قبل سنة 2003، كان مجموعة من المنتخبين ينظرون إلى جماعات المعاريف وسيدي بليوط وأنفا على أنها من الجماعات المرضي عنها، نظرا للفوائض المالية الخيالية التي كانت تحققها آنذاك، وكان هؤلاء المنتخبون ينتظرون بشغف دخول الدارالبيضاء إلى نظام وحدة المدينة، لكي تكون جميع المقاطعات على قدم المساواة، لكن ظل هذا الأمل مجرد أمنية، إذ لا تكاد تمر دورة من دورات المجلس، إلا وينتفض مستشارون من مقاطعات سيدي عثمان أو اسباتة أو مولاي رشيد أو الحي الحسني، ليعلنوا عن ضرورة تصحيح هفوات نظام وحدة المدينة، متسائلين عن الأسباب التي تجعل العاصمة الاقتصادية تتخاصم مع مناطقها المحيطية. على مر السنوات التي سبقت نظام وحدة المدينة في الدارالبيضاء، ظل الحديث منصبا على النظام الذي يمكن من خلاله إعادة الاعتبار لحزام البؤس الممتد من ليساسفة إلى أهل الغلام، مرورا بعين الشق واسباتة وابن امسيك ومولاي رشيد وسيدي عثمان وسيدي مومن، فجرى الحديث عن مجموعة من النماذج، وفي الأخير، تم اختيار نظام وحدة المدينة بمبررات مختلفة، ومن بينها أنه القادر على توحيد الإمكانات المادية للمدينة وأن خيرات العاصمة الاقتصادية ستوزع بشكل متساوٍ على جميع المناطق دون تمييز بين أجزاء الدارالبيضاء. سياسة القرب خلال الشهور التي سبقت الانتخابات الجماعية لسنة 2003، كان المستشارون الجماعيون، الذين ينتمون إلى الجماعات الهامشية، ينتظرون تطبيق مشروع نظام وحدة المدينة، لأنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق المشاريع الاجتماعية والثقافية والرياضية التي يطالب بها سكان هذه الجماعات، وتم تقسيم المدينة إلى 16 جماعة بدل 27، واعتبرت أطراف كثيرة أن هناك إرادة حقيقية لتغليب مصالح المناطق الهامشية، سيما أن الشعار الذي رفع آنذاك في الانتخابات الجماعية هو «سياسة القرب»، وأصبح هذا الشعار تلوكه الألسن. ومع توالي الشهور والسنوات، بدأت أصوات كثيرة تحتج على سياسة الإقصاء التي تعرفها مجموعة من المقاطعات، بما فيها تلك التي كانت تعتبر مرضيا عنها وتحقق لوحدها الملايير من السنتيمات كفوائض مالية، ولم تعد تخلو دورات المجلس من رفع المستشارين لأصواتهم احتجاجا على المشاكل التي تعانيها مقاطعاتهم، بل إن هناك من قرر تجميد عضويته في مجلس المدينة كرد فعل على التمادي في تهميش المقاطعات وعدم عقد ندوة رؤساء هذه المقاطعات. من جماعة إلى مقاطعة في ليساسفة، مولاي رشيد، اسباتة، الفداء وعين الشق... وغيرها، لا يشعر الكثير من المواطنين بأن هناك تغيير ملموس جرى بمقاطعاتهم سوى تغيير أسمائها من جماعات إلى مقاطعات، بل إن العديد من المواطنين يحنون إلى الزمن، الذي كانت فيه الجماعات المحلية مستقلة بنفسها، على الأقل، كما يؤكد البعض منهم. قال (سعيد)، مواطن في منطقة «اسباتة»: «لم نكن نفكر كثيرا كلما وقع أي مشكل بالنسبة إلينا، حيث كنا نتوجه فورا إلى المستشار الجماعي الذي كان يتدخل من أجل حل هذا المشكل ولم تكن لنا أي علاقة بالمركز». الحنين إلى الماضي لا يرتبط بالمواطنين فقط، بل إن المعنيين المباشرين بالأمر وهم المنتخبون يؤكدون أنه حان الوقت للتفكير في صيغة بديلة عن نظام وحدة المدينة أو «وحلة» المدينة، كما يفضل بعض المستشارين أن يطلقوا عليها. ومن المنتخبين الغاضبين هذه الأيام من القضية المتعلقة بتهميش المقاطعات المحيطية، هناك الطاهر اليوسفي، عضو في مجلس المدينة، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي قال في تصريح ل«المساء»: «إن المنح التي تحصل عليها المقاطعات هزيلة جدا مقارنة مع حاجياتها، كما أن اختصاصات هذه المقاطعات تنحصر فقط في إبداء الرأي»، وأضاف أن الكثير من المقاطعات الموجودة على هامش المدينة، تعاني من الاختلالات نفسها التي كانت تشكو منها في النظام السابق، واعتبر اليوسفي أنه حان الوقت للتفكير في تعديل نظام وحدة المدينة، على الأقل في الجوانب المرتبطة بمنح اختصاصات واسعة للقطاعات والزيادة في المنح المخصصة لها. منتخبو الدرجة الثانية أكد الطاهر اليوسفي أنه من خلال السنوات الأخيرة، تبين أن هناك عودة مجددا للاهتمام بالمركز والمقاطعات المحيطة به، كالمعاريف وأنفا على حساب باقي المقاطعات الأخرى، وذلك في الوقت الذي تشتكي فيه المقاطعات المظلومة من توسع عمراني فظيع، الأمر الذي تسبب في إحداث فوارق اجتماعية واقتصادية بين أجزاء المدينة، عكس فلسفة وحدة المدينة الداعية إلى محو كل صور التفرقة بين المناطق، وأضاف اليوسفي أن «المشاريع الكبرى محصورة فقط في مناطق معينة، وهو ما يحدث خللا على مستوى البنيات الاجتماعية والثقافية، وقد أصبح منتخبو المقاطعات الذين لم يحالفهم الحظ ليكونوا أعضاء في مجلس المدينة يشعرون أنهم منتخبون من الدرجة الثانية، وتحولت مجموعة من دورات المقاطعات إلى فضاء لتوجيه التهم إلى المجلس الأم، وهو مجلس المدينة، لأنه رفع يده عن هذه المناطق، ولقد حان الوقت لإعادة النظر في التقطيع الإداري والجماعي، إضافة إلى ضرورة تعديل النظام الجبائي، لأنه لا يعقل أن تؤدي مقهى في ليساسفة الرسوم ذاتها التي تؤديها مقهى في المعاريف أو أنفا، فهذا يعني شيئا واحدا، هو غياب العدالة الجبائية، وهو الأمر الذي يستدعي فتح نقاش معمق في هذه القضية». توزيع «الزفت» ليس اليوسفي وحده من يشعر بالغضب، بل أيضا رئيس مقاطعة الفداء، سعيد حسبان، والذي كان قد انتفض في وجه العمدة محمد ساجد معلنا عن تجميده لعضويته داخل مجلس المدينة، بسبب عدم عقد ندوة رؤساء المقاطعات وغياب الإرادة لترتق بعض الثقوب التي تعرفها العلاقة، التي تربط بين مجالس المقاطعات ومجلس مدينة الدارالبيضاء، وقال سعيد حسبان في تصريح ل«المساء»: «إن الميثاق الجماعي يؤكد أن المنح الموزعة على المقاطعات يجب أن يتم توزيعها، حسب مجموعة من الشروط، فهناك الثلث الجزافي، والذي تستفيد منه جميع المقاطعات دون استثناء، وثلث يوزع حسب عدد سكان المقاطعة، بينما الثلث الثالث له علاقة بالمرافق الاجتماعية والثقافية التي توجد في المقاطعة، إلا أن هذه العملية تشوبها بعض الاختلالات على مستوى توزيع المنح»، وأضاف أنه لا يمكن، بمبرر التوزيع العادل لخيرات المدينة، أن يكون هذا التوزيع آليا، حيث إن كل مقاطعة لها حاجياتها، فهناك المقاطعات التي في حاجة إلى «الزفت»، بينما أخرى تحتاج