على طول رقعة هذا الوطن العربي، وعلى امتداد المخاضات التي مر منها إنسانه من أجل التحرر والبقاء والكينونة، نواكب هذا الحراك الذي لم يفتر يوما منذ اشتعل مع أحلام النهضة العربية المؤجلة، من خلال زاوية خاصة: زاوية الكاريكاتور ومبدعيه. في هذه السلسلة ننفتح على تجارب رسامي كاريكاتور عرب سخروا ريشاتهم وفنهم للانخراط في نهضة أمتهم، غير أن حبهم لهذا الوطن لم يكن دائما ليشفع لهم ويكف عنهم الأيدي. فكثير من فناني الكاريكاتور قدموا أرواحهم فداء لريشاتهم وأفكارهم وأحلامهم، لكن الكثير منهم أيضا ألهم القراء والمتابعين وطبع ذاكرة وتاريخ الوطن العربي. في هذه السلسلة نسترجع محطات من حياة هؤلاء وفاء لهم ولفنهم النبيل.. محمد الزواوي فنان برع في التفاصيل الصغيرة وفي تصوير ملامح مجتمعه بدقة لم يبلغها أي فنان كاريكاتير عربي آخر. يعتبره الناس في ليبيا فنانهم الأول، الذي يلمس قضاياهم وهمومهم اليومية ببراعة وعفوية و يدفع الناظر إلى التأمل في رسومه ويستفزّ عقل المتلقي وعواطفه تجاه ما يقدمه. وعكس معظم رسامي الكاريكاتير، الذين ينهون الرسم في غضون ربع ساعة، يبقى الزواوي يرسم ساعات في رسم واحد بتفاصيله الصغيرة، من حيث الكتلة والظل والنور والأبعاد. يقول النقاد إنه لم يتمكن رسام عربي من مضاهاة قدرة الرسام الزواوي الفنية في إتقان التفاصيل. كما يقولون إنه متأثر بالمدرسة الكاريكاتيرية الأمريكية، حيث يتمتع الرسام بوقت كاف لرسم لوحة واحدة متكاملة في الأسبوع. محمد الزواوي تحدثت عنه كبريات الصحف العالمية، وصدرت عن أعماله الدراسات بلغات مختلفة، وشاهدت معارضه في البلاد العربية وعواصم العالم عشرات الآلاف من المعجبين، و قد عانى من الظلم في عهد القذافي، حيث سجن عدة مرات معاقبة على حريته في التعبير برسم الكاركاتير عن معاناة الشعب الليبي اجتماعيا و سياسيا. ولد محمد الزواوي بضواحي بنغازي سنة 1936 وبدأ نشاطه الفني عام 1963كمخرج صحفي ورسام في مجلة «الإذاعة» بطرابلس حيث رسم فيها أولى لوحاته الساخرة. وفي عام 1965 انتقل إلى مجلة «المرأة» وعمل فيها مخرجا صحفيا ورساما. كما كان يرسم في الوقت نفسه في صحف مختلفة بليبيا. وحول بدايته مع الرسم، يقول محمد الزواوي في حديث نادر نشر منذ سنوات: «ولدت ميولي نحو الكاريكاتير في عمر مبكر، فقد كنت أسكن في نجع بدوي، وكان بجوارنا واد اسمه «وادي القطارة». وكانت يومياتي تبدأ في ظل هذا الجو أرعى البقر صباحاً وأقطف الزهور وأوراق العنب وأحولها إلى ألوان على الصخور، وبعد الغروب أفاجأ بأن البقر الذي كنت مكلفاً بحراسته قد غادر المكان! وكالعادة تعودت أن يكون موعد «العلقة» الساخنة بعد هذه الفترة يومياً حتى دخلت المدرسة، وفيها فشلت في جميع الدروس إلا مادة الرسم. وبعد سنوات تركت الدراسة بسبب ظروفي العائلية لأعمل رساماً في شركة أمريكية. وفي هذه الفترة بدأت أتابع رسوم الفنان اليوناني برني، الذي كان يرسم في مجلة «الاثنين» المصرية وفعلاً بدأت محاولات تقليده لأترك الرسم الواقعي إلى الكاريكاتير». توفي الرسام الزواوي يوم الأحد 5 يونيو 2011 عن سن تناهز ال75 عاما.