ما بين الصدمة والحيرة استقبل مسلمو سويسرا نتيجة الاستفتاء العام الذي أجري الأحد ,2009/11/29 وجاء مؤيدا لإضافة جملة إلى البند 72 من الدستور السويسري تقضي بمنع بناء المآذن، وذلك بنسبة 57,4% من إجمالي المصوتين. وفي الوقت الذي عبر فيه مسئولو الأقلية المسلمة عن خشيتهم من تبعات هذه النتيجة فإن خبراء سويسريين عبروا عن استغرابهم لما حدث في الأيام الأخيرة، والتي غيرت الاتجاه العام لاستطلاعات الرأي. وقال هشام أبو ميزر، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بسويسرا، إن: مسلمي سويسرا بعد هذه النتيجة يشعرون بالصدمة، ولكنهم في ذات الوقت يحترمون رأي غالبية الشعب. وأضاف أبو ميزر: نحن في محنة، ولكننا نحتاج إلى التعقل والقليل من الوقت من أجل استيعاب الأمر وتقديره والنظر في تبعاته المستقبلية. وحول ما يطالب به العالم الإسلامي بعد هذه النتيجة قال أبو ميزر: لا نريد حرقا للأعلام السويسرية ولا ضربا للمصالح السويسرية في الخارج؛ لأن هذا الأمر غير مجد وغير مفيد، ولكننا نطالب بالتعقل ومتابعة إلى أين سيمضي أصحاب هذه المبادرة العنصرية، وهل ستشجعهم نتيجة التصويت على مزيد من التضييق على مسلمي سويسرا. مفاجأة كبيرة من جانبه، قال هاني رمضان، رئيس المركز الإسلامي بجنيف، إن ما وقع يمثل مفاجأة كبرى بالنسبة للمسلمين في سويسرا، وهو ما يدعوهم إلى إعادة النظر في علاقتهم بمواطنيهم السويسريين عبر مد جسور الحوار الصريح والهادئ. وأضاف رمضان دعوتي كذلك إلى العالم الإسلامي بالرغم من هذه الخيبة أن تكون ردة فعله هادئة وبعيدة عن التشنج من أجل جعل حوار الحضارات أولوية لفهم مقاصد وأسباب ردود الفعل من قبل المواطنين السويسريين ومحاولة تلافي أمثالها في المستقبل. أما يوسف أبرام، إمام مسجد المؤسسة الثقافية بجنيف، فقال لإسلام أون لاين.نت إن المرحلة القادمة ستكون صعبة وعلى المنظمات المسلمة الكثير من العمل بعد هذا التصويت، وخاصة في مد جسور التواصل مع المجتمع السويسري. وقال فرحات أشفار، رئيس تنسيقية المنظمات المسلمة بسويسرا، إن: قبول المبادرة أمر يضرب في العمق حقوق الأقليات في سويسرا. وصوت 57,4% من السويسريين لصالح مبادرة منع بناء المآذن مقابل 42,6% ضدها، وباستثناء مقاطعات جنيف (رفضت المبادرة ب59,7%) ونيوشتال (رفض 50,8%) وفود (رفض 53,1%) وبال (رفض 51,6%) التي رفضت المبادرة فإن كل المقاطعات السويسرية الأخرى خاصة المناطق الناطقة بالألمانية قد صوتت لصالح المبادرة بنسب عالية تراوحت في العديد من المقاطعات بين 63% و 65%. وصوتت زيوريخ، وهي أكبر مقاطعة سويسرية من حيث عدد السكان لصالح المبادرة بنسبة 51,8%، وصوتت المقاطعات بوسط سويسرا بنسب ساحقة لصالح المبادرة، حيث صوتت مقاطعة شويتز في الوسط بنسبة 66%، فيما وصلت نسبة التأييد للمبادرة إلى 71% في مقاطعة أبونزال روديس، وهو الأمر الذي يعد مفاجأة كبيرة بالنسبة للطبقة السياسية السويسرية التي ذهبت في مجموعها في اتجاه رفض المبادرة. نتائج محيرة وفي تفسيره لنتائج المبادرة قال باشكيم أيسني، الباحث في الشأن الإسلامي بجامعة لوزان، إن: النتيجة محيرة فعلا بالنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي التي سبقتها. وأظهرت آخر نتائج الاستطلاعات التي أجريت قبل يوم الاستفتاء أن 53% من السويسريين سيرفضون المبادرة فيما سيقبلها حوالي 37%. وأضاف إيسني: انتصار اليمين المتطرف في جمع كل هذه الأصوات في نظري يعود إلى كونه حول وجهة النقاش والجدل من مجرد جدل حول المآذن إلى مشكلة الإسلام والمسلمين، ونقل الصور التي تجري في العالم الإسلامي وصور الإرهاب إلى مخيلة الرأي العام السويسري. وخلص الخبير السويسري إلى أن نتائج الاستفتاء وانتصار مبادرة اليمين المتطرف فتحت الباب لأول مرة لتسييس الإسلام السويسري، وجعلت من رموز الإسلام الثقافية مثل المآذن قضية سياسية. وتسود الحيرة الطبقة السياسية السويسرية التي عبرت عن إحساسها بالمفاجأة، فيما ذهب حزب الخضر السويسري إلى أنه سيلجأ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أجل دفع سويسرا إلى مراجعة هذا الخيار الذي يناقض مبدأ الحرية الدينية، جاء ذلك في الوقت الذي اعتبر فيه والتر ميلر، كبير أساقفة سويسرا، قبول المبادرة يمثل عقبة أمام الحوار بين الأديان. وتدعو المبادرة، التي أطلقها سياسيون ينتمون إلى حزبي الشعب السويسري (يمين متشدد) والاتحاد الديمقراطي الفيدرالي (يمين مسيحي)، إلى إضافة بند في الدستور الفيدرالي ينص على أن بناء المآذن محظور. ورفضت كل من الحكومة والبرلمان السويسريين المبادرة باعتبارها انتهاكا للدستور السويسري والحرية الدينية والتسامح المرتبط في الذهن بهذا البلد، كما أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه. وهناك حوالي 400 آلاف مسلم في سويسرا، أغلبهم من يوغسلافيا السابقة وتركيا، والإسلام هو أكثر الديانات انتشارا في البلاد بعد المسيحية، لكن رغم وجود أماكن للصلاة فإن المساجد ذات المآذن قليلة جدا ومتباعدة، ولا يوجد سوى أربعة مساجد في سويسرا كلها بها مآذن، وفي السنوات الأخيرة قوبلت كل طلبات بناء المآذن بالرفض.