عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    طنجة : الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    حرائق لوس أنجلوس .. الأكثر تدميرا والأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا (فيديو)    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    توقيف شخصين في مراكش بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق السيارات    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    الملك محمد السادس يوجه برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنان الراحل محمد بن عبد السلام    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    أحوال الطقس يوم السبت.. أجواء باردة وصقيع بمرتفعات الريف    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    من هو جوزيف عون الرئيس الجديد للبنان؟    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    ملفات ساخنة لعام 2025    تحذير رسمي من "الإعلانات المضللة" المتعلقة بمطارات المغرب    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بواتييه».. حقيقة المعركة الأسطورية التي شهدت اندحار جيوش المسلمين
كتاب «عبد الرحمن ضد شارل مارتل..» يعيد قراءة واقعة الحرب بين المسلمين والصليبيين
نشر في المساء يوم 04 - 10 - 2010

كانت معركة بواتييه، أو ما يعرف في كتب التاريخ العربي الإسلامي باسم «معركة بلاط الشهداء» والتي وقعت في العاشر من أكتوبر 732 م، بمثابة صعقة كهربائية أوقفت المد الإسلامي
في اتجاه أوروبا، محدثة قطيعة بين زمنين: زمن الفتح وزمن الانتكاس. وتبقى هذه الهزيمة إلى جانب طرد المسلمين من الأندلس على يد جيوش إيزابيلا الكاثوليكية من الصدمات العظمى في التاريخ العربي-الإسلامي. وكان الوقع الرمزي لهذه المعركة أكثر فداحة من وقعها العسكري، إذ اتكأت عليها أدبيات التاريخ الإفرنجي والمسيحي، ولاحقا متطرفو أحزاب اليمين، لإعادة إنتاج الخطاب الصليبي وتوصيف المسلمين بنعوت وخصال دونية ودنيئة. وإلى اليوم لا يزال هذا الخطاب في التوجه البيداغوجي للكتب المدرسية ولمادة التاريخ على وجه التحديد، خصيبا، بحيث يقدم شارل مارتل، كمنقذ لأوروبا من «ظلام وظلال الإسلام».
منذ شاتوبريان ترسخت في المخيل الفرنسي، بل الأوروبي، الفكرة القائلة بأن الفوز الذي أحرزه شارل مارتل أنقذ فرنسا من «الخطر الإسلامي». ونجد اليوم تبعات هذا السلوك في التصرفات العنصرية اليومية. كما جعلت حركات اليمين المتطرف من شخصية شارل مارتل نبراسا لسياستها الإقصائية المعادية للأجانب.
في موضوع معركة بواتييه، صدرت العديد من الأبحاث والدراسات، وبالأخص من الجانب الغربي، فيما اكتفى المؤرخون العرب والمسلمون بترديد أشغال وأبحاث هؤلاء. في كتاب «عبد الرحمن في مجابهة شارل مارتل. القصة الحقيقية لمعركة بواتييه»، الصادر عن منشورات بيران في 302 صفحة، يفكك الصحافي والكاتب صلاح غمريش أسطورة أخذت بعدا وطنيا، إذ كانت الغاية منها التخويف والترهيب. كما يكشف الباحث بأن هذه المعركة لم تفرغ وسط فرنسا وجنوبها نهائيا من المسلمين، بل على العكس تجذر العديد منهم في تربتها ومجالها الجغرافي. يتقدم الكتاب هنا على شكل تحقيق يحذوه طموح إلى إعادة قراءة هذه الواقعة من منظور جديد اعتمادا على معطيات جديدة تلقي الضوء على شخصية شارل مارتل الأسطورية وعلى الشروط الموضوعية والتاريخية التي قادت إلى اندحار الجيوش الإسلامية.
