وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    التضخم.. ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بنسبة 0,9 في المائة خلال سنة 2024    فرنسا تصدر مذكرة اعتقال جديدة بحق الأسد    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    مغربي مقيم في أمريكا ينفذ هجوم طعن في تل أبيب    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    الوزير بركة ونظيره الفلسطيني في لقاء ثنائي لتعزيز التعاون    توقيف 6 أشخاص وإحباط محاولة لتهريب كمية مهمة من المخدرات نواحي إيمينتانوت    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    في ليلة كروية لا تُنسى.. برشلونة ينتزع فوزا دراميا من بنفيكا    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب الذي يفضح الأسباب الحقيقية لاحتضان أمريكا لإسرائيل
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية
نشر في المساء يوم 14 - 06 - 2009

انكب الجامعيان المعروفان «جون ج. ميرشايمر» و«ستيفن م. والت»، في كتابهما الصادر سنة 2007، على تحليل العلاقة التاريخية والتقليدية التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من خلال اللوبي الإسرائيلي الناشط في أمريكا. وربما كانت حقبة الرئيس بوش الابن هي الأكثر تجسيدا للطبيعة الخاصة لهذه العلاقة اعتبارا لأن بصمات اللوبي الإسرائيلي كانت واضحة في مختلف الجبهات الخلافية التي فتحتها أمريكا تحت ذرائع مختلفة.
في تفصيلهما للعلاقة الخاصة بين اللوبي الإسرائيلي وأمريكا، يتناول المؤلفان مختلف الأساسات التي ظلت دائما تسند رابطة التفضيل التي تتمتع بها إسرائيل في عيون الأمريكيين. يشير المؤلفان إلى أن هذه الدولة العبرية اكتست هذا البعد الاستراتيجي بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك ارتباطا بميزان القوة والضعف في منطقة الشرق الأوسط وما تختزنه أراضيها من ثروات طاقية هائلة.
ويستدل المؤلفان على حجم المساعدة الاقتصادية التي تحظى بها إسرائيل دون غيرها في المنطقة والعالم أجمع بأرقام مدققة من قبيل أنه «بين 1948 و2005، ارتفع الدعم المباشر، الاقتصادي والعسكري (...)، إلى 154 مليار دولار (المبلغ بالقيمة الثابتة للدولار) على شكل إعانات دعم مباشر لا على شكل قروض». إلا أن الدعم لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى مبالغ أخرى مرتفعة تُمنح لإسرائيل بشكل غير مباشر. فقيمة الدعم الحالي أكبر بكثير، لأن المساعدة الأمريكية تُمنح في ظروف استثنائية ملائمة ولأن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل أشكالا أخرى من الدعم المادي لا تظهر في ميزانية الدعم المخصصة للبلدان الأجنبية.
قصة الدعم الأمريكي لإسرائيل
أما حكاية بداية الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل فتأكدت بشكل واضح على عهد إدارة الرئيس «كنيدي»، الذي صرح، في دجنبر من عام 1962 للوزيرة الأولى الإسرائيلية غولدا مايير، بأن الولايات المتحدة لها «علاقة متميزة مع إسرائيل في الشرق الأوسط شبيهة بتلك التي كانت بينها وبين بريطانيا في الكثير من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية» قبل أن يضيف: «إنه لمن الواضح جدا أنه في حال الاحتلال (يقصد احتلال إسرائيل من قبل دولة عربية) ستهب الولايات المتحدة لنجدة إسرائيل. ولدينا الوسائل للقيام بذلك...». وبعد ذلك التاريخ بقليل، أي في سنة 1963، سمح «كنيدي» بأول صفقة بيع سلاح لإسرائيل، كانت عبارة عن صواريخ «هاوك» المضادة للطائرات. وكانت من وراء هذا الإعلان الصريح لدعم إسرائيل، كما يؤكد المؤلفان، رغبة الولايات المتحدة في إيجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط لموازنة الحضور السوفياتي، الذي كانت علاقته بعدة بلدان في المنطقة، خاصة مصر، متميزة؛ يضاف إلى ذلك، طبعا، حرص كنيدي على ضمان دعم الناخبين اليهود له في أمريكا.
