يروي مصطفى المعتصم، واحد من السياسيين الستة الذين وجهت إليهم تهم ثقيلة في ملف خلية بلعيرج، في اعترفاته ل«المساء»، تفاصيل مثيرة ارتبطت بحياته الشخصية والدعوية والسياسية. ويعترف مصطفى المعتصم بأنه كان وراء إطلاق «العمل الإسلامي» في الثانويات والجامعات أيام كانت قلاعا يسارية، ويحكي كيف تعرف على عبد الكريم مطيع، زعيم «الشبيبة الإسلامية»، ليصبح قياديا فيها بعد هروب هذا الأخير إلى الخارج إثر اغتيال الاتحادي عمر بنجلون، حيث سيقابله في السعودية ليقول له مطيع: «احذر عبد الإله بنكيران فهو عميل للنظام». ويحكي المعتصم تفاصيل ما دار بينه وبين عبد السلام ياسين وكيف تخلص منه مرشد العدل والإحسان قائلا: «أنت تصلح لحزب التحرير وليس لجماعتنا». ويقف مطولا عند علاقته بعبد القادر بلعيرج، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضايا الإرهاب، وتجربة توحيد الحركات الإسلامية، وتجربة القطب الديمقراطي مع حرزني وصلاح الوديع وآخرين سنة 2002، وتأسيسه حزب «البديل الحضاري» ثم اعتقاله بتهمة الإرهاب، وكواليس استنطاقه ومحاكمته، ثم تجربته السجنية. - ما الذي قمتم به في «الاختيار الإسلامي» بعد فشل مبادرة سنة 1992 الوحدوية بين الفصائل الإسلامية الخمسة والتي هي، بالإضافة إلى حركتكم، جمعية الدعوة الإسلامية في فاس والجمعية الإسلامية بالقصر الكبير وجمعية التوحيد بالدار البيضاء وجمعية الشروق (التبين) بالرباط؟ سنتان من الانخراط في مشروع وحدة كانت كلفتهما التنظيمية غالية على حركة «الاختيار الإسلامي»، حيث تطلبتا منا مجهودات كبيرة كانت على حساب التنظيم، لأن رهاننا على تأسيس الجبهة الإسلامية العريضة كان رهانا كليا. حينما فشلت الوحدة كانت لذلك انعكاسات وآثار معتبرة في نفوس الإخوة والأخوات، وكان لزاما علينا عقد مؤتمر لإعادة ترتيب أوراقنا وطرح أولوياتنا وتحديد مهام المرحلة ووضع خارطة طريق لإنجاز ذلك. - هكذا عقدتم مؤتمرا ثانيا في خريف 1992؟ نعم، عقدناه في فاس. وخلاله قيّمنا تجربة الوحدة. كما استحضرنا في هذا المؤتمر تفاعلات المذكرة التي أطلقتها الكتلة الديمقراطية، ورد القصر عليها في سياق عالمي تميز بهبوب رياح الديمقراطية على أكثر من بلد. وقد أسفر المؤتمر عن ضرورة اتخاذ ثلاث مبادرات هي: مبادرة طلابية تأسست بالفعل وعرفت باسم «طلبة الميثاق»، نسبة إلى الميثاق الذي طرحته في الساحة الطلابية المغربية والذي كان بمثابة صيغة أخلاقية لتوفير التعايش والائتلاف بين المكونات الطلابية ومناهضة كافة أشكال الإقصاء والدعوة إلى الديمقراطية والحوار الطلابي ونبذ العنف؛ ومبادرة إعلامية ستتجلى في جريدة «الجسر» التي حاولنا من خلالها العمل على التعريف بخطنا السياسي والتأكيد على أهمية الحوار في تأسيس القناعات ونبذ العنف، وأولوية الحوار بين الديمقراطيين لإدخال بلادنا إلى نادي الدول الديمقراطية ومناصرة القضايا العادلة لشعبنا ودعم قضايا الشعوب المناضلة من أجل التحرر والانعتاق من الاستعمار، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني؛ كما قررنا التحضير للمبادرة السياسية، أي تأسيس حزب سياسي، وأكدنا على قيمة وأهمية النضال من أجل دولة حقوق الإنسان باعتبار الشعار غير مسبوق في الساحة الإسلامية المغربية: «دولة حقوق الإنسان طريقنا نحو دولة الإسلام»، أي أننا تبنينا استراتيجية النضال الديمقراطي التي سندشنها بالمطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية وباحترام حقوق الإنسان وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين. - هذا يعني أنكم أصبحتم تقدمون الدولة المدنية على الدولة الدينية؟ نعم، فنحن كنا نتفاعل بشكل إيجاب مع تطور الوضع الداخلي والعالمي. ويمكن اعتبار انتقالنا من الفكر الانقلابي إلى الفكر الثوري، ومن الفكر الثوري إلى تصور دولة حقوق الإنسان مدخلا للدولة الديمقراطية، عنوانا لهذا التفاعل. كما أن معركة حقوق الإنسان كانت، ولا تزال، معركة أساسية في أفق بناء دولة الحق والقانون ومقدمة في عملية بناء الدول الديمقراطية. وطبعا، يجب الإقرار بأن مسألتي حقوق الإنسان والديمقراطية لم تكونا بالوضوح الذي تشكل لدينا اليوم في «البديل الحضاري» حولهما. - في أي سنة انطلقت مبادرة طلبة الميثاق؟ مباشرة بعد المؤتمر، أي في خريف 1992. - ما هي القيمة التي أضافها طلبة الميثاق؟ من خلال طرح الميثاق، نجح طلبتنا في خفض منسوب العنف خلال السنة الدراسية 1992 و1993 بحكم العلاقة الطيبة التي نسجوها مع مختلف أطياف الساحة الطلابية. تصور أنه في عز الصراع بين الفصائل اليسارية والإسلامية، سيستطيع طلبة الميثاق تنظيم نشاط كبير مساند للقضية الفلسطينية في فاس، شارك فيه المهدي المنجرة، عافاه الله سبحانه وتعالى، وعبد الإله بلقزيز وأحمد السنوسي (بزيز) ومصطفى المعتصم، ولم يتأخر أي فصيل طلابي عن الحضور في هذا النشاط. وقد كنا، في «الاختيار الإسلامي» وفي فصيل طلبة الميثاق، مقتنعين بأن العنف اللامبرر الذي دخلت فيه الساحة الطلابية كان بفعل يد خفية، حركته من أجل تأجيج الصراعات بين القوى الوطنية بغرض بسط اليد والتحكم في المشهد السياسي المغربي برمته. - هذا يتم الحديث عنه كثيرا دونما تقديم دلائل على ذلك.. يجب ألا ننسى أن العنف الذي شهدته الساحة الطلابية في بداية التسعينيات من القرن الماضي وما رافقه من إشاعات حول الإساءة إلى الذات الإلهية والقرآن الكريم والحجاب من طرف الطلبة اليساريين، سيكون له صدى كبير في الشارع المغربي حتى إن خطباء المساجد في العديد من المدن المغربية، ومن بينها فاس، سيتناولون هذا الموضوع في خطب الجمعة. ولقد علمنا بتفاصيل المجهودات الكبيرة التي بذلها بعض الذين كانوا يعرفون أنفسهم بكونهم من المنتسبين إلى اليسار الراديكالي لإشعال نيران الفتنة. - هل كان هؤلاء مدسوسين وسط اليسار الراديكالي؟ نعم، كانوا مدسوسين لإشعال نيران الفتنة ونسبها إلى اليسار. وأقولها وأكررها، لقد كان الهدف من الصراع هو زرع الرعب والخوف وعدم الثقة بين مكونات الساحة السياسية المغربية، كمقدمة لترتيب بات وشيكا. - معنى ذلك أن الدولة خلقت ورعت مناخ العنف هذا، لغاية ما.. نعم، وإلا بماذا تفسر عدم التدخل لأزيد من شهر لإعادة الأمن إلى الأحياء الجامعية والكليات. وصدقا، فإن التنظيمات السرية هي أسهل ما يمكن اختراقه وتوجيهه بجهاز التحكم عن بعد دون أن تترك أي فرصة للشك فيها، ثم إن الحكم بالمؤامرة كان سمة أساسية لسنوات الرصاص. - أين كان فصيلكم الطلابي «طلبة الميثاق» من كل هذا الصراع؟ رفضنا الصراع الذي كان يصب في خانة المتآمرين على الساحة الطلابية. ولهذا بادرنا إلى اقتراح الميثاق لضبط وتنظيم العلاقات بين المكونات والفصائل الطلابية اليسارية والإسلامية. وقد لاقى هذا الميثاق تجاوبا كبيرا جدا. وأستطيع القول إن مهندسي الخريطة السياسية حينها لم يستسيغوا أن يقوم «الاختيار الإسلامي» بإحباط مخططهم، ولهذا أصبحنا مستهدفين. - أين يكمن هذا الاستهداف؟ في إخراجنا من الوحدة مع الفصائل الإسلامية، والإعداد للمخطط الأول لقضية بلعيرج بعد 15 يوما على خروجنا من مشروع الوحدة.