بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب الذي يفضح الأسباب الحقيقية لاحتضان أمريكا لإسرائيل
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية
نشر في المساء يوم 14 - 06 - 2009

انكب الجامعيان المعروفان «جون ج. ميرشايمر» و«ستيفن م. والت»، في كتابهما الصادر سنة 2007، على تحليل العلاقة التاريخية والتقليدية التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من خلال اللوبي الإسرائيلي الناشط في أمريكا. وربما كانت حقبة الرئيس بوش الابن هي الأكثر تجسيدا للطبيعة الخاصة لهذه العلاقة اعتبارا لأن بصمات اللوبي الإسرائيلي كانت واضحة في مختلف الجبهات الخلافية التي فتحتها أمريكا تحت ذرائع مختلفة.
في تفصيلهما للعلاقة الخاصة بين اللوبي الإسرائيلي وأمريكا، يتناول المؤلفان مختلف الأساسات التي ظلت دائما تسند رابطة التفضيل التي تتمتع بها إسرائيل في عيون الأمريكيين. يشير المؤلفان إلى أن هذه الدولة العبرية اكتست هذا البعد الاستراتيجي بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك ارتباطا بميزان القوة والضعف في منطقة الشرق الأوسط وما تختزنه أراضيها من ثروات طاقية هائلة.
ويستدل المؤلفان على حجم المساعدة الاقتصادية التي تحظى بها إسرائيل دون غيرها في المنطقة والعالم أجمع بأرقام مدققة من قبيل أنه «بين 1948 و2005، ارتفع الدعم المباشر، الاقتصادي والعسكري (...)، إلى 154 مليار دولار (المبلغ بالقيمة الثابتة للدولار) على شكل إعانات دعم مباشر لا على شكل قروض». إلا أن الدعم لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى مبالغ أخرى مرتفعة تُمنح لإسرائيل بشكل غير مباشر. فقيمة الدعم الحالي أكبر بكثير، لأن المساعدة الأمريكية تُمنح في ظروف استثنائية ملائمة ولأن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل أشكالا أخرى من الدعم المادي لا تظهر في ميزانية الدعم المخصصة للبلدان الأجنبية.
قصة الدعم الأمريكي لإسرائيل
أما حكاية بداية الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل فتأكدت بشكل واضح على عهد إدارة الرئيس «كنيدي»، الذي صرح، في دجنبر من عام 1962 للوزيرة الأولى الإسرائيلية غولدا مايير، بأن الولايات المتحدة لها «علاقة متميزة مع إسرائيل في الشرق الأوسط شبيهة بتلك التي كانت بينها وبين بريطانيا في الكثير من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية» قبل أن يضيف: «إنه لمن الواضح جدا أنه في حال الاحتلال (يقصد احتلال إسرائيل من قبل دولة عربية) ستهب الولايات المتحدة لنجدة إسرائيل. ولدينا الوسائل للقيام بذلك...». وبعد ذلك التاريخ بقليل، أي في سنة 1963، سمح «كنيدي» بأول صفقة بيع سلاح لإسرائيل، كانت عبارة عن صواريخ «هاوك» المضادة للطائرات. وكانت من وراء هذا الإعلان الصريح لدعم إسرائيل، كما يؤكد المؤلفان، رغبة الولايات المتحدة في إيجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط لموازنة الحضور السوفياتي، الذي كانت علاقته بعدة بلدان في المنطقة، خاصة مصر، متميزة؛ يضاف إلى ذلك، طبعا، حرص كنيدي على ضمان دعم الناخبين اليهود له في أمريكا.
كان طبيعيا أن تتبلور سياسة التقارب الإسرائيلي الأمريكي أكثر فأكثر مع تفاعل الأحداث التي شهدتها المنطقة وما ترتب عنها من أوضاع لاحقة إلى أن صارت الدولة العبرية تتلقى، اليوم، مساعدات مالية مباشرة بمعدل 3 مليارات دولار في السنة، وهو ما يمثل حوالي 1/6 الميزانية العامة المرصودة للمساعدة الخارجية و٪2 من الناتج الداخلي الخام الإسرائيلي! وخلال السنوات القليلة الأخيرة، شكلت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل حوالي ٪75 والبقية تتوزع بين مساعدات اقتصادية مختلفة؛ وهو ما يعادل 500 دولار للفرد الإسرائيلي الواحد في السنة بينما لا تتجاوز نسبة الفرد الواحد من المساعدات الأمريكية لمصر، مثلا، 20 دولارا و5 دولارات للفرد في هايتي و27 دولارا للفرد في باكستان.
