في هذا الحوار الذي خصّ به موقع "هسپريس"، قبل قدومه إلى المغرب بعد أيام (27 مايو الجاري)، يتحدث المفكر المعروف، الدكتور خالص جلبي، عن رأيه حول "معركة النقاب" التي تشهدها بعض البلدان الأوروبية، وعن نع بناء المآذن في سويسرا، ويتحدث عن العنصرية والعنف وأشياء أخرى.. لنتابع... * محاولة فرنسا صدّ وفرملة وتحجيم الاتجاه الإسلامي هو مثل الذي يريد وقف دورة القمر وشروق الشمس. * إن ما يدفع الإسلاميين في الزحف إلى أوربا مجموعة من العناصر، وعلى رأس القائمة مسألة الحريات. * المشكلة التي تورطت فيها فرنسا وأوربا، هي السماح بنمو غيلان الديكتاتوريات في العالم العربي بدون تقليم الأظافر والأنياب لوحوش السيرك. * مسألة النقاب والحجاب، هي رأس جبل الجليد للمعركة الدائرة في أوروبا. * يجب على المسلمين أن يتحدوا مع قوى الحرية في فرنسا؛ فيقولوا لجنود ساركوزي ومن والاه، أن المسألة تدور حول الحريات. * بين المسلمين والفكر الإنساني الخالص مسافة المجرة أندروميدا.. * بين مجانين أهل الدنمارك والمتعصبين من المسلمين عرق من الجنون ونسب خفي لا يشعر به أحد. * قانون كلب (الضيعة)، إن رجعت إليه هجم وإن تركته تركك، شيء ينطبق أيضا على كلاب الكاريكاتور في الدنمارك.. * لو أن سلمان رشدي التعيس والكاريكاتور الدنماركي القميء سُكت عنه وأُهمل لما انتشر كل هذا الانتشار. * الكفَّار يعطوك الجنسية في ثلاث سنين، وإخوانك في الدين واللغة والتاريخ، لا يعطوك الجنسية ولو بقيت ثلاثين سنة بين ظهرانيهم. * المسلمون حينما يعيشون في الغرب ينقلون معهم أمراضهم فيعيشون في شرانق يغزلونها من أوهامهم. *************************** سؤال : دكتور جلبي، نبدأ أولا بما يسمى "معركة النقاب" التي تشهدها بعض البلدان الأوروبية حاليا. كثير من المسلمين يعتبرون بأن الأمر يتعلق بحرب على الإسلام وليس على النقاب، كيف تنظرون إلى هذه القضية؟ كتبتُ عن معركة النقاب والمساجد ومكبرات الصوت وإليك رأيي في الموضوع: معركة النقاب في باريس في عيد العمال العالمي من عام 2010 م جُنَّت باريس مرتين؛ المشرعون الفرنسيون والأصوليون من المسلمين حول النقاب، فأصبحت عقوبة المرأة التي تضع النقاب فتبرز العينين من المحجرين 15 ألف يورو والحبس سنة؟ بما يرفعها إلى مستوى الجنايات، وبالمقابل لايزداد اتجاه التدين إلا تشددا وغلوا، فقد رُفعت قضية على شاب جزائري قد تزوج من أربع فتيات فرنسيات، وأنجب منهن (درزن) من الأولاد؛ فهو يتعيش براتب مجزي من الدولة الفرنسية، التي تعين العوائل والأولاد بمال مخصص للأطفال، وهو نظام أعرفه من ألمانيا في رحلة التخصص حيث كان يأتيني راتب إضافي للأطفال، في مجتمع يتناقص وينقرض، مقابل كثرة أولاد الأجانب. لقد أصدرت مجلة در شبيجل الألمانية في أحد أعدادها في صورة الغلاف مع العلم الألماني وقد ارتسم فوقه الهلال الإسلامي، معلنا عن تحول ألمانيا إلى جمهورية إسلامية! فعدد الألمان يتناقص، وعدد الأتراك يزداد، وسيكون عدد الأتراك عام 2030 م أكثر من سبعة ملايين من الأنفس. ويقال