سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل أصبحت فرنسا ساركوزي ناطقة باسم سياسة إسرائيل؟ كتاب «ساركوزي.. إسرائيل واليهود» يفضح التحول السافر في النهج السياسي لفرنسا تجاه النزاع العربي الإسرائيلي
«ساركوزي، إسرائيل واليهود» كتاب سجالي وإن كان عنوان الكتاب لمحة والتفاتة إلى النص الذي ألفه رايمون آرون في عنوان: «ديغول، إسرائيل واليهود»، فإنه ينهل في مسعاه المنهجي وتوجهه النظري من مؤلف «اللوبي المؤيد لإسرائيل والسياسة الخارجية الأمريكية» لتبيان الرابطة الروحية القائمة بين ساركوزي وإسرائيل. ويشير بلانري مؤلف الكتاب إلى أن الحديث اليوم عن إسرائيل أو انتقاد سياستها يعرض صاحبه توا إلى اتهامات من قبيل معاداة السامية وممارسة العنصرية. ويعتبر بلانري هذا السلوك من قبيل الرقابة وقمع حريات الرأي والتعبير. المسألة اليهودية تبقى عقدة العقد في المجتمع الفرنسي. إذ يحاط الخوض فيها بعلامات وأشرطة حمراء. وأصبح هذا الحرص رديفا للمراقبة الذاتية، كما اتخذ في أحايين عديدة شكل حظر لكتب، أفلام، مع رفع دعاوى قضائية. أصبحت تهمة «معاداة السامية»، التي تعني في هذا المضمار، وحصرا، معاداة اليهود من دون المسلمين، فزاعة في وجه كل من يسعى إلى تفكيك الأيديولوجية الصهيونية من الداخل. ثم هناك شق آخر يعرف نفسه وخطته كمعادٍ للصهيونية، لكن بناء على طموحات شعبوية ضيقة تصب في خدمة اليمين المتطرف أكثر مما تخدم قضية العرب والفلسطينيين. ونذكر في هذا الصدد «خرجات» الفكاهي ديودونيه وبهلوانياته الانتخابية، والذي أطلق في الثامن من ماي الماضي حزبا باسم «الحزب المناهض للصهيونية». لكن من بين الأصوات التي لها وزنها المساند في المشهد الفرنسي العام تبقى، بلا منازع، أصوات فرنسيين وأيضا فرنسيين من أصل يهودي لا يتعرفون على يهوديتهم في القيم الدينية، السياسية والأخلاقية لدولة إسرائيل مثل إستير بنباسة، الأستاذة بجامعة السوربون، ودومينيك فيدال، المحقق في شهرية «لوموند ديبلوماتيك»، والمفكر وعالم الاجتماع إدغار موران... ونشهد منذ مدة بداية مسلسل اختراق الطابوهات والمحرمات، سواء في الولاياتالمتحدة أو أوروبا، وتحديدا في فرنسا. معاداة السامية في اتجاه أوحد لربما تعتبر البادرة التي أقدم عليها الجامعيان الأمريكيان، جون ج. ميرشايمار وستيفن م. والت، John J. Mearsheimer et Stephen M. Walt ، في كتابهما «اللوبي المؤيد للصهيونية والسياسة الخارجية الأمريكية»، الذي صدرت ترجمته الفرنسية مؤخرا عن منشورات لاديكوفيرت من 495 صفحة، مستهلا ومتكأ للعديد من الباحثين والسياسيين في اتجاه نزع الفزاعات من مشهد التفكير في المسألة الصهيونية وتجنيدها لأغراض أيديولوجية تخدم إرادة إسرائيل، باسم المحرقة ومصير الدولة العبرية. يأتي هذا المؤلف الذي أثار نقاشا، بل سجالا حادا في كل الأوساط الجامعية والسياسية، ردا على طلب وجهته في خريف 2002 المجلة الشهرية الأمريكية « The Atlantic Monthly »، للكاتبين في موضوع اللوبي المؤيد لإسرائيل وتأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية. وبعد تردد، قبل الباحثان الاقتراح مع قناعة بأن الموضوع سيثير ردود فعل عنيفة في أوساط اللوبي الإسرائيلي بالولاياتالمتحدة. ويشير الباحثان إلى