كان طبيعيا أن تتبلور سياسة التقارب الإسرائيلي الأمريكي أكثر فأكثر مع تفاعل الأحداث التي شهدتها المنطقة وما ترتب عنها من أوضاع لاحقة إلى أن صارت الدولة العبرية تتلقى، اليوم، مساعدات مالية مباشرة بمعدل 3 مليارات دولار في السنة، وهو ما يمثل حوالي 1/6 الميزانية العامة المرصودة للمساعدة الخارجية و٪2 من الناتج الداخلي الخام الإسرائيلي! وخلال السنوات القليلة الأخيرة، شكلت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل حوالي ٪75 والبقية تتوزع بين مساعدات اقتصادية مختلفة؛ وهو ما يعادل 500 دولار للفرد الإسرائيلي الواحد في السنة بينما لا تتجاوز نسبة الفرد الواحد من المساعدات الأمريكية لمصر، مثلا، 20 دولارا و5 دولارات للفرد في هايتي و27 دولارا للفرد في باكستان.
ولمعرفة حجم التفضيل الأمريكي لإسرائيل، أورد الكاتبان مجموعة من الأرقام والمعطيات الدالة على أن المساعدة الأمريكية لإسرائيل تقدر بحوالي 4,3 مليارات دولار؛ والقيمة الزائدة عن المليارات الثلاثة الأولى، أي 1,3 مليار، هي عبارة عن امتيازات إضافية تستفيد منها إسرائيل من حيث كونها تتلقى هذه المساعدات في ظروف تفضيلية بكثير، مقارنة بغيرها من الدول المستفيدة، التي تتلقى الأموال عن طريق تحويلات بنكية دورية.
دافع الضرائب الأمريكي يتحمل تكلفة دعم إسرائيل
وفي سنة 1982، نص بند جديد في الميثاق السنوي للمساعدات الخارجية على أن إسرائيل يجب أن تتلقى مجموع قيمة المساعدات خلال الثلاثين يوما الأولى من السنة المالية. إلا أن تحويل هذه المساعدة دفعة واحدة يفرض على الحكومة اقتراض المبلغ الكافي لتغطية العجز الذي يحدثه ذلك التحويل.
ويشير قسم الدراسات في الكونغرس الأمريكي إلى أن «التحويل الاستباقي لذلك المبلغ الكبير» يكلف دافع الضرائب الأمريكي «ما بين 50 و60 مليون دولار في السنة»؛ بل إن الولايات المتحدة تؤدي نسب فائدة إضافية في حال وظف المستفيد الجزء غير المصروف من قيمة المساعدة في سندات الخزينة الأمريكية. وحسب السفارة الأمريكية في إسرائيل، فقد استفادت إسرائيل من التحويل الاستباقي للأموال مما قدره 660 مليون دولار، هي عبارة عن مجموع نسب الفائدة برسم سنة 2004. وفضلا عن هذا وذاك، توصلت الدولة العبرية بفائض تفضيلي عسكري يُمنح، عادة، مجانا للبلدان الصديقة أو بأسعار رمزية، وذلك ضدا على ما يسمح به قانون مراقبة صادرات السلاح. فرغم أن القانون يحصر قيمة المنيحات العسكرية في ما قيمته 250 مليون دولار (غير شاملة للسفن الحربية)، فإن لائحة العتاد الممنوح «بصفة استثنائية» لإسرائيل، حسب تقرير 5 نونبر 1990، بلغت قيمتها 700 مليون دولار.
زد على ذلك أن برنامج تمويل التسليح العسكري الأمريكي يفرض على الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية أن تصرف مجموع قيمة المساعدات العسكرية على شراء عتادها العسكري من الولايات المتحدة، وهو ما يمكن من المحافظة على فرص الشغل بين عمال المقاولات العاملة في الصناعات العسكرية الأمريكية. بيد أن هذا الشرط لم يمنع الكونغرس الأمريكي من منح امتياز كبير لإسرائيل عندما سمح لها باستعمال ربع المساعدات لدعم صناعتها العسكرية. وبفضل هذه الامتيازات وغيرها أصبح هذا البلد الصغير ثامن مصدر للسلاح في العالم في سنة 2004.
الدعم الأمريكي للدولة العبرية يأخذ، كذلك، صيغة ضمانات قروض تمكن إسرائيل من اقتراض الأموال بنسب فوائد منخفضة من بعض الأبناك التجارية، وهو ما يمكنها من توفير ملايين الدولارات.