إلى مرافق القرب، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يتم توزيع «الزفت» على جميع المقاطعات، في حين أن هناك مناطق في حاجة إليه أكثر من مناطق أخرى. وأوضح سعيد حسبان أنه لا يعقل الاستمرار في العمل بميثاق الشرف الموقع بين العمدة ومكونات المجلس، على اعتبار أن الميثاق الجماعي هو القاعدة الأساسية المنظمة للعمل الجماعي على الصعيد الوطني، فالإصرار على العمل بميثاق الشرف، حسب رأيه، وعدم عقد ندوة رؤساء المقاطعات، دليل على غياب الاستراتيجية في العمل، مضيفا أن نجاح المدينة هو في نجاح المقاطعات، وقال: «لقد قررت تجميد عضويتي إلى حين اتخاذ القرار بالعودة إلى الصواب والاستناد إلى الميثاق الجماعي، لأن أي قرار آخر لا ينسجم مع مبادئي والأفكار التي أومن بها». ارتفاع سقف المطالب واعتبر رضوان المسعودي، رئيس مقاطعة اسباتة، أن نظام وحدة المدينة جاء في زمن متغير، حيث نسبة مطالب المواطنين أصبحت مرتفعة جدا، مؤكدا أن القضية لم تعد مرتبطة بشكل كبير بالبنيات التحتية، بل أصبح الإشكال يتعلق بأمور أخرى مرتبطة بإشراك المجتمع المدني في صنع القرار، وقال: «أعتقد أن نواقص وحدة المدينة تكمن في بعض القضايا الإدارية، إذ أصبح المواطن المحتاج إلى وثيقة إدارية مضطرا إلى التوجه نحو وسط المدينة، حتى لو اقتضى الحال الحصول على رخصة لاستغلال الملك العمومي، فهناك بعض النواقص التي لابد من معالجتها، وذلك بالتفكير في تقسيم المدينة إلى أربع جماعات كبرى تتمتع بالاستقلال المالي والذاتي، في حين يتكلف مجلس المدينة بالمشاريع الكبرى». وبعيدا عن كل هذا الكلام، أكد حسن لقفيش، عضو بمجلس مقاطعة ابن امسيك، أنه خلال التجربة الجماعية الحالية، تمت إعادة الاعتبار لمجموعة من الأحياء الهامشية، مستدلا ببعض الدواوير في الهراويين ودوار أحمد بالحسن والمكانسة، وقال: «حاليا التفكير منصب حول مجموعة من المناطق الأخرى كليساسفة وعين السبع وكاريان زربابة، وهو ما يعني أن هناك إحساس بالمشاكل التي تعرفها الأحياء الهامشية». وتستمر القصة.. ومهما اختلفت الآراء حول انعكاسات تجربة وحدة المدينة على المقاطعات الهامشية، فإن هذه الآراء تتوحد في أنه حان الوقت لفتح نقاش عمومي حول مدى نجاح وحدة المدينة في الأهداف التي رسمت لها، وتجاوز الهفوات التي وقعت خلال تطبيق هذا النظام، لأن نجاح أي مدينة رهين بنجاح مناطقها المحيطية، فلا يمكن بأي حال الافتخار بالمشاريع الكبرى، التي تنجز في العاصمة الاقتصادية، في حين أن مظاهر البؤس والحرمان ما تزال تخيم على العديد من الأحياء الأخرى.
ليساسفة تستغيث: كفى من سياسة التهميش والإقصاء أسيل الكثير من المداد حول موضوع نجاح أو فشل نظام وحدة المدينة، الذي جاء ليصحح ويواكب نمو المناطق ويطورها بشكل متساوٍ دون أن تكون هناك سرعات متفاوتة بين مقاطعة وأخرى، ذلك فعلا هو الهدف النبيل، الذي حرك ملف تطبيق وحدة المدينة، لكن ماذا حصل بعد ذلك ؟ هناك من يقول إن الهدف من إحداث نظام الوحدة تم تنفيذه بنجاح، مستدلا بالمشاريع الكبرى، التي تم إنجازها في المدينة، وهناك من يشدد على فشل نظام الوحدة، مستشهدا بحالة مقاطعات معينة تم تهميشها على حساب مناطق أخرى، كحي ليساسفة الموجود بالمدخل الجنوبي لمدينة الدار البيضاء، والذي يضم أكثر من 160 ألف نسمة، فهذه المنطقة يوجد فوق ترابها ما يفوق 250 وحدة صناعية، ولا تتوفر على أبسط الضروريات التيت تمتع بها الحواضر والمدن، مما تستحق معه لقب أفقر الأحياء من ناحية البنيات والفضاءات الأساسية، في مفارقة غريبة وعجيبة. حي ليساسفة، عرف منذ ثمانينيات القرن الماضي تحولا نوعيا وعمرانيا، بحكم أن معظم سكانه من أبناء الدواوير الصفيحية، التي تم ترحيلها في إطار برنامج محاربة دور الصفيح، فاستفاد جلهم من بقع أرضية مساحتها 64 مترا مربعا، كانت تابعة لجماعة دار بوعزة، ثم استقلت بذاتها لتصبح بلدية بميزانية تقدر ب 3 ملايير سنتيم. وفي سنة 2003، تاريخ تطبيق العمل بنظام وحدة المدينة، تمت عملية دمج بلدية ليساسفة مع جماعة الحي الحسني، وأصبحت تحمل اسم الحي الحسني بميزانية تقدر بحوالي 740 مليون سنتيم. عاشت ليساسفة في السنوات العشر الأخيرة تهميشا لم يسبق له مثيل، فاستحقت بذلك لقب «انفكو الدار البيضاء» (مقال: جمهورية ليساسفة الشعبية لعبد الرحيم أريري- الوطن الآن)، فيكفي أن نعلم أن مقر بلدية ليساسفة الذي تم تشييده في سنوات التسعينيات لا يتوفر على أبسط المعايير الصحية والمهنية، فالموظف بهذه المقاطعة يعاني في صمت، أما المواطن فحدث ولا حرج، مع الإشارة إلى انه تم رصد ميزانية لبناء مقر يليق باستقبال المرتفقين، ويصون كرامة الموظف، لكن وبسبب التهميش والإقصاء الممنهج، تم تحويل مبلغ 4 مليون درهم إلى جهة أخرى لازلنا نجهل وضعها. ليساسفة كحي هامشي في منظور أعضاء مجلس المدينة، عرفت انفجارا ديمغرافيا مهما، بحكم أن جل المستثمرين ولوبيات العقار على وجه الخصوص، استفادت من الأراضي الشاسعة لتثقل وتعمق معاناة السكان فيما يعرف ب«هجوم الإسمنت»، الذي لا يراعي المواصفات، حيث لا تتم مواكبة إنشاء تلك التجمعات السكنية بتوفير الخدمات الأساسية والضرورية، كالمدارس و الحدائق والمستوصفات... وعلى ذكر المراكز الصحية، تكفي معرفة وجود مركز واحد بالملحقة الإدارية ليساسفة بجانب مصلحة تصحيح الإمضاءات، نظرا لعدم توفر أي بناية بتراب الحي، الذي يضم ما يزيد عن 10 تجمعات سكنية حديثة الإنشاء، لنقوم جميعا بطرح سؤال من المسؤول عن ذلك؟ ولا يسع المجال لذكر كل المشاكل والاختلالات التي تعاني منها ساكنة ليساسفة منذ 10 سنوات مع تطبيق نظام وحدة المدينة، الذي نجدد إعلاننا عن فشله وفشل الغرض من تبنيه، ونجدد بذلك مطالبنا بجعل ليساسفة مقاطعة مستقلة، فكل مقومات إنشائها متوفرة، فقط ننتظر قرار التقطيع لإنصاف هذا الحي، الذي يعاني في صمت، فكفى من سياسة التهميش والإقصاء والحكرة، فاليوم في ليساسفة شباب دافع وسيدافع عنها بكل الطرق المتاحة، وما وقفاتهم الأخيرة (وقفة خلال دورة الحساب الإداري لمجلس المدينة ووقفة ضد استمرار إغلاق المركز الصحي الحضري) إلا رسائل لمن يهمهم الأمر، ولا محيد عن الاستماتة في سبيل الدفاع عن حي يجمعنا جميعا، ونقول لهم إننا سنعمل على إعادة الاعتبار لحينا رغما عنكم فهذه ليساسفة، اعذرونا.