قناعتهما بضرورة معالجة الموضوع، خصوصا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي أفق الحرب التي كانت تحضر ضد العراق. وقد تأكد لهما أيضا أنه آن الأوان لفتح نقاش في موضوع الممارسات التي يقوم بها اللوبي الصهيوني وعواقبها على ساحة الشرق الأوسط. وهكذا اشتغلا لمدة سنتين على كتابة البحث المذكور. وفي يناير من عام 2005 لما بعث الباحثان بالمخطوط الذي تضمن ملاحظات للمسؤولين عن المجلة، جاءت المفاجأة من طرف رئيس التحرير، الذي أخبرهما بأن المجلة قررت عدم نشر المقال حتى وإن تمت مراجعته، ففكرا في عرض المقال على مجلات أخرى، لكنهما تخليا في الأخير عن الفكرة. لكن في أكتوبر من عام 2005 اتصل بهما جامعي أمريكي ليقترح عليهما عرض البحث على مجلة «London Reveiw of Books LRB» . وبعد إرسال المخطوط قبلت ماري كاي فيلميرز، مديرة التحرير، نشره في عدد 23 مارس 2006. وطرحا في نفس الوقت نفس المقال على شبكة الإنترنت وعلى موقع «Harvard’s John F. Kennedy School Of Governement» . يقوم البحث على أطروحة بسيطة تتلخص فيما يلي: بعد جرد حصيلة المساندة المادية والديبلوماسية الهائلة التي قدمتها الولاياتالمتحدة لإسرائيل، يشير الباحثان إلى أن الدوافع الإستراتيجية والأخلاقية لا تكفي لتفسير هذا الدعم. ويؤكدان على أن هذا الدعم يعود في قسم كبير منه إلى الدور الذي يلعبه اللوبي المناصر لإسرائيل، ويتلخص في مجموعة من الأشخاص والمنظمات الذين ينشطون بلا كلل لتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاه مساند لإسرائيل. كما أن هؤلاء الأشخاص لعبوا أدوارا حاسمة في تعريف ووضع أسس السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك في مسار الحرب الكارثية بالعراق وفي سياسة الاختناق الحالية تجاه سوريا وإيران. خلاصة الأطروحة هي أن هذه السياسة مناهضة للمصالح الأمريكية ووخيمة على المدى البعيد على مصالح إسرائيل. زحزحة اللوبي الصهيوني عن قناعاته بعد نشر المقال جاءت ردود الأفعال متراوحة بين التشجيع والشجب. في شهر يوليوز من عام 2006 تم «تحميل» البحث 275000 مرة، كما تلقى الكاتبان العديد من الطلبات لترجمته. وفيما يخص الانتقادات، انتصب أفراد ومجموعات محسوبة على اللوبي الصهيوني، وخاصة «Anti-Defamation League» ، وكذلك محررو «الجيروزاليم بوست» و«نيويورك سون» و«وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست»، لاتهام الكاتبين بمعاداة السامية و مؤاخذتهما على ارتكاب أخطاء تاريخية. غير أن العديد من القراء، يهود وغير يهود، ساندوا الباحثين، مذكرين بأن هذا المقال قد تأخر عن موعده، وكان من الأجدى أن ينشر من قبل. خارج الولاياتالمتحدة، حظيت الدراسة بنفس الاهتمام، إذ عقدت ندوات ولقاءات للمناقشة والتداول في مضمونها. وعليه بدا واضحا بأن النقاش حول إسرائيل والسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هو في طريق التغيير، وبأن إمكانية زحزحة اللوبي الصهيوني عن يقينياته أصبح من الممكنات. تأكدت هذه القناعة في الحرب الشرسة التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف 2006، إضافة إلى حرب العراق والهجمات التي تعرض لها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر لدى