جريمة في ماستريخت
بدأت الحكاية في إحدى الأماسي من عام 705 لما أقام بيبان ديرستال (ولد حوالي 645 وتوفي عام 715)، وكان يشغل منصب عمدة قصر أوسترازيا، حفل عشاء. كان محاطا بزوجتيه بليكترود وألباييد، والدة شارل مارتل، التي قدمت دائما داخل القصر والحاشية كعشيقة للعمدة، فيما كانت في الحقيقة زوجته الثانية والشرعية، تبعا لتقاليد الإفرنج آنذاك. غير أن الكنيسة نظرت إليها دائما كامرأة غير شرعية. أثناء حفل العشاء أخذ القسيس لامبير، قسيس ماستريخت، مكانه بين شارل مارتل وغريموالد ابن بليكترود، الزوجة الأولى لبيبان. كان القسيس لامبير شخصية نافذة. كما كان معروفا بعدائه الصريح للعلاقات الزوجية اللاشرعية وغير الرسمية، التي كانت تعرف في عرف الغاليين الرومانيين ب«المغامرة». قبل الشروع في الأكل، رفع لامبير كأسه لمباركة كؤوس الحاضرين إلا كأس الزوجة الثانية للعمدة. شعر هذا الأخير بالإهانة. ولما طلب العمدة من القسيس تقديم اعتذار على الإهانة التي ألحقها بزوجته، أجابه القسيس: «أشعر بألم بالغ لما أعلم بأنها لا زالت تحت رعايتك على الرغم من اللوم والتوبيخ. خشيتي أن ينزل عليك عقاب الخالق إن لم تراجع تصرفك». خلف تصرف القسيس لامبير في أوساط الحاضرين، وخاصة لدى العمدة، استياء بالغا، خصوصا أن هذا الأخير وفر له الدعم والحماية بعد أن طلب خصومه رأسه في البلاط وفي الكنيسة. شعر العمدة بأن الشخص الذي كان من المفروض أن يرد له الجميل، شرع في تهديده أمام المدعوين. وبعد أيام على الحادث، طالت يد غريبة القسيس حيث عثر عليه مممرغا في دمه. من كان الجاني أو الجناة؟ على أي، وجهت أصابع الاتهام لأخ ألباييد، الزوجة الثانية للعمدة ووالدة شارل مارتل. وبعد شيوع الخبر، طلق العمدة زوجته الثانية التي اختلت في دير للراهبات، كان العمدة قد بناه بأبرشية مدينة نامور. وبقيت ألباييد بالدير إلى أن توفيت ودفنت به.
يشير صلاح غمريش إلى أن أبحاثا جديدة أماطت اللثام عن مقترف الجريمة التي أصبحت تعرف ب«جريمة ماستريخت»، وكان هو داغوبير الثاني، خليفة شيلديريك، والمعروف بعدائه للكنيسة وممثليها. وبما أن لامبير كان من الدعاة المتشددين والمتزمتين للتبشبرية، فقد أباح دمه. ويبقى المستهدف من وراء تصفيته هو الكنيسة بسلطاتها المادية والمعنوية وباحتكارها للممتلكات. «لكن لم هذه «اللفة» عبر ماستريخت؟ يتساءل صلاح غمريش. قد تكون في الأمر التفاتة لأوروبا وللوحدة الأوروبية. إن هذه الواقعة تلقي الضوء وبوجه أخص على دور ووظيفة رجالات الكنيسة ضمن السياسة الجديدة التي سلكها آل بيبان، وهم الكارولانجيون الجدد، (الكارولنجيون سلالة ملوك «فرنجة» حكموا أوروبا من عام 750 حتى القرن العاشر. يسمون أيضاً البيبنيون نسبة إلى «بيبين الأول»). من بيبان ديرستال إلى شارلمان، مرورا بشارل مارتل، ستتيح هذه السياسة لأصحاب البلاط إعادة النظر في التوازن بين الديني والدنيوي مع ترجيح كفة الثاني.
شارل مارتل.. رجل سيء السمعة
«لم يعرض هذا اللقيط جرأته إلا لإيذاء كنائس المسيح». تنسب هذه القولة للشاعر والمؤرخ فلودوار (894-966). جابت شهرة شارل مارتل السيئة آفاق أوروبا. من مدينة لياج التي كانت تعرف بتوتغر-ماستريخت (المعقل القديم للحاكم بيبان دهيرستال) إلى مدينة نيم، مرورا بتولوز، ناربون ( المعروفة بنربونة) وتولوز، يبقى شارل مارتل شخصا سيء السمعة، فهو تارة «مطرقة الرب» وتارة «ناهب خيرات الكنيسة». كما ألف في ذمه رجالات الدين من بروتستانت وكاثوليك أهاجي عنيفة. والحق أن يد الرجل كانت بلا رقة. إذ بعد أن فشل في إلحاق الهزيمة بالعرب في عام 739 ، أحرق مدينة نيم عن كاملها في طريق عودته من مدينة نربونة. نصب شارل مارتل على رأس ممتلكات الكنيسة أشخاصا لا ملة لهم ولا دين، أشخاصا أناط بهم مهمة تنفيذ إرادته أمثال ميلون، الذي عينه إكليريكيا ومنحه أبرشيات مدينتي ريمس وتريف، اللتين حافظ عليهما لمدة أربعين عاما. شخص آخر حظي بعناية شارل مارتل هو جيرولد، قسيس مايانس وكان زانيا وسفاحا. ولم يتردد شارل مارتل في دعم النزعات الوثنية. كما لم يتردد في اضطهاد أسقف أورليان. وقد أبدت كنائس رايمس، أوسيز، شالون سير-مارن امتعاضها من تصرفاته، إذ كان لا يتردد في القيام بغزوات وحملات نهب لممتلكات الكنيسة وتوفيرها لصالح رعاته والمقربين منه.
