على طول رقعة هذا الوطن العربي، وعلى امتداد المخاضات التي مر منها إنسانه من أجل التحرر والبقاء والكينونة، نواكب هذا الحراك الذي لم يفتر يوما منذ اشتعل مع أحلام النهضة العربية المؤجلة، من خلال زاوية خاصة: زاوية الكاريكاتور ومبدعيه. في هذه السلسلة ننفتح على تجارب رسامي كاريكاتور عرب سخروا ريشاتهم وفنهم للانخراط في نهضة أمتهم، غير أن حبهم لهذا الوطن لم يكن دائما ليشفع لهم ويكف عنهم الأيدي. فكثير من فناني الكاريكاتور قدموا أرواحهم فداء لريشاتهم وأفكارهم وأحلامهم، لكن الكثير منهم أيضا ألهم القراء والمتابعين وطبع ذاكرة وتاريخ الوطن العربي. في هذه السلسلة نسترجع محطات من حياة هؤلاء وفاء لهم ولفنهم النبيل.. ولد الفنان علي فرزات في مدينة حماه بسورية عام 1946 ، ودرس الرسم في كلية الفنون بجامعة دمشق. تميز فرزات بأسلوب مذهل في الرسم, وبأفكار تعكس الواقع بحذافيره مع لمسة ساخرة, تاركة الجمهور في حيرة بين آلام واقعه المصور في اللوحة وبين مرارة الضحكة التي بعثتها روح الفنان الساخرة . نشر فرزات أوّل رسم له في جريدة «الأيام» السورية وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وكان صاحب الجريدة قد دعاه إلى دمشق للعمل فيها بعد أن رأى رسوماته، مخاطباً إيّاه بلغة التفخيم ظناً منه أنّه رجل بالغ قبل أن يفاجأ به طفلا صغيرا. نال فرزات عدة جوائز عربية وعالمية, وخلق شخصيات كاريكاتورية صارت تعرف ب«الشخصيات الفرزاتية». طريقته المميزة في الرسم من دون تعليق أو شرح، جعلته واحداً من أبرز خمسة رسامين عالميين حسب تصنيف جريدة «لوموند» الفرنسيّة. يقول النقاد إن قوة الفكرة في رسومه تجعلها تقارب القصيدة أو القصة أو الفيلم السينمائي. يقول علي فرزات: «الكاريكاتير فن تشكيلي تدعمه الدراسة الأكاديمية, ولكن تعلّم الرسم لن يجعلك فنانا كاريكاتيريا أبدا, فمن المهم تمتعك بروح ساخرة ناقدة هي أساسا روح العمل وروح فنان الكاريكاتير لتكون قادرا على نقل الواقع بصورة ساخرة وتحويله إلى لوحة كاريكاتيرية تخلو من الكلام وتنبض بالحياة». اصدر «فرزات «رفقة الكاتب الساخر السوري نبيل صالح صحيفة الدومري الساخرة عام 2000 ، (والدومري كلمة تركية يقصد بها من كان يشعل الضوء عبر الفوانيس في الحارات القديمة أيام العثمانيين). وذاع صيتها حينها قبل أن يصدر قرار بإيقافها عام 2003 ، وقال «فرزات» معلقا على قرار المنع: «يد الرقيب السليطة حرب قائمة على الفن وسيف مسلط على رقاب الفنانين». وحول المشاكل التي كانت تثيرها رسومه مع السلطة السورية يقول الفنان في أحد حواراته «أنا لا أقصد إثارة الزوابع. رسوماتي من البداية وقفت إلى صف المواطن، من البداية يجب أن يختار الشخص ساحته، فإن اخترتِ السلطة لن يحبك المواطن، وإن اخترتِ المواطن لن تحبك السلطة، أنا أنتمي إلى هذه الشريحة، شريحة المواطن، أنتمي لها بتجربتي وعقلي وأفكاري وموهبتي ومعاناتي..».