سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف تشتغل الآلة الإسرائيلية لتغليط الرأي العام الدولي حول ما تقترفه من جرائم كتاب «الحرب الإعلامية الإسرائيلية الجديدة» يفضح «المساعدات» التي تتلقاها إسرائيل من المثقفين الفرنسيين من أجل قلب الحقائق
في الحروب والمعارك تكون لسلطة الإعلام نفس الأهمية والخطورة التي يضطلع بها السلاح. وفي أحايين كثيرة، يكون لسلاح الصورة والخبر مدى فاتكا أكثر من السلاح. لذا فالحروب والمعارك التي خاضها العرب مثلا ضد إسرائيل، لم يخسروها فحسب بحد السلاح، بل خسروها أيضا بسبب الإعلام والأقلام. في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، اتخذت الحرب مناحي غير مألوفة بالنظر إلى وعي الفلسطينيين بأهمية الإعلام، استراتيجياته الظاهرة والخفية، مقاصده، ومواقعه في التعريف بالقضية، سعيا إلى اختراق الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية. وكان العمل الذي أنجزه بعض الصحافيين والإعلاميين الغربيين، الذين تابعوا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، سعيا إلى تصحيح الصورة الرائجة عن الفلسطينيين، رافدا هاما ضمن استراتيجية التصحيح وإحقاق العدل. ينتمي دونيه سيفير، مدير تحرير أسبوعية «بوليتيس» الفرنسية، إلى هذه الكوكبة. أنجز منذ 1986 عدة روبورتاجات في لبنان، فلسطين وإسرائيل. صدر له عن منشورات لاديكوفيرت عام 2002 كتاب «حرب الإعلام الإسرائيلي»، ثم «إسرائيل-فلسطين، عشق فرنسي- فرنسا في مرآة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني» عام 2004. وهو متخصص في القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، كما أنه مناضل يحسب على التيار المناهض للرأسمالية وللتيار العولمي. في هذا المؤلف، يعمق سيفير المقتضيات النظرية، التي سبق أن طرحها في أبحاثه وتعليقاته السابقة، مركزا هذه المرة على الاستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية أثناء حرب غزة، التي ذهب ضحيتها أكثر من 1300 فلسطيني، أغلبهم من المدنيين، وقرابة 300 طفل. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مرآة الإعلام يشير المؤلف في مستهل الكتاب إلى أن فرنسا معرضة لكل الذبذبات التي تحدثها الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط، بحكم العامل السوسيولوجي والتاريخي. وتبقى من دون شك البلد الأوروبي الأكثر حساسية للهزات التي يحدثها أي صراع في الشرق الأوسط. فهي تحتضن أهم جالية يهودية في أوروبا وأكبر جالية مسلمة. كما أن فرنسا تحمل في ثنايا تاريخها الذاكرة الحية لماضيها الاستعماري وكذلك ذاكرة الإبادة الجماعية لليهود. وفي كل المناسبات يتصادى هذا الصراع مع الماضي المؤلم للبلد. وعليه أمكن القول إن هذه الصراعات، التي قد تبدو نائية عن البلد، تمثل في الواقع رهانا حقيقيا له انعكاسات كبيرة على انسجام المجتمع الفرنسي. لكن ليست الوقائع هي ما يغذي النقاش والنضال، بل التأويلات التي تقدم عنها أو حولها. إذ نعيش الصراع عن طريق الوساطة الإعلامية. إننا اليوم «عبيد» لتصور معين، أو كما أشار ميشال فوكو إلى أنه بيننا وبين الواقع ثمة «نظام سياسي، اقتصادي، مؤسسي لإنتاج الحقيقة». ويتساءل الكاتب: «ألا تنطلي علينا حيلة هذا الواقع؟». إنه من الصعب تفنيد حجج أولئك الذين يقدمون لإسرائيل سندا لا مشروطا. فالنسيان أو النكران هما اللذان ينتجان غالبا تصورا مشوها للواقع. لذا يسعى هذا الكتاب إلى تفنيد التصورات السائدة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في مرحلته الأخيرة، ليقترح قراءة أخرى بديلة لهذا الصراع بالوقوف عند مجموعة من المغالطات. بعد حرب غزة الدامية، ما هو التصور الذي خرج به الفرنسيون؟ يتساءل سيفير ليجيب بأن ثمة تماسا بين أطروحتين: تعتبر الأولى بأنه «من وراء الصراع تقف حركة إسلاموية عنيفة ومتطرفة فكت الهدنة التي تربطها وإسرائيل منذ يونيو 2008 برش الجنوب الإسرائيلي على الدوام بصواريخ القسام». أما الأطروحة الثانية فتؤكد على أن «إسرائيل ردت بكيفية عمياء ومبالغ فيها حيث تسببت في مجزرة وسط مدنيي قطاع غزة، وهم مواطنون فقراء وأبرياء، وضحايا حرب لا تهمهم، وهم بمنأى عنها». وبالنظر إلى التقارير التي أعدتها المنظمات غير الحكومية عن نسبة الأطفال، النساء، الشيوخ، يظهر جليا بأن الأمر يتعلق بحرب شاملة غايتها الهدم، الردم والتقتيل. الشيء الذي يتعارض مع الأسطورة التي تصف الجيش الإسرائيلي«تساحال» بأنه «جيش دفاع» ومع أسطورة «نقاء السلاح». يذكر الكاتب بأن إسرائيل لجأت دائما إلى «العقاب الجماعي»، بل إلى المجازر كسلاح وقائي. في تاريخ الدولة العبرية مثل هذه المجازر، يشير سيفير، عديدة، مثل المجزرة التي ارتكبتها الوحدة الإسرائيلية رقم 101 تحت قيادة الجنرال شارون عام 1953 ، أو مجزرة كفر قاسم. فهذه المجازر كانت سابقة لولادة حركة حماس. الاحتلال قطب رحى الصراع خلال الأسابيع الثلاثة للهجوم الإسرائيلي على غزة، يمكن القول إن إسرائيل «خسرت» الحرب. لكن هزيمتها لا تعني انتصارا لحماس. فالحركة حديثة العهد في مشهد المعركة الإسرائيلية-الفلسطينية. كما أنها لا تحظى بأي مصداقية. في مخيال غالبية الفرنسيين ترتبط حماس بالإرهاب، بالظلامية، بقهر واستعباد المرأة. كما ينسب إليها مشروع ديني مفرط في نزعته المحافظة، يقوم على القتل، لأنه امتداد لمشروع إسلاموي- عالمي مع تفرعات في الضواحي الفرنسية. وعليه أصبحت صورة أهم حركة فلسطينية رهانا حيويا في المعركة الإعلامية. إن كانت الحركة غريبة عن المشهد الفرنسي فليست هي التي فكت الهدنة. كما أن هذا العامل لا يسمح بتقديم تبسيطات واختزالات تلغي، بل تعدم كل التغيرات السياسية التي شهدتها الحركة لأن هذا الاختزال من شأنه التنكر لدخول الحركة في مسلسل سياسي جديد منذ مارس 2005 . كما أن هذا العامل يجب أن لا ينسينا بأن حماس حركة فلسطينية وطنية. ويدافع عن هذه الأطروحة العديد من الصحافيين الذين يتابعون هذا الصراع منذ بداياته الأولى. الاحتلال هو ما يبرر في المقام الأول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والتفسير الذي قدمه دونيه سيفير لعملية «الرصاص المصبوب» تعارض ما اختلقته الآلة الإعلامية فيما يخص: الإستراتيجية الإسرائيلية الانسحاب من غزة يرفع الكاتب لبسا ما فتئ يتكرر في تصريحات وكتابات البعض، وهو أن لا سعي له إلى محاكمة الصحافة أو الإعلام. كما أنه يرفض الرأي السائد بأن «الصحافيين» يمتثلون ل«تعليمات» فوقية. فالكتاب احتفاء بالعمل الذي يقوم به أولئك الذين لا يسقطون في شباك الاختزالات. في الفصل الأول، بعد تذكيره السريع بالمنعطف التاريخي لهذا الصراع الذي مثلته اتفاقيات كامب ديفيد في يوليوز 2000 والحملة الإعلامية التي قادتها إسرائيل غداة هذا الاتفاق، يركز سيفير على الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 والأحداث التي تلت مباشرة عملية ديسمبر 2008 . في الفصلين الثاني والثالث يقارن بين بعض الافتتاحيات حول تعاليق وتحاليل الصحافة الفرنسية