شهور قليلة بعد أن حزمت عدة شركات فرنسية حقائبها، وغادرت المغرب تحت ضغط الأزمة المالية العالمية، ومنها شركة «فيوليا» و«فيفاندي»، سيحل الرئيس الفرنسي بالرباط والدار البيضاء في زيارة سيعول فيها كثيرا على إبرام عقود تحافظ على ضمان التواجد الفرنسي في سوق الصفقات المغربية، بعد أن تمكنت إسبانيا من تعزيز حصتها وتقليص الفارق بينها وبين فرنسا، التي تعد الشريك التجاري الأول للمغرب. عدد من المتتبعين يرون أن الجانب الاقتصادي سيكون له الحيز الأكبر في أجندة زيارة هولاند، خاصة بعد أن نجح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في العودة بصفقة ال«تي جي في» المثيرة للجدل، وهو ما تأكد بعد التصريحات التي صدرت عن الجانب الفرنسي، والتي أشارت إلى أن فرنسا تبحث عن حصة في مشاريع الطاقة المتجددة والزراعة، لذا سيكون للغة المصالح الاقتصادية حضور قوي. من جهة أخرى، فإن العلاقات السياسية القوية والمستقرة بين الرباط وباريس ستفسح مجالا أكبر للتركيز على الإكراهات الأمنية، التي ستشكل أيضا محورا أساسيا في المباحثات الفرنسية المغربية، بعد التطورات التي شهدتها منطقة الساحل وما تلاها من تدخل عسكري فرنسي في مالي. في مقابل ذلك، فإن المغرب ستكون له ثلاثة انتظارات من هذه الزيارة حسب حسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أكدال، ويتمثل الانتظار الأول في مساندة فرنسا للمغرب بنفس القوة، التي كانت عليها في عهد ساركوزي في قضية الصحراء، خاصة في ظل المناورات التي يقوم بها خصوم المغرب للدفع في اتجاه خلق آلية لمراقبة حقوق الإنسان وتوسيع مهمة المينورسو، وكذا في ظل ما يتم الترويج له من أجل تغيير مبادرة المغرب القائمة على الحكم الذاتي بإقرار نوع من الفيدرالية، ومن هنا يعول المغرب على مساندة فرنسا التي تكمن قوتها في كونها عضوا دائما في مجلس الأمن. أما الانتظار الثاني، فيتمثل حسب بوقنطار في تعميق التعاون الاقتصادي وهي مهمة وصفها ب«الصعبة» وقال «نحن نعرف أن فرنسا موجودة في عدد من المشاريع، ونعرف جيدا أنها تعيش أزمة اقتصادية واضحة، ما جعل عددا من الأصوات ترتفع داخل فرنسا من أجل إعادة هذه الاستثمارات، لخلق فرص شغل وتقليص نسب البطالة»، وهي المطالب التي همت بالأساس مراكز النداء، التي تشغل آلاف الشبان المغاربة. أما الانتظار الثالث فله جانب اجتماعي وإنساني ويهم انتقال الأشخاص، بالعمل على تسهيل مساطر وإجراءات التأشيرة من أجل ضمان مرونة أكبر في تنقل الأشخاص، وهو الأمر الذي عملت فرنسا على تفعيله بشكل جزئي قبل الزيارة المرتقبة لهولاند، بعد أن أعلنت وزارتا الداخلية والخارجية الفرنسيتان أن فرنسا ستعمد إلى تبسيط إجراءات الحصول على تأشيرات التنقل الصالحة لفترة ما بين ستة أشهر وخمس سنوات للأجانب، خصوصا أصحاب المواهب والطاقات. زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب تأتي أيضا بعد أن نجح هذا الأخير في الخروج سالما من عواصف الربيع العربي، التي أغرقت عددا من الدول العربية في حالة من عدم الاستقرار، لذا فان المناسبة ستكون فرصة سانحة من أجل إزالة نوع من سوء الفهم والبس الذي حصل بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وما خلقه ذلك من توجس لدى عدد من الدول الغربية. ورغم أن عدة علامات استفهام طرحت حول أسباب تأخر زيارة هولاند للمغرب وكسره للتقليد بزيارة للجزائر، فإن بوقنطار أرجع الأمر إلى رغبة هولاند في بعث رسالة سياسية لتأكيد الأهمية التي يوليها لتصفية تركة الخلافات بين فرنساوالجزائر «رغم أنه لم يوفق في هذه المهمة خلال زيارته»، وأشار إلى أن زيارة هولاند للمغرب سبقتها زيارة للوزير الأول الفرنسي. وقال بوقنطار إنه من السابق لأوانه الحديث عن الإفرازات التي ستلي هذه الزيارة، وأضاف بان الهدف الأساسي منها سيكون هو ترسيخ العلاقات المتينة بين المغرب وفرنسا التي تحكمها مجموعة من المحددات الثقافية، والاقتصادية، التي استطاعت أن تسير في اتجاه متنام بالرغم من التغيرات على مستوى القيادات في فرنسا. وقال بوقنطار إن بين المغرب وفرنسا شبكة علائقية كبيرة في المجال الاقتصادي والثقافي والإنساني. وأضاف «هنا لا يجب أن ننسى أن فرنسا هي من أهم المدافعين، خاصة في عهد ساركوزي عن مواقف المغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء». إلى ذلك ستكون زيارة هولاند تحت المجهر ليس فقط من طرف الجزائر، التي تنظر بانزعاج للعلاقة الاستثنائية بين المغرب وفرنسا، بل أيضا من جبهة البوليساريو، التي تلقت صفعات موجعة في عهد الرئيس ساركوزي، وكانت تراهن على القيادة الجديدة من أجل تغيير مواقفها، قبل أن يخيب أملها، ما جعلها تستبق هذه الزيارة بتصريحات عنيفة تتهم فرنسا بعرقلة محاولة الوصول إلى حل لقضية الصحراء بسبب موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي.