لا يجلس فنانو الكاريكاتور على مقاعد الدراسة لتلقي دروس حول هذا الفن عكس الصحافة أو باقي الفنون التشكيلية الأخرى .. تظهر الموهبة لدى المهتمين بهذا الفن التعبيري من خلال الرسومات التي تحمل ملامح ساخرة بحمولة سياسية واجتماعية ناقدة.. الكاريكاتور فن عريق عرفه بمعناه البدائي قدماء المصريين، وعني به الإغريق فزينوا كثيرا من الكؤوس الخزفية بمختلف الرسوم الساخرة. الكاريكاتور هو جنس ساخر يشحن ملامح الشخصيات بقالب هزلي في ارتباطه بأحد مواضيع الساعة. تعتمد الصحافة المكتوبة على شخوص بحمولات اجتماعية وسياسية بخلفية نقدية. يركز الرسام الكاريكاتوي الاهتمام على قسمات الشخصيات، حسب الملامح التي ينوي إبرازها. ويعتبر الرسام السوري الساخر علي فرازات الفن الكاريكاتوري أحد أكثر الفنون ملاءمة للتعبير عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، دون أن يستعير من الفنون الأخرى أدواتها، بل يعتمد على أدواته الخاصة به. أخبار السوق ظهر الكاريكاتور في المغرب أول مرة في ستينيات القرن الماضي، وتعرف المغاربة لأول مرة على هذا الفن وهم يتصفحون المجلات والجرائد الأجنبية. وسرعان ما تشجعت صحيفة المحرر وقتها على استنساخ تلك التجربة ونشر رسوم كاريكاتورية للفنان الراحل حمودة، الذي رسم صورا ولوحات اجتماعية ساخرة عن سيدي قاسم، مسقط رأسه. حرص حمودة على رسم صور المغاربة الذين نجحوا في مسيرتهم وفرضوا أنفسهم خارج المغرب، بينما انتظمت رسومات العربي الصبان في الظهور على صفحات جريدة القدس العربي... مع الدينامية السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب في سنوات السبعينيات، ظهرت تجربة «أخبار السوق» التي أدارها العربي الصبان في أول تجربة صحفية ساخرة بالمغرب، والتي كان يشرف أيضا على إعداد رسوماتها الساخرة الفنان «الفيلالي»، وارتفعت مبيعات الأسبوعية التي لقيت إقبالا كبيرا لدى القراء المغاربة، قبل أن تظهر بعدها أسبوعية «الأسبوع الضاحك» التي نهجت نفس توجه «أخبار السوق» في جرأة المواضيع التي تتناولها. إثر تعيين حكومة الوزير الأول السابق المعطي بوعبيد، قامت «أخبار السوق» بنشر رسم كاريكاتوري عنونته بسؤال ساخر حول الحكومة الجديدة: «آش عند المعطي ما يعطي؟»، ليصدر قرار من وزارة الداخلية، التي كانت بيد إدريس البصري وقتها، لمنع الجريدة نهائيا من الطبع.. يرى رسام الكاريكاتور خالد كدار أن الكاريكاتور في المغرب سجل تراجعا بسبب ما أسماه «هاجس الخوف من التهديدات والمنع اللذين طالا الصحف المستقلة»، واعتبر أن الجرأة التي طبعت الرسوم الكاريكاتورية في السابق تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وعن واقع تلك المرحلة، يتابع كدار متذكرا: «نشر الفيلالي رسما في عمود «ساندويتش» للصحفي المغربي خالد الجامعي، واضطر بعدها للاختفاء في قريته لمدة شهر خوفا من التهديدات التي تلقاها». ريشة الماركيز وأقدام حنظلة جاء الكاريكتير على يد الرسام الإنجليزي «جورج تاونسهمن» الذي عرف باسم «الماركيز»، ونال شهرة كبيرة في بلاده.. ويعتبر آخرون أن «وليام جارث» هو رائد المدرسة الانجليزية في الكاريكاتور، إذ اتصفت رسومه