صدور كتابه «Palestine : Peace Not Apartheid » ، علاوة على حرب الكلمات بين أمريكا وإيران، ومحاولات تلطيخ سمعة كل من تجرأ على انتقاد أو مهاجمة اللوبي الصهيوني. تبين أن العديد من الأشخاص أدركوا أهمية طرح القضية على أرضية النقاش والتعبير عن آرائهم في موضوع هذا التأثير، الشيء الذي قاد بعض الجماعات داخل دوائر النفوذ إلى الاعتقاد بأن منظمة الأيباك، « l’American Public Affairs Committee» ، لا تمثل الأغلبية داخل الجماعة اليهودية الأمريكية، وبشكل موسع داخل أمريكا. كما أن بعض الشخصيات نادت بخلق توازن في مواقف السياسة الأمريكية. بعد ردود الفعل التي خلقتها الدراسة، ترسخت لدى الكاتبين قناعة بتحويلها إلى بحث كامل على شكل كتاب يمكن الباحثين من تعميق أغراض البحث في قضايا لم تتوقف عندها الدراسة كفاية. جاء الكتاب إذن ليتمحور حول القضايا التالية: - تعريف مفصل للوبي وتطوراته مع مناقشة دور الصهيونية المسيحية. يشمل هذا القسم أيضا توصيفا دقيقا لموقف إسرائيل بالأمس واليوم تجاه الفلسطينيين. لأن هذا الموضوع يشغل قلب الحجج الأخلاقية ( المحرقة، أمن وديمومة إسرائيل، تمثيلها للغرب في المنطقة)، التي يتذرع بها اللوبي لجمع التبرعات لصالح الدولة العبرية. - الرد على المعارضين والمنتقدين خلال صدور الدراسة في فصل يتضمن ردا، نقطة بنقطة، على انتقادات أغلبها واهية. يوفر الكتاب فرصة لطرح قاعدة متينة للأطروحات الرئيسية مع تحديث للتحليلات، على ضوء حرب العراق وحرب لبنان الثانية، مع تبيان نفوذ اللوبي الصهيوني الذي كان واضحا على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا وإيران. وأحد الفصول الهامة في الكتاب جاء على صيغة السؤال التالي: لماذا الحديث عن اللوبي المساند لإسرائيل يعتبر من صعاب الأمور؟ يجيب الباحثان بأن الولاياتالمتحدة ديمقراطية تعددية تضمن حرية الرأي والتجمع، وقد كان من المنتظر أن تتحكم المجموعات النافذة في مسلسل اتخاذ القرار السياسي. كان من المحتم أيضا في بلد يتكون من المهاجرين أن تتشكل مجموعات النفوذ، حسب معايير إثنية، بغاية التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية. هل تغيرت ميكانيزمات التحكم ونفوذ اللوبي بمجيء باراك أوباما إلى البيت الأبيض؟ من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال، لكن المؤكد أن هذا اللوبي لا يزال نافذا في السر والعلن، وأحيانا هذه المرة ضد سياسة الانفتاح والحوار التي ينهجها الرئيس الأمريكي. رابطة ساركوزي الروحية مع إسرائيل ينطبق هذا الوضع على أكثر من بلد أوروبي حيث اللوبيات الصهيونية نشطة في كل المرافق وتتحرك بسرعة بمجرد المزاوجة بين الصهيونية والعنصرية، الصهيونية وانتهاك حقوق الإنسان، أو انتقاد سياسة الكيل بمكيالين، وحصر معاداة السامية على اليهود فقط. بلدان مثل ألمانياوفرنسا، المسؤولتان رأسا عن إرسال الآلاف من اليهود إلى الغرف الغازية، تكفر اليوم عن ذنبها ضمن إجماع توافقي حول إسرائيل والصهيونية، وأي حديث عن المحرقة أو التقريب بين إسرائيل والأبارتايد(الميز العنصري) يعتبر من الموانع والمحرمات. بعض الأقلام تحدت الخطوط الحمراء مستلهمة العمل الذي أنجزه جون ج ميرشايمر وستيفن م والت، للانكباب على السياسة الفرنسية