يعرف مغرب السبعينيات والثمانينيات «سيردان» كفضاء ترفيهي في البيضاء، إلا أن جيل الثلاثينيات والأربعينيات يعرفون أن هذا الاسم يختزن مسارا طويلا من النجومية والبطولية على حلبة الملاكمة، هو مسار مارسيل سيردان، الذي ظل المغاربة يرون فيه الملاكم «المغربي»، رغم جنسيته الفرنسية، وكل نجاح لهذا الفرنسي، الذي كان مقيما في المغرب، كان يعني نجاح المغاربة. شكلت حياة سيردان مثار نقاش وفضول إعلامي، بالنظر إلى العلاقة الحميمية التي كانت تجمعه بالفنانة الفرنسية الشهيرة إديت بياف. إلا أن نهاية حياته لم تكن لتخلو من الغموض والالتباس. وتعود وفاة الملاكم الفرنسي إلى سنة 1949، أي بعد سنة من فوزه ببطولة العالم، إذ بعدما واجه مارسيل سيردان الملاكم الأمريكي جاك لامورتا، برسم بطولة العالم للوزن المتوسط في الولاياتالمتحدةالأمريكية وخسر النزال بعد انسحابه من الحلبة، إثر إصابته في الكتف، قال لوسائل الإعلام الأمريكية إنه «خسر معركة دون أن يخسر الحرب»، وأضاف أن «المباراة الثأرية التي ستقام بعد شهر في الدارالبيضاء هي التي ستحسم أمر اللقب». كان هذا التصريح، في رأي العديد من متتبعين مسار هذا «الأسطورة»، «مهيّجا»، على اعتبار أنه يحقر الأمريكيين، لاسيما أنه توعد بجعل الدارالبيضاء «قبرا» لمنافسه... يومين بعد ذلك، امتطى سيردان الطائرة عائدا إلى المغرب، وفوق صخرة جبل طارق، تحطمت الطائرة ومات كل ركابها وطاقمها التقني. وقد بلغ عدد الموتى عند سفح الصخرة الصامدة حوالي 44 شخصا كانوا يتجهون صوب الدارالبيضاء. اعتبر البعض هذه الوفاة غير عادية، إذ ألمحت العديد من الكتابات التي تابعت حادث طائرة الملاكم العالمي إلى محاولة اغتيال الفرنسي ونقل التتويج إلى الأمريكيين... وتواصل «مسلسل» التشكيك، حينما بدأ يطرح السؤال حول تراجع مدربه الخاص روب وبعض الشخصيات الأمريكية في آخر لحظة عن السفر على متن نفس الطائرة وتأكيد الصحافة الأمريكية أن المباراة الفاصلة في الدارالبيضاء لن تجرى. جعلت كل هذه المعطيات -في رأي العديد من المهتمين- محبي الملاكم الفرنسي يرجّحون فرضية اغتيال مارسيل سيردان، الذي دُفن في المغرب، قبل أن تنقل رفاته إلى فرنسا، بقرار من الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وعن أسرار وفاة والده، قال روني سيردان، في حوار مع جريدة وطنية قبل أشهر: « لم يقبل والدي الهزيمة أمام خصمه الأمريكي الملاكم جاك لامونتاني، وكانت المراهنة كبيرة عن مباريات الملاكمة. ويبدو أن هناك تلاعبا وتمت المواجهة في أمريكا في ظروف «مشبوهة». وفي مواجهة الثأر، سقطت الطائرة التي كانت تقله في اتجاه أمريكا، وكان ذلك يوم 29 أكتوبر 1949. كان مارسيل سيردان يتوعد خصمه ومنافسه الأمريكي ويقول إنه لن يهزمه في المباراة بل «سيقتله»، ثم يعود ليستقر في ضيعته في منطقة سيدي معروف في الدارالبيضاء... مات سيردان، دون أن يحقق هذا الحلم. ونتمنى أن نقيم الذكرى ال72 لوفاته. «من المفارقات العجيبة في حياة هذا الملاكم العالمي أن صديقه الحميم، الملاكم المغربي عباس حنين، ظل بعد وفاة مارسيل يبكي فراقه بحرقة، إلى أن استيقظ سكان شارع 11 يناير، ذات يوم، على مشهد جثة رجل مات من شدة ألم الفراق، على بعد مترين من حانة مارسيل سيردان. وبعد لحظات فقط، تبيَّن أن الميت هو رفيقه «عباس»، الشهير في أوساط الملاكمة بلقب «الكريك»، يقول صحافي مغربي.