المخصصة لحماس وكذلك لبعض العناصر المنسية من تاريخها القصير، مؤكدا على مسلسل تسيس المنظمة. قسم آخر يقف عند أهم الرسائل التي مررها الإعلام الإسرائيلي ووسائل نشرها. ويتساءل الكاتب في الأخير عن احتمالات «انتشار» عدوى الصراع داخل جسد المجتمع الفرنسي. ويشير دونيه سيفير إلى أن متابعته لهذا الملف منذ 30 عاما لا تجعله يأمل بأن يتغير الوضع وبأن تتبخر بسرعة الأفكار المسبقة. الآلة الإسرائيلية للتشويه الإعلامي قبل الحرب على غزة، كان لزاما على الآلة الإعلامية الإسرائيلية بملحقاتها العديدة أن تمرر رسالة رئيسية، متضمنة لرسائل فرعية، والتي مفادها أن حماس هي المعتدي وأن إسرائيل هي الضحية. أولى هذه الرسائل هي تقديم حركة حماس كلعبة في يد إيران، وأحد المواقع النشطة للتشويه الإعلامي هو موقع The Israel Project ( TIP) ، الذي لا يشير لحماس إلا ويلحقها بتسمية «المساندة من طرف إيران». وليس هذا الموقع الوحيد الذي يلجأ إلى هذا النوع من التشويه، فقد كتبت شهرية La tribune juive في عدد فبراير العنوان التالي على الغلاف: «غزة، يد إيران». واستعادت المجلة كل التيمات الكلاسيكية للتشويه الإعلامي: الحقد الأعمى، التطرف..، انتصر الخوف الوجودي لإسرائيل على فقدان الوجود الفلسطيني. إن إدخال إيران من طرف إسرائيل على خط المعركة ليس بالشيء الجديد في حرب «الريكلام» الإسرائيلية. منذ ولادة حماس ناضل الخطاب الإسرائيلي بلا كلل لتبيان نفوذ سوريا أو الإخوان المسلمين على الحركة. الغرض إذن هو تمرير القناعة بأن حماس ليس بمقدورها أن تكون حركة فلسطينية، أي أنها حركة دخيلة عبر النفوذ الإيراني-السوري-الإسلامي. إننا، يقول دونيه سيفير، أمام إشاعة سافرة. إن كانت حماس تتلقى الدعم من سوريا وإيران، فإنها تبقى مع ذلك حركة وطنية فلسطينية، ومحصلة لفشل استراتيجية عرفات ووليدة الفقر البنيوي الذي يتآكل غزة، يشير الكاتب. أدوات التشويه والتشويش الإعلامي ابتداء من فبراير 2008 تلقى الصحافيون الفرنسيون الذين يتابعون الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني رسائل الكترونية بعثها موقع The israel Project الذي يعرف بنفسه بأنه مركز يتكون من أخصائيين في قضايا الشرق الأوسط ومحققين سابقين. لكن الأيديولوجية التي تنشط هذا المركز-الموقع تقوم على سلسلة أطروحات دعاتها من المحافظين الأمريكيين الجدد المقربين من أفكار بوش وحاشيته، من بينهم آفي جوريش، «متخصص في الإرهاب»، إتامار ماركوس، أحد مؤسسي «مرصد الإعلام والكتب المدرسية الفلسطينية»، كليفورد مايير رئيس مؤسسة الدفاع والديمقراطية، ووليد فارس، أستاذ بجامعة فلوريدا، إضافة إلى دونيس روس، الذي يعتبر في أمريكا محامي المصالح الإسرائيلية. فلا نستغرب التوجه الإعلامي الذي حاول هذا المركز تمريره في أوساط الصحافيين الفرنسيين. لكن المتصفح لهذا الموقع يكتشف تشويهات فادحة من نوع أن «ياسر عرفات هو المسؤول عن سلسلة من الهجمات الإرهابية» وبأنه رفض في مفاوضات كامب ديفيد العرض الإسرائيلي بأن تصبح القدسالشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وبأن عرب إسرائيل فضلوا البقاء عام 1947 . هذا الموقع جزء من شبكة إعلامية كاملة هدفها التشويه والتشويش الإعلامي. كما يذكر دونيه سيفير أيضا موقعGuysen International News , Metula News Agency. عدوى الصراع في فرنسا في فرنسا، على الرغم من الانحياز الثقافي والسياسي لصالح إسرائيل وموقعها ك»دولة مظلومة توجد في حالة دفاع»، فإن إسرائيل خسرت