طالبت الولاياتالمتحدة كوريا الشمالية ب' التوقف عن تهديداتها الاستفزازية' تجاه المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص تعهدها مجددا بمواصلة برنامجها النووي الذي كانت قد أعلنت عن إيقافه. وهذه الاستجابة من جانب إدارة أوباما، تؤشر على أن البيت الأبيض يفترض حتى الآن أن هذه الدولة المنبوذة لا تزال مهتمة بالمجتمع الدولي. في الوقت الراهن، تهدد بيونج يانج بطرد المفتشين الدوليين، وإعادة تشغيل منشآتها النووية المتهدمة، احتجاجاً على البيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي يوم الاحد الماضي، وشجب فيه العملية الأخيرة التي قامت بها لتجربة إطلاق صاروخ بعيد المدى. ويرى الكثير من الخبراء أن هذا التهديد لا يختلف من حيث طبيعته عن التهديدات العديدة التي دأب نظام كوريا الشمالية على توجيهها من آن إلى آخر، وأن الغرض منه في الأساس هو اختبار الإدارة الأمريكيةالجديدة لمعرفة ماهية المكاسب التي يمكن لبيونج يانج الحصول عليها من واشنطن. مع ذلك يعتقد بعض الخبراء القدامى في الشأن الكوري الشمالي، أن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة، وأن السرعة والشمول اللتين اتسم بهما رد الفعل الكوري الشمالي على بيان الأممالمتحدة، قد يدل على أن هناك استراتيجية جديدة قيد التشكل في بيونج يانج في الوقت الراهن، تتبنى رؤية تتجه نحو المزيد من العزلة عن المجتمع الدولي. يقول 'جيم ولش'، الخبير في شؤون كوريا الشمالية بمعهد 'ماساشوستس للتقنية' في كامبردج:'يجب علينا أن نتساءل: هل لديهم هدف مختلف هذه المرة؟ هل هم حقاً يريدون التنصل من الالتزام، الذي كانوا قد قدموه بالتخلي عن أسلحتهم النووية، والتخلي عن الهدف الذي كانوا يسعون إليه، وهو تحقيق علاقات أفضل مع الولاياتالمتحدة الأميركية؟'. والبيان الذي أصدره مجلس الأمن يقل من حيث الدرجة عن القرار، كما أنه يخلو من أي عقوبات جديدة صارمة ضد كوريا الشمالية بسبب إقدامها على تنفيذ تجربتها الصاروخية الأخيرة في الخامس من الشهر الجاري. وهذا البيان صدر قبل وقت قليل للغاية من إعلان بيونج يانج أنها ستنسحب من المحادثات السداسية الأطراف التي تستضيفها الصين وتشارك فيها إلى جانبها كل من كوريا الجنوبية، وروسيا، والاتحاد الأوروبي (إلى جانب كوريا الشمالية والولاياتالمتحدة) والتي كانت تمثل المنتدى الرئيسي للاتصالات القائمة بين الولاياتالمتحدة وكوريا الشمالية، والتي أدت في نهاية المطاف إلى موافقة كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها الخاص بإنتاج الأسلحة النووية. بالإضافة إلى ما سبق قالت بيونج يانج إنها قد أمرت المفتشين التابعين للأمم المتحدة بالخروج من البلاد وأنها ستتحرك بسرعة لإعادة تنشيط منشآتها النووية. ومن المعتقد على نطاق واسع أن الهدف الذي تسعى إليه بوينج يانج من ردود أفعالها الأخيرة هو اختبار الرئيس الجديد للولايات المتحدة، الذي كان قد أكد في العديد من خطبه على أهمية الحوار مع الخصوم وعلى وجه الخصوص إيران. يوضح 'بروس كلينجر' الخبير في شؤون شمال شرق آسيا بمؤسسة 'هيريتج فاونديشين' الأميركية هذه النقطة بقوله:'يريد الكوريون الشماليون انتزاع المزيد من الحوافز الإضافية من الولاياتالمتحدة، وعلى هذا الأساس فإن السؤال الكبير الذي يواجهنا في الوقت الراهن هو: ما الذي سيفعله الرئيس باراك أوباما إزاء هذا الموقف؟'. بيد أن هذا الاعتقاد يقلل من أهمية الموضوعات الداخلية في كوريا الشمالية، وصراع القوى الناشب فيها حالياً، وخصوصاً على ضوء ضعف صحة الديكتاتور 'كيم جونج إيل'، الذي يقال إنه قد تعرض إلى سكتة مخية منذ فترة . يقول ولش حول هذه النقطة:'هناك إمكانية لا نستطيع غض الطرف عنها، وهي أن الموقف الكوري الشمالي الأخير هو تجسيد لموقف المؤسسة العسكرية أو نتاجاً لصراع القوى الداخلية في هذا البلد. فالأمور في بيونج يانج ربما تكون قد تغيرت عما كانت عليه من قبل'. وقال 'روبرت جيبس' المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض إن كوريا الشمالية لن تجد قبولا من المجتمع الدولي 'ما لم تقم بشكل يمكن التحقق منه بالتخلي عن السعي لإنتاج الأسلحة النووية'. ووصف 'جيبس' التهديد الكوري الشمالي بالإنسحاب من المحادثات السداسية الرامية إلى وضع حد لبرامجها النووية بأنها'خطوة خطيرة في الاتجاه الخاطئ'، كما وصف التصرفات الأخيرة من جانب بيونج يانج بأنها تمثل 'تهديدات استفزازية'. وإذا ما تغير السيناريو في بيونج يانج، فإن الشريك الرئيسي لنظامها -الصين- لن يكون له دور يذكر عندما يقوم الكوريون الشماليون بترتيب أمورهم الداخلية المتعلقة بوراثة الحكم. والعواقب المقلقة التي يمكن أن تنتج عن عودة كوريا الشمالية إلى الانعزال مجدداً عديدة، وليس أقلها على سبيل المثال التأثير السياسي الذي قد يترتب عنها على الدول المجاورة، وخصوصاً اليابان، حيث يمكن أن 'يؤدي إلى تعزيز وضع اليمين الياباني'، كما يقول 'ولش'. ولكن ما يقوم به المجتمع الدولي في الوقت الراهن 'ستكون له أهمية في تحديد التصرفات المستقبلية لكوريا الشمالية كما يقول السيد 'كلينجر' من مؤسسة 'هيريتج فاونديشين':'لم يسبق أن تعرضت بيونج يانج لعقوبات بسبب مسلكها العدواني، ومواصلتها لهذا المسلك في الوقت الراهن يؤكد أنها يمكن أن تواصل هذا السلوك دون أن تنال عقاباً'. ويضيف:'من منظور كوريا الشمالية، قد يبدو رفع التوتر مع الرئيس الجديد لرؤية كيف ستسير الأمور، وإلى ماذا ستنتهي أمراً معقولا للغاية'. عن «كريستيان ساينس مونيتور»