1 الفتح الإسلامي للأندلس كلما ذكر تاريخ المغرب إلا وارتبط ذكره بالأندلس، إذ إن دخول الإسلام إلى الأندلس جاء عن طريق المغرب والمغاربة. وقد استمر الارتباط بين الأندلس والمغرب طيلة الوجود الإسلامي بها مدا وجزرا، سوءا وحسنا، صعودا وهبوطا، ودخولا وخروجا. وما يزال الارتباط قائما إلى يوم الناس هذا ويؤثر على العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب. ولذلك نعرض ابتداء من هذه الحلقة على القراء جوانب من سيرة المسلمين في الأندلس والدور المغربي والمشرقي فيها. وذلك من خلال هذا البحث المأخوذ عن موقع الأندلس. امتطى أبو عبدالله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر الحمراء الشهير في يوم بارد من ايام فبراير 1492م. علت وجه أبي عبدالله سحابة كثيرة من الحزن وخيم على الركب الصغير صمت طويل ينبئ عما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد. سار ابو عبدالله تتبعه امه وبعض من اهله وصحبه في ذلك الطريق الملتوي الطويل الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الابد. كانت الشمس قد آذنت بالغروب واخذت تعكس باشعتها الذهبية على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة فتضفي عليه سحراً وجاذبية. توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع اخيرة على مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير.. تسارعت في ذهن أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الفناء الواسعة كان ابو عبدالله يعرف ان تلك الوقفة سوف تكون الاخيرة وان تلك النظرة ستكون النهائية اذ ليس يأمل ابداً بأن يرى مدينته المحبوبة ثانية، تمنى ابو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع ان يملأ عينيه بتلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على عينيه وإذا بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً ان يخفيه عن نظرات امه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب. إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال نسيت عائشة الأم أنها كانت سبباً هاماً لسقوط غرناطة آخر معقل للإسلام في الديار الأندلسية بسبب غيرتها وتسلطها على ولدها أبي عبدالله وأحابيل مكرها التي كانت تنسج شباكه في غرف القصر وصالاته. وهكذا غادر أبو عبدالله آخر سلاطين بني الأحمر غرناطة تاركاً أهلها المسلمين لرحمة الإسبان الذين لم تعرف الرحمة يوماً إلى قلوبهم سبيلاً، ولتبدأ مرحلة بائسة طويلة مليئة بالاحزان والدموع، متسربلة بالدماء.. وليسدل الستار أخيراً على الإسلام في الأندلس بعد بضعة قرون من السنين. كان رحيل أبي عبدالله آخر ملوك بني الأحمر بداية النهاية للحكم الإسلامي في تلك البقاع كما سنرى. فتح الأندلس كانت شبه الجزيرة الإيبرية (اسبانيا) تحت حكم الملوك القوط الذين هاجروا إليها من داخل أوروبا. وقد عانى الإسبان كثيرا من ظلمهم وسوء إدارتهم وقد كانوا يتحينون الفرص للتخلص منهم. حانت الفرصة عندما جاء ملك القوط لذريق إلى الحكم بعد أن اغتصب الحكم من الملك الشرعي واغتياله. فقد طلب بعض الإسبان النجدة من موسى بن نصير الذي أرسل قائداً شاباً مع جيش صغير من المسلمين. كان هذا القائد هو طارق بن زياد الذي وطأت قدماه هو وجيشه أرض الأندلس في شهر رجب 92 ه 711م، عند المضيق المسمى باسمه لهذا اليوم (جبل طارق). استطاع المسلمون من هزيمة لذريق وقتله وتشتيت جيشه بصورة تامة وبهذا بدأ الفتح الاسلامي لهذه البلاد وبدأ حقبة جديدة في تاريخ إسبانيا. لقد قابل الإسبان دخول الجيش الاسلامي بارتياح وترحيب ظاهرين إذ هم لاقوا الأمرين من ظلم وتعسف ملوك القوط السابقين.. ولم تمض فترة قصيرة إلاّ وكان المسلمون يسيطرون على معظم البلاد الاسبانية واخترقوا جبال البايرينز إلى جنوبفرنسا إلاّ أنهم خسروا معركة بلاط الشهداء مع شارل مارتل ملك الافرنج. وبهذا توقف الزحف الاسلامي إلى قلب أوروبا بسبب فتنة عمياء لاقتسام الغنائم بين العرب والبربر حيث قتل في تلك المعركة القائد المسلم عبدالرحمن الغافقي عندما اضطرب الجيش الاسلامي وتقهقر أمام ضربات الافرنج الذين استعادوا الهجوم واستغلوا الفرصة أحسن استغلال. لم تكن سيطرة المسلمين على إسبانيا كاملة تماماً، إذ بقيت جيوب صغيرة للإسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجوم والتخريب. لم يدر في خلد المسلمين الفاتحين أن هذه الجيوب الصغيرة سوف تكون نواة لممالك الإسبان مستقبلاً لينطلقوا منها في التهام ممالك الإسلام في إسبانيا الواحدة تلو الأخرى عندما ضعف المسلمون. ولم يكن طموح الإسبان لينتهي إلاّ بطرد المسلمين بصورة نهائية كما سوف نرى. على مرّ السنين دخل الكثير من الإسبان في الإسلام وكثر التزاوج بين الفاتحين والإسبان بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عروقهم دماء إسبانية اضافة إلى الدماء العربية والبربرية. وقد ارتقى الكثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسي الذي اعتنق جده الإسلام. لقد نشأت تركيبة اجتماعية وعرقية خاصة في الاندلس كانت سبباً في نشوء الفتن والاضطرابات التي كانت تؤججها سوء الإدارة أحيانا. فكان هناك العرب والبربر والإسبان، والعرب انقسموا بدورهم إلى قيسية ويمانية، مع ما رافقها من فتن كبيرة وكان هناك البربر والتنافس التقليدين بينهم وبين العرب وكان الإسبان بقسميهم المسلم والمسيحي إضافة إلى المهجنين. وكانت هذه التركيبة العرقية والاجتماعية نواة فيما بعد لممالك الطوائف المتناحرة والتي انتهت بفنائها جميعاً كما سنرى. حسن صابر