مثقف عربي مغاربي تجاوز شروط الجغرافيا, وبنى منهجه على فكرة النقد المزدوج في قلب الأزمة عبد الكبير الخطيبي، يا نبتة الهذباء تواريت بعدما رويت رويت لنا حكايات مثلما يروي الشجر، أنت الآن بذرة في قلب التربة، وستنقلك الريح مجددا إلى ضفاف المستقبل، ما بين الموت والحياة ولادة متجددة، ستعبر الحدود ونتبع أثرك في دورة الحياة وشما يرسم تفاصيل الجمال ويعلمنا الكثير. لكن دروبك متعددة المسارات، فمن أي نقطة ننطق. جغرافية أرضك صقلتها ومياة الفن والجمال. وعلى ضفافها نبتت سوسيولوجيا أعادت تصميم تفاصيل ثقافة الهامش وردت الاعتبار للمنسي. لم يكن هذا صعبا على جيل متسلح بالنقد المزدوج، نقد استوعب المناهج الفلسفية والأدبية الحديثة ووظفها لمساءلة بنيات الفكر الجمالي في أبعاده الشعبية والعالمة حيث قام بتفكيك منظومة الرموز والعلامات المتعلقة بالوشم في مؤلف «الاسم العربي الجريح» ومن هذا الموقع قمت أيها الكبير بتحليل نسق العلامات المرتبطة بالزربية المغربية: «الزربية المغربية من الرمز إلى العلامة» وكنت قارئا مفككا لبنيات الحكي السردي «لألف ليلة وليلة»، درست النماذج الأدبية المغاربية خاصة المكتوبة بالفرنسية. انتصرت لمفهوم الهوية المنفتحة ولمقولة المغرب المتعدد ولقيم المواطنة الكونية. وفي ألفة الحكي كنت شاعرا وفي رحاب الشعر كنت حكاء مفردا بصيغة الجمع، متعددا ومزاوجا بين الكتابة الشدرية «المناضل الطبقي على الطريقة التاوية، حكايا هي أكبر من مجرد مشروع سير ذاتي «صيف في استوكهولم». وبين الهنا وهناك كنت تجد متسعا لمحاورة التعبيرات الفنية والتعايش معها ناقدا متأملا محللا، فأسهمت في التعريف بالرؤى المعرفية والجمالية التي يحملها الابداع التشكيلي المعاصر بالمغرب، فاقتحمت مجاهل اللوحة دارسا (الفنان الر ائد احمد الشرقاوي ، جيلالي الغرباوي وآخرون. ومن معين الفلسفة تقتحم عالم الصورة السينيمائية، فأي ثراء هذا لا يمكن تحققه إلا في عالم زمانه وفيلسوف عصره. مواصفات لن تتأتى إلا للصفوة، وكنت بحق واحدا من إعلامها وممن حملوا لواء الثقافة الوطنية ورمزا من رموز البحث العلمي الأكاديمي داخل المغرب وخارجه إلى جانب عبد الله العروي وعبد الفتاح كليطو ،وعبد السلام بن عبد العالي وأخرين. كان همه رحمه الله تحليل آليات المتخيل الجماعي بمختلف مظاهره المادية والرمزية بحثا عن تمثلات الإنسان في بعده المحلي والكوني لذاته ولعلاقته مع الآخر. عبد الكبير الخطيبي عبدت أكثر من طريق ومن درب، فتحت أكثر من حوار ونقاش، ورسمت أكثر من سؤال، فكم يؤلمنا فقدك، وتتحجر كلمة وداع في الحلق... عبد الكبير يا نبتة الهذباء، كن مطمئنا وها قد عدت إلى مصدرك... وفاته أحدثت رجة في صفوف المثقفين العرب من بينهم الناقد اللبناني بيار أبي صعب الذي يرى أن من بين مؤلفات الخطيبي العديدة النظرية والإبداعية، يبقى أحد كتبه إلى اليوم أقرب إلى اللغز .. «نصا طلسميا أو رسالة مشفرة إلى معاصريه .. إنه (المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية) الذي دار جدل حاد حول مدى جواز تصنيفه في خانة الشعر لكنه كذلك في العمق». واستحضر أبو صعب تعدد مجالات إبداعات الكاتب الراحل, ووصفه بأنه «مثقف عربي مغاربي تجاوز شروط الجغرافيا, وبنى منهجه على فكرة النقد المزدوج في قلب الأزمة, ومكانة الإنسان في قلب الحاضرة ضمن علاقة جدلية بين الإحساس والفكرة والكتابة». وفي مقال آخر رأى الكاتب الصحفي الجزائري المقيم بباريس عثمان تزغارت أن الخطيبي كان يتمتع بحفاوة أكاديمية أوروبيا وعربيا، وأنه أغمض أمس عينيه واضعا نقطة نهائية في مسيرة خصبة شملت الرواية والشعر والنقد والبحث، مشيرا إلى أنه المثقف العربي الوحيد الذي نال جائزة (أهل الأدب) الفرنسية العريقة. وفي صحيفة (الحياة)، الصادرة أمس الثلاثاء ببيروت, كتب الناقد اللبناني عبده وازن أن عبد الكبير الخطيبي كان واحدا من المفكرين الطلائعيين الذين شغلوا الساحة الفرنسية والمغربية في حقبة السبعينات التي شهدت ذروة الاحتدام الإيديولوجي والصراع الفكري المتعدد عقائديا وسياسيا.