في الوقت الذي لبس فيه بعضهم «الأحمر» وأهدى «الأحمر» احتفاءً بال«سان فالانتان»، وخرج آخرون في مظاهرات ضد «عيد الحب»، ارتأيت أن أعود إلى مكتبتي الصغيرة متتبعاً كتابات تناولت أخبار المحبين والعشاق، فتصفحت «الحب عند العرب» و«طوق الحمامة»، متوقفاً عند حكاية من أحبَّ امرأة في الحلم، قبل أن أختم بكتب الطرائف. توقفت طويلاً عند كتاب ابن حزم الأندلسي، الذي وصف بأنه أجمل وأهم ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه، كما تضمن مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين. كتب ابن حزم، تحت عنوان «ماهية الحب»: «الحب أوله هزل وآخره جد»، و«داءٌ عياءٌ وفيه الدواء منه على قدر المعاناة، ومقامٌ مستلذ، وعلة مشتهاة (...) يزين للمرء ماكان يأنف منه، ويَسْهل عليه ماكان يصعب عنده». كما تحدث عن «علامات الحب»، فقال إن بينها «إدمان النظر»، و«اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة»، و«أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان يشح به قبل ذلك»، و»حب الوحدة والأنس بالانفراد ونحول الجسم دون حر يكون فيه ولا وجع مانع من التقلب والحركة والمشي»، و«السهر». وبعد ما يقرب من ألف عام، سيتقاطع الشاعر المغربي محمد بنيس مع «طوق الحمامة»، حيث سنقرأ له في «كتاب الحب» أننا، في الحب، نخضع ونشقى، ونموتُ مرات ونرضى. وأنه، في الحب، يبطل الممنوع، المرذول، المهجور والمحرّم. وأنه «لاتحالف في الحب ولا اختيار». وأن «المِثل إلى مثله يسكن». وأن «أجزاء النفوس تتجانس وفي الأنداد التّوافق». ثم تتبعت أخبار العشاق في كتب الطرائف، لأقرأ عن الأعرابي الذي سألوه: «أتحب أن تموت زوجتك؟ «، فأجاب: «لا»، وحين سألوه «ولم؟» أجابهم «أخاف أن أموت من الفرح»، قبل أن أنتقل إلى طرائف جحا، هذا الشخص البسيط الضاحك، نموذج الإنسان المغلوب على أمره، والذي عادة ما تنقده الحماقة من المآزق. ويروى عنه أن زوجته ماتت فلم يأسف عليها كثيراً، وبعد مدة مات حماره فظهرت عليه علامات الغم والحزن. فقال له بعض أصدقائه: «عجباَ منك، ماتت زوجتك من قبل ولم تحزن عليها هذا الحزن الذي حزنته على موت الحمار». فأجابهم: «عندما توفيت زوجتي حضر الجيران، وقالوا لاتحزن فسوف نجد لك أحسن منها، وعاهدوني على ذلك، ولكن عندما مات الحمار لم يأت أحد يسليني بمثل هذه السلوى... أفلا يجدر بي أن يشتد حزني!!؟». ومن الأقوال المأثورة لجحا عن الزواج، قوله: «قبّح الله من تزوجوا قبلي ..لأن أحداً منهم لم يحك لي شيئا.. وقبّح الله، أيضاً، من تزوجوا بعدي.. لأن أحداً منهم لم يستشرني». أجمع الكتب، لأقرأ في أخبار الصفحات الأخيرة، من جرائد اليوم، عن المرأة التي استيقظت ذات يوم، وهي تقول لزوجها: «اليوم «عيد الحب»، وقد حلمت بأنك أهديتني قلادة ذهبية مرصعة بالماس. ما معنى هذا الحلم؟». فقال لها زوجها: «في المساء سوف تعرفين». وعندما أتى المساء، جاء زوجها يحمل علبة أنيقة وأعطاها لها بمناسبة «عيد الحب». وعندما فتحتها وجدت كتاباً مكتوب عليه «تفسير الأحلام». كما سأقرأ خبراً عن أردنيين لم يجدوا وسيلة للتعبير عن رفضهم للاحتفال ب«عيد الحب» إلا القيام بطلي حمار باللون الأحمر وعرضه أمام المارة في بلدة الرمثا. وقال أحد المشاركين في العملية إنهم يرفضون فكرة الاحتفال ب»عيد الحب»، موضحاً أنهم قاموا بطلي الحمار بالأحمر تعبيراً منهم عن «سخافة المناسبة». وبين كلام ابن حزم وتقاطعات بنيس وطرائف جحا وحكاية الحمار المصبوغ، خرج أحدهم منتقداً المنطقة الجغرافية التي «خرج» منها «عيد الحب»، حيث كتب: «فهُم (يقصد الغرب) مهتمون بإهداء الحب للقطط الوديعة والكلاب الأليفة، بينما قنابلهم تحصد الأطفال والشيوخ وتهدم المنازل والجسور في العراق وفلسطين وأفغانستان. إن من يجعل يوماً للحب عليه أن ينزع من ذهنه فكرة العلو في الأرض والهيمنة على البشر والانفراد بالقرار والاستبداد السياسي، فليس في الناس من له دم أزرق والبقية دماؤهم حمراء مستباحة».