تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الحمراء وطرد المسلمين من الأندلس
نشر في التجديد يوم 16 - 06 - 2005

لعل في النص التاريخي الحالي أكثر من رسالة للمسلمين ممن يعيشون في الزمان، وخاصة منهم من وضعوا أنفسهم في موضع المشتغلين لرفع رايته، أولاها أن مخاطر استهداف هوية الأمة ليست بأوهام أو أحلام ستتحطم على صخرة الواقع، كما يحلو للبعض أن يردد، فالسابقة الأندلسية يوم طرد المسلمون من الأندلس في نهاية القرن الخامس العشر، بعد أن عمروا زهاء ثمانية قرون، هي حافز.
وحري بنا اليوم أن نتأمل مليا في قصة ذلك الطرد وما رافقه من حملات استئصال وتنصير ومحاكم تفتيش، ولعلنا إذا عدنا لقرنين قبل ذلك الحدث المشؤوم لما كان من المتصور أن يطرد فيه المسلمون بذلك الشكل، وثانيها أن قضية الإسلام كما يبرز من النص كانت هي المحور في الصراع، وحتى عندما اشترط من تبقى من المسلمين بضع شروط يحفظون بها دينهم، سرعان ما انقلب عليها الإسبان، وقاموا بتصفيتها الواحدة تلو الأخرى، وفي ذلك رسالة ثانية، فالوجود العسكري والاقتصادي والسياسي لا يساوي شيئا، إذا لم يعزز ويمتن ويسيج بوجود ديني وعقدي وثقافي يعطي لأشكال الوجود الأخرى بعدا حضاريا، وها تنبيه للمسلمين اليوم، ممن يختزلون قضايا الصراع في قضايا جزئية معيشية أو يعتبرون قضية الإسلام قضية ثانية، وربما في بعض الحالات قضية ثانوية، فقضية الإسلام اليوم كما هي في الأمس، لا تقل خطورة عن غيرها من القضايا، بل في أحيان كثيرة تسبقها وبدونها لا يتصور أي حل حقيقي لغيرها من القضايا، وغياب هذا البعد المنهجي في التحليل والتعاطي مع قضايا الراهن يؤدي لأخطاء فادحة لا تقل بالمقياس الحضاري عن نتيجة الطرد الجماعي للمسلمين من الأندلس.
وفي ثاني ربيع الأول من السنة، أعني سنة سبع وتسعين وثمانمائة (2 ربيع 2/ 897/ 12 فبراير1491) (1). استولى النصارى على الحمراء ودخلوها (2) بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهنا خوف الغدر. وكانت الشروط سبعة وستين شرطا (3) منها تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، ومنها إقامة شريعتهم على ما كانت، ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعته وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وألا يدخل النصارى دار مسلم ولا يغصبوا أحدا، وألا يولى على المسلمين نصراني أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم، وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة حيث كان، وخصوا أعيانا نص عليهم، ومن هرب من أسارى المسلمين ودخل غرناطة لا سبيل عليه لمالكه ولا لغيره، والسلطان يدفع ثمنه لمالكه، ومن أراد الجواز إلى العدوة لا يمنع، ويجوزون في مدة عينت في مراكب السلطان لا يلزمهم إلا الكراء، ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم والكراء، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يجبر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم، وإن من تنصر من المسلمين يوقف أياما حتى يظهر حاله ويحضر له حاكم من المسلمين
وآخر من النصارى، فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد ولا يعاتب على من قتل نصرانيا أيام الحرب ولا يؤخذ منه ما سلب من النصارى أيام العداوة، ولا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى ولا يسفر لجهة من الجهات، ولا يزيدون على المغارم المعتادة وترفع عنهم جميع المظالم والمغارم المحدثة، ولا يطلع نصراني للسور، ولا يتطلع على دور المسلمين ولا يدخل مسجدا من مساجدهم ويسير المسلم في بلاد النصارى آمنا في نفسه وماله ولا يجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل الدجن (4)، ولا يمنع مؤذن ولا صائم ولا مصل ولا غيره من أمور دينه ومن ضحك معهم يعاقب، ويتركون من المغارم سنين معلومة (5)، وأن يوافق على كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده، وأمثال هذا مما تركنا ذكره.
