاح النووي في أوروبا وفق رؤية الناتو الدفاعية، ونشأ ما يمكن تسميته بالأحلاف النووية غير الرسمية، ويأتي في هذا الإطار السلاح النووي الإسرائيلي، والهندي، والباكستاني، والكوري، وقبلهم جميعا البريطاني والفرنسي. يوم 8 فبراير 2010 نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية مقالا بقلم "أدام بي لاوثر" المحلل في شؤون الدفاع بسلاح الطيران الأمريكي دفع فيه بإمكانية الاستفادة من قنبلة إيران النووية لصالح أمريكا، حيث يقول: تطوير إيران أسلحة نووية قد يمنح الولاياتالمتحدة فرصة للقضاء على ما سماه القوى والمجموعات الإرهابية السنية العنيفة لأن إيران نووية هي أولا تهديد لجيرانها، وليس الولاياتالمتحدة، وعليه تستطيع واشنطن أن تعرض توفير الأمن الإقليمي، وهو أساسا مظلة نووية للشرق الأوسط مقابل عمليات إصلاح سياسي واجتماعي في الأنظمة العربية المسؤولة عن إنتاج عدم الرضا من شعوبها، الذي أدى في نهاية الأمر إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. إلى هذا اليوم، الأنظمة في الشرق الأوسط ترفض دوما تغيير مسلكها لأنها تشعر بالحماية التي توفرها ثروة النفط واحتياطياته. إيران نووية ستغير من فعاليات الحركة ديناميكيا بوتيرة قوية، وستوفر لنا نحن الأمريكيون المركز القوي للمطالبة بإصلاحات. عندما تصبح الولاياتالمتحدة المزود الرئيسي لأمن إقليمي في شرق أوسط نووي قد يتيح للولايات المتحدة الوسيلة لكسر احتكار الأوبك. وبالتالي فرض نهاية لما يشبه ممارسات الاحتكار الحصري الغير جائزة قانونيا في أمريكا، وهذا سيكون الثمن للجدار النووي الواقي، وسينتج عن ذلك خفض أسعار النفط بصورة كبيرة وبالتالي توفير مليارات الدولارات سنويا عند مضخات الوقود. أو كحد أدنى، تمكين الرئيس أوباما من مقايضة الأمن مقابل رفع إنتاج النفط وما ينتج عنه من هبوط في أسعاره. نمو صادراتنا من منظومات التسلح والتدريب والمشورة لحلفائنا في الشرق الأوسط قد لا يقوي جهود شراكتنا الحالية معهم فقط بل سيعطي لصناعة السلاح الأمريكية حقنة تغذية في ذراعها هي في حاجة إليها. ستكون الولاياتالمتحدةالأمريكية قادرة على تقليص دفق الدولارات لخزائن الأنظمة في الإقليم. وتستطيع ذلك ليس فقط عن طريق خفض أسعار النفط وزيادة صادرات الأسلحة، ولكن أيضا بمطالبة المستفيدين من الأمن الأمريكي بتحمل جزءا حقيقيا من تكلفته. [email protected]