جمعية المحامين تبدي ترحيبها بالوساطة من أجل الحوار‬    الملكية بين "نخبة فرنسا" والنخبة الوطنية الجديدة    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع محضر تسوية مع الحكومة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة        تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    تفاصيل قانون دمج صندوق "كنوبس" مع "الضمان الاجتماعي"    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    هذا ما حدث لمشجعين إسر ائيليين بعد انتهاء مباراة في كرة القدم بأمستردام    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    عودة جاريد كوشنر إلى البيت الأبيض.. صهر كوشنير الذي قد يسعى إلى الإغلاق النهائي لملف الصحراء المغربية    بالفيديو: يوسف النصيري يهز شباك ألكمار بهدف رائع في "اليوروباليغ"    هذه لائحة 26 لاعبا الذين استدعاهم الركراكي لمباراتي الغابون وليسوتو    الكعبي يشعل المدرجات بهدف رائع أمام رينجرز في "اليوروباليغ" (فيديو)    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الافتاء بإحكام مخالفة لمقتضيات مدونة الاسرة وللنظام الدستوري

انه امر غريب وعجيب حقا ان نرى هذه الالاف المؤلفة من الكتب، والمقالات والندوات والمجلدات التي تحمل عنوان الابحاث الجامعية - كلها تتحدث بحماس واندفاع عن الاجتهاد، وعندما نرجع الى الواقع المعيش والسلوك الفعلي نفاجأ بما لم يكن في الحسبان.
والظاهرة التي تثير الانتباه في الموضوع، وتفصح عنها الفتاوى المكتوبة والمسموعة والمتلفزة هي الاتفاق او الاجماع باصطلاح الاصوليين على الحكم الموروث في الفقه وان كان غير قابل للتطبيق، وتجاهل النصوص الصادرة وفق الاجراءات الدستورية حتى في حالة اخذها برأي فقهي لم يكن معمولا به قبل صدورها.
بتاريخ 15 ماي 2008 نشر فتوى جوابا لسائل يقول في سؤاله انه وجد بحسابه البنكي خمسة الاف درهم زائدة واستفسر البنك الذي ابلغه اسم الشخصي الذي اتى منه الرصيد الزائر ولما اتصل بهذا الشخص نفى ان يكون قد بعث بشيء الى حسابه، فماذا يفعل بهذه الخمسة الاف درهم التي دخلت الى حسابه دون ان يعرف مصدرها؟
فكان الجواب: من شروط اللقطة عند الفقهاء انها تبقى سنة حتى يظهر صاحبها، وهذا الزمن جعل في الشريعة الاسلامية للاخذ بالاحوط حتى لا يضيع من سقط له متاعه، الا اذا كان ما ضاع له يتعرض للتلف كالطعام، مثلا، وبعدها اذا لم يأت صاحب اللقطة يتصدق بها على صاحبها..
واذا كان الذي وجد اللقطة في أمس الحاجة يتصدق على نفسه بها، والاجر سيكون للذي ضاع منه ذلك المال. واذا ظهر صاحب هذه اللقطة بعد هذه الاحتياطات، يمكن للشخص ان يسدد له ذلك بالتقسيط حسب قدره، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها
مع الشك في جدية السؤال لاستبعاد تسجيل مبلغ في حساب دون ذكر مصدره - نتساءل ماذا يفعل السائل طيلة سنة للبحث عن صاحب المال؟ هل ينادي في المساجد والاسواق كما يقول الفقه، هل هذا ممكن في مدننا المحتوية على ملايين السكان و مئات المساجد ولا يقصدها الا نسبة ضئيلة جدا من مجموع السكان، فضلا عن عشرات الالاف من العابرين يوميا؟
والفقه يقول ان اللاقط ياتي الى المسجد للاعلان عن اللقطة والتعريف الاجمالي بها، فاذا ادعاها احد و حدد العفاص والوكاء سلمها له، وصاحب الحساب كيف يعرف بالخمسة الاف درهم؟ و كيف يبرهن مدعيها على انه صادق في دعواه؟
والفتاوى المتعارضة مع نصوص القانون لها خطورة اكبر في مجال قانون الاسرة لتراجع عدة قوانين للاسرة في الدول الاسلامية عن أحكام فقهية مخلة بالتوازن بين افراد الاسرة من الزوجين والاطفال، وكيف ثم ذلك في كثير من الحالات بالرجوع الى اراء فقهية مخالفة للتي كان يجري بها العمل، ويفرض احكام اجرائية جديدة لنفس الغاية.