ولمعرفة حجم التفضيل الأمريكي لإسرائيل، أورد الكاتبان مجموعة من الأرقام والمعطيات الدالة على أن المساعدة الأمريكية لإسرائيل تقدر بحوالي 4,3 مليارات دولار؛ والقيمة الزائدة عن المليارات الثلاثة الأولى، أي 1,3 مليار، هي عبارة عن امتيازات إضافية تستفيد منها إسرائيل من حيث كونها تتلقى هذه المساعدات في ظروف تفضيلية بكثير، مقارنة بغيرها من الدول المستفيدة، التي تتلقى الأموال عن طريق تحويلات بنكية دورية.
دافع الضرائب الأمريكي يتحمل تكلفة دعم إسرائيل
وفي سنة 1982، نص بند جديد في الميثاق السنوي للمساعدات الخارجية على أن إسرائيل يجب أن تتلقى مجموع قيمة المساعدات خلال الثلاثين يوما الأولى من السنة المالية. إلا أن تحويل هذه المساعدة دفعة واحدة يفرض على الحكومة اقتراض المبلغ الكافي لتغطية العجز الذي يحدثه ذلك التحويل.
ويشير قسم الدراسات في الكونغرس الأمريكي إلى أن «التحويل الاستباقي لذلك المبلغ الكبير» يكلف دافع الضرائب الأمريكي «ما بين 50 و60 مليون دولار في السنة»؛ بل إن الولايات المتحدة تؤدي نسب فائدة إضافية في حال وظف المستفيد الجزء غير المصروف من قيمة المساعدة في سندات الخزينة الأمريكية. وحسب السفارة الأمريكية في إسرائيل، فقد استفادت إسرائيل من التحويل الاستباقي للأموال مما قدره 660 مليون دولار، هي عبارة عن مجموع نسب الفائدة برسم سنة 2004. وفضلا عن هذا وذاك، توصلت الدولة العبرية بفائض تفضيلي عسكري يُمنح، عادة، مجانا للبلدان الصديقة أو بأسعار رمزية، وذلك ضدا على ما يسمح به قانون مراقبة صادرات السلاح. فرغم أن القانون يحصر قيمة المنيحات العسكرية في ما قيمته 250 مليون دولار (غير شاملة للسفن الحربية)، فإن لائحة العتاد الممنوح «بصفة استثنائية» لإسرائيل، حسب تقرير 5 نونبر 1990، بلغت قيمتها 700 مليون دولار.
زد على ذلك أن برنامج تمويل التسليح العسكري الأمريكي يفرض على الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية أن تصرف مجموع قيمة المساعدات العسكرية على شراء عتادها العسكري من الولايات المتحدة، وهو ما يمكن من المحافظة على فرص الشغل بين عمال المقاولات العاملة في الصناعات العسكرية الأمريكية. بيد أن هذا الشرط لم يمنع الكونغرس الأمريكي من منح امتياز كبير لإسرائيل عندما سمح لها باستعمال ربع المساعدات لدعم صناعتها العسكرية. وبفضل هذه الامتيازات وغيرها أصبح هذا البلد الصغير ثامن مصدر للسلاح في العالم في سنة 2004.
الدعم الأمريكي للدولة العبرية يأخذ، كذلك، صيغة ضمانات قروض تمكن إسرائيل من اقتراض الأموال بنسب فوائد منخفضة من بعض الأبناك التجارية، وهو ما يمكنها من توفير ملايين الدولارات.
وغالبا ما كان الأمر يبرر بدعوى محاولة إقناعها بالتوقيع على اتفاقات سلام مع جيرانها أو تنفيذ الموقع منها على أرض الواقع! ففي إطار اتفاق الانسحاب الموقع بين مصر وإسرائيل سنة 1975، مثلا، وقع وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، هنري كسنجر، بروتوكول اتفاق تلتزم فيه الولايات المتحدة بتلبية حاجيات إسرائيل من البترول في حال وقوع أزمة نفطية، كما تلتزم فيه بتمويل «صندوق إضافي للاحتياطيات الاستراتيجية» تقدر كلفته الإجمالية بمئات ملايين الدولارات. وقد أعيد التأكيد على تلك الضمانة الأمريكية في ما يخص الأزمة البترولية خلال مفاوضات السلام النهائية بين مصر وإسرائيل في شهر مارس 1979، واستمر تجديدها سرا منذ ذلك التاريخ.