أن بعض المدن مثل آخن اختلت فيها النسبة جدا بين الألمان والمسلمين، وهو مايذكرني بمونتريال في كندا، فبعد لعنة الاضطهاد السياسي في بلدان الشرق الأوسط، زحف الكثيرون من الهاربين يبحثون عن مأوى لعائلاتهم في الغرب؛ فألقوا بأنفسهم بين الدببة القطبية وسناجيب شجر القيقب، في أحضان الثلج والبرد والبعد، طمعا في حياة أفضل. وهذه الهجرة تحمل معها الثقافة، وهي المشكلة التي تورطت فيها فرنسا وأوربا، بالسماح بنمو غيلان الديكتاتوريات في العالم العربي بدون تقليم الأظافر والأنياب لوحوش السيرك، فجاءهم (الهاربون) كأنهم جراد منتشر من جملوكيات الرعب والبطالة والفقر والقذارة إلى عقر دارهم في حركة مقلوبة. إن فرنسا والدول الأوربية عموما تجدف ضد التيار، فنسلها ينقرض والوضع الديموغرافي ينقلب لصالح انتشار الإسلام، وحاليا في فرنسا تعتبر اللغة العربية الثانية بعد الفرنسية فلا يخش عربي سائح من الضياع؟ ولن يوقف شيء هذا المد العرمرم، ومحاولة فرنسا صد وفرملة وتحجيم الاتجاه الإسلامي هو مثل الذي يريد وقف دورة القمر وشروق الشمس. إن ما يدفع الإسلاميين في الزحف إلى أوربا مجموعة من العناصر، ولكن في رأس القائمة مسألة الحريات، وكل مؤتمر أو نشر فكر حر أو مجلة مهمة فهي هناك في أرض الضباب والبرد، وحاليا يهرب إلى الغرب كل قلم حر الفكر، فيأخذ الجنسية السويدية، أو من الدومينيكان كما أعرف ذلك من صديق لي، وهناك من أخذ الجنسية الأرجنتينية ولم يبق فيها سوى ساعة، وهناك من تزوج فتاة أسبانية على الورق مقابل تأمين الإقامة، وهناك من بقي أياما معدودات في كندا وحصل على الجنسية، وهي أمور تعرفها الحكومات المعنية، ولكنها تقول سوف أحظى بأولاده من بعده، والآن أمواله.. وفعلا فقد أنفقنا من الأموال جبلا من ذهب، حتى حصلنا الهجرة وجواز السفر، ومعها شعور الأمان من جملوكيات الخوف والبطالة. إذن مسألة النقاب والحجاب، هي رأس جبل الجليد للمعركة الدائرة هناك. ويجب على المسلمين أن يؤكدوا على المسالة التي جعلتهم يفرون من بلادهم إلى بلاد الحريات والديموقراطيات؛ الحرية ... وعليهم أن يتحدوا مع قوى الحرية في فرنسا؛ فيقولوا لجنود ساركوزي ومن والاه، أن المسألة تدور حول الحريات، وفي قناعتي ومن أجل إسقاط أي قانون ظالم أن تمشي مظاهرتان من النساء، كما فعلت بنكهورست عام 1912م من أجل تحصيل حق المرأة في الانتخاب، واحدة تلبس الحجاب الكامل تحديا للقانون، والثانية تلبس الأمر مقلوبا بشبه عري، حتى يرى المجتمع الفرنسي أن القضية تدور حول الحريات أكثر من الثقافات واللباس خلعا ولبسا.. حملة لمنع بناء المآذن في سويسرا ! أرسل لي مراسل هيئة الإذاعة السويسرية (سويس انفو) القسم العربي مرتاعا عن حملة قام بها اليمين لمنع بناء المنارات بجنب المساجد؟! قال الرجل في تساؤله إن حملة ضمت توقيع 113 ألف سويسري لحمل الحكومة على قرار منع بناء المآذن. ومضى الأخ في خيالاته أن الدور قادم على المساجد!! وهذا يعني أن إقامة الحجارة أهم من مخيم الأفكار والطوب أهم من القلوب. ولأن المسلمين