وبعد انبرام ذلك ودخول النصارى للحمراء والمدينة، جعلوا قائدا بالحمراء وحكاما ومقدمين بالبلد. ولما علم بذلك أهل البشرات دخلوا في هذا الصلح وشملهم حكمه على هذا الوجه، ثم أمر العدو ببناء ما يحتاج إليه في الحمراء وتحصينها وتجديد بناء قصورها وإصلاح سورها. وصار الطاغية يختلف إلى الحمراء نهارا ويبيت بمحلته ليلا إلى أن اطمأن من خوف الغدر، فدخل المدينة وتطوف بها، وأحاط خبرا بما يرومه منها.
ثم أمر سلطان المسلمين أن ينتقل لسكنى البشرات وأنها تكون له في سكناه بأنداروش (6)، فانصرف إليها وأخرج الأجناد منها، ثم احتال عدو الله في نفيه لبر العدوة، وأظهر أن السلطان المذكور طلب منه ذلك، ثم كتب لصاحب ألمرية أنه ساعة وصول كتابي هذا لا سبيل لأحد أن يمنع مولاي أبا عبد الله من السفر، حيث أراد من بر العدوة، ومن وقف على هذا الكتاب فليصرفه وليقف معه وفاء بما عهد له.
فانصرف (7) السلطان أبو عبد الله في الحين بنص هذا الكتاب، وركب البحر فنزل بمليلية واستوطن فاس. وكان قبل ذلك قد طلب الجواز لناحية مراكش فلم يسعف بذلك، وحين جوازه ببر العدوة لقي شدة وغلاء وبلاء.
ثم إن النصارى نكثوا العهد ونقضوا الشروط عروة عروة، إلى أن آل الحال لحملهم المسلمين على التنصر سنة أربع وتسعمائة (904 / 1498 1499) بعد أمور وأسباب أعظمها عليهم أنهم قالوا إن القسيسين كتبوا على جميع من أسلم من النصارى أن يرجع قهرا لدينه ففعلوا ذلك وتكلم الناس ولا جهد لهم ولا قوة، ثم تعدوا ذلك إلى أمر آخر، وهو أن يقولوا للرجل المسلم إن جدك كان نصرانيا فأسلم فترجع أنت نصرانيا. ولما تفاحش هذا الأمر قام أهل البيازين (8) على الحكام فقتلوهم. وهذا كان السبب الأعظم في التنصر.
قالوا: لأن الحكم خرج من عند السلطان أن من قام على الحاكم فليس إلا الموت، إلا أن ينتصر فينجو من الموت. وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة (9). وامتنع قوم من التنصر، واعتزلوا النصارى، فلم ينفعهم ذلك (10)، وامتنعت قرى وأماكن كذلك، منها بلفيق (11)، واندرش وغيرهما، فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلا وسبيا، إلا ما كان من جبل بللنقة (12)، فإن الله تعالى أعانهم على عدوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة مات فيها صاحب قرطبة (13)، وأخرجوا على الأمان إلى فاس بعياله وما خف من أمواله دون الذخائر.
ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصر من المسلمين يعبد الله في خفية ويصلي، فشدد النصارى في البحث عنهم حتى أنهم أحرقوا (14) كثيرا منهم بسبب ذلك ومنعوهم من حمل السكين الصغيرة فضلا عن غيرها من الحديد. وقاموا في بعض الجبال على النصارى مرارا، فلم يقيض الله تعالى لهم ناصرا إلى أن كان إخراج النصارى إياهم جملة (15) أعوام سبعة عشر وألف (1017 1608) (16) بعد أن ساكنوهم بغرناطة وأعمالها نحوا من مائة وعشرين سنة كانوا فيها تحت ذمة النصارى كما رأيت. والأمر لله وحده (17).
