تتوفر المندوبية العامة لإدارة السّجون على ترسانة من الأسلحة، تتوزع ما بين مسدسات وبنادقت «كالاش»، إلى جانب مسدسات حديثة تعمل ب»الشومانيتيك»، قادرة على شلّ حركة أيّ معتقل عن بُعد. ويتم تزويد كل المؤسّسات السجنية بهذه الأسلحة، التي تودع تحت عهدة مقتصد المؤسسة وتخضع لمراقبة مستمرّة.. وفيما كان الموظفون على عهد الإدارة العامة لا يخضعون لأيّ تدريب على حمل السلاح وإنما يجري إلحاقهم بالخدمة مباشرة بعد اجتياز الاختبارات الكتابية، الشيء الذي نجمت عنه حوادث مرتبطة باستعمال السلاح، كأنْ يلعلع الرّصاص أثناء تفقد السلاح الناري الموضوع رهن إشارة الحراس.. حدث هذا في أكثرَ من مؤسسة، كعين قادوس في فاس، أو أن يستعمل الموظف السلاح الناري للانتحار، كما حدث في سجن سوق أربعاء الغرب، أو لتصفية الغير، كما وقع في سجن عين عائشة في تاونات.. مع قدوم بنهاشم حرص على تجديد ترسانة الأسلحة بإبرام عقود التوريد لمسدّسات حديثة زودت بها المؤسسات السجنية الكبرى، كما أضحى جميع الموظفين قبل التحاقهم بالعمل يخضعون لتداريبَ على حمل السّلاح بمركز تكوين الموظفين في إفران.. نحن في سجن بنجرير أو «دار مّي هْنية»، كما يسميه المعتقلون، وهي عبارة عن دار إيقاف بدون أبراج ولا ممرّ طواف وبطاقة استيعابية لا تتعدّى 200 نزيل، موزّعين على ثلاثة أحياء صغيرة جدا محاطة بشبابيك حديدية تكاد تلامسها الأيدي.. الأمر الذي أثار سخط واستياء لجنة حقوقية من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان برئاسة المرحومة أسية الوديع، حيث كانت قد زارت المؤسسة وتأسفت كثيرا لأوضاع نزلائها.. «القايد» (اسم مستعار) نائب رئيس المعقل مكلف بسجلات «السّربيسْ» (التي تضمّ كتاب توزيع المهام، كتاب الديمومة، كتاب الكلف، كتاب المستشفى، وسجل السلاح).. ويدوَّن في هذا الأخير يوما بيوم اسم الموظف المكلف بحمل السلاح، رقمه الإداري، طبيعة المهمّة التي يشغلها، نوع السلاح المسلم إليه، عدد الطلقات النارية، وأخيرا توقيع المعنيّ بالأمر ساعة التسليم وساعة التسلم، فمساء كل يوم وعند استلام فرقة الحراسة الليلية مهامّها يسلم السلاح الناري (عبارة عن مسدس مع مجموعة من الرصاصات) إلى الموظف المكلف بحراسة الباب الرئيسي، وفي الصّباح يتم استرداد السلاح من قبَل نائب رئيس المعقل، ولا يحمل المكلف بالباب الرئيسي أثناء الدوام اليومي أي سلاح.. وحده رئيس المخفر المكلف بمرافقة المعتقلين صوب المستشفى أو خلال عملية الترحيل نحو سجن آخر يخول له القانون حمل السلاح.. كان العمل داخل سجن بنجرير روتينيا إلى درجة الملل.. فالمؤسّسة ظلت لسنوات خارج دائرة الأضواء، وعُرِفت بأنها مقبرة الموظفين والسجناء على حد سواء.. لكنّ حادثا سجل خلال مطلع الألفية الثالثة جعل هذه المؤسسة المنسية تسرق الأضواء إقليميا ووطنيا، إذ تفاجأ نائب رئيس المعقل باختفاء رصاصات في ظروف مجهولة. ظنّ في بادئ الأمر أن موظف الحراسة الذي أنهى دوامه قد نسيها في جيب سترته.. ربط به الاتصال هاتفيا: أقفل موظف الحراسة راجعا من مراكش، من مقر إقامته.. دلف إلى المؤسسة التي كانت تغلي على صفيح ساخن.. أعاد تفتيش هندامه على مرأى ومسمع من مدير السّجن ورئيس المعقل. تم تفتيش كل جنبات «بُوسْت» (مكتب صغير خاصّ برئيس المعقل). أمام خطورة الموقف جرى إشعار الإدارة المركزية ووكيل الملك، وفي لمح البصر انتقلت أكثرُ من جهة أمنية إلى السّجن وانطلقت سلسلة تحقيقات ماراطونية باشرتها بداية الشرطة القضائية في مفوضية بنجرير، الأمن الإقليمي في قلعة السراغنة، ثم الأمن الولائي في مراكش، إلى جانب مصلحة حماية التراب الوطني، ثم مفتشي الإدارة العامة للسّجون. كان دفتر حمل السلاح -من فئة 24 ورقة- يحمل توقيع وبيانات موظف الحراسة الليلية باعتباره قد أرجع السلاح الناري وهو ما برّأ ذمته إداريا فقط. أخضع، إلى جانب نائبِ رئيس المعقل، لتحقيقات لا منتاهية وتم توقيف «القايْد» لسنين، مع وقف صرف أجرته، وامتدّت الأبحاث إلى وسطه العائلي وانتمائه الديني والسياسي لاستجلاء الحقيقة.. وبعد شهور عديدة أعيد القايْد إلى الخدمة الفعلية وصُرفت مستحقاته المالية، مع نقله إلى سجن «بولمهارز» في مراكش.. لكنْ إلى حدود اليوم ما يزال ملف الرّصاصات المختفية مفتوحا في انتظار تحديد الجاني..