غير ان الثقافة التي انتجها الترويج لادعاء الغاء الشريعة الاسلامية في كل فروع التشريع وانها لم تبق محتفظة الا بقانون الاسرة - جعلت كل مساس بهذا القانون يشكل اعتداء آثما على الشريعة في آخر حصن حصرت فيه وهذا ما تؤكده المقاومة الشديدة لمشاريع التعديلات التي قدمت في مختلف الدول الاسلامية.
ولذلك اقتصرنا على بعض الفتاوي الخاصة باحكام مخالفة لمدونة الاسرة قصد اثارة الانتباه الى خطورتها، لان الذين يتلقونها تثير فيهم الشعور بان مدونة الاسرة شرعت في الاندماج في بقية القوانين الوضعية التي طردت الشريعة الاسلامية من عقر دارها.
الموقف من الاحكام المنصوص
عليها في مدونة الاسرة
المدونة السابقة الصادرة بين عامي 56 و 1957 صاغتها لجنة جميع افرادها من علماء القرويين اخذت احكامها مما كان مطبقا من مذهب مالك، وفي حالات محدودة اقتسبت اراء من مذاهب اخرى، او من خارج ما كان معمولا به داخل المذهب المالكي.
ومع ذلك كان الاتجاه السائد بين العلماء في فتاواهم هو التمسك بالاحكام المدونة في كتب المذهب، واعتبار مدونة الاحوال الشخصية قانونا وضعيا مخالف للاحكام الشرعية ولعل عددا من القراء يتذكر احد المفتين عندما اجاب سائلا في ركن المفتي المتلفز، ونبهه مقدم البرنامج الى أن المدونة تنص على حكم مخالف فاجابه ر حمه الله: فاجيب المستفتين بالاحكام الشرعية ودعني من المدونة ونصوصها.
ومدونة الاسرة الحالية صيغ مشروعها من لجنة اغلبية اعضائها علماء وصادق عليها البرلمان بالاجماع، وصدر الامر بتنفيذها بظهير ملكي. كل هذا لم يشفع لاحكامها في اكتساب صفة الشرعية وبقيت موسومة باسم القانون الوضعي كما يصفها بذلك استاذ احدى مؤسسات التعليم الاسلامي مقارنا في دروسه بين احكامها وبين الاحكام الشرعية.
وكان من بين اسباب الرفض لمشاريع كتب مهيأة للتعليم الاصيل
الابتعاد عن الفقه و التركيز على المدونة التي هي قانون وليس
طغيان نصوص مدونة الاحوال الشخصية في مشروع الكتاب إلى درجة تصبح معها الدروس شرحا لهذه النصوص وتبريرا لها
من سلبياته طغيان نصوص مدونة الاحوال الشخصية على احكام الفقه فيه».
نشرت فتوى جوابا لمستفية تقول : «ما انفك زوجي يقسم علي بالطلاق اذا فعلت كذا وكذا، كان يقسم علي بالطلاق اذا زرت احدا من اقاربي، ولكني في بعض الحالات اجد نفسي مضطرة ان افعل ذلك من غير علمه، فما حكم الشرع في ذلك جزاكم الله خيرا؟»وجاء في الفتوى: ان الواجب على هذا الزوج ان يكف عن تعريض اسرته للتفكك والطلاق لمجرد ان تحقق له رغبات غير ذات اهمية اذا ما قورنت باستقرار واستمرار الزوجية.