ولما أجلاهم العدو عن جزيرة الأندلس، خرجت ألوف منهم بفاس وألوف أخر بتلمسان ووهران. وخرج جمهورهم بتونس وتسلط عليهم في الطرقات الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى من الأوباش ونهبوا أموالهم وهذا ببلاد تلمسان وفاس، ونجا القليل من هذه المضرة، وأما الذين خرجوا بنواحي تونس فسلم أكثرهم. وكذلك بتطاوين وسلا وبيجة الجزائر، ولما استخدم سلطان المغرب الأقصى وهو المنصور السعدي منهم عسكرا جرارا (18) وسكنوا سلا، كان منهم من الجهاد في البحر ما هو مشهور وحصنوا قلعة سلا وهي رباط الفتح وبنوا بها القصور والحمامات والدور (19).
قال أبو العباس المقري في نفح الطيب: >وهم الآن يعني في حدود الثلاثين وألف (1030 1620) بهذا الحال ووصل جماعة منهم إلى القسطنطينية العظمى وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام (20)، وانقضى أمر الأندلس، وعادت نصرانية كما كانت أولا، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين (21).
الهوامش:
1 الواقع أن سقوط غرناطة تم على مرحلتين:
الأولى تم فيها توقيع عهد تسليمها إلى النصارى، وذلك في 25 نونبر1491 /21 محرم .897
والثانية كان فيها دخولهم إليها. واستيلاؤهم الفعلي عليها. وذلك في 2 يناير 1492/ 2 ربيع الأول .897 أي لتسع وثلاثين يوما من توقيع عهد التسليم.
2 دخل الجنود القشتاليون مدينة غرناطة من طريق منحرفة من بابها الذي يسمى اليوم لوس مولينوس. وكانت أبهاء الحمراء وأقبيتها قد أخليت استعدادا لهذا اليوم، وما أن دخلوا القصر حتى رفعوا فوق برجه الأعلى وهو المسمى برج المراقبة صليبا فضيا كبيرا، هو الذي كان يحمله الملك فرناندو أثناء حرب غرناطة. كما رفعوا إلى جانبه علم قشتالة وعلم القديس ياقب، وأعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكا للملكين الكاثوليكيين ثم انطلقت فرقة الرهبان ترتل الصلاة.....ولاحول ولا قوة إلا بالله.
3 ذكر المقري في نفح الطيب معظم هذه الشروط (ج 2 ص 1268 ط بولاق)، فليرجع إليها هناك من أراد الوقوف عليها.
4 مصدر دجن، أي أقام بموضع وسكنه... ويقال لهم أيضا المدجنون وهم المسلمون الذين اضطروا إلى المكوث في الوطن الأصلي تحت حكم السادة الجدد: الإسبان ويطلق عليهم بالإسبانية اسم لوس موديخاريس، كان المدجنون بين رعايا ملوك إسبانيا أفضل العناصر وأنشطها وأوفرها تأدية للضرائب، وكانوا الساعد الأيمن للنبلاء في زراعة أراضيهم واستغلالها وكانوا أبرع الأطباء وأمهر المهندسين والبنائين، وكان لهم الفضل في إدخال قصب السكر والقطن والأرز والحرير والتين والبرتقال واللوز، وغير ذلك إلى إسبانيا، وكانوا خبراء في الصناعات الرقيقة كالمنسوجات القطنية والحريرية، والفخار والخزف والجلود، فلم يكن إذ ذاك أشهر من حرير ألميرية وغرناطة، ولا خزف مالقة، ولا أقمشة مورسية، ولا أسلحة طليطلة ولا منتجات قرطبة الجلدية... ومع طول الزمن، انتهوا بالاندماج في المجتمع الإسباني النصراني، على أنهم لبثوا بالرغم من هذا الاندماج، تطبعهم مسحة خاصة تباعد بينهم وبين المجتمع النصراني القديم، ويقال المدجنين لوس موديخاريس والمستعربين لوس موزارابيس أو المعاهدين، والنصارى الذين لقوا بعد فتح الأندلس في الأماكن والمدن الخاضعة لحكم الدولة الإسلامية...
