سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعتصم: طلبت من بلفقيه أن يبلغ الملك أننا لا نريده أن يبدأ حكمه بكارثة في التعليم قال إن حزبه طالب الملك محمد السادس عند مجيئه إلى الحكم بترسيخ التعاقد بين المؤسسة الملكية والشعب
يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - عند تولي الملك محمد السادس الحكم، أرسلتم رسالتين إلى القصر الملكي؛ هل يمكنك الحديث عنهما وعن الملابسات التي دفعتكم إلى ذلك؟ بعد وفاة الحسن الثاني يوم 23 يوليوز 1999، أرسلنا برقية تعزية إلى القصر الملكي يوم 28 يوليوز 1999، ضمناها أيضا مذكرة تحت عنوان «المغرب والألفية الثالثة: تحديات مرحلة». وقد تناولت هذه المذكرة مجموعة من الملاحظات العامة عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المأزوم في بلادنا، حتى ننفتح عبرها على معالم أولية في الإصلاح الوطني الذي كنا نأمل أن نطل من خلاله على مغرب جديد في مستهل الألفية الثالثة، فطالبنا فيها بالقيام بإصلاحات دستورية تحدد المسؤوليات وتضع إطارات للمحاسبة عليها، وتفصل السلط، وتعمل على إقرار ملكية ديمقراطية حديثة؛ كما طالبنا في هذه المذكرة بإقامة ديمقراطية حقيقية، قوامُها حرية التعبير والتنظيم والمساواة أمام القانون والتداول السلمي على السلطة، بل وذهبنا فيها إلى المطالبة بترسيخ التعاقد المتجدد بين المؤسسة الملكية والشعب تعاقدا يحدد الحقوق والواجبات، مع الأخذ بعين الاعتبار الثوابت الوطنية ومتطلبات العصر؛ وطالبنا أيضا بإصلاح اقتصادي شامل وبتعزيز الهوية الوطنية دون انغلاق أو تشرنق على الذات؛ وطالبنا بإصلاح حقوقي وبإنهاء ملف الاختطاف والاعتقال السياسي؛ كما طالبنا بالقيام بإصلاحات اجتماعية؛ وختمنا مذكرتنا بالإشارة إلى أن حركة «البديل الحضاري» تتوخى المساهمة في إقامة دولة حديثة تسودها قيم العدل والحوار والديمقراطية ويكرم فيها الإنسان المغربي ليصبح مواطنا كامل المواطنة. - هل تلقيتم ردا على هذه المذكرة؟ لا. المهم أننا تأكدنا من وصولها. - بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة أشهر، ستبعثون مذكرة ثانية إلى القصر الملكي حول المسألة التعليمية.. بعد بضعة أشهر على تولي الملك محمد السادس مُلك المغرب، عبر عن نيته تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتعليم. نحن كانت لنا ملاحظات جوهرية حول هذا الميثاق؛ ومن باب المسؤولية والنصح بادرنا إلى مراسلة القصر، وقد شجعنا على ذلك خطابُ الملك الجديد ومبادراته. في هذه المذكرة، ناشدنا ملك البلاد أن يعمل على إيقاف أجرأة هذا الميثاق، وأن يدعو إلى فتح نقاش وطني حوله يشارك فيه الجميع، ويستتبع ذلك الحوار الوصول إلى مشروع ميثاق جديد يتطلب إجراء استفتاء وطني حوله. - هل كنتم تطالبون بإبعاد الميثاق الذي صاغته لجنة الراحل مزيان بلفقيه؟ نحن قلنا إنه بإمكاننا أن نعتبر ذلك الميثاق أرضية أولية يكون حولها حوار وطني. - ماذا كان رد القصر هذه المرة؟ التقى الأخ محمد الأمين الركالة، الذي كان قد وقع المذكرة لكونه كان رئيس جمعية «البديل الحضاري»، بالمرحوم مزيان بلفقيه الذي عبر له عن رغبته في الجلوس معنا لمناقشتنا تحفظاتنا على الميثاق؛ وفعلا حدد لنا موعدا بمكتبه في ملحقة لوزارة التجهيز في حي الرياض بالرباط. - وتم اللقاء؟ -- نعم، في الموعد المحدد وجدنا المستشار الملكي في انتظارنا، كنا أنا والأخ الأمين الركالة قد قسمنا المهام بيننا بحيث يتكلم أحدنا عن السياسات التعليمية في المغرب منذ الاستقلال، فيما يتكلم الآخر عن مضامين ومقررات تعليمنا، وخصوصا مدى قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها عند تنزيل الميثاق. وما إن أطلعنا السيد بلفقيه على ما نريد مناقشته معه حتى وقف وطلب منا الانتقال إلى غرفة أخرى، وطلب من الكاتبة إلغاء كل مواعيده. كان اللقاء إيجابيا وصريحا، حيث طرحنا فيه مؤاخذاتنا على الميثاق ورؤيتنا لإصلاح التعليم. - كم دام اللقاء؟ أربع ساعات بالتمام والكمال، وفي نهايته قال لنا بالحرف: «قولوا لي باختصار شديد، ما الذي تريدونني أن أبلغه إلى جلالة الملك؟ أجبته: قل لجلالة الملك إننا لا نريد أن يبدأ حكمه بكارثة في مجال التعليم، فهو ليس مسؤولا عن هذا الميثاق، وخير لبلدنا أن يؤجل أجرأة الميثاق سنة أو سنتين حتى ندقق الأمور من أن نعود بعد عِقد من الزمن للإعلان عن فشل الإصلاح والشروع في إصلاح جديد، والأدهى أننا سنكون قد أضعنا الكثير من الجهد والمال، وأيضا الكثير من الوقت، وهو الأهم. - وهذا ما حصل.. نعم، في سنة 2009 سيقدم مزيان بلفقيه، رحمه الله، تقريرا إلى الملك يعلن فيه عن فشل الإصلاح التعليمي. - مما استدعى إصلاح الإصلاح عبر المخطط الاستعجالي؟ نعم، وقد تنبأت بذلك من داخل السجن، ذلك أني كتبت مقالا ذكرت فيه أن إصلاح الإصلاح، أي المخطط الاستعجالي، سيفشل. - على ماذا أسست ذلك التنبؤ؟ عندما سألت أسبوعية «الأيام» المرحوم مزيان بلفقيه عن سبب تقدم التعليم في غزة والقطاع قياسا بالتعليم في بلادنا، أجاب جوابا كنا قد ناقشناه معه يوم لقائنا به، حيث قال وبكل بساطة: «لأن للتعليم في الأراضي الفلسطينية قضية، كما كانت للمغاربة قضية أثناء كفاحهم ضد الاستعمار». هكذا، إذن، فتعليم بلادنا بلا قضية، أي أنه جسم بدون حياة ولا روح. ولقد ساءلت حكومة عباس الفاسي، من خلال المقال الذي كتبته وأنا رهن الاعتقال، عندما سمعت بالمخطط الاستعجالي الذي رُصدت له أموال طائلة: هل أصبحت لتعليمنا قضية من خلال المخطط الاستعجالي؟ وقلت: إذا كان الأمر غير ذلك -وهو ما كان بالفعل- فالفشل الذريع ينتظر إصلاح الإصلاح، وهذا ما كان للأسف الشديد.