لم تصدق الأوساط السياسية الفرنسية، خاصة الحزب الاشتراكي الحاكم، إعلان مكتب الإحصاءات الرسمية عن دخول الاقتصاد الفرنسي مرحلة ركود في الربع الأول من العام بعد انخفاض إجمالي للناتج المحلي بنسبة 0،2 بالمائة، وانخفاض مماثل في الربع الأخير من سنة 2012.. وغداة توليه الرئاسة في 6 ماي 2012، كان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يحمل طموحات قوية في جعل فرنسا قوة اقتصادية وسياسية أعظم نفوذا مما كانت عليه في عهد من سبقوه. غير أنه وبعد تدشينه قبل أيام سنته الرئاسية الأولى، بات من الواضح أن من نصب نفسه «المنقذ الاقتصادي» قد تحول إلى مجرد رئيس يتخبط في براثن الأزمة من دون بوصلة.. فقد راهن هولاند في بداية ولايته على النمو الاقتصادي، وبنى حساباته على أن معدل النمو سيصل إلى اثنين في المائة مع حلول 2014، فجاءت حسابات الحصاد مختلفة كليا عن حسابات الحقل، حيث تراجعت نسبة النمو فصلين متتاليين إلى 0،1 ثم 0،2 في المائة، مما يعني أن رئيس الجمهورية، الذي ظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك وسيخلق دينامية قوية، يجد نفسه اليوم أسير وعوده الانتخابية التي لا يملك القدرة على تحقيقها في ظل أوضاع اقتصادية دولية تتميز اليوم بتنقل ثقل العولمة الاقتصادية إلى الشرق الآسيوي وتخبط الحليف الأمريكي في مشاكل اقتصادية. دخل الاقتصاد الفرنسي مرحلة انكماش في الربع الأول من العام بعد انخفاض إجمالي للناتج المحلي بنسبة 0،2 بالمائة، وانخفاض مماثل في الربع الأخير من سنة 2012، كما أعلن عن ذلك أول أمس مكتب الإحصاءات الرسمي. ويُعتبر الاقتصاد في حالة ركود أو انكماش بعد فصلين متتاليين من انخفاض النمو. وتشكل هذه الأخبار مصدر قلق كبير للحكومة الاشتراكية وللرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، حيث تأتي بعد أن بلغ معدل البطالة أعلى مستوى له منذ 16 عاما هذا العام. وفيما تسعى الحكومة إلى مواجهة المصاعب الاقتصادية في البلاد، حاول وزير المالية، بيير موسكوفيسي، التقليل من الوقع الكارثي للركود الاقتصادي على القطاعات الإنتاجية، مطمئنا الفرنسيين بأن الاقتصاد سيسجل نموا متوسطا في الربع الثاني بفضل «المحيط الأوروبي والإجراءات التي تتخذها فرنسا». وأظهرت بيانات أولية من مكتب الإحصاءات الفرنسي أن أداء الناتج المحلي الفرنسي كان أسوأ من توقعات المحللين الذين راهنوا على انكماش بمعدل 0.1% في الربع الأول من العام الحالي. وقد أطفأ فرانسوا هولاند قبل أيام شمعته الأولى كرئيس للجمهورية الفرنسية بعد فوزه على منافسه نيكولا ساركوزي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في السادس من ماي 2012. ونظمت الحكومة بالمناسبة مؤتمرا حكوميا أول أمس برئاسة هولاند لتقييم ما حققته حكومة جان مارك إيرو من إنجازات منذ سنة، وتحديد النقائص لمعالجتها، وأيضا البحث عن حلول لمشكلة البطالة التي أصبحت تطال أكثر من ثلاثة ملايين شخص والنهوض بالاقتصاد المتعثر. ويواجه الرئيس هولاند وهو يخوض سنته الرئاسية الثانية تراجعا حادا في شعبيته التي فقدت حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، ست نقاط لتصل إلى 36 % في بداية شهر ماي الجاري، وهي أسوأ نتيجة مقارنة مع جميع رؤساء الجمهورية الخامسة. ويعتبر 76 % من الفرنسيين بأنه لا يملك حلولا لمشاكلهم، و64 % يرون أنه فشل على جبهتين: جبهة البطالة وجبهة القدرة الشرائية. رهانات خاطئة واليوم، وبعد مرور سنة على ولايته، بدأ الفرنسيون يدركون أن رئيسهم لم يعد قادرا على الاستجابة لتطلعاتهم أو الإصغاء إليهم. فالأسعار في تزايد مستمر بدءا من المواد الأساسية التي سجلت ارتفاعا ما بين 8 إلى 10 % مرورا بالمواد شبه الضرورية التي تجاوزت الزيادة في بعضها عتبة ال15 %، مما انعكس بشكل كبير على قطاع الخدمات والنقل والصحة وباقي