تجاه اللوبي الصهيوني وإسرائيل. هذا الإطار يمكن إدراج الدراسة التي أنجزها بول إيريك بلانري، في موضوع «ساركوزي، إسرائيل واليهود»، الصادرة عن منشورات ماركو بيتور، والممنوعة من التداول بالمكتبات الفرنسية، ما عدا في خزانة «شبكة فولتير»، وهي الشبكة المعروفة بمواقفها المعارضة للفكر الأحادي والمناهضة مثلا للأطروحات القائلة بأن بن لادن هو المسؤول عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. أسس الكاتب، وهو مؤرخ، وكاتب بمجلة «إيستوريا» عام 1993 «حلقة زيتيتيك»، وهي جمعية تدعو إلى التشديد على الفكر النقدي والتحقيق في مواضيع مصنفة في خانة ما هو غريب وشاذ، ليس في المجال التاريخي فحسب، بل أيضا في المجال العلمي. وهو يعيش بين باريس والبندقية، ومن بين إصداراته: «أنطولوجية الأقوال المناهضة لليهود»، «اليهودية والصهيونية» ( بالاشتراك مع يان موا، عام 2007)، و«كارلا ونيكولا، يوميات علاقة خطيرة» (2008). آخر كتاب سجالي أصدره هو «ساركوزي، إسرائيل واليهود». وإن كان عنوان الكتاب لمحة والتفاتة إلى النص الذي ألفه رايمون آرون في عنوان: «ديغول، إسرائيل واليهود»، فإنه ينهل في مسعاه المنهجي وتوجهه النظري من مؤلف «اللوبي المؤيد لإسرائيل والسياسة الخارجية الأمريكية» لتبيان الرابطة الروحية القائمة بين ساركوزي وإسرائيل. ويشير بلانري إلى أن الحديث اليوم عن إسرائيل أو انتقاد سياستها يعرض صاحبه توا إلى اتهامات من قبيل معاداة السامية وممارسة العنصرية. ويعتبر بلانري هذا السلوك من قبيل الرقابة وقمع حريات الرأي والتعبير. في مستهل الكتاب، يعقد الكاتب مقارنة بين سياسة الجنرال ديغول وسياسة ساركوزي. وفيما أسس الأول بعد حرب 67 سياسة تقوم على عدم الانحياز، ألحق الثاني هذه السياسة بسياسة المحافظين الأمريكيين وتحديدا سياسة بوش. انقلبت الموازين كلية إذن بوصول ساركوزي إلى الرئاسة عام 2007 ، إذ أدار ظهره لسياسة الجنرال ديغول، مدافعا عن سياسة لا مشروطة لإسرائيل، معتبرا كل نقد أو انتقاد رديفا لمعاداة للسامية. ومن شأن هذه السياسة الزج بفرنسا في صراعات إقليمية معقدة، وخاصة في سياسة إسرائيل اللاعقلانية، إسرائيل التي هي بحاجة إلى الحرب، بل إلى حروب دائمة للحفاظ على تماسكها الداخلي. كما يقدم توصيفا لشبكات النفوذ المؤيدة لإسرائيل، ولسلطها في مختلف المرافق. في محور آخر، يرفض بلانري الخلط الحاصل بين اليهودية والصهيونية، داعيا يهود فرنسا إلى التخلص من دعاة هذه الأطروحة. و يتساءل في التقديم: هل أصبحت فرنسا ناطقة باسم سياسة إسرائيل على منوال انحيازها إلى أمريكا؟ أفقد هذا الانصهار البلد استقلاليته السياسية ضمن الحظيرة الدولية. شبكة الولاءات بالنسبة لشخص طموح مثل ساركوزي، الذي تحذوه رغبة الوصول سريعا إلى دفة الحكم، فإن الاتكاء على اللوبي الصهيوني كان أحسن سند له. وقبل أن يصبح رئيسا وضع ساركوزي يده في يد هذا اللوبي، المكون من رجال الأعمال، رجال السياسة، رجال الفن والثقافة. وفي هذا المجال يأتي المؤرخ على نموذج الفيلسوف بيرنار-هنري ليفي الذي يقول عنه سيرج حليمي إنه «صديق البليونيرات، وله توجه ليبرالي، مساند للولايات المتحدةالأمريكية، ومسير فطن لثروته الهائلة ومستأنس بعالم الشو-بيزنس الثقافي». ويضيف