يقدم لنا هذا المؤلف الجماعي عشرة بورتريهات لعشرة أقلام من الصعب تفاديها يوميا أو أسبوعيا لما نفتح يومية أو أسبوعية. تقوم الأطروحة المركزية لهذه المساهمات على فكرة أن هؤلاء المعلقين، الذين يعتبرون محصلة للنقلة الليبرالية الجديدة التي عرفها المجتمع الفرنسي، لا يعدون كونهم شخصيات فولكلورية أو مجرد معلقين سخفاء يرددون تقريبا نفس الأفكار ونفس التخريجات. أحمق ذاك الذي يراهن على قضاء أسبوع من دون مصادفة أو قراءة اسم بيرنار-هنري ليفي، جاك أطالي، آلن دوهاميل، في أجهزة الإعلام الفرنسية. إنه رهان صعب، لأن هذه الأقلام تشكل جزءا من المشهد ويتواجد بعضها في الساحة منذ زمن طويل هم قطعة أساسية ضمن ديكور الحياة اليومية للفرنسيين. مثلهم مثل جداريات الإشهار التي تطلي فضاء الميترو أو مثل الأشجار التي تحف بالطرقات، مع فارق أساسي هو أن اللوحات الإشهارية والأشجار لا تتكلم، فيما لا يكفون، صباح مساء، عن الثرثرة. في الصحف، على قنوات الراديو والتلفزيون، على مواقع الانترنت. والثرثرة على الورق إحدى الخاصيات التي تعرف بهذه الفئة التي يطلق عليها «معلقون»، «كتاب افتتاحيات». وبالرغم من ذلك أو بسبب ذلك تبقى هذه العناصر شخصيات نافذة توجه الإعلام والرأي العام الفرنسي بافتتاحياتها وتعاليقها اليومية أو الأسبوعية على مانشيتات كبريات الصحف الفرنسية مثل ليبيراسيون، لوفيغارو، لوبوان، ليكسبريس، لونوفيل أوبسيرفاتور الخ...، أو في الإذاعات الوطنية أو القنوات الحرة مثل إر-تي-إل أو فرانس آنتير. لكن تشخيصا دقيقا لمقالاتهم يظهر تقاطع التصورات والرؤى حول المواضيع التي تعالجها مقالاتهم. منهم من يعترف بقرابته من اليسار ومنهم من يجهر بانتمائه لليمين. يقدم لنا هذا المؤلف الجماعي عشرة بورتريهات لعشرة أقلام من الصعب تفاديها يوميا أو أسبوعيا لما نفتح يومية أو أسبوعية. تقوم الأطروحة المركزية لهذه المساهمات على فكرة أن هؤلاء المعلقين، الذين يعتبرون محصلة للنقلة الليبرالية الجديدة التي عرفها المجتمع الفرنسي، لا يعدون كونهم شخصيات فولكلورية أو مجرد معلقين سخفاء يرددون تقريبا نفس الأفكار ونفس التخريجات. أحمق ذاك الذي يراهن على قضاء أسبوع من دون مصادفة أو قراءة اسم بيرنار-هنري ليفي، جاك أطالي، آلن دوهاميل، في أجهزة الإعلام الفرنسية. إنه رهان صعب. لأن هذه الأقلام تشكل جزءا من المشهد ويتواجد بعضها في الساحة منذ زمن طويل. قد يصاب القارئ بالدوار لما يكتشف بأن آلن دوهاميل وقع أول عمود له سنة 1963 في وقت لم تطأ فيه قدم الإنسان سطح القمر!». غير مكترثين بالوضع الصعب الذي يعيشه صغار الصحافيين، نجد أن هؤلاء المعلقين قاموا بتنصيب أنفسهم وكأنهم لب الارستقراطية الإعلامية، نخبة النخب. الملاحظ هو أن المرء لا يلج هذا الوسط إلا بالتبني. إلا بعد أن يوافق على الانضباط داخل ما هو دوغمائي ومتعاهد أو متفق عليه. بعد أن يكرر على مسامع رعاته الدرس القائل بأنه لا بديل للقانون المطلق للسوق. لم يولد هؤلاء وهم معلقون صحافيون، بل أصبحوا كذلك بتخليهم عن تطوير فكر شخصي في القضايا التي تشغل العصر، علاوة على التحامهم من حول الفكر الأحادي. فمسار الصحافي فيليب فال، Philippe Val ، يترجم هذا الوضع. فقد انتقل من إدارة أسبوعية «شارلي هيبدو»، التي قدح فيها بسخاء «أصدقاء بيرنار هنري (ليفي)، إلى محطة فرانس آنتير التي أصبح فيها هذا الأخير أحد أصدقائه الحميميين. يملك هؤلاء