في خضم النقاشات التي أثارتها التعديلات الأخيرة على مدونة الأسرة المغربية، والتي صادق عليها المجلس العلمي الأعلى أمام أنظار الملك، بات من الضروري أن نقف وقفة تأمل وتفكر. هل نحن أمام إصلاحات تصب في مصلحة المجتمع والأسرة، أم أننا أمام سلسلة تغييرات تقود تدريجيا إلى تفكك أواصر الأسرة المغربية؟ لا يمكن الحديث عن الواقع الراهن دون العودة إلى الجذور. منذ الإصلاحات التي مست مدونة الأحوال الشخصية سابقا، ظهرت إشارات واضحة للتغير الاجتماعي العميق الذي يطرق باب الأسرة المغربية. جاءت مدونة الأسرة سنة 2004 بوعود كبيرة، عنوانها المساواة وحماية الحقوق، لكنها في الوقت ذاته زرعت بذورا جديدة في العلاقات الأسرية، حيث أعيد تعريف العديد من الأدوار داخل الأسرة بشكل يثير الجدل. مع استمرار تطبيق مدونة الأسرة، بدأت تظهر على السطح آثارها الاجتماعية. تصاعدت معدلات الطلاق، واتسعت الفجوة بين الزوجين، خاصة في ظل التعديلات التي رأى فيها البعض ميلا لفئة على حساب الأخرى. أصبحت الأسرة المغربية في مواجهة ضغوط اجتماعية واقتصادية وقانونية تهدد استقرارها، خاصة في غياب دعم فعلي للبنية الأسرية من الدولة والمجتمع المدني. المستجدات الأخيرة التي طرحتها مدونة الأسرة، والتي صادق عليها المجلس العلمي الأعلى، تعكس استمرارا لهذا النهج، لكنها تحمل بين طياتها أسئلة أكبر. هل يمكننا الاستمرار في تغيير القوانين دون أن نتساءل عن آثارها طويلة المدى على كيان الأسرة؟ هل يكفي تعديل النصوص القانونية دون معالجة الأسباب الحقيقية التي تدفع الأسر نحو التفكك؟ إن الحديث عن الأسرة لا يمكن فصله عن سياق الوضع العام للدولة. الأسرة المغربية ليست بمعزل عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع ككل. ماذا عن البطالة التي تفشت بشكل كبير؟ ماذا عن الجوع الذي ينهش غالبية أبناء الشعب؟ ماذا عن أزمة السكن والتعليم والصحة؟. الدولة مطالبة بتقديم حلول شاملة تعالج هذه المشاكل من جذورها. الإصلاح القانوني وحده لا يكفي إذا لم يكن مصحوبا بإصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية توفر للأسر الظروف المعيشية الكريمة، وتجعل التعليم والصحة في متناول الجميع. إن النهوض بالأسرة لا يبدأ من النصوص، بل يبدأ من معالجة الفقر، من توفير فرص العمل، من توفير السكن اللائق، ومن إصلاح التعليم الذي يعد البوابة الحقيقية لأي تنمية مستدامة. إن الأسرة هي نواة المجتمع، وأي مساس بتوازنها هو مساس باستقرار المجتمع ككل. اليوم، ونحن نشهد هذه التغيرات المتلاحقة، لابد أن نسأل: أين الحلول الشاملة التي تعالج المشكلات من جذورها؟ هل نحن بحاجة إلى قوانين جديدة أم إلى وعي جديد يعيد للأسرة مكانتها ودورها المحوري؟ إن التحديات التي تواجه الأسرة المغربية اليوم ليست فقط نتيجة قوانين جديدة، بل هي انعكاس لمجتمع يعيش تحولات عميقة. لا يمكننا تجاهل أثر العولمة، وضغوط الاقتصاد، وغياب التربية على القيم، لكن الأهم هو أن ندرك أن القوانين ليست الحل الوحيد. فلنتأمل معا: هل نحن بحاجة إلى مراجعة للقوانين أم لمراجعة الذات والدولة معا؟ سفيان المعديوي باحث في القانون خريج ماستر الاسرة والتوثيق