يقدم نفسه كوريث شرعي لجان-بول سارتر، في الشطر الذي يهم الالتزام. لكن هذا التبني يبقى بدوره نوعا من القرصنة. فقد رافق هذا الكاتب-الفيلسوف -المناضل- الإعلامي- السينمائي الخ...دائما خليط من الدخان والغبار، من الإشاعة والفضائح. يزيل الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن منشورات لاديكوفيرت بعنوان «الأبجدية الجديدة لبيرنار-هنري ليفي» غشاوة هذا الدخان «نجم الثقافة»، «سارتر الجديد»، «الفيلسوف ذو القميص الأبيض»، كيلت لبيرنار-هنري ليفي كل النعوت والألقاب، التي يؤكد أغلبها على مظاهر الرجل لا على عمق شخصيته. السبب هو أنه من طعم هذه الصورة وهذا التصور. كما كسب ليفي الشهرة بفضل الأحرف الأولى لاسمه: ب-ه-ل، BHL وليس بفضل أشغاله الفلسفية. وفي ميدان الفلسفة، بما أنه يقدم نفسه كفيلسوف، لا نعثر على نظير له رفع هذه النزوة إلى مقام الماركيتينغ. لا نتصور مفكرا من باع كلود ليفي ستروس يركب على الموجة ليصبح شهيرا بفضل أحرفه الأولى. أما في مجال السياسة أو في المجال الإعلامي، فهناك منحى إلى تلخيص الأشخاص في الأحرف الأولى لأسمائهم، كما هو الشأن في حالة دومينيك-ستروس كان، المعروف ب«دي-إس-كا»، أو حالة الإعلامي فرانتز أوليفييه جيزبير، المعروف ب«ف- و-ج». المهم أن شهرة ب-ه-ل تتأتى أيضا من هذا النوع من التوهيم. إذ يقدم نفسه كوريث شرعي لجان-بول سارتر، في الشطر الذي يهم الالتزام. لكن هذا التبني يبقى بدوره نوعا من القرصنة. فقد رافق هذا الكاتب-الفيلسوف-المناضل- الإعلامي- السينمائي الخ...دائما خليط من الدخان والغبار، من الإشاعة والفضائح. يزيل الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن منشورات لاديكوفيرت بعنوان «الأبجدية الجديدة لبيرنار-هنري ليفي» غشاوة هذا الدخان من يخاف بيرنار-هنري ليفي؟ يرد هذا السؤال في تقديم المؤلفين، وللجواب عنه يشيران إلى أنها ليست المرة الأولى التي يكتبان فيها عنه. إذ قاما سنة 2004 بتحقيق أولي تضمن كشفا لهفوات بيرنار-هنري ليفي وأكاذيبه وتوضيبه، على هواه، للحقيقة. كما قاما بالكشف عن الثغرات التي اعترت التحقيق، الذي قام به عن اغتيال الصحافي الأمريكي دانيال بيرل أو أكذوبة لقائه بالقائد الأفغاني مسعود في جبال أفغانستان في بداية الثمانينيات أو الخدمات المتبادلة بينه وبين أصدقائه. كما عثر المؤلفان على وثائق تثبت المحاولات التي قام بها كل من الفلاسفة جيل دولوز، كورنيليوس كاستورياديس، والمؤرخ بيار-فيدال ناكي في بداية الثمانينيات لفضح الشعوذة الفكرية التي كان يبثها بيرنار-هنري ليفي في الوسط الثقافي الفرنسي. في بداية التحقيق، تضاربت مواقف أولئك الذين حقق معهم المؤلفان. طرف أول يتكون من جامعيين، باحثين ومثقفين لم تكن لهم أي رغبة في الخوض في القضايا التي تهم هذا الرجل. كانوا يتساءلون: «لماذا كل هذا التعب للاهتمام بهذا الشخص الذي يعرف الجميع بأنه شخص رديء وبهلوان حقيقي، يكرر نفس الترهات منذ ثلاثين عاما؟». لكن لمؤلفي الكتاب موقف مغاير، وهو أن هذا الشخص، الذي لن يؤثر بالكاد في تاريخ الفكر، له حضور يكشف هذا الكتاب النقاب عن أسراره. ثم لماذا يجب أن يبقى انتقاد هنري ليفي حصرا على المتخصصين؟ بِمَ يمكن تفسير تصرف مدير أسبوعية يسب في الخفاء هنري ليفي، لكن يفتح له بالمقابل صفحات مجلته. ما هي المصالح الخاصة، السياسية والأيديولوجية التي يخدمها ليفي؟ هذا ما يسعى الكتاب هنا إلى الإجابة عنه. طرف ثان عبر عن تخوفاته لما علم بالمشروع، مشيرا إلى اليد الانتقامية الطولى لهنري ليفي. وبالفعل، فإن هذا الشخص يثير الخوف، ليس بسبب سلطته الفكرية، بل بسبب علاقاته العنكبوتية في المجال الإعلامي لدى دور النشر، ونزوعه إلى أخذ الهاتف لتهديد كل من حاول معاكسته. لقد كان المؤلفان على علم بهذه المعطيات، ومع ذلك تشبثا بالمشروع، بل أكثر من ذلك اتصلا به لطلب مقابلته، لكن الطلب بقي بدون جواب. وقبل أيام على صدور الكتاب، شعر المؤلفان بنوع من التخوف. إذ اتصلت أطراف مجهولة بالمطبعة للحصول على المخطوط، وكانت المرة الأولى التي شهد فيها المطبعي تصرفا من هذا النوع. كما بعث محامي بيرنار-هنري ليفي برسالة إلى الناشر، ثم توصل أحدهما بطلب بالاتصال بهنري ليفي، الذي أعرب عن رغبته في لقاء الصحفيين. غير أنه لم يستقبل الصحفيين واكتفى بتكليف محاميه برفع دعوى ضدهما. ولما صدر الكتاب، لم يرفع بيرنار هنري أي دعوى، لأن الكتاب لم يجانب الصواب، بل اكتفى بالاستشهاد والاتكاء على أقوال هنري ليفي لتبيان تناقضاته وترهاته. كان ينتظر أن يتناول الكتاب أشياء حميمية من حياته لاستغلالها وتسخيرها بما يخدم مآربه. إذ عرف دائما كيف يستفيد، بل يرد الانتقادات ضد أصحابها. وعقب صدور الكتاب وقف المؤلفان عند سلطة الرجل، حيث قامت شبكة علاقاته بثني الصحافيين عن تغطية الكتاب أو الحديث عنه. وفي الصحافة المكتوبة وبالأخص على قنوات التلفزيون، دعي الصحافيان لتقديم الكتاب قبل إلغاء الموعد. وعلم المؤلفان فيما بعد بأن بيرنار-هنري ليفي اتهم بعض الأقلام النزيهة بالخيانة، لا لشيء سوى لأنها أبدت اهتماما بالكتاب. إن مسار هنري ليفي مرصع بالمواقف المشبوهة، التي يقدمها تحت يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان، الحرية والقيم الإنسانية. وهذا ينطبق على الدور الذي قام به عند تدخله في ليبيا، ثم مساندته لدولة إسرائيل، ودفاعه عن دومينيك-ستروس كان، ورومان بولانسكي، ثم مساره الجديد بأمريكا، حيث بدأ في اكتساب موقع جديد. قداسة بابا ال«سان جيرمان» يهيمن بيرنار-هنري ليفي على مجال أكبر من الفاتيكان. في العشرين من نوفمبر 2010 ضرب موعدا بمقهى فلور الشهير، المقهى الذي كان يرتاده جان-بول سارتر، لنخبة النخبة من رجال الإعلام، الناشرين، الكتاب، الفنانين...وكانت المناسبة هي الاحتفال بالذكرى العشرين لانطلاق مجلة «قاعدة اللعبة» التي يشرف عليها. كان من بين الحضور ماريو-فارغاس يوسا، أموس عوز، سلمان رشدي، الصيني باي داو، كارلوس فوينتيس، إدواردو ماني، فيرناندو سافاتير...وطبعا أتباعه من الكتاب والمثقفين الفرنسيين. كما شملت القائمة محامين كبارا ومدراء ورؤساء شركات كبرى مثل لوريال، لاغاردير وغيرهما من أصحاب الثروات الكبرى، دون تغييب وزير الثقافة فريديريك ميتران. المفارقة هي أن هذه المجلة، التي رسمت خطا تحريريا لإلقاء الجسور بين ثقافات أوروبا تبقى مجلة بدون قراء. كما أن المجلة لا تعدو كونها بوقا يسخره مديرها للدفاع عن مصالحه وأيديولوجيته. كما أن حوارييه يتحولون إلى محامين دفاعا عن الانتقادات أو الهجمات التي يتعرض لها باستمرار. والثابت الذي يتكرر في مرافعاته كفزاعة هي معاداة اللاسامية. «قاعدة اللعبة» هو بلا شك مجلة أنيقة، غير أنها في ظرف عشرين عاما لم تقدم أي فكرة