في مقابل ذلك، تبقى المساعدات التي تتلقاها مصر والأردن، الجارتان القريبتان من إسرائيل، مجرد «شكر على حسن السيرة»، ولاسيما نظير التوقيع على اتفاقات السلام مع الدولة العبرية. فاليوم، تتلقى القاهرة 2 مليار دولار سنويا، كما تلقت الأردن من أمريكا سنة 1994 حوالي 76 مليون دولار كمساعدة مباشرة، بينما لم تتلق سنة 1995 سوى 57 مليون دولار، بيد أن الكونغرس عوض الفارق بتقديم شكره إلى الملك حسين على توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل سنة 1994، وكان الشكر في شكل «هدية» هي عبارة عن إلغاء جميع ديون أمريكا على الأردن، التي كانت تقدر ب700 مليون دولار ورفع بعض الشروط الأخرى عن المساعدات الأمريكية للمملكة! ودائما في إطار «الاعتراف الأمريكي بالجميل» الأردني، تتلقى هذه الأخيرة، منذ 1997، حوالي 566 مليون دولار سنويا من المساعدات الخارجية.
ويبقى الدعم العسكري الكبير أهم ما يميز العلاقة بين أمريكا وإسرائيل. فالأرقام التي يقدمها الكتاب تؤكد هذا المعطى القائم. ولا يقتصر الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل على تمتيعها بأحدث الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال مثل طائرات إف15 وإف16 ومروحيات بلاكهاوك والقنابل الانشطارية والذكية...، بل تستفيد إسرائيل كذلك من اتفاقات تعاون في مجال الدفاع والاستخبارات العسكرية. وفي الوقت الذي يخضع فيه جميع المستفيدين من صفقات السلاح الأمريكي لمراقبة «وكالة التعاون في الأمن الدفاعي» الأمريكية، يُسمح للدولة العبرية بالتفاوض مباشرة مع صانعي السلاح الأمريكي في ما يتعلق بجل صفقات اقتناء الأسلحة. كما أن إسرائيل هي البلد الوحيد الذي لا تخضع عقود صفقاته العسكرية، التي تقل قيمتها عن 500 ألف دولار، لمراجعة قبلية. كما أن إسرائيل أصبحت، سنة 1986، إحدى ثلاث دول أجنبية تُدعى من قبل الولايات المتحدة إلى مبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي يُطلق عليها كذلك «حرب النجوم». وفي سنة 1988، جاء بروتوكول اتفاق آخر ليجعل من إسرائيل «حليفا أساسيا ليس عضوا في الناتو»، ملتحقة بذلك بكل من أستراليا ومصر واليابان وكوريا الجنوبية. والدول المستفيدة من هذا الوضع لها إمكانية شراء كميات كبيرة من السلاح بثمن منخفض، والاستفادة من أولوية التوصل بفائض السلاح، والمشاركة في مشاريع البحث والتنمية ومبادرات مكافحة الإرهاب الأمريكية. زد على ذلك أن «الولايات المتحدة تدعي أنها تخزن ترسانة من السلاح في إسرائيل للتدخل السريع في حال الأزمات، إلا أن الحقيقة هي أن هذه الترسانة توجد هناك للزيادة في حجم الاحتياطي المادي الإسرائيلي من حيث العتاد العسكري، يلاحظ المؤلفان«. وفضلا عن هذا وذاك، ينقل الكاتبان عن مصادر إفادات تؤكد أن الرئيس جورج بوش سمح بنقل المعلومات العسكرية عبر السواتل، لحظة استقبالها، إلى الإسرائيليين خلال قصف العراقيين لإسرائيل بصواريخ «سكود» في حرب الخليج سنة 1991.
