جارف هذا الحب الذي يستطيع أن يدمر الحياة بأكملها، هو حب العملاقة إديت بياف بالملاكم الفرنسي مارسيل سيردان، علاقة قوية لم تستطع إلا يد الموت أن تفرقهما، فصدحت أغانيها ببعدها التراجيدي وصخبه، وتلك النزعة الحادة إلى قول المشاعر بقسوتها وفجائعيتها، بياف تلك المرأة الحزينة، رأيناها في عرض «بضاض» أو الحب في الإتجاه المعاكس لفرقة تياتركوم، بفستانها الأسود وقامتها القصيرة. تحكي عن آلامها، بلغة سهلة مغربية، تفاصيل دقيقة داخل جو مليء بالتناقضات الذاتية، بين سينوغرافيا عارية وبسيطة إلا من طاولة وكراسي وحياة مكتئبة ويائسة الذي جسدت شخصيتها الممثلة الطالبة «سلمى لكروني» بجمالية عالية. نشير إلى أن قصة المسرحية مقتبسة عن حياة المغنية إيديت بياف وأن جان كوكتو نفسه الذي كان صديقا مقربا من بياف كتب هذه المونودراما خصيصا لها، وتحكي عن امرأة تضحي بنفسها وحياتها من أجل إنقاذ حبهما على الرغم من خيانة الزوج لها. إلا أن العرض اختلف نسبيا حسب الإعداد والاخراج للفنان عبدو جلال، وزاغ عن أصل القصة وحاول ربطها بالواقع المغربي، وخلق قصة تدور حول امرأة تكسر فضاء مسرح صغير (مركز تواصل الثقافات ) بحضورها المشحون بالمعاناة النفسية، وتحاول خلق فضائها الغير متسع لحبها الكبير، لكنها عاجزة عن ترجمته، في قلبها عشق لا يظهر منه إلا الجسد والصمت، تراها تنتقل بين الزوايا الضيقة للمسرح وتعبر عن شوقها وعواطفها الجياشة، لكنها تخفي هذا الفيض من العواطف، لينفضح في حديثها عبر الهاتف ، تخاف عليه إلى حد الهذيان، وتلوم نفسها بكل حدث كان أو لم يكن، لكن الطرف الآخر رغم حضوره، ورغم خطابها المباشر معه، يبقى صامتا وغير معني بأي كلمة تقولها، ليعلن في النهاية هروبه نحو الخارج رغم توفر جميع الشروط لعلاقة حب بين شخصين يعيشان معا، هذا الهروب يجعلها تلوم نفسها بقسوة، لتنهار، وربما قاد إحساسها بالفقدان إلى الوقوع على حافة الجنون.