وكانت حالتهم أفضل بكثير من حالة المدجنين، إذ كانوا يتمتعون تحت الحكم الإسلامي باستقلال محلي ويطبقون شعائرهم الدينية، وكانت لهم كنائسهم وقضاؤهم الخاص، كما كانوا أحيانا يتمتعون بنفوذ قوي، ويتخذ منهم الخليفة مستشاريه، ويسند إليهم وظائف سامية في الحكومة والجيش... والموضوع طويل، ليس استيفاؤه من غرضنا...
5 حددت هذه المدة بثلاثة سنين
6 بالإسبانية أندوراكس
7 تذكر الرواية الإسبانية أن أبا عبد الله لما شاهد لآخر مرة غرناطة، وهو ذاهب إلى منفاه، أجهش بالبكاء فصاحت به أمه عائشة: >فلتبك الآن كامرأة ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كرجل<. ويعرف هذا المكان الذي وقع به هذا الحادث حتى يومنا باسم زفرة العربي الأخيرة، يعيّنه هكذا سكان تلك الناحية للسياح.
8 هم سكان حي أوريض البيازين، الواقع في الناحية الغربية لغرناطة، وكان أكبر أحيائها الشعبية وأوفرها عمرانا، وكان يشتمل على معظم الأحياء التجارية ولا سيما حي القيسارية، وفيه كان يقع الجامع الأعظم وعلى أنقاضه قامت كنيسة غرناطة العظمى ومقبرة الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإبزابيلا.
ومن أهل البيازين المشهورين الوزير الكاتب الشاعر محمد بن يوسف، المعروف بابن زمرك. ولما قامت ثورة الموريسكيين سنة 976 ,1568 وقع اختيارها على فتى من أهل البيازين يدعى الدون فرناندو دي كوردوبا أو دي فالور، الذي كان أصله من بني أمية، خلفاء الدولة الإسلامية الأندلسية... ولما توجوه عليهم تسمى باسم محمد بن أمية، صاحب الأندلس وغرناطة (المصدر: عبد الله عنان نهاية الأندلس ص 266 ,267 طبع القاهرة سنة 1368 1949).
9 ذكر محمد عبد الله عنان في كتابه نهاية الأندلس (ص 229)، أن الذي تولى كبر هذا التنصير المفروض بقوة الحديد والنار هو الكاردينال كومينيس وذلك سنة 905 ,1499 وكان من بين الذين نصروا قسرا آل الثغري الذين اشتهروا بالدفاع عن غرناطة وسمي عميدهم: جونزالو فرنانديز تجري، وأخ للسلطان أبي عبد الله، الذي تسمى باسم الدوق خوان دي جرانادا، وخدم قائدا في الجيش القشتالي واشتهر بغيرته في خدمة العرش (هكذا).
10 أصدر الامبراطور كارولو كينتو عام 1562 970 قانونا يحرم على الموريسكيين تعلم اللغة العربية أو التخاطب بها، وارتداء الثياب العربية وإقامة الحفلات الإسلامية، ثم أصدر فيليب الثاني عام 1566 974 قانونا ضد العرب، يمنحهم ثلاث سنوات لتعلم اللغة القشتالية، وأبطل كل عقد يجري تحريره باللغة العربية، وألزم النساء بارتداء القلنسوة وأنزل العقاب بمن لا تذهب إلى الكنيسة منهن ومنع الخضاب بالحناء، والذهاب إلى الحمامات، ولبس الملابس النظيفة يوم الجمعة، وكانت المشانق تعلق للمخالفين.
11 بلفيق: حصن بمدينة ألميرية.