القطاعات ذات الارتباط بالحياة المعيشية اليومية للفرنسيين، وما رافق ذلك من تراجع على مستوى الاستهلاك الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو. وقد راهن هولاند في بداية ولايته على النمو الاقتصادي وظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك، وسيخلق دينامية قوية تعززها التدابير والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يجد نفسه اليوم أسير ظنونه التي لا يملك معها القدرة على تحسين معيش الفرنسيين في ظل أوضاع اقتصادية دولية متأزمة. وربما يقرأ هولاند في تدهور شعبيته رسالة إنذار من مواطنيه بإعادة النظر في حساباته التي بناها على قناعة اقتصادية مفادها أن معدل النمو سيصل إلى اثنين في المائة مع حلول 2014، فجاءت حسابات الحصاد مختلفة كليا عن حسابات الحقل كما يقال، حيث نسبة النمو لم تتجاوز 0،5 في المائة، ومن المرجح أن تتراجع هذه السنة إلى ما دون الصفر في المائة، مما يعني أن رئيس الجمهورية، الذي ظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك وسيخلق دينامية قوية تعززها التدابير والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، يجد نفسه اليوم أسير وعوده الانتخابية التي لا يملك القدرة على تحقيقها في ظل أوضاع اقتصادية دولية تتميز اليوم بتنقل ثقل العولمة الاقتصادية إلى الشرق الآسيوي وتخبط الحليف الأمريكي في مشاكل اقتصادية فضلا عن انخفاض سعر صرف الدولار مقابل اليورو وتراجع الصادرات الفرنسية، وغير ذلك من العوامل التي أثرت سلبا على الحركة الاقتصادية في البلاد وعلى قطاع الاستهلاك بشكل عام. وامتنع الرئيس فرانسوا هولاند عن الاحتفال بالذكرى الأولى لوصوله إلى قصر الإليزيه في ظرف تدهورت فيه شعبيته بشكل كبير. أما العهود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية، فتواجه واقعا اقتصاديا واجتماعيا عسيرا، جعلت البعض يسأل عما إذا كان هولاند الرجل المناسب في المكان المناسب. معطف الرئيس وفي سياق متصل، نشرت الحكومة قبل أسبوع على موقعها الإلكتروني وثيقة تكشف بالأرقام عن الوعود والالتزامات ال66 التي تم تجسيدها على أرض الواقع مثل قانون «الزواج للجميع» الذي صادق عليه البرلمان الشهر الماضي وقانون إصلاح الشغل، فضلا عن تكريس حرية القضاء واحترام مؤسسات الدولة الفرنسية وعدم التدخل في شؤونها. لكن الوعود الأخرى لا تزال حبرا على ورق، ومنها الالتزام بمعالجة مشكلة البطالة وتقليص نسبتها وتحسين القدرة الشرائية للفرنسيين، لاسيما الفئات ذات الدخل الضعيف، إضافة إلى قانون منح حق التصويت للمهاجرين الشرعيين في الانتخابات المحلية، وهو الوعد رقم 50 في سلّم الالتزامات الانتخابية.. وحول هذا الوعد تحديدا، والمطروح للنقاش منذ وصول الرئيس الراحل فرانسوا ميتران إلى السلطة في 1981، قال رئيس الحكومة إن مناقشته في البرلمان ستحصل عندما تتوفر شروط المصادقة عليه. ويقول لوي غرافيي، الخبير في معهد الدراسات الاستراتيجية الفرنسية ل«المساء» أن حصيلة فرانسوا هولاند بعد سنة من الحكم لم تصل إلى مستوى الطموحات والآمال التي علقت عليه في بداية ولايته الرئاسية: «لم يلبس هولاند معطف الرئيس والقائد الذي يقرر، لاسيما في الأوقات الصعبة، بل تصرف وكأنه على رأس حزب سياسي، وهذا أدى بدون شك إلى إضعاف الدور الفرنسي على المستوى الأوروبي وأمام ألمانيا بشكل خاص». وأضاف أن فرانسوا هولاند فشل بشكل كبير في كبح جماح البطالة وهو الموضوع الأهم بالنسبة للفرنسيين، ولم يتمكن على المستوى الأوربي، في سياق تصديه لسياسة التقشف التي فرضتها ألمانيا على دول الاتحاد، من قلب المعادلة لصالح فرنسا، بل فرض هو بدوره سياسة تقشفية. سياسة أوربية فاشلة لكن فشل هولاند في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، يضيف غرافيي، يقابله نجاح كبير في مجال