وغالبا ما كان الأمر يبرر بدعوى محاولة إقناعها بالتوقيع على اتفاقات سلام مع جيرانها أو تنفيذ الموقع منها على أرض الواقع! ففي إطار اتفاق الانسحاب الموقع بين مصر وإسرائيل سنة 1975، مثلا، وقع وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، هنري كسنجر، بروتوكول اتفاق تلتزم فيه الولايات المتحدة بتلبية حاجيات إسرائيل من البترول في حال وقوع أزمة نفطية، كما تلتزم فيه بتمويل «صندوق إضافي للاحتياطيات الاستراتيجية» تقدر كلفته الإجمالية بمئات ملايين الدولارات. وقد أعيد التأكيد على تلك الضمانة الأمريكية في ما يخص الأزمة البترولية خلال مفاوضات السلام النهائية بين مصر وإسرائيل في شهر مارس 1979، واستمر تجديدها سرا منذ ذلك التاريخ.
في مقابل ذلك، تبقى المساعدات التي تتلقاها مصر والأردن، الجارتان القريبتان من إسرائيل، مجرد «شكر على حسن السيرة»، ولاسيما نظير التوقيع على اتفاقات السلام مع الدولة العبرية. فاليوم، تتلقى القاهرة 2 مليار دولار سنويا، كما تلقت الأردن من أمريكا سنة 1994 حوالي 76 مليون دولار كمساعدة مباشرة، بينما لم تتلق سنة 1995 سوى 57 مليون دولار، بيد أن الكونغرس عوض الفارق بتقديم شكره إلى الملك حسين على توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل سنة 1994، وكان الشكر في شكل «هدية» هي عبارة عن إلغاء جميع ديون أمريكا على الأردن، التي كانت تقدر ب700 مليون دولار ورفع بعض الشروط الأخرى عن المساعدات الأمريكية للمملكة! ودائما في إطار «الاعتراف الأمريكي بالجميل» الأردني، تتلقى هذه الأخيرة، منذ 1997، حوالي 566 مليون دولار سنويا من المساعدات الخارجية.
ويبقى الدعم العسكري الكبير أهم ما يميز العلاقة بين أمريكا وإسرائيل. فالأرقام التي يقدمها الكتاب تؤكد هذا المعطى القائم. ولا يقتصر الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل على تمتيعها بأحدث الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال مثل طائرات إف15 وإف16 ومروحيات بلاكهاوك والقنابل الانشطارية والذكية...، بل تستفيد إسرائيل كذلك من اتفاقات تعاون في مجال الدفاع والاستخبارات العسكرية. وفي الوقت الذي يخضع فيه جميع المستفيدين من صفقات السلاح الأمريكي لمراقبة «وكالة التعاون في الأمن الدفاعي» الأمريكية، يُسمح للدولة العبرية بالتفاوض مباشرة مع صانعي السلاح الأمريكي في ما يتعلق بجل صفقات اقتناء الأسلحة. كما أن إسرائيل هي البلد الوحيد الذي لا تخضع عقود صفقاته العسكرية، التي تقل قيمتها عن 500 ألف دولار، لمراجعة قبلية. كما أن إسرائيل أصبحت، سنة 1986، إحدى ثلاث دول أجنبية تُدعى من قبل الولايات المتحدة إلى مبادرة الدفاع الاستراتيجي، التي يُطلق عليها كذلك «حرب النجوم». وفي سنة 1988، جاء بروتوكول اتفاق آخر ليجعل من إسرائيل «حليفا أساسيا ليس عضوا في الناتو»، ملتحقة بذلك بكل من أستراليا ومصر واليابان وكوريا الجنوبية. والدول المستفيدة من هذا الوضع لها إمكانية شراء كميات كبيرة من السلاح بثمن منخفض، والاستفادة من أولوية التوصل بفائض السلاح، والمشاركة في مشاريع البحث والتنمية ومبادرات مكافحة الإرهاب الأمريكية. زد على ذلك أن «الولايات المتحدة تدعي أنها تخزن ترسانة من السلاح في إسرائيل للتدخل السريع في حال الأزمات، إلا أن الحقيقة هي أن هذه الترسانة توجد هناك للزيادة في حجم الاحتياطي المادي الإسرائيلي من حيث العتاد العسكري، يلاحظ المؤلفان«. وفضلا عن هذا وذاك، ينقل الكاتبان عن مصادر إفادات تؤكد أن الرئيس جورج بوش سمح بنقل المعلومات العسكرية عبر السواتل، لحظة استقبالها، إلى الإسرائيليين خلال قصف العراقيين لإسرائيل بصواريخ «سكود» في حرب الخليج سنة 1991.