حين يبنون المساجد يرفعون المنارات فينشرون الذعر بين الأوربيين، بمساجد هائلة تهبط عليهم ببراشوتات من سماء البترودولار كما قال جارودي يوما، وأن الأفضل للأوربيين الدخول إليهم ليس من النوافذ ولا من بارشوتات المآذن بل الفكر الإنساني الخالص. وبين المسلمين والفكر الإنساني الخالص مسافة المجرة أندروميدا.. فأجبته أنه لو أردت رأيي لربما مشيت باتجاه عدم بناء المساجد، وليس المآذن، لأنها تثير هلع الأوربيين ولا تنفع المسلمين. وأنا شخصيا أميل إلى بناء مراكز إسلامية متواضعة جدا، كما فعل المصطفى ص ببناء مسجده من سعف النخيل وأرضه من رمل، وبدون منارة!! وهي في سويسرا لا مانع بكرتون وخشب بسيط مضغوط، بشرط العزل الجيد والأناقة الخفيفة والجمال والتواضع حلية المتقين. ومن المهم قدرته على احتواء أكبر عدد من المهتمين، وليس على غرف هائلة، وسقف من رخام ومرمر، وسقف عليها يعرجون، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين. ومن المهم في هذه المراكز عدم إزعاج الجوار بأصوات توقظ الموتى وترعب الأيقاظ ، وتضع كل ذات حمل حملها، كما هو الحاصل عندنا فيصدم المؤذن الآذان ب 140 ديسبل، مما يهدد بشق غشاء الطبل والصيوان وتفجير عظيمات السمع، بصوت مجلجل لا يوصف بالجمال، ثم مواعظ مرعبة عن عذاب القبر، ومنكر ونكير، وكأنهم عناصر التعذيب من فرع مخابرات فلسطين. ثم قصص مفتراة ملفقة عن حوريات الجنان، وكأننا في كباريه في هامبورغ أو بيروت أو مركز الإباحية في كيل شمال ألمانيا عند السيدة بيآتيه.. وعلينا القيام بدعوة إنسانية بين الغربيين في التبادل الثقافي، أكثر من الوعظ من طرف واحد، فلهم دين ولنا دين، ومن المهم فهم شروط الفعالية عندهم لنقلها إلينا، أكثر من نشر نموذج شرقي بين أظهرهم، مشلول أعرج أبرص أصم أعمى ؛ فنزيدهم خبالا فوق الخبال.. ومن تعاطف معكم انطلق من مبادئ التسامح التي نادى بها من قبل جان لوك قبل 300 عام منذ انفجار عصر التنوير في أوربا، والقضاء على الإقطاع والكنيسة، وبزوغ العمل والأحرار ورأس المال والصحافة والبرلمان والمراقبة المتبادلة بين مجتمع السنوريات عفوا البشر.. الذين يتبعون أهواءهم لا يلوون.. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن.. ولذا كانت الديمقراطية والمراقبة المتبادلة هي سفينة النجاة، وإيانا والمراهنة على طيبة الإنسان، وهو من عالم السنوريات.. فلا أمان له إلا المراقبة.. ومن راهن على التقوى فإن له معيشة ضنكا.. ولو أراد المسيحيون أن يبنوا في السعودية كنيسة لدكت الأرض بهم دكا أليس كذلك؟!! العبرة في المفاهيم الإسلامية إذن هي نقل الجيد والايجابي أكثر من رفع شاهق الحجارة، كما أراد فرعون يوما أن يبني صرحا يبلغ الأسباب، ومحاولة تنقيح التراث من مفاهيم خطيرة؛ تتعلق بالمرأة والمساواة، وحق الآخر في البقاء، وخرافة حد الردة، وأسطورة المحرم وتحريم الفن والموسيقى، وما شابه من المعوقات القاتلة، التي تحرر منها السويسريون منذ أمد بعيد؛ فلعلنا إن تتلمذنا على أيديهم تعلمنا منهم، لأن الجهل ليس عيبا