وجد بعض المؤرخين أعذارا لسطوة وتعديات شارل مارتل بحجة إعداده وتأهيله لجيش قادر على احتواء الأعداء، وخاصة ما أسموه «الأمة الإسماعيلية الوخيمة» المستقرة بالجنوب. ونزع الأراضي والممتلكات من الكنيسة يدخل في هذا النطاق.
مطرقة الرب
«اللقيط» ذاك هو «اللقب» الذي أطلقه أسقف ماستريخت على شارل. وحسب الأسطورة، فإن اسم الرجل الذي هزم العرب يتأتى من فعل مطرق، دك. والسبب في تسميته بهذا الاسم (الدقاق، الدكاك)، «دكه لخصومه في ميدان المعارك». غير أن هذا التفسير فيه الكثير من التمويه. أما في الأسطورة الجيرمانية، فإن مارتل هو إله الرعد وآلة الحرب التي يستعملها هي المطرقة.
شارل مارتل ينقل معاركه نحو الجنوب
نجح شارل مارتل في القضاء على خصومه الجهويين، سواء في منطقة أوسترازيا أو في جهة نوستري أو في بافاريا والساكس. ولم يشعر شارل مارتل بأي قلق لما استولى المسلمون على نربونة عام 719 ثم كركاسون ونيم عام 725 . وبعد عودته من إحدى الغزوات في بلاد الساكس تناهى إلى علمه خبر رهيب مفاده أن الحاكم أودو، الذي نازل المسلمين سابقا في إحدى المعارك، وافق على زواج ابنته من حاكم نربونة، وهو بربري مسلم يدعى مانوزا. في نظر مارتل يتأتى مصدر الخطر في هذا الزواج من الحلف السياسي المحتمل عقده بين أودو والمسلمين. لذا قام بهجومات أحرق فيها العديد من أراضي الدوق أودو، الذي سيتحالف معه فيما بعد لدحر الجيوش الإسلامية.
في ظرف 20 سنة استطاع الإسلام أن ينصب رايته على ما كان يسمى ب«إفريقيا البربرية»، إسبانيا الفيزيغوتية و منطقة سبتمانيا: أربونة، آجده، ماغيولون ونييمس، قبل أن يغامروا في اتجاه الجورا عبر سهول الرون. وقد ساعد الانحلال الداخلي، الذي كانت عليه هذه الدول على تطويعها. وبعد الغزوات التي قام بها السمح بن مالك، الذي قتل في معركة طولوشة ( تولوز) على يد جنود أودو، خلفه القائد عبد الرحمن الغافقي، الذي نجح في جمع شمل ما تبقى من المسلمين ليقودهم إلى نربونة. خلفت هذه المعركة أصداء مدوية في مجموع منطقة أقطانيا (الأكيتان)، إذ تحدثت الأوساط الشعبية الإفرنجية عن معجزة، كما ضخمت حوليات التاريخ من أعداد الضحايا في صفوف المسلمين. وصل الخبر إلى روما ولم يتردد الدوق أودو بدوره في تضخيم ضحايا المسلمين في الرسالة التي بعث بها إلى البابا غريغوار الثاني، الشيء الذي أثار سخرية شارل مارتل، الذي نعت أودو ب«الغاسكوني الثرثار». وكانت فرصة خطبة ابنة الدوق أودون، الذي عقد صلحا مع المسلمين، سانحة لكي يبعث شارل مارتل جيشا عرمرما إلى منطقة الأكيتان لإخضاعها بالسيف والنار. أما في وسط المسلمين فقد تعالت صيحات التنديد بالخطبة التي ضربها الحاكم البربري مع ابنة الدوق.