الكتاب يقف أيضا على حجم الدعم الدبلوماسي الأمريكي الذي تستفيد منه إسرائيل، ويعرض لمجموعة من الحالات التي تجسده، منها أن أمريكا لعبت دورا كبيرا في جهود المفاوضات التي لم تفض إلى أي اتفاق بعد حرب الستة أيام، وفي المحادثات التي وضعت حدا ل»حرب الاستنزاف» سنة 1970.
ولم يختلف تعامل الإدارة الأمريكية على عهد «كلينتون» عن الإدارات السابقة، ولاسيما أثناء مفاوضات التوصل إلى اتفاقات أوسلو سنة 1993. فرغم الخلافات التي كانت تنشأ بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي حول بعض النقط، كان الوسطاء الأمريكيون يميلون دائما إلى ترجيح كفة الاقتراحات الإسرائيلية والضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات.
مبررات دعم أمريكا لإسرائيل
وأمام هذا الدعم السخي على جميع جبهات التعامل الأمريكي الإسرائيلي، يتساءل المؤلفان حول مبرراته الحقيقية وحول ما إذا كانت قيمة الدعم تناسب ما تجنيه الولايات المتحدة نظير ذلك، وينتهيان إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة. إلا أنهما يعودان إلى عرض التبريرات التي يقدمها الساسة الأمريكيون والتي غالبا ما ترتبط بالدواعي الاستراتيجية. ففي الثمانينيات، مثلا، قال جامعيون مثل «ستيفن سبيغل» و«أ.ف.ك. أورغانسكي» إن إسرائيل أضحت تشكل معطى استراتيجيا كبيرا خلال الحرب الباردة، وإن المساعدة الأمريكية تشكل مسألة مهمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالنظر إلى الفوائد التي تجنيها أمريكا من وراء ذلك. واليوم، تصرح منظمة «إيباك»، أكبر جماعة ضغط موالية لإسرائيل في الولايات المتحدة من حيث الأهمية، بأن الولايات المتحدة وإسرائيل منخرطتان في «شراكة استراتيجية مهمة من أجل مواجهة الأخطار التي تهدد الأمتين معا». ويستحضر المؤلفان بعض ما يمكن أن تكون إسرائيل أسدته إلى أمريكا من خدمة مقابل ما تتمتع به من سخاء أمريكي، إلا أنهما يكتبان: «صحيح أن الخدمات التي أسدتها إسرائيل إلى أمريكا في تلك الفترة كان لها دور ما في حسابات هذه الأخيرة، إلا أنها لم تكن بتلك الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تصورها البعض. فلا يوجد أي دليل مادي ملموس يؤكد أن المعلومات التي توصلت بها أمريكا من إسرائيل أسهمت بشكل كبير في تمييل الكفة الأمريكية على حساب السوفياتية». ولا يقتصر الأمر على قصور الخدمة الإسرائيلية تجاه الأمريكيين، بل إن ما قامت به إسرائيل من أفعال في المنطقة أساءت به إلى أمريكا على كثير من الجبهات. فقد تسببت إسرائيل، بفعل اجتياحها للبنان سنة 1982، في الإساءة إلى استقرار المنطقة وأدت، بشكل مباشر، إلى خلق حزب الله. حملة الاستيطان الطويلة في الضفة والقطاع، التي مولت بشكل غير مباشر من قبل الأمريكيين ونُفذت بالسلاح الأمريكي، تسببت هي الأخرى في حدوث انتفاضتين كبيرتين قُتل خلالهما آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين. «أين القيمة الاستراتيجية لإسرائيل، إذن، عندما لم تسهم بأي مجهود في ضمان مصلحة حيوية أمريكية في المنطقة وهي تسهيل الوصول إلى بترول خليج فارس؟»، يتساءل المؤلفان.
اللوبي اليهودي.. من هو؟
ويعرف المؤلفان اللوبي اليهودي بكونه جماعة ضاغطة تدافع عن مصالح على حساب أخرى، وتحيل هذه العبارة على عدد من الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط على مستوى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاه يخدم مصلحة إسرائيل. وبالنسبة إلى اللوبي الإسرائيلي، يبقى من الصعب تحديد مفهومه. إلا أن المؤلفين يتفقان على كون اللوبي له مركز ومحيط، فهو ليس منظمة مركزية يملك أعضاؤها بطاقات انتماء ويخضعون إلى طقوس معينة، لكن هنالك مركز يتكون من منظمات وأشخاص مؤثرين هدفهم الأول والمعلن هو تشجيع الحكومة والشعب الأمريكيين على منح مساعدة مادية لإسرائيل. بيد أن هذا لا يعني أن كل أمريكي مساند لإسرائيل ينتمي، بالضرورة، إلى اللوبي الإسرائيلي.
