تشير أحدث البيانات البيئية الميدانية إلى تحولات دقيقة تشهدها المنظومة الإيكولوجية المغربية، تمثلت في رصد ظهور عدد من الطيور النادرة والمهددة بالانقراض، بعضها لم يُسجل حضوره منذ سنوات طويلة، وبعضها الآخر كان يُعتقد أنه انقرض من المجال الطبيعي الوطني. هذه المعطيات، التي وثقتها منصة eBird العالمية خلال شهر أبريل 2025، لا تُعد مجرد مشاهدات عابرة، بل تؤشر إلى دينامية بيئية خفية تستحق التوقف والتحليل، خاصة في ظل ما يشهده الكوكب من تحديات مناخية متسارعة وفقدان جماعي للأنواع. من بين أبرز هذه الأنواع التي عادت إلى الواجهة، طائر "الغُرنوق الرمادي" واسمه العلمي Grus grus الذي تم رصده يوم 11 أبريل 2025 في منتزه سيدي بوغابة، وفق ما أوردته تقارير ميدانية منشورة على المنصة التابعة لجامعة "كورنيل" الأمريكية. وكان هذا الطائر، المعروف عالميا بهجراته الطويلة بين أوروبا وإفريقيا، قد غاب بشكل شبه تام عن المغرب لعقود طويلة، بسبب الانكماش الحاد في المناطق الرطبة التي يحتاجها للتغذية والتكاثر. وتعد عودته إشارة ضمنية إلى إمكان استعادة بعض النظم البيئية قدرتها على الاستيعاب، رغم الضغوط المتزايدة من التغير المناخي والنشاط البشري.
في سياق متصل، سجلت منصة الرصد ظهورا جديدا لطائر "البفن الرمادي" Calonectris borealis في 12 أبريل 2025، خلال رحلة بحرية بين طنجة وطريفة. ويُعد هذا النوع من الطيور البحرية المهددة، التي كانت مشاهدتها نادرة قبالة السواحل المغربية، نظرا لاعتمادها على جزر نائية وبيئات بحرية غير مضطربة من أجل التكاثر. كما تم توثيق وجود "بفن سكوبولي" Calonectris diomedea في نفس الموقع، وهو ما يفتح المجال أمام مراجعة الفرضيات العلمية السابقة حول نطاق هجرة هذه الطيور ومدى استقرارها في الحوض الغربي للمتوسط. أما الطائر الجارح الأبرز في هذه القائمة، فهو "النسر الذهبي" Aquila chrysaetos الذي شوهد في 20 مارس 2025، حسب آخر تحديث للمنصة. ويمثل ظهور هذا النسر رمزا بيئيا قويا، باعتباره من الطيور المفترسة الكبرى التي تعاني من ضغط شديد بفعل التوسع العمراني وتراجع الغطاء الغابوي. وقد كانت تسجيلات ظهوره في المغرب نادرة جدا خلال السنوات الماضية، ما يجعل هذا الرصد ذا دلالة إيكولوجية هامة، تُبرز الحاجة إلى تعزيز الحماية القانونية للمجالات الجبلية التي تعد موطنا محتملا له. وسُجل في 31 مارس 2025 ظهور طائر "الحسون الأسود" Spinus spinus المعروف محليا باسم "التفاحي"، في منطقة لم تحددها البيانات بدقة، لكن يرجح أنها تنتمي إلى النطاق الغابوي للأطلس المتوسط أو الشمال الغربي. ويعتبر هذا الطائر رمزا بيئيا دقيقا لحالة الغابات، حيث يشير وجوده إلى درجة من التوازن في النظم البيئية الصنوبرية. ويعزو بعض الباحثين عودته إلى تحولات مناخية أو جهود التشجير، إضافة إلى تراجع جزئي في الصيد الجائر الذي طالما شكّل تهديدا مباشرا له. وما يلفت الانتباه في هذه السلسلة من الملاحظات، هو توثيق ظهور "الغيفتة السوداء" Chlidonias niger في 21 فبراير 2025. ويتسم هذا الطائر المائي الذي بطيران رشيق وسلوك اجتماعي فريد، يُعد من بين الأنواع التي تضررت بفعل التقلص المستمر في الأراضي الرطبة. وظهوره في المغرب، بعد فترات طويلة من الغياب، يعكس الأهمية البيئية للمناطق مثل مرجة الفوارات ومصب واد سوس التي لا تزال تؤوي أنظمة بيئية قادرة على دعم هذا النوع. في ضوء ذلك، تصبح عودة هذه الطيور مؤشرا حيويا على صحة النظام البيئي، حيث تُظهر المعطيات الراهنة أن المغرب لا يزال يحتفظ بمكانة مركزية في مسارات الهجرة الطيرانية العالمية، وأن بيئاته الطبيعية، رغم ما لحق بها من تدهور، ما زالت قادرة على اجتذاب أنواع نادرة ومهددة بالانقراض. بيد أن هذه المؤشرات الإيجابية لا ينبغي أن تُقرأ بمعزل عن واقع الضغوط البيئية المتزايدة، سواء بفعل التغير المناخي أو الاستغلال البشري غير المستدام للموارد.