12 بالإسبانية فيلا لونكا
13 هو قائد فردناند الشهير الفونسو دي أجيلار دوق قرطبة، وكان ذلك في مارس 1501 شعبان رمضان 906
14 الذي قام بهذه المهمة البشعة هو ما يعرف بديوان التحقيق بإعانة من البابوية وتحت رعايتها الروحية والمادية. أنشئ أولا بقشتالة سنة 883 ,1478 واتسع نشاطه بسرعة ليشمل سائر أنحاء المملكة الإسبانية (قشتالة وأرجون)، واشتهر محققه العام توماس توركو يامادا بتعصبه وصلابته وقساوته وكانت أعمال ديوان التحقيق تشتمل على محاكمات صورية وتعذيب وحشي وحرق في حفلات ومشاهد رهيبة تقشعر منها الجلود، يحضرها ملك إسبانيا وكبار دولته وكافة رعيته تسمى الأوتو دافي، وقد ذهب ضحية أعماله العديد من الموريسكيين واليهود الأندلسيين. وكما كان يحرق هؤلاء كانت تحرق كتبهم أيضا، واختلف في تقدير عدد الكتب العربية التي ذهبت ضحية هذا التصرف اللاحضاري، فيقدرها بعضهم بمليون كتاب، والبعض الآخر بخمسة آلاف فقط، أما المستشرق كوندي فيقدرها بثمانين ألفا، وربما كان هذا التقدير أقرب إلى الحقيقة. وقد لبثت أعمال ديوان التحقيق الإسباني إزاء الموريسكيين واليهود، على مر العصور والأجيال موضع السخط والنكير، ينعتها المفكرون الغربيون وثلة من الإسبان أنفسهم، حتى يومنا هذا، بأقبح النعوت ويحكمون عليها بأقسى الأحكام.
15 أورد محمد عبد الله عنان في كتابه نهاية الأندلس ص 313 تعليقا للمستشرق الإسباني كوندي في خاتمة تاريخه عن مأساة الموريسكيين رأيت من المستحسن إثباته هنا:
>وهكذا اختفى من الأرض الإسبانية إلى الأبد ذلك الشعب الباسل اليقظ الذكي المستنير الذي أحيا بهمته وجده تلك الأراضي التي أسلمتها كبرياء القوط الخاملة إلى الجدب، فدر عليها الرخاء والفيض، واحتفر لها عديد القنوات، ذلك الشعب الذي أحاطت شجاعته الفياضة في السعود والشدائد معا عرش الخلفاء بسياج من البأس، والذي أقامت عبقريته بالمران والتقدم والدرس في مدنه صرحا خالدا من الأنوار التي كان ضوؤها المنبعث ينير أوروبا، ويبث فيها شغف العلم والعرفان<.
16 تم هذا الإخراج الجماعي بموجب ما يعرف عند الإسبان بمراسيم الطرد التي أصدرها فيليب الثالث في 4 غشت سنة 1609 2 جمادى الثانية .1018 وفي 17 أبريل سنة 1619 20 محرم سنة 1019 وفي 3 دجنبر سنة 1608 ,1018 أعدت العديد من السفن لنقل المطرودين خارج بلادهم (إلا أن يقولوا ربنا الله)، وقد اختلف المؤرخون اختلافا كبيرا في تقدير عددهم، فيقول نافاريتي، وهو من أكبر مؤرخي إسبانيا، إنه قد نفي في مختلف العصور نحو مليونين من اليهود وثلاثة ملايين من الموريسكيين (المتنصرين) ويقدرهم دون أنطونيو لورينيتي، مؤرخ ديوان التحقيق بمائة ألف والمستشرق الألماني فون هامر بثلاثمائة وعشرة آلاف.
وذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرفيع الأندلسي، وهو ممن مسهم قرار النفي الصادر سنة 1610 1019 أن عدد المنفيين نيف وستمائة ألف. وهو أعرف لأنه يخبر عن اطلاع، ذكر هذا محمد بوجندار الرباطي في كتابه مقدمة الفتح ص 214 عن الشيخ المذكور المتوفى سنة 1052 1642 من خاتمة كتابه الانوار النبوية في آباء خير البرية وهو مخطوط عزيز الوجود.
وقد كانت جهود إسبانيا النصرانية في القضاء على الأمة الأندلسية تمثل من بدايتها إلى نهايتها مأساة من أبشع وأشنع مآسي التعصب الديني والسياسي التي عرفها التاريخ المعاصر.