بل الاستكبار عن التعلم.. وسيصرف الرب عن طريقه كل متكبر جبار.. الآذان ومكبرات الصوت في بلدة (القامشلي) التي نشأت فيها كنت أنتشي بسماع الآذان من بعيد ينطلق من فم المؤذن مع نسمات الصباح بصوت رخيم فنلبي النداء. وأجمل ما كنت أسمعه فأميزه المؤذن التركي من جامع (قاسيون) في دمشق. كان لحنا خالدا ينساب إلى قوقعة الأذن بلطف، ويسري تحت الجلد مثل الكهرباء تقشعر له جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله. واليوم مع (مكبرات الصوت) لا تبعد عن غرف النوم أكثر من خمسة أمتار يرتعب الأطفال وتكاد طبلة الأذن أن تثقب ويزعج المرضى في المشافي ولو عند السحر من طبقة صوت كقذائف المدفعية تذهل كل مرضعة عما أرضعت ولا يستطيع أحد أن يناقش أو يعترض وإلا كان شيطانا مريدا. كنت أتمتع يومها بالصلاة في المسجد الكبير خلف الإمام وحفظت الكثير من الآيات من فمه، وكان للمسجد يومها منارة بسلم يصعد المؤذن إلى أعلاها ويؤذن وهو يدور في دائرة بلكونية في قمتها. ويذكر (مالك بن نبي) في كتابه (شروط النهضة) كيف تصرف المجتمع الإسلامي في موضوع النداء للصلاة، فاستعاض عن صناعة الأجراس وملحقاتها بأداة بسيطة للغاية هي (الصوت الإنساني). والمهم فقد بقيت المئذنة تؤدي وظيفتها في استخدام الصوت الإنساني حتى جاء عصر (الآلة) أي مكبرات الصوت، وهنا لم يعد المؤذن بحاجة للصعود إلى أعلاها ويكفي تركيب الجهاز فوق رأسها، كما لم يعد هناك حاجة إلى تركيب منارة مكلفة بدرج حلزوني من داخلها بل تقام المآذن بدون أدراج. فقد أصبحت المآذن والقباب رموزاً إسلامية. ومع دخول (الآلة) دخلت (المشكلة) وكما حدث مع حوادث السيارات وظهور قوانين تنظم المرور وضوابط في السيارة من الحزام والصيانة، كان يجب أن يحدث نفس الشيء مع آلة الآذان. وهذا الموضوع جدا حساس لأنه يتعلق بالدين ودعوة الناس للصلاة ولكن لابد من طرقه لإيجاد أفضل السبل للتعامل مع الآلة الجديدة. والصوت حينما يكون رخيما شجيا بطبقة صوتية مقبولة على بعد مقبول انشرحت له النفوس وإن زاد عن حده وارتفعت طبقته عن الحد الطبيعي أصبح مرضيا ومزعجا ومنفرا فهذه هي قوانين العضوية. وليس من فراغ أن أدبنا القرآن أن لا نرفع أصواتنا بقوله واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير. وفي مكبرات الصوت ارتفع الصوت إلى طبقة مخيفة مقلقة يكاد المرء أحيان أن يخشى على طبلة الأذن من الانثقاب، ومعروف عن حاسة السمع أنها شديدة التأثر فإذا بلغت طبقة الديسبل درجة عالية أدت إلى صمم لا فكاك منه، فالموضوع جد وليس بالهزل. ولكن لا يتجرأ أحد فيعترض فيواجه بقوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. وهو ليس كذلك، وهنا لم يبق مكان للعقل والمعقولية والمناقشة بل تحول إلى إرهاب ديني يختبئ تحت نصوص غير موجودة. وشرح هذا أن من أراد أن يصلي فليصل فلا يشترط اقتحام خصوصية الناس وإجبارهم على استماع كل أصناف الكلام أرادوه أم لم يريدوه تحت شعار الدعوة إلى الله. وهي لا تزيد عن مفاهيم اجتهد فيها أحدهم. قد يبتعد