المعلقون المعرفة المطلقة في كل الأشياء ويدلون بفتاوى جاهزة في كل المواضيع. يكتبون يوما في موضوع الأزمة المالية وفي اليوم التالي يطنبون في الحديث عن اختفاء مايكل جاكسون أو ضرورة شرب ماء البزبوز! يتحدثون بنفس الصوت للإدلاء تقريبا بنفس الآراء. فهم تقريبا متفقون حول نفس الأفكار وذلك ضمن توافقية تتجاوز انتماءاتهم السياسية. ينتقدون وبالجملة «الموديل الاجتماعي الفرنسي»، وهو نموذج باهظ الثمن وغير ناجع. كما ينتقدون كل أصناف الامتيازات وبخاصة امتيازات الموظفين ويتباكون لما يخرج المواطنون إلى الشارع للتظاهر، بحجة أن البلد تتآكله من الداخل حمى ثورية قديمة، الشيء الذي لا يساعد على إصلاحه. بالرغم من اختلاف طفيف في التقييمات التي يقترحونها حول ضرورة قيام الحزب الاشتراكي بعملية إصلاح من الداخل، فإنهم يسايرون ساركوزي الرأي حول تكاثر أعداد المسلمين في أوروبا وما يمثله هذا التكاثر من تهديد لتوازن المجتمع. ينصب هؤلاء المعلقون أنفسهم كضمائر مهمتها تكسير الطابوات ومناهضة الفكر التوافقي، فيما يعتبرون أبرز ممثلي النزعة المحافظة. بتكرارهم لنفس التأويلات ونفس الحكي، بإطنابهم في نفس المتاهات والترهات، فهم يخلقون أو يفبركون بشكل دائم ما أسماه ناعوم تشومسكي «الرضى» و«التوافق». للوصول إلى هذه النتيجة، يتحايلون على الواقع والحقيقة. ولهذا يمكنهم التعليق على كل الأحداث من دون أي رقيب أو حسيب. ثم إنهم لا يعرفون شيئا اسمه الخجل. يعرض علينا الكتاب إذا عشرة بورتريهات لمعلقين سياسيين تلازم أقلامهم المشهد الإعلامي والسياسي وكأنها لصقة غير قابلة للزوال. ويستعمل المساهمون في هذا المؤلف نبرة ساخرة لنزع القناع عن بهتان هؤلاء المعلقين الذين يقدمون أنفسهم كصناع للرأي العام. هذه بعض البورتريهات. آلن دوهاميل.. المعلق الفولكلوري امتهن ألن دوهاميل منذ كتابته لأول مقالة بصحيفة لوموند عام 1963 مهنة التعليق. ومنذ ذلك التاريخ طاف على مختلف هيئات التحرير، اليمينية منها واليسارية. إنه المعلق الصحافي الفرنسي الذي لا يعرف معنى التعب. عرف مجده في بداية السبعينيات بتنشيطه لبرنامج سياسي على القناة الثانية، بسط فيه على حلبة الحوار الأفكار الجيسكاردية والبومبيودولية، نسبة لجورج بومبيدو. عينته القناة الثانية عام 1974 منشطا وحكما للمقابلة التي جمعت المرشحين للرئاسة، فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران. وبسبب انتمائه الجيسكاردي، حصل على عقد إعلامي مدى الحياة. عشرون عاما فيما بعد، نشط المقابلة التي جمعت هذه المرة ليونيل جوسبان وجاك شيراك. وفي غضون هذه الأعوام تقلب بين عدة انتماءات ليصبح تارة مقربا من رايمون بار وتارة من بالادور، جوسبان، ساركوزي. لا يعرب عن آرائه ومواقفه السياسية بل يحافظ على حيز الاعتدال الرخو. علاوة على التلفزيون، يحتل دوهاميل عدة مناصب في محطات إذاعية مختلفة. ولا يشعر بأي حرج في قلب معطفه بحسب الحكومات والأنظمة. علاوة على كونه صحافيا، فآلن دوهاميل مؤلف كتب بلغ عددها خمسة عشر تحمل البصمة الرخوة والمتوددة لصاحبها. «إن كان للتفاهة من وجه، فإن آلن دوهاميل يجسدها أحسن تجسيد» يقول أوليفييه سيران موقع بورتريه هذا المعلق. بيرنار-هنري ليفي.. المهرج المحترف ليس بيرنار-هنري ليفي وحسب، وعلى حد تعبير الفيلسوف غي هوكينغيم «فيلسوفا جديدا تم طبخه في عهد جيسكار ديستان»، بل هو، وتبعا لتعريف