الكتاب يقف أيضا على حجم الدعم الدبلوماسي الأمريكي الذي تستفيد منه إسرائيل، ويعرض لمجموعة من الحالات التي تجسده، منها أن أمريكا لعبت دورا كبيرا في جهود المفاوضات التي لم تفض إلى أي اتفاق بعد حرب الستة أيام، وفي المحادثات التي وضعت حدا ل»حرب الاستنزاف» سنة 1970.
ولم يختلف تعامل الإدارة الأمريكية على عهد «كلينتون» عن الإدارات السابقة، ولاسيما أثناء مفاوضات التوصل إلى اتفاقات أوسلو سنة 1993. فرغم الخلافات التي كانت تنشأ بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي حول بعض النقط، كان الوسطاء الأمريكيون يميلون دائما إلى ترجيح كفة الاقتراحات الإسرائيلية والضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات.
مبررات دعم أمريكا لإسرائيل
وأمام هذا الدعم السخي على جميع جبهات التعامل الأمريكي الإسرائيلي، يتساءل المؤلفان حول مبرراته الحقيقية وحول ما إذا كانت قيمة الدعم تناسب ما تجنيه الولايات المتحدة نظير ذلك، وينتهيان إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة. إلا أنهما يعودان إلى عرض التبريرات التي يقدمها الساسة الأمريكيون والتي غالبا ما ترتبط بالدواعي الاستراتيجية. ففي الثمانينيات، مثلا، قال جامعيون مثل «ستيفن سبيغل» و«أ.ف.ك. أورغانسكي» إن إسرائيل أضحت تشكل معطى استراتيجيا كبيرا خلال الحرب الباردة، وإن المساعدة الأمريكية تشكل مسألة مهمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالنظر إلى الفوائد التي تجنيها أمريكا من وراء ذلك. واليوم، تصرح منظمة «إيباك»، أكبر جماعة ضغط موالية لإسرائيل في الولايات المتحدة من حيث الأهمية، بأن الولايات المتحدة وإسرائيل منخرطتان في «شراكة استراتيجية مهمة من أجل مواجهة الأخطار التي تهدد الأمتين معا». ويستحضر المؤلفان بعض ما يمكن أن تكون إسرائيل أسدته إلى أمريكا من خدمة مقابل ما تتمتع به من سخاء أمريكي، إلا أنهما يكتبان: «صحيح أن الخدمات التي أسدتها إسرائيل إلى أمريكا في تلك الفترة كان لها دور ما في حسابات هذه الأخيرة، إلا أنها لم تكن بتلك الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تصورها البعض. فلا يوجد أي دليل مادي ملموس يؤكد أن المعلومات التي توصلت بها أمريكا من إسرائيل أسهمت بشكل كبير في تمييل الكفة الأمريكية على حساب السوفياتية». ولا يقتصر الأمر على قصور الخدمة الإسرائيلية تجاه الأمريكيين، بل إن ما قامت به إسرائيل من أفعال في المنطقة أساءت به إلى أمريكا على كثير من الجبهات. فقد تسببت إسرائيل، بفعل اجتياحها للبنان سنة 1982، في الإساءة إلى استقرار المنطقة وأدت، بشكل مباشر، إلى خلق حزب الله. حملة الاستيطان الطويلة في الضفة والقطاع، التي مولت بشكل غير مباشر من قبل الأمريكيين ونُفذت بالسلاح الأمريكي، تسببت هي الأخرى في حدوث انتفاضتين كبيرتين قُتل خلالهما آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين. «أين القيمة الاستراتيجية لإسرائيل، إذن، عندما لم تسهم بأي مجهود في ضمان مصلحة حيوية أمريكية في المنطقة وهي تسهيل الوصول إلى بترول خليج فارس؟»، يتساءل المؤلفان.
