عكس كل التوقعات وبعد أن كان البعض ينتظر تكرار سيناريو لائحة «التراكتور» بدائرة بنكرير والتي حصدت المقاعد البرلمانية الثلاثة للدائرة، لم تفلح أبرز الوجوه التي راهن عليها الحزب في الانتخابات الجزئية ليوم الجمعة الماضي في انتزاع مقعد برلماني واحد، خاصة في دائرة آسفي الجنوبية التي كان البعض من داخل الحزب يراهن على اكتساح مقاعدها الأربعة، وفشل صلاح الوديع في ضمان مقعد واحد لصالح حزب الأصالة والمعاصرة؛ فيما انكسرت طموحات الحزب في دائرة مراكش كيليز بفشل الحبيب بلكوش في التغلب على مرشح الحزب الدستوري، والمقعد الوحيد الذي نجح «التراكتور» في حصده بمدينة تزنيت كان بفضل سعيد بنمالك والذي كان قد فاز بهذا المقعد في انتخابات 07 شتنبر 2007 باسم حزب رابطة الحريات، والتحق بعدها بالفريق البرلماني الذي شكله فؤاد عالي الهمة؛ قبل أن يلغي المجلس الدستوري انتخابه في هذه الدائرة. هذه الانتخابات التشريعية الجزئية أسفرت عن عودة الوجوه التي طعن المجلس الدستوري في انتخابها في اقتراع السابع من شتنبر 2007 وكانت أبرز مخلفاتها خروج حزب الأصالة والمعاصرة خاوي الوفاض، رغم الهالة الكبيرة التي أضفاها على حملته الانتخابية وتصريحات قادته التي عبرت عن طموحات كبيرة. في محاولة لتفسير ذلك، ذهب مصدر من داخل الحزب، فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن جل الفاعلين السياسيين استعملوا الفساد ووزعوا المال بمن فيهم الأحزاب التقليدية، خاصة في دائرتي مراكشوآسفي الجنوبية، ليتضح، حسب ذات المصدر، أن المال هو من يتحكم في القيادات السياسية وفي الدولة، وأن هذه الأخيرة لم تطبق القانون وفضلت الحياد السلبي، فلم تعد قيمة للانتخابات ولا للمجلس الدستوري الذي كان قد ألغى انتخاب من عادوا اليوم إلى الفوز، «كان لدينا حلم، اكتشفنا أنه بعيد عن الواقع» يختم المصدر ذاته. نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية لحسن الداودي، من جهته، علق على نتائج الانتخابات الجزئية قائلا إن دار لقمان ما زالت على حالها، مضيفا أن خلاصتها «المال ثم المال ويأس المواطنين من العملية السياسية. وبينما لم تتحرك المدن تم تحريك القرى». وعن النتيجة التي حققها حزب الأصالة والمعاصرة، قال الدوادي إنها أيضا تبقى غير طبيعية، مستغربا حصول حزب جديد على عدد كبير من الأصوات، مضيفا أن المقعد الذي حازه حزب «التراكتور» بتزنيت يعود إلى الشخص الذي فاز به وليس إلى قوة الحزب، وهو ما أكده مصدر مقرب من حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أرجع فوز سعيد بنمبارك إلى وزنه في المنطقة واستفادته من توافق قبلي، أكثر منهما إلى انتصار مشروع سياسي. ليتساءل الداودي عن القيمة المضافة للحزب الجديد، إذا كان بدوره يردد عبارات الشكوى من الفساد واستعمال المال. بعد الإعلان رسميا عن نتائج اقتراع يوم الجمعة الماضي، ارتفعت الأصوات من داخل الحزب الجديد، منددة بما وصفته بالفساد واستعمال المال لشراء الأصوات. وذهبت خديجة الكور، عضو المكتب الوطني للحزب ومديرة الحملة الانتخابية لمرشحه بمدينة مراكش، إلى أن النتيجة المسجلة تعتبر انتصارا لحزب الأصالة والمعاصرة، بعد حصول الحبيب بلكوش على أزيد من 6000 صوت بدائرة مراكش كيليز، قالت الكور إنها آلاف الضمائر الحية، مقابل اعتماد مرشح حزب الاتحاد الدستوري، عبد الله الرفوش، على شراء الذمم والضمائر، حسب الكور دائما. أستاذ علم السياسة نادر المومني قال إن الوقت مازال مبكرا لتقييم الأداء الانتخابي للحزب الجديد، ما دامت النتائج التفصيلية غائبة. وأضاف أن هذا التقييم ينطلق من التموقع واستراتيجية الترشيح التي اعتبر المومني أن هذه الانتخابات قد تكون فرصة لمراجعتها، ومراجعة علاقات الحزب مع مكوناته الخمسة المندمجة داخله. واعتبر المومني أن الحزب تخلص بهذه النتيجة من عجزه على صعيد الشرعية، بتخلصه من صورة الاكتساح التي ظلت ملتصقة به، ليصبح حزب الأصالة والمعاصرة حزبا عاديا ضمن باقي الأحزاب. وحول ما إن كان الأمر يتعلق بانتخابات جزئية قليلة الأهمية، اعتبر المحلل عمر بندورو أن للانتخابات الجزئية دلالاتها وأهميتها، حيث تبيِن ما إن كان الحزب في مساره الصحيح أم إن له تعثرات تتطلب المراجعة. وأضاف أن الطريقة غير المرحبة التي استُقبل بها الحزب في اليوسفية قد تكون مؤشرا على النتائج التي سيحصل عليها. وتساءل بندورو عما إن كان رهان الهمة على قربه من الملك واعتقاده أن ذلك كاف لانتزاع الأصوات، سبب هذه الخسارة. عبد الصمد بلكبير، القيادي المحلي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة مراكش، وصف نتيجة الاقتراع بالانتصار الصوري لمرشح الاتحاد الدستوري، ومن خلاله «المركّب الإداري التقليدي المسؤول عن ظاهرة مثل الرفوش». لذلك، يضيف بلكبير، فإن فؤاد عالي الهمة «نجح سياسيا لأنه أثبت من خلال سلوكه الانتخابي أن ما قيل عنه، بما فيه ما قلته أنا، غير صحيح، لأننا اعتبرناه تكرارا لتجارب سابقة مثل الفديك، والحال أن ما يميز التجارب السابقة هو رموز الفساد واستعمال المال، فيما استعمل الهمة وجاهة الأعيان، وهذا ليس عيبا». وخلص بلكبير إلى أن «حزب الشؤون العامة داخل وزارة الداخلية والموروث عن الاستعمار، هو من يقيد رغبة الإصلاح». وفيما رفض كل من حسن بنعدي، الأمين العام للحزب الجديد، وصلاح الوديع، مرشح «التراكتور» بدائرة آسفي الجنوبية، التعليق على نتائج الحزب، مفضلين انتظار إعلان تلك المتعلقة بدائرة المحمدية، جاء ترتيب مرشحي الحزب في الدوائر الثلاث التي أعلن عن نتائجها متباينا، حيث احتلت لائحة «التراكتور» المرتبة السابعة في دائرة آسفي الجنوبية، وعادت المقاعد الأربعة للدائرة إلى مرشحي كل من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحزب العمالي والحركة الديمقراطية الاجتماعية. فيما حل الحبيب بلكوش، مرشح الحزب الجديد في مراكش ثانيا. بينما كان مقعد مدينة تزنيت من نصيب حزب الهمة. فيما يتوقع المتتبعون، أن يعود مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار ليحتفظ بمقعد دائرة المحمدية.