ويكيبيديا، روائي، ناقد، مخرج مسرحي، ممثل، منتج، مخرج سينمائي، ورجل أعمال ثم أخيرا وليس آخرا فهو صحافي، ومعلق بأسبوعية لوبوان، التي يملكها صديقه الملياردير فرانسوا بينو. كل أسبوع، يعرض رأيه في كل المواضيع وفي لا شيء. في مقال يمكنه إطلاق فدلكاته الملتوية في موضوع النظام الرأسمالي وصلابة نموذجه بالرغم من الأزمات البنيوية المزمنة، في مقال ثان ينتقل إلى تحليل ظاهرة «ملك البوب»، مايكل جاكسون، «وريث تقليد الدانديين، أمثال دوريان غراي، أوسكار وايلد وبودلير..»!. لكن بيرنار-هنري ليفي يشدد على صفة المحقق الصحافي، الذي ينزل لساحة المعارك والمعتركات لالتقاط أخبار طرية يستقيها من أرض الواقع. لكن أي واقع؟ «زج بنفسه» عام 1990 في حرب البوسنة والهرسك ليعود بتحقيقات بنى أحداثها على الكذب والأدهى من ذلك، قدم عنها دروسا أخلاقية ذات رسائل إنسانية غامضة. نسب كلاما مزيفا لبعض المسؤولين العسكريين فيما ابتكر شخصيات لم توجد إطلاقا. وكجواب على زلاته، التي لا تؤرق ضميره لا يتردد في الاستشهاد بهذه العبارة : «الحبر يجف بسرعة». كما أنه لم يتردد في لي عنق الحقيقة لإخضاعها لمعتقداته الأيديولوجية التي تتلخص في الفكرة القائلة بأن للغرب ملكة تنوير وإشاعة الحضارة في العالم. بعد البوسنة عاد سنة 1998 من رحلة من الجزائر بتحقيق مطول نشره على صفحات جريدة لوموند. بدعوة من الجنرالات، وصل إذا إلى البلد وكله حماسة ل«نقل الجرائم التي اقترفها الإسلاميون». بالمقابل، لم تصدر منه ولو كلمة عن العنف المضاد الذي أودى بحياة 150000 من الأبرياء بسبب عنف العسكر والأمن العسكري الجزائري. أعطت الصحافية فلورانس أوبناس التي عملت بجريدة ليبيراسيون المبرر الحقيقي لرحلة بيرنار هنري ليفي للجزائر، و هو أن الجنرالات أشرفوا على تنظيم رحلة «الصحافي المحقق» اعتبارا لموقعه الإعلامي في فرنسا. إذ الضرب على الإسلاميين من طرفه في الإعلام الفرنسي هو تبرئة لساحة العسكر. وتلك دعاية بلا ثمن. فيما يخص إسرائيل تتغذى قناعة بيرنار-هنري ليفي من معتقد صهيوني ولاهوتي يبرر باسمه عنف إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني واللبناني. عام 2006 لما قامت قوات الدفاع الإسرائيلي بمذابح في لبنان، قتل على إثرها 1300 من الأبرياء، أغلبهم أطفال، كتب بيرنار هنري في مدونته بأنه ليس خبيرا في الشؤون العسكرية وبالتالي غير مؤهل للحكم على ما وقع. وبدل أن ينزل صاحبنا إلى أرض المذبحة، لبس بزته العسكرية للوصول إلى إسرائيل، « بلد الديمقراطية» ! وفي التحقيق الذي أعده ونشرته صحيفة لوموند، يقارب ليفي بين الشباب الإسرائيلي الذي يؤدي الخدمة العسكرية والشباب الجمهوري إبان حرب إسبانيا ! لكن بهدلة بيرنار-هنري ليفي تبقى بلا منازع «قفزته» على متن طائرة خاصة إلى جيورجيا في شهر غشت 2008 التي اجتاحتها آنذاك الجيوش الروسية. تحدث عن «مشاهداته ومعايناته للحرب في مدينة غوري. المشكل هو أن صاحبنا لم تطأ قدماه يوما أرض غوري وأن الروسيين لم يحرقوا المدينة كما أشار إلى ذلك «المحقق». ينتمي بيرنار هنري ليفي إلى عينة الخطباء الذين «يستعملون تهمة معاداة السامية بهدف إسكات الانتقادات التي توجه لإسرائيل. ذاك ما أشار له منذ سنوات ناعوم شومسكي في حق هذا الفيلسوف. ولهذه الممارسة اسم: «الإرهاب الثقافي». عن أحداث غزة، دافع صاحبنا طبعا عن إسرائيل من دون التردد في التصريح بأن الدولة العبرية تعمل على تحرير