بسرعة حرب الصورة. في ظرف بضعة أيام، بدت ردة فعل هذه القوة النووية ضد مليشيات من قاذفي الصواريخ مبالغا فيها. وإن نجح الإعلام الإسرائيلي في إقناع الرأي العام بأن حماس هي المعتدي، فإنها فشلت في تبرير تقتيل المدنيين. فما سمي ب»الأخطاء المتكررة» شكك الرأي العام في النوايا الإسرائيلية. كما أن شهادات أطباء فرنسيين كانوا متواجدين في الساحة، علاوة على شهادات مسؤولين لمنظمات غير حكومية أو لمبعوثين دوليين، كان لها وقعها أيضا على الرأي العام. إذ انتظمت مظاهرات للمساندة في شوارع المدن الفرنسية وفي أكثر من مكان في العالم، فيما انفجر الشارع العربي. في العاشر من يناير، تظاهر في شوارع باريس وحدها 80 ألف شخص، وطافت الصور عن حرب أرادتها إسرائيل «جراحية»، لكنها أخذت منحى قذرا، لأنها كانت حربا شمولية لم تميز فيها بين الطفل و العجوز والمحارب. صور لأجساد محروقة أو مبتورة، لعمارات مدكوكة، لمستشفيات طفحت بأعداد غفيرة من الجرحى. ارتدت هذه الصور ضد إسرائيل، يقول دونيه سيفير. وانضافت إلى الإعلام المرئي، الذي عرض المظاهر القاسية والقصوى للبشاعة، الصحافة المكتوبة لنقل هول الكارثة. ولما لاحظ الطرف المؤيد بلا قيد ولا شرط لإسرائيل بأن الدولة العبرية بدأت تخسر المعركة الإعلامية، نفخ في الصور سعيا لإنقاذ الموقف، بل لقلب الموازين: خرج أندريه غلوكسمان، بيرنار-هنري ليفي وأتباعهما لدك نفس الخطاب القائل إن إسرائيل تدافع عن نفسها ضمن حرب ليست فيها حماس سوى رأس حربة لإيران وسوريا والمد الإسلامي، وبأن الديمقراطية الممثلة للديمقراطيات الغربية في خطر. كما انصبت الانتقادات على إخراج بعض المتظاهرين أعلام حزب الله. وعلاوة على النافذين ثقافيا، أخرجت إسرائيل، عبر المنظمات الطلابية، مثل «اتحاد الطلبة اليهود بفرنسا»، يافطة المعاداة للسامية التي يقولون إنها «عرفت تزايدا ملحوظا في فرنسا غداة حرب غزة». أضف إلى ذلك النشاط الذي يقوم به المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا. نتجت عن الهجوم على غزة سلسلة مغالطات إعلامية ليست محصلة الصدفة. بل هي محصلة مباشرة لحرب إعلامية تمت إدارتها بمنهجية ومثابرة من طرف إسرائيل. ليست هذه المغالطات وليدة اليوم، بل تندرج ضمن قراءة للتاريخ تفسر التأييد اللامشروط لإسرائيل منذ عام 1947، على الرغم من الانتهاكات المستمرة للأعراف والقوانين الدولية. إن إسرائيل في حاجة إلى عدو راديكالي لتأجيل اللحظة التي سيتم فيها النقاش النهائي، لحظة يصبح فيها الاحتلال غير محتمل من طرف المجموعة الدولية. المشكل اليوم لا يتمثل في الغموض المتأتي في الخلط بين التوراة والتاريخ، ما بين الوعد الرباني وقانون البشر. هذا إشكال من اختصاص المؤرخين، الفلاسفة وعلماء اللاهوت. إسرائيل دولة قائمة الكيان، ويخلص المؤلف إلى النتيجة التالية: الماضي ليس هو ما يهدد إسرائيل، بل تصرفها الحالي الذي يتغذى من نفس التناقضات. ليس الفلسطينيون، يقول سيفير، من يهدد إسرائيل، ولا إيران، بل أخطر ما يهددها هو الاحتلال الدائم. لكنها اليوم غير قادرة على حجب حقيقة هذا الاستعمار ذي النمو المتسارع، الذي لا تنساه ولا تسانده المجموعة الدولية. رهان المجهود الذي يقوم به الفلسطينيون من أجل الحقيقة هو من أجل بناء دولتهم داخل حدود «آمنة ومعترف بها» على أساس هدنة 1949، وبالقدس عاصمة لها، مع الاعتراف للاجئين بحق العودة. المطلوب من إسرائيل، يقول المؤلف، أن تتخلى أيديولوجيا عن صهيونيتها. فهل هي بقادرة على سلخ جلدتها هذه؟