فاقمت كوريا الشمالية التوتر في آسيا أمس، بعد إجرائها لتجربتين صاروخيتين بعد يوم واحد فقط من تفجيرها النووي، ما دفع جيرانها إلى البحث الحثيث عن طرائق يمكن بها كبح جماح بيونغ يانغ وإجبارها على وضع نهاية لطموحاتها النووية. معظم هؤلاء الجيران لم يجدوا سوى الكلمات يعبرون بها عن قلقهم، ولكن هذه الكلمات حملت نبرة حربية غير معتادة، ما أثار مخاوف بشأن احتمال بدء سباق تسلح إقليمي، خصوصاً على ضوء ما يتردد من أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية تحديداً تفكران ملياً في الكيفية التي يمكن لهما بها تقليص درجة إنكشافهما أمام التهديد الكوري الشمالي. في هذا السياق أدلى الجنرال ناكاتاني،وزير الدفاع الياباني السابق وعضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، الحاكم بتصريح للصحفيين قال فيه:«يجب على دولتنا أن تحصل على القدرة التي تمكنها من مهاجمة قواعد إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية». ويرى ناكاتاني أن الأعمال التي أقدمت عليها بيونغ يانغ تعني أن اليابان يجب أن تبني (القدرة على توجيه الضربة الأولى)، وهي قدرة ثار حولها الكثير من الجدل في اليابان، ولكنها تحظى بقبول في الوقت الراهن من جانب أعضاء الحزب الحاكم. وفي سيول حثت صحيفة تشوزن إيلبو ، وهي أكبر صحيفة يومية تصدر في كوريا الجنوبية، الحكومة على التحول لدولة نووية لمعادلة قوة بيونغ يانغ في هذا المجال. في الوقت الراهن تتركز الأنظار على مجلس الأمن الدولي، حيث بدأ الدبلوماسيون الأميركيون واليابانيون والكوريون الجنوبية في صياغة ما وصفوه ب«قرار قوي» لإدانة التجربة النووية التي أجرتها «بيونغ يانغ» يوم الاثنين، وإن كان من غير المعروف بعد ما إذا كان حليفا كوريا الشمالية، الصين وروسيا، سوف يدعمان فرض عقوبات اقتصادية أشد على هذه الدولة أم لا. في اليابان، يدعم العديد من نواب البرلمان خيار تشديد العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، وإن كان من المعروف أن اليابان لم تعد تمتلك سوى خيارات قليلة لممارسة المزيد من الضغط على بيونغ يانغ ، خصوصاً وأنها قد مدت نطاق عقوباتها الاقتصادية على كوريا الشمالية بالفعل، بما في ذلك فرض حظر على الاستيراد منها لمدة سنة إضافية، وذلك بعد أن أقدمت تلك الدولة على إطلاق صاروخ بعيد المدى في شهر إبريل الماضي. أما سيؤول، فقد أقدمت على اتخاذ الخطوة التي طال انتظارها رداً على هذه التجربة حيث انضمت ل«مبادرة أمن الانتشار النووي«، التي تقودها الولاياتالمتحدة، والتي تشارك فيها 94 دولة، وتسعى إلى اعتراض السفن الحاملة لأسلحة دمار شامل أو تقنية من التقنيات المرتبطة بها، على الرغم من أن كوريا الشمالية حذرت أنها سوف تعتبر إقدام كوريا الجنوبية على هذه الخطوة بمثابة إعلان صريح للحرب. تلزم الإشارة هنا إلى أن «مبادرة أمن الانتشار النووي»، تهدف للحد من الانتشار النووي، وليس إلى نزع سلاح كوريا الشمالية النووي الذي تحول إلى هدف للجهود الدبلوماسية الدولية التي تمت في السنوات الأخيرة. حول هذه النقطة يقول »بايك هاك سون«، الزميل الأول في معهد سيجونج في سيول:«سوف يتعين علينا في نهاية الأمر مواجهة السؤال الجوهري وهو: هل إجراءات مجلس الأمن الدولي يمكن أن تفيد في هذا الأمر أمام الانضمام ل(أمن الانتشار النووي)... وفي رأيي أن الولاياتالمتحدة وباقي الدول لا تمتلك تشكيلة كبيرة من الخيارات فيما يتعلق بالتعامل مع بيونغ يانغ ، والراجح أنها لا تمتلك سوى خيار واحد هو العودة لمائدة المفاوضات مجدداً، خصوصا وأن العقوبات أثبتت حتى الآن عدم فعاليتها». هذا هو موقف الصين أيضاً، التي دعت يوم الاثنين إلى استئناف المحادثات السداسية المتقطعة التي كانت تستضيفها، والتي كانت تهدف إلى نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وذلك على الرغم من أن بيونغ يانغ ذاتها قد أعلنت الشهر الماضي أنها لن تعود إلى تلك المحادثات. ويقول البروفسور «يان سيويتونج» عميد كلية الشؤون الدولية بجامعة «تشينخوا» في بكين: «التخلص من برنامج كوريا النووي أمر يتجاوز قدرة بكين وقدرة الدول المشاركة في المحادثات السداسية أيضاً». وأضاف «يان»: «وعلى الرغم من احتمال قيام الصين بمجهود جديد من أجل إطلاق تلك المحادثات فإنني لا أستطيع التنبؤ بأن النجاح سوف يكون حليفها» وأكد يان أن الحكومة الصينية لا تزال تعتقد أن هناك مجالا ووقتا للتعامل مع كوريا الشمالية. ولمزيد من التوضيح قال: «بيد أن الحكومة الصينية ترى من جانبها أن محاولة كوريا الشمالية لتطوير صواريخ نووية ليست بالأمر الذي يحتاج إلى تعامل معه غدا، مثلا« موقف الحكومة الصينية، كما يتبين مما سبق، ولا ينسجم مع المزاج النفسي السائد في كوريا الجنوبية». يتضح هذا مما قاله هان سوك -هي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة يونساي في سيول: «معظم الناس هنا يعتقدون أن تلك المحادثات في النزع الأخير أو أنها قضت نحبها بالفعل، بحيث يمكن القول إنه لم يعد بمقدور الحكومة تبني أي سياسة تصالحية تجاه الشمال حتى إذا ما أرادت ذلك». وفي طوكيو، تردد كلام مماثل، يوم الثلاثاء الماضي، على لسان توشييوكي شيكاتا،أستاذ القانون في جامعة«طوكيو»، الذي قال: «نحن منفتحون بشأن استمرار المحادثات السياسية ولكن إذا ما كانت كوريا الشمالية لا تريد المحادثات فإننا لا نستطيع أن نفعل شيئا في مثل هذه الحالة، والحديث الآن يدور حول الكيفية التي يمكن لنا بها الدفاع عن أنفسنا ضد أي عدوان محتمل، خصوصا وإنه إذا ما حدث هجوم من كوريا الشمالية فإننا سنكون الضحية الأولى مما لا يجعل هناك أي خيار أمامنا سوى خيار الدفاع عن أنفسنا». توقعاً لردود الأفعال هذه، تعهد الرئيس الأميركي بالدفاع عن اليابان وكوريا الجنوبية عندما اتصل هاتفيا برئيسيهما أول من أمس، محاولا من خلال ذلك -كما يبدو- طمأنة الشعبين بأنهما في أمان تحت حماية المظلة الأميركية.وعلى الرغم من محاولة أوباما طمأنة الدولتين، فإن هان يحذر قائلا: «أعتقد أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً في الوقت الراهن هو التحرك نحو مواجهة أكثر جذرية -وليس إلى التسوية- بين الكوريتين». عن «كريستيان ساينس مونيتور»