وانصح الاخت السائلة الا تعرض البيت للتفكك بالتسبب في ايقاع هذا الطلاق المعلق، وليكن في اعتبارها انها قد تفعل من غير ان يعلم الزوج بما فعلت تكون هي المتسببة في وقوع تلك النتيجة المؤلمة.
كما نشرت فتوى اخرى جاء فيها
ذهبت زوجة الى اهلها لزيارتهم لمدة شهر، واثناء ذلك اتصل بها زوجها هاتفيا وقال لها اذا كانت المشاكل ستعود كما كانت، فالافضل ان تبقي عند اهلك، ماهو العمل الواجب على الزوج ان يفعله حتى يرجع زوجته اليه؟
الجواب
باسم الله، والحمد الله، الصلاة لله على رسول الله، وبعد
لاشك ان اسرا كثيرة تتعرض لمشاكل طبيعية تنشأ عن سوء التفاهم و اختلاف الطباع و عدم القدرة على التكيف السريع، والواجب ان يفعل الجميع على تجاوز هذه المرحلة التي غالبا تعقبها مرحلة تفاهم ووئام بعد ان يتعرف كل زوج على طباع قرينه، ويحاول التكيف معه.
ان هذا الزوج مدعو الان الى اصلاح الوضع بان يستقدم زوجته او يرحل اليها وليس ذلك شيئا كبيرا في سبيل الابقاء على الاسرة وعلى مستقل طفل يأتي الى الوجود ليجد ان ابويه قد انفصلا وحرماه لذة الحنو والاستمتاع بهما
فاذا هو اراد ارجاع الزوجة فليس عليه اكثر من ان يشهد رجلين بقراره ذلك ويعلم الزوجة بالمراجعة شفويا او كتابيا، لتكون في حكم الزوجة التي ارجعها وزوجها.
فالامر لا يحتاج الا الى الارادة الصادقة والى الرغبة في استمرار الزوجية، و مادام هذا الطلاق رجعيا لم يبلغ ان يكون بائنا بينونة صغرى، فليس يتطلب اكثر من العزم على الارجاع والاشهاد على ذلك.
وفي فتوى ثالثة عن سؤال يقول فيه الزوج
زوجي لا تصلي وتشاجرت معها عدة مرات حتى حلفت عليها يمين طلاق ان تصلي، فماذا افعل
لعل الاخ السائل تعجل حينما ربط بين الصلاة والطلاق
وبما ان الامر صار واقعا، فإن طلاقه ذلك يصبح معلقا على الصلاة، فإن أمهلها مدة معقولة ولم تصل، كان طلاقه طلقة واحدة رجعية ان لم يكن قد سبق له ان طلقها مرتين سابقتين، وحينذاك فهو بالخيار ان يستأنف معها حياة زوجية على أمل ان تصلي مستقبلا او يبقى على موقفه السابق.»
الفتويان الاولى والثالثة تتعلقان بالطلاق المعلق، وهو الامر الذي يعلقه الزوج على حدوث، او عدم حدوث واقعة في المستقبل حيث قال الزوج لزوجته في الفتوى الاولى: «اذا زرت احدا من اقربائك فأنت طالق» وفي الثالثة حلف انه سيطلقها اذا لم تصل
والفتويان تؤكدان نفاذ الطلاق المعلق وأنه لازم للزوجين بمجرد قيام الزوجة بزيارة أحد أقاربها في الاول، ورفضها اداء الصلاة في الثالثة.
والفتوى الثانية تخص أيضا الطلاق المعلق إضافة الى صيغة ومسطرة توقيع الزوج للطلاق، ومراجعته للزوجة داخل العدة.
وهي تجيب السائل:
بأن عبارة «فالافضل ان تبقي عند أهلك» تفيد الطلاق، وان هذا الطلاق نافذ حالا وقبل ان تتحقق الواقعة المعلق عليها وهي عودة المشاكل التي كانت بين الزوجين قبل زيارة الزوجة لأهلها، وهو رأي في الفقه يقول بنفاذ الطلاق المعلق من لحظة النطق به دون انتظار التاريخ الذي ربط به الطلاق او تحقق الواقعة المعلق عليها الطلاق.