جديدة، كما لم تكن وراء انبثاق كاتب لامع ولم تثبت حضورها في مجال النقاش الثقافي بفرنسا. تبين أن هذا الحفل لم يكن في الأخير سوى بهرجة إعلامية لخدمة شخص بيرنار-هنري ليفي، على الرغم من تزيين الطابق الأول من المقهى بصورة الإيرانية سكينة محمد أشتياني، المحكوم عليها رجما بسبب خيانتها الزوجية. وبحضورها، أعربت النخبة عن ولائها وتضامنها مع «المشروع الإنساني» الذي يناضل من أجله هنري ليفي. بي-أش-إيل بيبول مشكل بيرنار ليفي هو أنه لا يميز بين سبينوزا ومايكل جاكسون. فالأول امتداد للثاني والعكس بالعكس. كما أن حياته الفلسفية (بما أنه يعرف نفسه كفيلسوف) هي امتداد لبهرجة الأنوار التي ينغمس فيها، والتي تثير من حوله الباباراتزي وصحافة البيبول. وفي هذا الإطار تندرج قطيعته مع الممثلة والمغنية أريال دومبال وإقامته علاقة مع دافني غينيس، وارثة إمبراطورية البيرة التي تحمل نفس الاسم. وهي امرأة مطلقة من رجل أعمال إغريقي ولها ثلاثة أطفال. لكن أريال دومبال كذبت هذا الخبر، الذي رأت فيه مجرد إشاعة مسمومة. وبمعزل عن تداعيات هذه القضية، فإن الرجل منغمس كلية في هذه الأجواء. لم كل هذا الضجيج إذن؟ لأن شهرة الرجل تتأتى ليس من نتاجه وفكره، بل من الهالة الإعلامية التي يمررها ويحاول دائما تكريسها. وعلى مر السنوات تحول بيرنار هنري ليفي إلى أيقونة بيبول وليس إلى فيلسوف بالمعنى العلمي الصارم للكلمة. وتميل صحافة البيبول إلى هذه الصورة الخفيفة، السابحة. في عام 2001، وهو على السجاد الأحمر للمهرجان الدولي للسينما بمراكش، أدى بيرنار-هنري ليفي أمام الكاميرات رقصة قبل أن يستعيد «جديته»، ويصرح للقناة الأولى بأن تواجده بمراكش «يبقى في غاية الأهمية وفي بلد مثل المغرب، الذي يمارس إسلاما معتدلا». وليست مراكش بغريبة عن بيرنار-هنري ليفي. إذ بها يمتلك فيلا فاخرة، محاذية لإحدى إقامات الملك محمد السادس. وهو لا يستهويه تاريخ المدينة أو رجالها، بل الشخصيات الفرنسية الثرية والنافذة التي تملك بيوتا أو فيلات فاخرة بالمدينة الحمراء. وقد أطلق هذه الموضة في السبعينيات الثنائي بيار بيرجيه وإيف سان-لوران، وهي موضة تبنتها عائلات تتربع على ثروات كبرى مثل عائلة آنيللي الإيطالية (مالكة سيارات فياط)، وجان-رونيه فورتو، صاحب فيفاندي. أما الملياردير البلجيكي ألبير فرير، فيملك بدوره فدادين بالمنطقة. يضاف إليهم جان-بول غولتييه، آن سينكلير دومينيك-ستروس كان، جان-لوي بورلوه، الأمير جان بونياتوفسكي، وليليان بيتانكور، صاحبة مستحضرات لوريال للتجميل. لذا فإنه من الذين عملوا على تحويل مراكش إلى قبلة للبيبول بإقامته حفلات يستقبل فيها المشاهير والشخصيات السياسية. الوجه الآخر لهنري ليفي هو وجه الناشر، الذي احتل موقع القرار منذ عام 1973 بمنشورات غراسيه. في هذا المنصب، خلط طبعا الأوراق: أشرف على إصدار كتب فلسفية مثل مراسلات ألتوسير مع زوجته وأعمال إيمانويل ليفينيس، وفي نفس الوقت أصدر كتابا لنيكولا ساركوزي لما كان وزيرا للمالية في حكومة إدوار بالادير، أو برينو لومير، وزير الفلاحة في حكومة فرانسوا فيون، أي أن تسخير والاستفادة من العلاقات الشخصية كانت ولا تزال أحد المقاييس التي تتحكم في علاقاته. بي-أش-إيل المعلق يطل بيرنار-هنري ليفي أسبوعيا من مجلة لوبوان عبر مفكرة للتعليق على الأحداث الوطنية الفرنسية أو العالمية، مع تفضيل