وينتمي إلى هذا اللوبي عدد من الجماعات ذات التأثير الكبير داخل أمريكا، منها منظمة «إيباك» و«المؤتمر اليهودي الأمريكي» و«منتدى السياسة الإسرائيلي» و«اللجنة الأمريكية اليهودية» و«الأصدقاء الأمريكيون للكود»... بل إن 51 منظمة من أكبر المنظمات وأهمها تجتمع في إطار»مؤتمر الرؤساء»، وهو تنظيم ضاغط كبير يعمل لمصلحة إسرائيل.
ويفرد الكاتبان لتيار المحافظين الجدد داخل اللوبي الإسرائيلي حيزا مهما اعتبارا للأهمية الكبيرة التي ينطوي عليها في بلورة السياسة الخارجية الأمريكية والتي تجسدت بشكل كبير على عهد إدارة الرئيس جورج والكر بوش، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وقرار غزو العراق، ذلك أن الأغلبية المهيمنة داخل هذا التيار ملتزمة بدعم إسرائيل؛ فلا غرابة، إذن، يقول المؤلفان، في أن يتبنى المحافظون الجدد مواقف اليمين الإسرائيلي.
ويفصل الكتاب أيضا في تيار الصهاينة المسيحيين، كجزء من اللوبي، والذي ينتمي إليه عدد من الشخصيات البارزة في السياسة الأمريكية والعديد من المنظمات الفرعية في إطار تكتل قوي يخدم مصالح إسرائيل في أمريكا ويرصد الكثير من مستويات الدعم الذي تقدمه المنظمات الصهيونية المسيحية إلى إسرائيل بدافع ديني يوقظ أحيانا نار الغيرة بين المتشددين اليهود أنفسهم.
وأهمية هذا التيار تكمن في كونه يشكل صوتا متعاطفا مع إسرائيل من خارج الجماعة اليهودية بأمريكا وفي الدور الذي يلعبه على مستوى الحسابات الانتخابية لدى المسؤولين السياسيين الذين لا يتمتعون بقاعدة ناخبة يهودية كبيرة.
لكن، ما السر في التأثير الكبير الذي يتمتع به اللوبي الإسرائيلي؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح أمام الالتزام الكبير الذي تحرص عليه الولايات المتحدة تجاه مصالح إسرائيل، وهي الدولة العظمى في العالم. جزء من الجواب عن هذا السؤال يرتبط بطبيعة النظام السياسي الأمريكي المنفتح. فالولايات المتحدة تتمتع بنظام رئاسي، وبرصيد كبير من ممارسة حرية التعبير، ونظام انتخابي مرتفع التكاليف بالنسبة إلى المرشحين، وتقنين تنفلت من عقاله مصادر تمويل الحملات الانتخابية. ويسمح هذا المحيط السياسي لمختلف الجماعات بالتأثير على السياسة الأمريكية بطرق مختلفة؛ فجماعات الضغط يمكنها أن تدعم حملة أحد المرشحين والانخراط، في نفس الوقت، في حملة أخرى ضد مرشح آخر، كما يمكنها أن تشكل رأيا قائم الذات.
واستنادا إلى ما يمكن أن تتمتع به الجماعات الضاغطة من دور حاسم في تمييل كفة المصالح، يعمل اللوبي الإسرائيلي على صياغة استراتيجية متكاملة لخدمة مصالح إسرائيل. ولعل أول عناصرها، كما يفسر ذلك المؤلفان، هو السعي إلى السيطرة على مركز القرار في البيت الأبيض والتحكم في الخطاب العمومي. وهنا، تبرز منظمة «إيباك» لما لها من تأثير على الرؤساء الأمريكيين، سواء في الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، ولقدرتها الكبيرة، من خلال تمويلها للحملات الانتخابية، على مكافأة المنتخبين والمرشحين نظير تأييد هؤلاء لأهدافها؛ وقدرتها على معاقبة أولئك الذين يرفضون طلباتها. ويشتغل ميكانيزم التأثير لدى هذه المنظمة بطرق عديدة، منها اعتمادها، في ماليتها، على عطايا الكثير من المانحين الخواص؛ كما أن المنظمة تعمل على مساعدة المرشحين للانتخابات على إيجاد مانحين آخرين وموارد تمويلية إضافية. وإذا لم تنفع أساليب الردع والضغط الانتخابي، تلجأ «إيباك» إلى التهديد الضمني للمسؤولين السياسيين المترددين.