- وان اجراءات إرجاع الزوج لزوجته المطلقة هي إشهاده «رجلين» بقراره وإعلام الزوجة شفويا او كتابة بأنه أرجعها الى عصمته. وهذه الاجراءات يقول بها أحد الآراء الفقهية في الموضوع ولكنها مخلتفة لمقتضيات م . 124 من مدونة الاسرة التي تلزم بتوثيق الرجعة كمتابة لدى عدلين وليس إشهاد «رجلين» وبتدخل القاضي بإعلام الزوجة..
والخلاصة ان «الاحكام الشرعية» التي وردت في الفتاوي الثلاث هي نفاذ الطلاق المعلق، واعتماد الصيغة غير الصريحة في توقيعه، والاكتفاء بإشهاد «رجلين» على الرجعة، وهي كلها مخالفة لمقتضيات مدونة الاسرة، وهذا ما نود التعليق عليه.
ويتناول التعليق:
1- الموقف الفقهي العام من الاحكام السالفة الذكر.
2- نتائج الافتاء بإحكام مخالفة لمقتضيات مدونة الاسرة وغيرها من القوانين الصادرة طبقا للنظام الدستوري الضابط لتنظيم المجتمع المغربي.
3- ما الحل؟
وقبل تناول هذه النقط الثلاث ينبغي التنبيه الى أن إيراد هذه الفتاوي تم باعتبارها «نموذجا» للاغلبية المطلقة من الفتاوي التي ترى ان «الاحكام الشرعية» هي المنصوص عليها في «الفقه»ولو تعلق الامر بمجرد رأي من بين آراء فقهية أخرى في الموضوع، وان كل ما صدر بالصيغة الحديثة للتشريع يعتبر »قانونا وضعيا« لا مجال لإضفاء صفة «الحكم الشرعي»على أي مقتضى من مقتضياته، فالمناقشة تتعلق بهذا التوجه السائد في الفتوى ولا تخص الفتوين اللتين أوردنا نصيبهما.
ومن ناحية ثانية، لاتهدف المناقشة الى مقابلة بين الصواب والخطأ، او الحق والضلال، وانما مجرد الدعوة الى المراجعة لثقافة النقل والتقليد والى تعميق التفكير في وسائل معالحة الواقع بكل حقائقه وملابساته.
الموقف الفقهي العام من الطلاق المعلق، وصيغ الطلاق، والاشهاد على الرجعة:
ا- الطلاق المعلق:
يتفق الفقه كله على أن الطلاق المعلق على أجل او واقعة مستقبلة هو طلاق بدعي أي مخالف للسنة وغير مأذون به شرعا. ومع ذلك اختلفوا في نفاذه، فذهب أكثر الفقهاء الى ترتيب آثار الطلاق الصحيح عليه مع اختلاف تفصيلية متشعبة، ومن أهم ما استندوا عليه حديث يقول: «من طلق في بدعة ألزمناه بدعته».
ورأي ثان يقول بعدم نفاذ الطلاق المعلق واعتباره لغوا مثل باقي الحالات الطلاق البدعي، يطقو ابن حزم: «من قال اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق او ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك الآن ولا اذا جاء رأس الشهر، برهان ذلك انه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها وفي غير المدخول بها وليس هذا فيما علمنا «ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه».
كما يحاج ابن القيم القائلين بنفاذ الطلاق البدعي (الذي منه المعلق) بقوله: «دعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق وشمولها للنوعين الى آخر كلامكم، فنسألكم: ما تقولون فيمن ادعى دخول انواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح؟ وقال شمول الاسم الصحيح من ذلك والفاسد سواء، بل وكذلك سائر العقود المحرمة اذا ادعى دخولها تحت ألفاظ العقود الشرعية.. هل تكون دعواه صحيحة ام لا؟ فإن قلتم صحيحة ولا سبيل لكم الى ذلك كان قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين، وإن قلتم دعواه باطلة تركتم قولكم ورجعتم الى ما قلناه..».