الفلسطينيين من حماس! لوران جوفران «أغبى صحافي فرنسي» في الأوساط الصحافية الفرنسية، يشاع عن مدير تحرير صحيفة ليبراسيون بأنه «أغبى صحافي في فرنسا». قضى أزيد من ربع قرن في عرض إعجابه وشغفه بالرأسمالية، على الرغم من أن الصحيفة التي يرأسها والتي أسسها الفيلسوف جان بول سارتر تتموقع سياسيا في اليسار ولا تتردد في ضرب اليمين ومنظومته الليبرالية. لكن مدير التحرير شيء والخط التحريري، الذي يتحكم فيه الصحافيون والذي يتموقع على اليسار، شيء آخر. عام 1981 تشهد الصحيفة نقلة نوعية بدخول شركات وازنة في رأسمال الصحيفة. فيما بعد أصبحت في ملكية عائلة روتشيلد. استغل جوفران هذا التحول ليدعو إلى «اقتلاع السوفياتية من معقل الجريدة..وضخ الليبرالية الجديدة في شرايينها...وعليه كان الوسيط لانتصار الرأسمالية داخل اليسار. من الريغانية ( نسبة إلى رونالد ريغان) إلى المنظومة الاشتراكية مرورا بالتاتشيرية، طاف لوران جوفران على هذه النماذج والمنظومات السياسية داعيا إلى أطروحة مركزية مفادها أن الرأسمالية أصبحت الأفق الضروري للاشتراكية. اتكأ في تخميناته على التحولات التي بدأ يعرفها المعسكر الشرقي وبخاصة دول مثل روسيا والصين.
فيليب فال.. من القلم إلى الساطور لما كان على رأس تحرير الأسبوعية الساخرة «شارلي هيبدو»، أطلق فيليب فال النار على كل من أسماهم بالرجعيين، والاحتكاريين وأصحاب الفكر الأوحد والإسلاميين والمعادين للسامية. وكانت صحيفته سباقة إلى إعادة نشر الرسومات الكاريكاتورية عن الرسول محمد (ص). وقد نصب نفسه آنذاك فولتير الأزمنة الحديثة. من حول وجبة غذاء جمعته مع جان-ليك هيس، الذي كان مديرا لراديو كلاسيك، أعرب هذا الأخير عن رغبته في تقديم ترشيحه لمنصب مدير راديو فرانس، مقترحا عليه إن نجح في هذا الترشيح، تسيير قناة فرانس أنتير. لم يسقط هذا الاقتراح في أذان صماء، إذ سارع على التو إلى اقتراح الفكرة على صديقته مدام ساركوزي، كارلا بروني، التي تعرف إليها لما كانت زوجة صديقه، الفيلسوف رفائيل إنتوفن. اقترحت كارلا على نيكولا الفكرة التي رحب بها وأمر بتنفيذها. كان فيليب فال يحلم دائما أن يكون من بين شلة أصحاب الشأن. أثار تعيينهما على رأس راديو فرانس وفرانس آنتير ردود فعل استياء من داخل وخارج الدار تمحورت حول نيتهما الدفينة، وهي نفس نية ساركوزي، في تنقية الأجواء من كل العناصر المناهضة لساركوزي وللساركوزية. كان الفكاهي الساخر ستيفان غيون أولى الضحايا الذين أدوا ثمن هذا التعيين. فالرجل الذي يسخر كل صباح في اسكيتشات قادحة من إيريك بيسون، هورتفوه، ساركوزي وغيرهم، أصبح العدو رقم واحد الذي يجب التخلص منه. من بعده، طرد الصحافي المكلف بتقديم أقوال الصحف، وغيرهم من الفكاهيين. وتجدر الإشارة إلى أن فيليب فال الذي رفع فولتير شعارا ساميا ونبيلا، تحول في ظل الانفتاح الساركوزي على شخصيات وافدة من اليسار إلى مقص متنقل. ولما عاب عليه القراء وبعض الأصدقاء انقلابه، جند بالنيابة أصدقاءه المبثوثين في الإعلام المكتوب، المرئي والمسموع، لنجدته. وهكذا تدخلت كارولين فوريست، وهي معادية للإسلام، التي سبق أن كلفها فيليب فال داخل «شارلي هيبدو»، بمهمة مهاجمة الحلف الستاليني-الإسلامي، للدفاع عنه في صفحات لوموند. كما هب لنجدته بيرنار-هنري ليفي. ينزع هذا الكتاب عن المعلق السياسي هالة القداسة ليقدمه عارضا لغسيل لن يسترجع في الأخير بياضه الناصع.