عبد الرحمان الغافقي سيد قرطبة
عام 722 م، بعد سنة على هزيمتهم تحت جدران طولوشة ( تولوز)، تعرض المسلمون لهزيمة جديدة أشد وقعا من الأولى في موقعة كوفالونغا بأستوريا (إسبانيا). لكن بعد سنتين على هذه الهزيمة استولى عنبسة بن سحيم الكلبي على ساردينيا، كورسيكا، جزر الباليار، كركاسون، نيم، قبل أن يصل إلى أبواب أوتون التي أحرقها عن آخرها، فيما استسلمت مدينة سانس من دون معركة. وهو في طريق العودة محاذيا نهر الرون، أصابته نبلة أردته قتيلا. في هذه الأثناء كان شارل مارتل في طور حسمه معركة بافاريا، وكان ذلك عام 730 حيث هزم ألمانيا والصوابيا. في نفس السنة دخل المسلمون أفينيون. وما بين 725 و 730 تعاقب على حكم قرطبة ما لا يقل عن ستة أمراء، سابعهم عبد الرحمن الغافقي، الذي ورث بلاد الأندلس وكانت فريسة تتآكلها الصراعات الطائفية والانحلال الأخلاقي. في البداية قضى ما لا يزيد عن سنتين يجوب البلاد، ينصت إلى مطالب ومظالم الشعب، مسلمين، يهودا ومسيحيين، الشيء الذي هدّأ نسبيا روع مخاطبيه. غير أن البربر لم يكونوا راضين عن سياسته نظرا للجور الذي لحق بهم، حيث خصصت لهم أراضٍ عديمة القيمة، كما أن بعضهم كان مجبرا على أداء «ذمة الحماية» أو ما يسمى بالجزية التي كانت مفروضة فقط على اليهود والمسيحيين.
بقي الأمير عبد الرحمن بدويا وفيا للقيم الأصلية التي سنها الرسول والصحابة. كان رجلا ورعا وحريصا على تصحيح المظالم التي ارتكبها الهيثم، الحاكم السابق، إذ فصل الحكام والقواد المرتشين، و كان من بين الحكام الذين عمروا طويلا. كان حلمه هو الدفع بالفتح الإسلامي في اتجاه الشمال مع خلق كيان جغرافي يجمع بلاد الأندلس ببلاد الإفرنج تحت إمارة المسلمين. لكنه اصطدم بنفس الطموح الإمبريالي عند شارل مارتل، الذي كان الجنوب بالنسبة له، تحت سيادة المسلمين، جيبا للمقاومة يجب إخضاعه. وقد وفر لذلك كل السبل الحربية والبشرية. ولاندحار المسلمين في هذه الواقعة أسباب داخلية وخارجية: هناك الفوارق والتمايزات الإثنية والاجتماعية بين العناصر المؤلفة للجيش الإسلامي، و احتكار العرب للأراضي الخصبة، و ضعف التنظيم العسكري مع غياب استراتيجية حربية محكمة، وتفاقم العداء بين العرب أنفسهم، و تفاقم الحزازات الدينية الخ...
المطلوب اليوم، يشير صلاح غمريش، هو إعادة قراءة هذه الأسطورة التي تحمل اسم «معركة بواتييه»، بتقييم دور الفاعلين التاريخيين الذين انخرطوا في غمارها. إذ أن المادة التي تستند عليها يلفها الكثير من الكذب والاستيهام، وهما عنصران تجندت لهما اليوم، لأغراض عنصرية، عرقية وسياسية، العديد من الأطراف السياسية والدينية. وغالبا ما أخفت كتب التاريخ والكتب المدرسية السبب الحقيقي لهذه الواقعة، الذي يتمحور حول قصة حب انتهت بالزواج بين مسيحية ومسلم، بين ابنة دوق تولوز وحاكم نربونة، والبربري مونوزا. حارب شارل مارتل هذا التلاقح والانصهار بدوافع قومية وبيولوجية حتى لا تختلط الدماء بين الأقوام والشعوب، بل لتسيل بينها تبعا لنقاء الدم الإفرنجي. ألم يفعل هتلر، قرونا فيما بعد، نفس الشيء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.