اما حديث «من طلق ببدعة ألزمناه بدعته» فيقول عنه ابن القيم في نفس المرجع: «حديث باطل على رسول الله ونحن نشهد انه حديث باطل عليه ولم يروه أحد من التقات من أصحاب حماد بن زيد ،إنما هو حديث اسماعيل بن أمية الدارع الكذاب الذي تذرع وتعطل ثم الراوي له عنه عبد الباقي ابن قانع ،وقد ضعفه البرقاني وغيره ،وكان قد اختلط في آخر عمره ،وقال الدارقطني يخطئ كثيرا ،ومثل هذا إذا انفرد بحديث لم يكن حديث حجة».
ويقول ابن رشد في بيان أساس الاختلاف في نفاذ الطلاق البدعي:
«فمن شبه الطلاق بالافعال التي يشترط في صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها، كالنكاح والبيوع قال: لايلزم. ومن شبهه بالنذور والايمان التي ما التزم العبد منها لزمه على أي صفة كان، ألزم الطلاق كيفما ألزمه المطلق على نفسه».
وإلحاق الطلاق بالنذور - أي الالتزامات الشخصية التعبدية - مؤسس على تكييف القائلين به لعقدي الزواج والطلاق:
- فالزواج هو «عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها، او هو «معاوضة البضع بالمال».
والطلاق هو«صفة حكمية ترفع حلية المتعة الزوج بزوجته»، او هو «رفع الحل الذي به صارت المرأة محلا للنكاح.. يوجب زوال الملك.. بطريقة الإسقاط فيكون مباحا في الاصل كالإعتاق ، وفيه معنى كفران النعمة من وجه، ومعنى إزالة الرق من وجه، فالنكاح رق».
فهل هذا التكييف سليم كي يبنى عليه نفاذ الطلاق البدعي؟
ب - صيغة الطلاق:
يفرق الفقه بين الالفاظ الدالة صراحة على إنهاء العلاقة الزوجية ، فيرتب عليها الطلاق دون حاجة الى ثبوت ان الزوج قصد بها فعلا معناها الصريح، وبين الالفاظ غير الصريحة التي يعبر عنها بالكناية، وذلك مع الاختلاف في تحديد كل من الالفاظ والعبارات الصحيحة وألفاظ وعبارات الكناية.
المضيقون للالفاظ الصريحة في الطلاق يحصرونها في ثلاثة: الطلاق، والفراق، والسراح. وكل ما عداها كناية. ثم اختلف هؤلاء بين قائل بوقوع الطلاق بألفاظ الكتابة اذا قصده الزوج عند التلفظ بها، وبين قائل بعدم وقوع الطلاق بألفاظ الكناية وان قصده الزوج:
يقول الشافعي:
«وما تكلم به (الزوج ) مما يشبه الطلاق سوى هؤلاء الكلمات (الطلاق، والفراق، والسراح) فليس بطلاق حتى يقول كان مخرج كلامي به من على أن ينوي به طلاقا، وذلك مثل قوله لامرأته: أنت خلية، او خلوت مني، او خلوت منك.. او أنت بائن، او بنت مني، او بنت منك.. او اذهبي.. او اعتدي او ما أشبه هذا مما يشبه الطلاق، فهو فيه كله غير مطلق حتى يقول: «أردت بمخرج الكلام مني الطلاق، فيكون طلاقا بإرادة الطلاق مع الكلام الذي يشبه الطلاق».