السياسة الخارجية. والدليل، حسب رأيه، الطريقة الجيدة التي أدار بها الحرب في مالي، إضافة إلى النجاحات الدبلوماسية التي حققها خلال زياراته إلى الجزائر والمغرب وحتى إلى الصين مؤخرا. ومن جهتها، انتقدت المعارضة بشدة حصيلة هولاند بعد سنة من الحكم واعتبرت برنامج هولاند الاقتصادي غير مقنع، حيث منذ وصوله إلى السلطة تدهور الوضع المعيشي للفرنسيين وارتفعت نسبة البطالة وفقدت فرنسا قوتها الاقتصادية والسياسية أمام ألمانيا. وإلى جانب الحملة التي شنتها على سياسة رفع الضرائب التي تمارسها الحكومة الحالية، والتي أدت إلى خنق الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم، انتقد حزب اليمين، الاتحاد من أجل حركة شعبية، السياسة الأوربية للرئيس هولاند بقوله: «بدل أن يبني هولاند علاقة صداقة مع برلين تقوم على الثقة المتبادلة وتسمح بمعالجة كل المشاكل العالقة بين البلدين، راح ينتقد هذا البلد، مما أدى إلى توتر العلاقات بين باريس وبرلين». أما جبهة اليسار وبعض المسؤولين في حزب الخضر، فلم يكفوا في الآونة الأخيرة عن انتقاد الرئيس الفرنسي واتهامه بتطبيق سياسة اقتصادية موالية لأرباب العمل في حين كان وعده عندما كان مرشحا للانتخابات مواجهة السوق المالي العالمي ومساعدة الفقراء. والحقيقة أنه بعد عام كامل عن فوزه في الانتخابات الرئاسية، يجد الرئيس الفرنسي اليوم نفسه في مرمى انتقادات المعارضة الفرنسية بمختلف توجهاتها السياسية والإيديولوجية. فما بين الاتهامات بالفشل ووعود لم تتحقق ودعوات إلى تغيير السياسات التي تنفذها الحكومة، يبدأ هولاند عامه الثاني بالقصر الرئاسي على صفيح ساخن في مواجهة الشارع الفرنسي وأيضا المعارضة. حملة من كل الاتجاهات وكثفت الوجوه البارزة في المعارضة الفرنسية اليوم حملة الانتقادات ضد الرئيس هولاند وحكومته، حيث أكد جون لوك ميلنشون، زعيم جبهة اليسار والمرشح الرئاسي السابق، أن «الأمة الفرنسية تنزف حتى الموت»، منتقدا سياسة التقشف التي تنفذها حكومة باريس. ومن ناحيته، توجه رئيس حزب «الجمهورية الدائمة»، نيكولا دوبون أينا، إلى قصر الإليزيه لتقديم، وبشكل رمزي «زوج من النظارات» لكي يرى من خلالها الرئيس هولاند «معاناة الفرنسيين». وقال «إن هذه النظارات ستسمح للرئيس الفرنسي بالإطلاع على معاناة وغضب الشعب الفرنسي واليأس الذي ألم بمواطنينا، والمأزق السياسي الذي تشهده البلاد، مضيفا أنه «على مدار عام كامل، عمل من خلال المعارضة البناءة مرارا وتكرارا على تنبيه الرئيس إلى المأزق السياسي وخطورة الوضع في فرنسا ولكن دون جدوى». واعتبر المعارض الفرنسي أن الرئيس هولاند ينغلق على نفسه في القصر الرئاسي ويرفض أن يرى ما يراه كل الفرنسيين وأن يسمع «تصاعد الغضب والاستياء».. ، مشيرا إلى أن هولاند كأسلافه من الرؤساء الفرنسيين لاسيما نيكولا ساركوزى، يترك نفسه منغلقا حول النظام التكنوقراطي وحكم الأقلية الباريسية، والقصر. وفي السياق ذاته.. انتقد كريستيان جاكوب، رئيس مجموعة حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» عدم قدرة الرئيس الفرنسي على العمل وعلى اتخاذ خيار سياسي واضح، بينما القارب يوشك على الغرق»، معتبرا أن كل ما يقوم به هولاند هو محو كل الإصلاحات الهيكلية التي نفذت في ولاية الرئيس ساركوزي. وقال «كنا على مسار خفض العجز» وأول شيء فعله، هو كسر هذا المسار، وهو الأمر الذي يضعنا اليوم في وضع مستحيل». من جانبها..وصفت مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) الرئيس الفرنسي بأنه «عديم اللون والرائحة والمذاق»، معتبرة أن حصيلة السنة الأولى من ولاية هولاند «كارثية» حيث لم يحقق هولاند على مدار العام سوى التدخل العسكري الفرنسي فى مالي، والذي يستحق التهنئة على هذا التدخل هو الجيش الفرنسي، حتى لو كان رئيس الدولة «هو من اتخذ القرار الصحيح».