اللوبي اليهودي.. من هو؟
ويعرف المؤلفان اللوبي اليهودي بكونه جماعة ضاغطة تدافع عن مصالح على حساب أخرى، وتحيل هذه العبارة على عدد من الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط على مستوى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاه يخدم مصلحة إسرائيل. وبالنسبة إلى اللوبي الإسرائيلي، يبقى من الصعب تحديد مفهومه. إلا أن المؤلفين يتفقان على كون اللوبي له مركز ومحيط، فهو ليس منظمة مركزية يملك أعضاؤها بطاقات انتماء ويخضعون إلى طقوس معينة، لكن هنالك مركز يتكون من منظمات وأشخاص مؤثرين هدفهم الأول والمعلن هو تشجيع الحكومة والشعب الأمريكيين على منح مساعدة مادية لإسرائيل. بيد أن هذا لا يعني أن كل أمريكي مساند لإسرائيل ينتمي، بالضرورة، إلى اللوبي الإسرائيلي.
وينتمي إلى هذا اللوبي عدد من الجماعات ذات التأثير الكبير داخل أمريكا، منها منظمة «إيباك» و«المؤتمر اليهودي الأمريكي» و«منتدى السياسة الإسرائيلي» و«اللجنة الأمريكية اليهودية» و«الأصدقاء الأمريكيون للكود»... بل إن 51 منظمة من أكبر المنظمات وأهمها تجتمع في إطار»مؤتمر الرؤساء»، وهو تنظيم ضاغط كبير يعمل لمصلحة إسرائيل.
ويفرد الكاتبان لتيار المحافظين الجدد داخل اللوبي الإسرائيلي حيزا مهما اعتبارا للأهمية الكبيرة التي ينطوي عليها في بلورة السياسة الخارجية الأمريكية والتي تجسدت بشكل كبير على عهد إدارة الرئيس جورج والكر بوش، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وقرار غزو العراق، ذلك أن الأغلبية المهيمنة داخل هذا التيار ملتزمة بدعم إسرائيل؛ فلا غرابة، إذن، يقول المؤلفان، في أن يتبنى المحافظون الجدد مواقف اليمين الإسرائيلي.
ويفصل الكتاب أيضا في تيار الصهاينة المسيحيين، كجزء من اللوبي، والذي ينتمي إليه عدد من الشخصيات البارزة في السياسة الأمريكية والعديد من المنظمات الفرعية في إطار تكتل قوي يخدم مصالح إسرائيل في أمريكا ويرصد الكثير من مستويات الدعم الذي تقدمه المنظمات الصهيونية المسيحية إلى إسرائيل بدافع ديني يوقظ أحيانا نار الغيرة بين المتشددين اليهود أنفسهم.
وأهمية هذا التيار تكمن في كونه يشكل صوتا متعاطفا مع إسرائيل من خارج الجماعة اليهودية بأمريكا وفي الدور الذي يلعبه على مستوى الحسابات الانتخابية لدى المسؤولين السياسيين الذين لا يتمتعون بقاعدة ناخبة يهودية كبيرة.
لكن، ما السر في التأثير الكبير الذي يتمتع به اللوبي الإسرائيلي؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح أمام الالتزام الكبير الذي تحرص عليه الولايات المتحدة تجاه مصالح إسرائيل، وهي الدولة العظمى في العالم. جزء من الجواب عن هذا السؤال يرتبط بطبيعة النظام السياسي الأمريكي المنفتح. فالولايات المتحدة تتمتع بنظام رئاسي، وبرصيد كبير من ممارسة حرية التعبير، ونظام انتخابي مرتفع التكاليف بالنسبة إلى المرشحين، وتقنين تنفلت من عقاله مصادر تمويل الحملات الانتخابية. ويسمح هذا المحيط السياسي لمختلف الجماعات بالتأثير على السياسة الأمريكية بطرق مختلفة؛ فجماعات الضغط يمكنها أن تدعم حملة أحد المرشحين والانخراط، في نفس الوقت، في حملة أخرى ضد مرشح آخر، كما يمكنها أن تشكل رأيا قائم الذات.
واستنادا إلى ما يمكن أن تتمتع به الجماعات الضاغطة من دور حاسم في تمييل كفة المصالح، يعمل اللوبي الإسرائيلي على صياغة استراتيجية متكاملة لخدمة مصالح إسرائيل. ولعل أول عناصرها، كما يفسر ذلك المؤلفان، هو السعي إلى السيطرة على مركز القرار في البيت الأبيض والتحكم في الخطاب العمومي. وهنا، تبرز منظمة «إيباك» لما لها من تأثير على الرؤساء الأمريكيين، سواء في الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، ولقدرتها الكبيرة، من خلال تمويلها للحملات الانتخابية، على مكافأة المنتخبين والمرشحين نظير تأييد هؤلاء لأهدافها؛ وقدرتها على معاقبة أولئك الذين يرفضون طلباتها. ويشتغل ميكانيزم التأثير لدى هذه المنظمة بطرق عديدة، منها اعتمادها، في ماليتها، على عطايا الكثير من المانحين الخواص؛ كما أن المنظمة تعمل على مساعدة المرشحين للانتخابات على إيجاد مانحين آخرين وموارد تمويلية إضافية. وإذا لم تنفع أساليب الردع والضغط الانتخابي، تلجأ «إيباك» إلى التهديد الضمني للمسؤولين السياسيين المترددين.