ويقول ابن حزم:
»وما عدا هذه الالفاظ (الطلاق، والفراق والتسريح) فلا يقع بها طلاق البتة، نوى بها طلاقا او لم ينو، لا في فتيا ولا في قضاء مثل الخلية والبرية... وحبلك على غاربك، والحرج، وقد وهبتك لأهلك او لمن يذكر غير الاهل، والتحريم ، والتخيير، والتمليك، وهذه الالفاظ جاءت فيها آثار مختلفة الفتيا عند نفر من الصحابة ولم يأت فيها عن رسول الله (ص) شيء اصلا ولا حجة في كلام غيره عليه الصلاة والسلام، لاسيما في أقوال مختلفة ليس بعضها اولى من بعض».
والخلاصة ان الرأي الفقهي المتشدد الذي يقبل الالفاظ والعبارات غير الصريحة لإنشاء الطلاق يشترط ان تكون مرفقة بنية وقصد المتكلم بها الى هذا الانشاء.
والعبارة التي تم الاستفتاء بشأنها يقول فيها الزوج لزوجته: «اذا كانت المشاكل ستعود فالافضل ان تبقي عند أهلك».
ان الدلالة اللغوية للعبار بعيدة كل البعد عن إفادة انشاء الطلاق، والزوج لم يصرح بأنه قصد بها توقيع الطلاق حالا، لذلك يبدو غريبا حقا تفسيرها بالطلاق الناجز وإرشاد الزوج الى الرجعة.
ومن ناحية ثانية ، سبقت الاشارة الى سبب مبالغة الفقه في قبول انجاز الطلاق من الزوج، والحال انه تصرف إرادي يتعين ان يخضع للتنظيم الذي تخضع له كل التصرفات الارادية حماية للنظام العام ولمصالح الافراد الذين يمس التصرف بحقوقهم.
لذلك نعتقد أن تنظيم توقيع الطلاق المنصوص عليها في م . 79 وما بعدها من مدونة الاسرة يتفق مع مبدأ «جلب المصالح ودرء المفاسد» الذي تنتظم به أحكام الشريعة، فالطلاق تترتب عنه حقوق للزوجة والاطفال، والعدل يفرض ان يكون أداء تلك الحقوق متزامنا مع استعمال حق الطلاق، كما أن توثيقه الرسمي يحمي النظام العام ويصون وضعية الزوجين وأطفالهما سيما في ظل ملابسات الحياة الاجتماعية التي نعيشها. ولا يحتاج هذا إلى مناقشة، فكل فرد له إلمام بالواقع يدرك النتائج التي تترتب عن عدم توثيق الطلاق وتنظيم إجراءاته.
ج - توثيق الرجعة:
صحيح انه لا وجود في الفقه لرأي يقول بوجوب التوثيق الكتابي للرجعة، نعم هناك من يرى وجوب الاشهاد عليها، ومن يرى عدم وجوبه، وسبب الاختلاق قوله تعالى في سورة الطلاق (واشهدوا ذوي عدل منكم) حيث يحتمل الامر الوجوب والندب.
والاقتصار على الاشهاد دون كتابة ربما كان كافيا في ظل الحياة المستقرة التي يتعايش فيها ابناء القرية وابناء المدينة من المهد الى اللحد، كل واحد منهم شاهد على أحوال الآخرين وتطور اوضاعهم، كما كانت الكتابة خطة نادرة من التعسف إلزام الناس بها في تصرفاتهم ومعاملاتهم اليومية.
لكن اليوم تغير كل شيء: حركة دائبة في السكن والعمل، انتظام التوثيق الرسمي في المدن والقرى.. كل ذلك جعل توثيق الرجعة - ومثلها الزواج والطلاق - واجبا شرعيا قبل ان يكون قانونيا، لأن صيانة حقوق الافراد وضبط احوالهم المدنية لا يتمان إلا بالتوثيق الرسمي لتلك العقود، ولايتم الواجب إلا به فهو واجب كما يقول الفقه. ولذلك فرضته المدونة في العقود الثلاثة (م 13 و 87 و124) أما الاكتفاء باشهاد رجلين فلم يعد محققا للهدف الذي شرع من أجله والحكم يدور علته وجودا وعدما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.