بقدرة نفاذة على نقد عيوب المجتمع بما فيه من فساد وحماقة.. ومن معطف هذا الفنان خرج رواد المدرسة الكاريكاتورية أمثال : توماس رولاندسون، وجيمس جيلراي، وقد استخدم أفراد هذه المدرسة الكاريكاتير كسلاح مباشر لمهاجمة خصوم الأحزاب السياسية التي ينتسبون إليها، ويعملون لحسابها . أما المدرسه الفرنسية فبدأت بالفنان «شارل فيبون» الذي أسس عام 1830 مجلة أسبوعية باسم» الكاريكاتير « ثم أصدر بعدها بعامين جريدة يومية باسم «الشاريفاري».. وشكلت المجلة والجريدة معارضتين قويتين للحكومة، واشتهر من خلالهما عدد من الفنانين، أهمهم على الإطلاق «أونوريه دومي» الذي يقال إن كل الكاريكاتير الحديث استوحى اتجاهه من فنه.. وتظل التجربة العربية حاضرة في أعمال الفنان الفلسطيني ناجي العلي، الذي حمل طيلة مسيرته الفنية والصحافية والنضالية الهم الفلسطيني. وظل الطفل الذي غادر قرية (الشجرة) في الجليل قسرا، حالما بالعودة، يرسم الوطن المفقود على أعمدة جريدة «القبس» اللندنية. في رسومات ناجي العلي يظهر الطفل «حنظلة» الشخصية التي ظهرت لأول مرة عام 1969، والذي غالباً ما أدار ظهره للقارىء، وهو بلا وجه وبقدمين حافيتين. ريشات شبابية على صفحات جريدة «لوبينبيون» اليومية، قد لا يعلم القراء أن شابة مغربية تبلغ من العمر 21 سنة هي المسؤولة عن الرسوم الكاريكاتورية في الجريدة، وتنشر، بتوقيعها الخاص «ميا»، رسوماتها حول الملفات التي تتناولها اليومية. «لدي صفحة ترفيهية أنشر فيها بكل حرية كل المواضيع الخاصة بالشباب أو مواضيع الساعة» تصرح ميا ل«المساء». بدأت الفنانة الشابة مريم الإدريسي مسيرتها الإعلامية في غشت 2007، رغم أنها مازالت تتابع دراستها الجامعية في السنة الثالثة اقتصاد..تغيرت نظرة ميا لهواية رسم الشخصيات إلى تفكير حقيقي في خصوصيتها بعد أن حصلت على جائزة خاصة من هيئة التحكيم في إحدى المسابقات بمدينة سلا..ًأصبحت الطالبة تدوام على قراءة الصحف بشكل منتظم لمتتابعة جديد القضايا في الساحة الوطنية والدولية، مما غير في طريقة تعاملها مع الرسومات: «يكفي أن يعطيني رئيس التحرير عنوان المقال لكي ترتسم في ذهني الصور الأولية، لأبدأ في الحين تنفيذها على الورق». ترى ميا أن فن الكاريكاتور في المغرب مازال لا يلقى الاهتمام الذي يستحقه، وتتأسف كونها لا تلتقي الفنانين المغاربة إلا في مناسبات عابرة.. يلقب نفسه ب «ريك» وينشر بجريدة «ليكونوميست» اليومية رسومه على الصفحة الأولى متناولا الموضوع الرئيسي للجريدة في رسم كاريكاتوري ساخر. بعد أن أنهى طارق بويدار دراسة الإشهار والتواصل، قرر أن تصبح ريشته جواز سفره إلى القراء عبر جسر الصور التي ينشرها. عن بداية تجربته مع الورقة والريشة، يقول ل«لمساء»: «منذ صغري عشقت رسم الصور المتحركة، اتصل بي مدير إحدى الجرائد اليومية المغربية من أجل الالتحاق للعمل معه، لكني فضلت التريث في اتخاذ القرار حتى أنهي دراستي». يعتبر «ريك» أنه على رسام الصحافة أن يرسم مثلما يكتب أي صحفي، بتقديم «لمسته» الشخصية على ملامح الشخصيات، وأن يتجاوز دور الصورة لأنه يمنح قيمة مضافة للمادة الإعلامية يتفوق فيها على الصحفي أو المصور..