منذ طرحه في المكتبات في 30 من أبريل الماضي، احتل كتاب «استغلال النفوذ» ( منشورات بلون-264 صفحة)، لفرانسوا بايرو، رئيس الحركة من أجل الديمقراطية Mo-dem، الصفوف الأولى لمبيعات الكتب، بلغ عددها 80 ألف نسخة، هذا مع العلم بأن الكتاب لا يزال في بداية مشواره، وأن الكاتب في مستهل طوافه على مختلف وسائل الإعلام. للتذكير، فإن الكتاب السياسي في فرنسا يحظى بتقليد راسخ وجمهور وفي من القراء، تستميله سير الساسة والحكام، إنجازاتهم، نوادرهم وطرق تسييرهم للأحزاب والأنظمة. لكن ليس كل رجالات السياسة كتابا، إذ من الخلف ثمة كتاب مقنعون يدونون، يكتبون ويرتبون سير وشهادات هؤلاء. وأحد أسباب نجاح كتاب فرانسوا بايرو هو أنه وقع بقلمه مؤلف «استغلال النفوذ». فالرجل مبرز في الآداب ويعرف عنه تمكنه من صنعة الكتابة والخطابة. وقد اختار زاوية هجوم استراتيجية ومميزة، ألا وهي الرئيس ساركوزي، طريقة تسييره الانفرادية للحكم، ابتكاره لنخبة، تعمل عمل لوبي، تقوم إيديولوجيتها على سلطة المال والاستحواذ على أقطاب القرار الرئيسية مثل البنوك، الإعلام الخ... ثم هناك الإطار العام لفرنسا التي تعرف في ظل الأزمة الراهنة تشنجا سيكولوجيا وتزايدا للاحتقان الاجتماعي.. في أفق الانتخابات الرئاسية ل2012 أراد بايرو أن يخبط خبطة سياسية قوية متموقعا كخصم وكحكم، أو بتعبير أصح ليصبح القوة الأولى المناهضة للرئيس ساركوزي. بهذا الكتاب-البيان، فاجأ فرانسوا بايرو الجميع : يمين، يسار ويسار اليسار. سيغولين رويال التي تسعى في كل المناسبات إلى «خربشة» صورة ساركوزي، وجدت نفسها هنا متجاوزة بأميال. يتكئ بايرو على مساره الشخصي ومسار ساركوزي لتبيان أن كل المعطيات تفرق بينهما: فيما هو سليل الأرض، فلاح يمتطي جراره كل صباح، يبقى ساركوزي ابنا للأحياء الراقية بطموح إمبراطوري. ولهذا المعطى أهميته الرمزية البالغة لأنه يفسر سبب جهل ساركوزي بالشعب بتاريخ فرنسا. خلافا للجنرال ديغول، ولباقي الرؤساء الذين خلفوه، يعتبر ساركوزي أن «التاريخ لا يعدو أن يكون مجرد ماض» يشير بايرو. من المخلفات السلبية لهذا السلوك: أولا الرغبة في فرض نموذج قائم على سلطة المال كعلامة للتفوق، شعارها: «مزيدا من الربح». ثانيا تبعية فرنسا للموديل الأنغلوساكسوني ثم عودتها إلى حظيرة الحلف الأطلسي. يجب الدفاع عن الاستثناء الفرنسي يقول فرانسوا بايرو. إن كان سعي ساركوزي يقوم على «إعادة تأسيس الرأسمال»، فإن الأزمة الراهنة توفر لنا درسا قيما في هذا المجال. في الوقت الذي يهترئ فيه الرأسمال وقيمه غير التعادلية. من هنا أهمية بل ضرورة استدعاء الفكر في مجال السياسة بصفته حجرها الأساس. لأن السياسة بلا فكر ولا معرفة ما هي إلا ممارسة شعبوية. ينظر ساركوزي للسياسة على أنها تحرك خارق وممارسة فائقة. الانتقال من مكان إلى آخر، إلقاء المشاريع، تدشين الأوراش إلخ... أي إيهام المواطنين بأنه لا يكف عن الحركة. ولا يفوت فرانسوا بايرو أن يسدد سهامه السامة إلى عراب ساركوزي: آلن مانك، الذي يعمل مستشارا في الخفاء للرئيس ساركوزي، والذي يشكل إلى جانب بعض أصحاب القنوات الراكعة، وبعض أرباب الأبناك، لوبيا ضاغطا ومؤثرا. يخلص بايرو إلى نتيجة أن مسعى ساركوزي هو إعادة النظر في المشروع الجمهوري مع القيام بعمل هدم منهجي غايته الأخيرة تحقيق نموذج يقوم على اللامساواة. تمكنت الخيبة من شرائح عريضة من المجتمع. وعليه اختار الفرنسيون مرشحا ولم يختاروا نموذجا. كتبت العديد من الكتب المناهضة لساركوزي ولسياسته. لكن أغلبها يبقى إيديولوجي المنحى. مؤلف «استغلال النفوذ»، صك اتهام ينبني على قواعد يتزاوج فيها التحليل السياسي المستند إلى معطيات سوسيولوجية،تاريخية، جيو-ستراتيجية، بالفكر السجالي القادح، الهادف إلى «تمسيخ» ساركوزي ومشروعه المجتمعي بطريقة «فنية».