تأثير اللوبي اليهودي
في أمريكا
ويسعى اللوبي الإسرائيلي دائما إلى الضغط في اتجاه انتخاب رئيس موال لإسرائيل من خلال الاعتماد على القوة الناخبة لليهود الذين غالبا ما يسجلون أعلى نسبة مشاركة انتخابية، كما أنهم ممركزون في الولايات المهمة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا وإيلينوا ونيو جيرسي ونيويورك وبنسيلفانيا... وهو ما يرفع من وزنهم في انتخاب الرئيس. وعندما يشتد التنافس الانتخابي بين المرشحين يمكن للتصويت اليهودي أن يحسم في الأمر لمصلحة هذا المرشح أو ذاك. وعليه، فإن الكتلة الناخبة اليهودية لها اعتبار مهم ضمن حسابات الساسة الأمريكان، كما أن جميع المرشحين يسعون إلى التعريف بذاتهم أمام منظمة «إيباك» القوية ومنظمات أخرى في اللوبي إدراكا منهم أن دعمها لهم يسهل حصولهم على المساعدات والعطايا المالية، ويشجع الناخبين على التصويت لهم.
وقد لعب اللوبي الإسرائيلي، يؤكد المؤلفان، دورا كبيرا في توجيه السياسة الأمريكية الخارجية، وذلك من خلال اتباع أساليب تأثير أخرى منها تحريف المعلومات والوثائق السرية، إذ إن كبار المسؤولين في اللوبي لا يترددون في ربط علاقات وطيدة مع خبراء الاستخبارات وزيارة مقر «سي آي إيه» والإدلاء بمعلومات تدفع في اتجاه اتخاذ قرار فيه مصلحة إسرائيل، وتقديم تقارير مغرضة عن وضع ما...
ويستعرض الكتاب بعضا من الأهداف التي يضمها اللوبي الإسرائيلي إلى لائحة أهدافه للدفع بها نحو الإنجاز على يد الرؤساء الأمريكيين، ومنها ضرب إيران وسوريا، كما يقترح حلولا مختصرة لكيفية إضعاف اللوبي الإسرائيلي، ومنها العمل على التقليص من تأثيره وتأثير بقية جماعات الضغط عن طريق التفكير في تغيير وإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية. فالتمويل العمومي، مثلا، لجميع الانتخابات يمكنه أن يُضعف بشكل كبير العلاقة بين اللوبي والمنتخبين. كما يدعو المؤلفان إلى تشجيع نقاش مفتوح حول هذه القضايا بغاية هدم الأساطير القائمة حول الشرق الأوسط وإرغام جماعات اللوبي على الدفاع عن آرائها أمام معارضين أكفاء، يملكون المعلومات الكافية للمشاركة في النقاشات الساخنة. فأكثر ما يحتاجه الأمريكيون، يقول المؤلفان، هو معرفتهم بتاريخ تأسيس إسرائيل والظروف التي أدت إلى قيام الدولة العبرية، ثم معرفة طبيعة تصرفاتها. وبدل أن يعرف الأمريكيون الرواية المتعلقة بالهجرة اليهودية إلى «أرض الميعاد»، عليهم أن يكتشفوا، أولا، ويتأملوا في كتابات المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين جاؤوا بحقائق أساسية حول النتائج التي ترتبت عن المشروع الصهيوني القاضي بإقامة دولة يهودية وسط شعوب عربية. ورغم أن الحالتين مختلفتان، فلا يمكن فهم الصهيونية دون الاطلاع على أمور أخرى من قبيل كشف التاريخ الطويل لظاهرة معاداة السامية عند المسيحية. وجهل الأمريكيين بأحداث الماضي يجعلهم يعتبرون المطالب الفسلطينية، خاصة منها حق العودة، مطالب لا أساس لها من المشروعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.