وتفصيل الحديث في قضايا اللاسامية وبالأخص معاداة اليهود أو الإسلام والتهديد الإسلامي أو قضايا اللائكية أو الدفاع عن إسرائيل. لكن لما يتعلق الأمر بالعنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، يركن ليفي إلى تبريرات تؤكد على دفاع إسرائيل عن نفسها. كما أنه يغدق المديح للصحافيين الذين يعرف مسبقا أنهم يكرهونه، وهي طريقة ذكية لاحتواء غضبة أقلامهم. لكنه سخر الرسالة كمنبر سياسي. ساركوزي، أحد السياسيين الذين يغدق عليهم من مديحه السخي، وغالبا ما يملي مفكرته بالهاتف أو يكتبها بشكل عفوي، الشيء الذي تسبب له أحيانا في مطبات مضحكة. هكذا في 23 من ديسمبر 2010، كتب في موضوع التحالف بين الشيوعيين واليمين المتطرف. ومن بين الناشطين تحدث عن بيرنار كاسين، أحد صحافيي لوموند ديبلوماتيك. وكان غرض هنري ليفي هو «ضرب» هذه الشهرية الداعية إلى عولمة بديلة، والتي فضحت باستمرار تمويهات «الفيلسوف». المشكل أن بيرنار كاسين، الذي تحدث عنه بيرنار-هنري ليفي، لم ينتم يوما إلى منظمة Riposte Laïque، التي اتهمها بيرنار هنري ليفي، وقد خلط بين بيرنار كاسين وبيار كاسين لا لشيء إلا لضرب «لوموند ديبلوماتيك». وليست هذه المرة الأولى التي اختلطت فيها الأوراق على بيرنار هنري ليفي، فالكل يتذكر في كتابه «عن الحرب في الفلسفة»، الصادر عام 2010، استشهاده بالفيلسوف جان-باتيست بوتيل، الذي ابتكره الصحافي فريديرك باجيس، من محض خياله. وقد سقط هنري ليفي في الفخ ليستشهد بهذا الفيلسوف الافتراضي وللتهجم على إمانويل كانط وجيل دولوز.
التاريخ السري لنجم الفلاسفة الجدد بي-أش-إيل رجل شبكات نفوذ تتدخل وتتآزر في مجال السياسة والثقافة وأيضا في المجال الاقتصادي. ونفوذه يتأتى من ثروته الشخصية التي ورثها عن والده. إذ أنشأ أندريه ليفي عام 1946 بالمغرب مجموعة تجارية لبيع وتوزيع الخشب باسم شركة «بيكوب»، وقد بلغ عام 1997 عدد العاملين بالشركة 2000 عامل. وتأتي المجموعة في فرنسا في المرتبة الثالثة. وبعد وفاة والده عام 1995، تولت زوجته رئاسة المجموعة، فيما تكلف بيرنار هنري ليفي بمنصب نائب الرئيس. وعلى إثر تحقيق أنجزه نيكولا بو وأوليفييه توسير تبين أن الشركة نهبت الغابات الإفريقية بسواعد محلية لتصدير الخشب إلى الخارج وبيعه بأثمنة خيالية. وفي تقرير أعدته منظمة بريطانية غير حكومية (فوريست مونيتور)، أشير إلى الظروف المأساوية التي عاشها العاملون: غياب الماء الصالح للشرب بالنسبة إلى العاملين، السكن الرديء، وضعية العبيد التي فرضت عليهم. وفي عام 1997، قررت عائلة ليفي بيع شركة «بيكوب» إلى فرانسوا بينو، الذي يتربع اليوم على ثروة تبلغ 9 مليارات من الأورو، وهو أحد الحلفاء الرمزيين لبيرنار-هنري ليفي. وسياسيا يحتل بي-أش-إيل جميع المواقع: بعد البوسنة، وإفريقيا وباكستان والجزائر، عثر اليوم على ضالته في ليبيا، إلى جانب الرئيس ساركوزي، ليقوم بدور المستشار وبدور وزير الخارجية. وقد تبرأ المجلس الوطني الليبي من وساطته لما سرب بيرنار هنري ليفي خبرا مفاده أن ليبيا ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وتبقى مع ذلك مقاصد بيرنار-هنري ليفي الخفية، وبمعزل عن تنديده بالأنظمة الطاغية، مشكوك فيها، لأن صورته على دبابة إسرائيلية ودفاعه المستميت في كل المحافل عن الدولة العبرية يبقيان النبراس النظري والأخلاقي الذي ينشطه.