بلانري أنه ليس من الغريب أن تكون له وساركوزي نفس المعارف والصداقات في أوساط كبار الباطرونات مثل لاغاردير أو فرانسوا بينو. كما أنه يتقاسم وساركوزي نفس الأعداء أمثال جان-بيار شوفينمون، نعوم شومسكي، مايكل مور، روني برومان، الفيلسوف آلن باديو، ريجيس دوبريه.. أي كل أعلام الفكر والفن الذين لا تنطلي عليهم الحيل الإسرائيلية. حولت تأويلات بيرنار-هنري ليفي وساركوزي إسرائيل إلى لغز غير قابل للإدراك والتفسير، أو ما يسميه الصوفية ما لا ينقل. وأصبح العدو الظاهر لهؤلاء الأشخاص المحسوبين على إسرائيل، من فلاسفة وسياسيين، هو الفلسطيني أو ما أسماه بيرنار-هنري ليفي «الفاشي-الإسلاموي». وإن كان هذا المفهوم فضفاضا، فإن الغاية منه تبقى الدفاع عن إسرائيل وتبيان تميزها. إن كانت أطروحة كتاب « ساركوزي، إسرائيل واليهود» مغرية فإن نبرته النضالية والأيديولوجية باسم السيادة الفرنسية، بالمعنى المَلَكي، souverainiste، (خصوصا أن المؤرخ سبق له أن عمل رئيس تحرير «النشرة الملكية»،)، أحدثت تشويشا في مقاصده وفي المشروع النظري الذي عرضه. الوعي الشقي لفرنسا تجاه اليهود في كتابه «تأملات في المسألة اليهودية» الصادر عام 1946 عن منشورات غاليمار، حاول جان-بول سارتر تلقين الفرنسيين درسا في معاداة السامية، وتحديدا معاداة اليهود. جاء هذا الكتاب بعد الانتقادات التي وجهها له الكثيرون في موضوع ما أسموه حياد الفيلسوف، بل صمته، بعد فصل العديد من الفرنسيين من أصل يهودي من وزارة التعليم وترحيلهم صوب المعتقلات تحت حكم فيشي. يعرض الكتاب بورتريها لمن هو معادٍ للسامية، والذي تلعب نظرته دورا حاسما في صنع وابتكار اليهودي. العين هي التي تبتكر اليهودي، ولو كان هذا الأخير غير موجود، فإن المعادي للسامية يبتكره ابتكارا، يقول سارتر. كان لهذا الكتاب فعل دقة ناقوس في فترة تشنج تاريخي، سياسي، ثقافي بعد خروج فرنسا مدماة تجر أشلاءها من الحرب. لكن البلد بقي يجر ويجتر وصمة خيانة اليهود وتسليمهم أكباش فداء إلى أفران المحرقة. كما انتظمت حول هذا الوعي الشقي، المتمحور في قضيتي اللاسامية والعنصرية حقول نظرية بأكملها في مجال الفكر، الكتابة، الإبداع والسياسة، إلى درجة تم من حولها إجماع وطني أضفى شرعية لا نقاش فيها على دولة إسرائيل، وعلى الأيديولوجية الصهيونية التي صارت لاهوتا سياسيا . في عام 1974 أصدر عبد الكبير الخطيبي كتاب «الحمى البيضاء» وفيه طرح للوعي الشقي تجاه المسألة اليهودية، بما هو إسقاط لمأساة اليهود على الفلسطينيين. كان الكتاب ردا مباشرا على أطروحات سارتر وعلى قسم من النخبة الفرنسية، بل الغربية تجاه المسألة اليهودية بما هي اختزال لصالح اليهود وعلى حساب الفلسطيني، بل العربي عموما. لم تكن نبرة هذه الدراسة أيديولوجية كما كان سائدا في المشهد الثقافي العربي، بل استندت إلى مبادئ تحليلية، فلسفية وتاريخية، لمقاربة منظومة الفكر الصهيوني وفخاخه. ونعرف الصعوبات الكثيرة التي واجهت إصدار هذا الكتاب. نحن إذن أمام مشهد بحلقتين: المناصرون للصهيونية، بما هي دين ودولة، ويمثلون الأغلبية، والمناهضون لها ويمثلون أقلية، يسعون باسم العدالة، الحق، التاريخ وحقوق الإنسان إلى إسماع كلمة الفلسطينيين، الذين أصبحوا «ضحايا الضحايا» !