فيها أو يقترب من الحق، ولكن الأكيد فيها هو أنها مزعجة للناس باقتحام آذانهم غصبا عنهم. وفي أكثر من دولة عربية يتم حالياً تدارس فكرة أن يكون الأذان في وقت واحد على نحو موحد. وهذا يشبه فكرة إنارة المدن بالكمية اللازمة للإنارة بدون إفراط وتفريط. وبالطبع فإن قسما من المتشددين سيعتبر أن هذا ضد الدين وإفسادا في الأرض. ولكن الدين بهذه الطريقة يتحول إلى أداة إرهاب دينية لا يمكن مناقشتها. ومكبرات الصوت إلى ملوثات بيئية. وحينما يكون في مساحة مائتي متر مربع أكثر من أربع مساجد على رأس كل منارة أربع مكبرات بقوة 120 ديسبل ينقل خلالها كل همسة وهمهمة ودمدمة ودرس وصلاة على الأموات وصلاة كسوف وخسوف ومواعظ جهادية وخرق جماجم الناس بالقوة بالعشي والإبكار، فهو هنا أكثر من دعوة للصلاة، كمن يصرخ لرجل بجانبه لا يحتاج لأكثر من الهمس ما لم يكن أطرشاً. وليس كل الناس اطرشا، والأطرش يعالج بجهاز في الأذن المصابة وليس إزعاج كل من حول الأطرش. ثم إن الساعة حلت مشكلة التوقيت. والأذان شرع للتوقيت. وأقم الصلاة لذكري. إن هذه المسألة تذكرني بمعركة نشبت بين أنصار التحديث والمحافظة على السنة في نجد قبل أربعين سنة حين جاءت مكبرات الصوت لأول مرة فاعتبروها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وليت الأمر نجح وبقي الصوت الإنساني، ولكن مشكلة صراع القديم والجديد لا يبق عند مكبرات الصوت وإلا لبقينا نركب البرذون ونحلب النوق والمعز واعتبرنا أن الجن تنقل التلغراف. سؤال: في موضوع آخر، تعرض رسّام الكاريكاتير السويدي (لارس فيلكس) الذي نشر رسوما كاريكاتورية قدحية في حق النبي محمد عليه الصلاة والسلام لاعتداء أثناء إلقاء محاضرة في جامعة سويدية، وأحرق جزء من منزله لاحقا. كيف تنظرون إلى هذه التصرفات التي يواجه بها المسلمون "خصومهم " في الغرب؟ كتبت عن ذلك وإليك رأيي: قصص مسلية من الدنمارك فان جوخ طعن في بطنه بسكين فمات؛ بسبب رسوم الكاريكاتور في الإساءة للنبي، ومع شتاء 2008م ألقي البنزين من جديد فوق الحريق فأعيد نشر رسوم الكاريكاتور بالضحك على الأنبياء، وكل ما يتصل بالمقدس وإهانته بدعوى حرية التعبير، ويبقى هذه المرة اغتيال رؤوساء كبريات الصحف منصة جاهزة؟ وفي القرآن كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لايحب المفسدين. وبين مجانين أهل الدنمارك والمتعصبين من المسلمين عرق من الجنون ونسب خفي لايشعر به أحد، وملة القتلة والساخرين موجودة في كل منصة وحارة. وفي القرآن تحذير أن لايسخر أحد من أحد عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولانساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن. وحين ضرب النبي في الطائف جاءه رجل من نينوى فعطف عليه وأعطاه عنقود عنب، فقال لقد فعلوا مثل هذا بأخي الصالح يونس. فالأنبياء ملتهم واحدة والأقوام ملتهم واحدة، كما جاء في سورة إبراهيم، وهمّت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق. وتوينبي عرف كلا من المؤرخ الجبرتي وابن خلدون؛ فقال عن الأول