أشعلت الزيارة المرتقبة، لملك إسبانيا خوان كارلوس يومي الخامس والسادس مننونبر الجاري، إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، حربا دبلوماسية بين الجارين المغرب وإسبانيا. فهذه هي المرة الأولى منذ استقلال المغرب عام 1956 التي يتجرأ فيها ملك إسباني على زيارة المدينتين، وكان هول المفاجأة كبيرا لدى المغاربة، فقبل يوم واحد من الإعلان الرسمي للزيارة، كان ولي عهد إسبانيا الأمير فيليبي، برفقة زوجته، ووزير خارجيته موراتينوس، قد دشنوا في مدينة مراكش المركز الثقافي الإسباني "سرفانتيس"، وحضر حفل الافتتاح الأمير مولاي رشيد، الأخ الشقيق للملك محمد السادس. التدشين تم في جو احتفالي وتحدثت صحف مقربة من القصر عن العلاقة الجيدة بين البلدين. "" الجو المتوتر بين البلدين والذي دفع بالمغرب إلى استدعاء سفيره في مدريد عمر عزيمان بعد إدانة رسمية، يذكرنا بما حدث خلال أزمة جزيرة "ليلى" أيام حكم الحزب الشعبي بقيادة خوسي ماريا أثنار، إذ تدخل الجيش الإسباني وألقى القبض على جنود مغاربة وطردهم بطريقة مهينة، كادت الأمور تتحول إلى حرب لولا تدخل وزير خارجية أميركا آنذاك كولين باول الصارم. للمغرب وإسبانيا تاريخ طويل من العداوة، ويبقى عنوانه الأبرز استمرار احتلال الإسبانيين لمدينتي سبتة ومليلية. وتعود أولى المواجهات إلى القرن الهجري الأول، إذ دخل المسلمون إلى الجنوب الإسباني بقيادة طارق بن زياد، ليتحكم المسلمون، بعدها، في الجزيرة الإيبيرية لمدة ثمانية قرون، وحدثت معارك ضارية أيام المرابطين والموحدين والسعديين (معارك الأرك الزلاقة ووادي المخازن). وخلال القرن الخامس عشر أسفرت "حروب الاسترداد" على فقدان المسلمين لما أضحى يحمل "الفردوس المفقود"، وبدأت القوات الإسبانية حروبا ضد المغرب نتج منها احتلال ثغور كثيرة في الصويرة والجديدة، وخلال تلك الفترة سقطت مدينتا سبتة ومليلية. وفي القرن التاسع عشر ألحقت القوات الإسبانية هزيمة قاسية بالجيش المغربي في معركة "تطوان" 1860، وكانت كبوة للمغاربة ومسا كبيرا لكبرياء الجيش المغربي، تلته هزيمة أخرى أطلق عليها سيدي ورياش بمحاذاة مليلية عام 1893، وبداية القرن العشرين وقعت حرب الريف الأولى بقيادة محمد أمزيان (1909-1912م)، وحرب الريف التحريرية بزعامة البطل التاريخي محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926م) وحدثت المعركة الشهيرة التي انهزم فيها الجيش الإسباني، وهي معركة "أنوال"، ما دفع بالإسبانيين إلى طلب دعم الفرنسيين لدحض جيش عبد الكريم الخطابي. وفقد المغاربة مدينة سبتة التي كانت إحدى القلاع المحصنة، في العام 1415، ولم يمر أقل من قرن حتى احتلت المدينة الثانية مليلية (في العام 1497)، وتزامن هذا الاحتلال مع خروج آخر المسلمين من غرناطة. تبلغ مساحة سبتةالمحتلة 28 كلم مربع، وهي قريبة من مدينة تطوان في الشمال المغربي. وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الإسبانيين على المدينتين، تدعمها في ذلك معطيات موضوعية، فهذه الأرض كانت على الدوام تصدر النخبة العالمة إلى المغرب، خاصة مدينة سبتة، وأصل غالبية سكان المدينة حاليا، أمازيغ أو عرب، يدينون بالإسلام. عندما أعلن الملك محمد السادس عن إنشاء ميناء "طنجة المتوسط" على البحر الأبيض المتوسط، فقد كان يرغب في القضاء على التهريب الذي ينشط بكثرة في مدينتي سبتة ومليلية، فالمدينة الأولى تقع غير بعيد عن الميناء الجديد. قبل أن يحكم سبتة المسلمون، كانت خاضعة للحكم الروماني، بعد ثمانية قرون احتلها الوندال، وجاء بعدهم البيزنطيون، ولما فتح المسلمون بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، تحولت سبتة إلى قلعة "للجهاد"، ومنها قاد طريف بن مالك في العام 91 هجرية أول سرية إسلامية إلى الأندلس. حظيت المدينة بحظوة كبيرة زمن المرابطين ومن تلاه من الأسر الحاكمة في المغرب، وفي العام 1415 أحرق الأسطول البرتغالي مساجد سبتة وحولها إلى كنائس، وأحرقت كتب من كانت تعتبر أهم مراكز الحركة العلمية في السواحل المغربية. وينقل المؤرخ محمد بن القاسم الأنصاري السبتي، في هذا السياق أن المدينة شملت 1000 مسجد، 62 خزانة علمية، 47 رباط وزاوية، 22 حماماً، 174 سوقًا، 24000 حانوت، 360 فندقا، 360 فرناً. أما مدينة مليلية فتقع قرب مدينة الناظور المغربية، احتلت منذ 1497 ، تقع شمال شرق المغرب، تبلغ مساحتها 12 كلم مربع، ويأخذ جانبها المحاذي للبحر شكل قوس نصف دائري طوله 3،9 كلم، تبعد عن مدينة الناظور بعشر كيلومترات، وتقدر حدودها فتقدر ب10 كلم. كما الحال بالنسبة إلى سبتة، شهدت مليلية مرور الفينيقيين والقرطاجيين والرومان، وتنسب إلى "مليل" أمير بني يفران الذي أسسها عام 92 هجرية، يسميها البرابرة تامليلت أي البيضاء، وأطلق عليها المؤرخون القدماء اسم مليلة. هذه الأزمة الدبلوماسية بين الجارتين، قد تكون في صالح المغرب، إذ سيعاد طرح ملفهما بشكل علني. لقد تحولت القضية إلى قضية رأي عام في المغرب. لكن هذه الزيارة قد تؤثر بشكل سلبيفي العلاقات الوطيدة جدا بين الملك خوان كارلوس والملك محمد السادس.