تأثير اللوبي اليهودي
في أمريكا
ويسعى اللوبي الإسرائيلي دائما إلى الضغط في اتجاه انتخاب رئيس موال لإسرائيل من خلال الاعتماد على القوة الناخبة لليهود الذين غالبا ما يسجلون أعلى نسبة مشاركة انتخابية، كما أنهم ممركزون في الولايات المهمة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا وإيلينوا ونيو جيرسي ونيويورك وبنسيلفانيا... وهو ما يرفع من وزنهم في انتخاب الرئيس. وعندما يشتد التنافس الانتخابي بين المرشحين يمكن للتصويت اليهودي أن يحسم في الأمر لمصلحة هذا المرشح أو ذاك. وعليه، فإن الكتلة الناخبة اليهودية لها اعتبار مهم ضمن حسابات الساسة الأمريكان، كما أن جميع المرشحين يسعون إلى التعريف بذاتهم أمام منظمة «إيباك» القوية ومنظمات أخرى في اللوبي إدراكا منهم أن دعمها لهم يسهل حصولهم على المساعدات والعطايا المالية، ويشجع الناخبين على التصويت لهم.
وقد لعب اللوبي الإسرائيلي، يؤكد المؤلفان، دورا كبيرا في توجيه السياسة الأمريكية الخارجية، وذلك من خلال اتباع أساليب تأثير أخرى منها تحريف المعلومات والوثائق السرية، إذ إن كبار المسؤولين في اللوبي لا يترددون في ربط علاقات وطيدة مع خبراء الاستخبارات وزيارة مقر «سي آي إيه» والإدلاء بمعلومات تدفع في اتجاه اتخاذ قرار فيه مصلحة إسرائيل، وتقديم تقارير مغرضة عن وضع ما...
ويستعرض الكتاب بعضا من الأهداف التي يضمها اللوبي الإسرائيلي إلى لائحة أهدافه للدفع بها نحو الإنجاز على يد الرؤساء الأمريكيين، ومنها ضرب إيران وسوريا، كما يقترح حلولا مختصرة لكيفية إضعاف اللوبي الإسرائيلي، ومنها العمل على التقليص من تأثيره وتأثير بقية جماعات الضغط عن طريق التفكير في تغيير وإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية. فالتمويل العمومي، مثلا، لجميع الانتخابات يمكنه أن يُضعف بشكل كبير العلاقة بين اللوبي والمنتخبين. كما يدعو المؤلفان إلى تشجيع نقاش مفتوح حول هذه القضايا بغاية هدم الأساطير القائمة حول الشرق الأوسط وإرغام جماعات اللوبي على الدفاع عن آرائها أمام معارضين أكفاء، يملكون المعلومات الكافية للمشاركة في النقاشات الساخنة. فأكثر ما يحتاجه الأمريكيون، يقول المؤلفان، هو معرفتهم بتاريخ تأسيس إسرائيل والظروف التي أدت إلى قيام الدولة العبرية، ثم معرفة طبيعة تصرفاتها. وبدل أن يعرف الأمريكيون الرواية المتعلقة بالهجرة اليهودية إلى «أرض الميعاد»، عليهم أن يكتشفوا، أولا، ويتأملوا في كتابات المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين جاؤوا بحقائق أساسية حول النتائج التي ترتبت عن المشروع الصهيوني القاضي بإقامة دولة يهودية وسط شعوب عربية. ورغم أن الحالتين مختلفتان، فلا يمكن فهم الصهيونية دون الاطلاع على أمور أخرى من قبيل كشف التاريخ الطويل لظاهرة معاداة السامية عند المسيحية. وجهل الأمريكيين بأحداث الماضي يجعلهم يعتبرون المطالب الفسلطينية، خاصة منها حق العودة، مطالب لا أساس لها من المشروعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.