كان عنده حس حضاري، حين انتبه إلى المرافعات القانونية وأصول المحاكمات في قضية اغتيال سليمان الحلبي كليبر خليفة نابليون في مصر، أكثر من فرقعات البارود ولعب النيران التي كان يوقدها الجنود الفرنساوية. كذلك انتبه توينبي إلى ابن خلدون من تراثنا بأن عمله يعتبر أفضل عمل من نوعه أنتجه أي عقل في أي مكان وزمان. وهكذا يتعامل العلماء بين بعضهم بالاحترام والاعتراف، وبين الجهلة في السخرية والهمز واللمز، وويل لكل همزة لمزة. وأنا شخصيا يأتيني ألوانا من هذا فأعامله على قانون كلب (الضيعة) إن رجعت إليه هجم وإن تركته تركك، وهو شيء ينطبق أيضا على كلاب الكاريكاتور في الدنمارك.. وأفضل شيء للفت النظر مد اللسان كما فعل آينشتاين في الضحك على نفسه والناس، حين لم يستوعبوا النظرية النسبية. وهناك من الأمراض الجنسية ظاهرة الفتشية والاستعراء، فيقف الرجل المريض ويفتح بضاعته التناسلية أمام النساء، ويعرف أطباء النفسية أنه بريء مريض وغير مؤذي. وفي علم الاجتماع يحدث نفس الشيء من شتم الأنبياء والتعرض للشخصيات والكتب المقدسة بالنكال والسخرية، فيكتب اسم احدهم على حائط الشهرة بقلم عريض. وكاتب مثل شحرور لم يكن ليشتهر لولا حديثه عن الجيوب في لباس المرأة وفتحات نهديها، فقام عليه القوم قومة رجل واحد، وكل مختلف مذموم ولو كان عدلا وصدقا. ونحن لم نعرف حتى الآن موضة الاختلاف والتسامح مع المختلف، ومن تجربتي الشخصية فقد قابلت حافظ الميرازي من قناة أمريكية حين دعيت لمؤتمر التعددية في فرجينيا عام 1993م، وكان العالم بخير وأمريكا تنتظر الضربة القاضية على غير ميعاد، أو بميعاد وتخطيط الخبثاء، فسألني عن رأيي في سلمان رشدي، وكان رأيي أنها ليست جديدة، والنبي اتهم في أهله وهو في عقر داره بين أصحابه وصحابته في قصة الأفك، فنزل القرآن في حكم من ادعى ونشر الخبر ثمانين جلدة، أي حكما قضائيا وليس قتلا على شريعة الخميني. ولو أن رشدي التعيس والكاريكاتور الدنماركي القميء سكت عنه وأهمل لما انتشر كل هذا الانتشار. وأفضل طريقة لنشر شيء محاولة التكتم عليه، أو نشر غسيله في محاولة الدفاع، فيعم من حيث نريد الإخفاء. وأذكر من قصص أمراض النفس أن سيدة تكتمت على قضية خاصة بها، فانفجر بعد انحباس قادها إلى مصح أمراض نفسية للعلاج. وأفضل طريقة للتنفيس عدم حبس الأشياء واحتقانها بل دفعها في طريقها الطبيعي وإهمالها إلى قناتها المعتادة. وقصة (فرط النية) في علم النفس معروفة حين تأتي النتائج عكس المقصود، مثل العمل الجنسي وطلبه والتفنن فيه فيهرب، في حين ينفجر حين يأتي طبيعيا عفويا، وهو أمر تحدث عنه بإسهاب فيكتور فرانكل في كتابه الإنسان يبحث عن المعنى,.. ويأتيني حاليا في الانترنت سيل من المقالات والأبحاث والاستغاثات للنبي وهو ليس بحاجة للدفاع عنه، ويكفيه أن الله رفع ذكره في العالمين، وأن شانئه هو الأبتر. ولكن المسلمين حاليا هم البتراء الذين لايحسنون التصرف، وهناك الخبثاء من الطرف الأخر، وهكذا فنحن أمام مسرحية في غاية المتعة يتفرج عليها العالم بين سذاجة المغفلين وخبث الملاعين.. سؤال : باعتباركم مسلما عاش لسنوات طويلة في الغرب، هل هناك حقا عنصرية تجاه المسلمين هناك؟ العنصرية مرض منتشر في كل الأرض بين العرب والعجم والبربر والأرمن والشراكسة والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، كل يعتقد أنه مركز العالم وإليك ما كتبت في هذا الصدد: هل يجوز الزواج بين فتاة قبلية وشاب خضيري خالي يونس كان عشائريا من قبيلة طيء، وكان يصحبني معه إلى (الهوسات) وهي الاجتماع للاحتفال والغناء القبلي؟ لم أكن أفهم شيئا مما يقولون سوى كلمة عبد الرزاق آمر بيها !! (أي الوحيد المتنفذ الذي له الأمر والطاعة؟ وعبد الرزاق كان شيخ عشيرة معتبر!) كان خالي يونس رحمة الله عليه يسمع الغناء ويطرب، وكأنه مدمن يحقن نفسه بالهيروين؟ .. وممن حولي رجل فاضل غني ميسور مثقف أراد التقدم للزواج في بلد خليجي من فتاة فرفض على أساس أن الكهربة عنده 110 وليس 220 فولتاج؛ فلا يصلح الجهاز ولا يعمل؟ مثل كهربة كندا فكلها 110 .. وأنا أفتح عيني وأذني ولا أفهم؟ فما علاقة الكهرباء 110 و 220 بطبقات القوم العلية؟ .. ثم فهمت أن النكاح هو بين قبلية وخضيري، وخضيري تعني حضري من أهل المدن وليس من قبيلة معروفة، وهي عبارة تذكر على استحياء وسرا لأناس ليس لهم أصول قبلية واضحة، ولو كان صاحبها مخترع المفاعل النووي، ولقاح شلل الأطفال وحمى الضنك وأنفلونزا التيوس، ومخترع نظام الميكروسوفت، وسبق ابن زويل، وتمنى مندلييف صاحب نظام جدول العناصر التعلم منه، فهذه كلها لا قيمة لها، والقيمة المهمة أن يكون من قبيلة واضحة، من عشيرة معروفة، متفرع من فخذ وساق وأصبع قدم قبيلة من الفحول الأشاوس! واليوم الكنديون والألمان والطليان لا ينتسبون لقبيلة وعشيرة، وهم خير البرية .. والله قال إنه جعل البشر شعوبا وقبائل ليتمازجوا ويتناكحوا، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالالتزام ودقة المواعيد وحسن الأداء وقوة الإنجاز والعلم، واختصرها القرآن بكلمة التقوى .. أي الالتزام والأداء... وليس مثل اليابانيين والألمان في التقوى اليوم، ولا يجاريهم أحد بحسن الخلق وحسن الأداء، في الوقت الذي هبط فيه العرب إلى قاع المحيط أسفل سافلين من رداءة الأداء، وإخلاف المواعيد، وسوء الإنتاج واستفحال الديكتاتورية مثل الروماتيزم الخبيث، وسوء الأخلاق والشقاق والنفاق.... وأنا رجل كسبت الجنسية الكندية بعد مكث ثلاث سنين، وأصبح لي في بلد خليجي 26 سنة أكدح مواصلا عمل الليل بالنهار، لا أطمح ولا أطمع في تحصيل جنسية ذلك البلد، مع أنني تقدمت إليها، وحققت شروط نيلها، فهذا هو الفرق بين بلاد الكفار والمسلمين ! الكفَّار يعطوك الجنسية في ثلاث سنين، وإخوانك في الدين واللغة والتاريخ، لا يعطوك الجنسية ولو بقيت ثلاثين سنة بين ظهرانيهم، مع أنك تصلي معهم الخمس، وتستقبل نفس القبلة، وتنطق بنفس اللسان، ولا أمان لك بالمقام إلا تفضلا وكرما؛ فيمكن في أي يوم أي يقولوا لك وبلطف، كما يزورك ملك الموت فيقول؛ قد دنت ساعة الرحيل يا ابن توفيق جلبي...