17 يرى البحث والنقد الحديثان أن سياسة الطرد والإبادة التي قامت بها إسبانيا النصرانية ضد مسلمي الأندلس والمحو الجذري لمعتقداتهم وحضارتهم بها عصفت بعظمتها ورخائها. وزجت بها في هاوية التخلف والبؤس طيلة قرون وأجيال، وقد ظهرت هذه الآثار في الميدان الاقتصادي بصفة عامة، وبالخصوص في محيط الزراعة والصناعة، وذلك رغم تدفق العالم الجديد الذي استحوذت عليه إسبانيا بعد اكتشاف العالم الجديد، لفقدها النخبة المتنورة العالمة العاملة من سكانها المسلمين، وفي ذلك يقول سكوت في كتابه الامبراطورية العربية بأوروبا: >لقد كانت نتائج هذه الجريمة التي ارتكبت ضد الحضارة، سواء البعيد منها أو المباشر ضربة لإسبانيا.
وخيم الصمت والوجوم على مناطق شاسعة كان يغمرها الخصب الأخضر، وظهر اللصوص والخارجون عن القانون مكان الزراع والصناع عقب مأساة لم تقدم على مثلها لحن الطالع أي امة أخرى<.
18 انظر كلام المؤلف المفصل عن هذا العسكر في الجزء الخاص بالدولة السعدية تحت عنوان: ذكر سيرة المنصور في ترتيب جيوشه وحالات أسفاره، هذا ونشير إلى أن المنصور جعل من الأندلسيين (الموريسكيين) النواة الصلبة لحملته على السودان، كما اتخذ منهم أطرا في الإدارة والمزارع والمعامل، إلا أنهم كانوا مصدر قلق له طيلة حكمه وقد حاول قادة الجيش الإطاحة به في بداية حكمه، فأعدم بعد الفراغ من معركة وادي المخازن أربعة قواد (جنراالات) هم: سعيد بن جرح الدغالي وأصله من نطيش قرب غرناطة، والقائد محمد الدغالي، ابن أخ الأول ومحمد بن زرقون، وزير الحرب والخزانة، وهو الذي قاد ثورة الأندلسيين في جبال غرناطة وأصله من وادي آش، وأبا الفضل الغري، من مواليد غرناطة (المصدر محمد الغربي، بداية الحكم المغربي في السودان الغربي ج 1 ص 157 وص ,204 طبع مؤسسة الخليج للطباعة والنشر سنة 1402 1982).
19 وكذلك إلى إيطاليا وفرنسا. وأما الذين تفرقوا ببلاد المغرب بأقطاره الثلاثة فقد داخلوا أهلها، وشاركوهم فيها، فمنهم من استنبط المياه وغرس الأشجار، وأحدث الأرحى الطاحنة، وهم أهل البادية، ومنهم من جاء بتقنيات جديدة لم يكن يعرفها أهل البلاد التي آوتهم، ففاقوهم وأجملوا أعمالهم وصيروهم أتباعا لهم، وهم أهل الصنائع وأما أهل الأدب فكان منهم الوزراء والكتاب والعمال وجباة الأموال والمستعملون في أمور المملكة: ولا يستعمل بلدي ما وجد أندلسي، وخلاصة القول إنهم كانوا عنصرا باعثا على التقدم والازدهار فشرفت بهم البلاد وصلح الاقتصاد وكثرت المستغلات وعمت الخيرات (المصدر: المقري نفح الطيب ج 2 ص 164 طبع بولاق).
20 كان لسقوط غرناطة وقع عميق لا في سائر البلدان الإسلامية فحسب، بل كذلك في سائر أنحاء الأقطار المسيحية، أما البلدان الإسلامية التي لم تستجب للاستصراخات العديدة التي وجهت إليها فقد أسلمت نفسها مرة أخرى إلى التفجع والرثاء من ذلك المرثية البليغة الشهيرة لشاعر أندلسي لم يصل إلينا اسمه والتي مطلعها:
أحقا خبا من جو رندة نورها
وقد كسفت بعد الشموس بدورها
وهي طويلة، تفوق مائة بيت وقد نشرها بالجزائر سنة 1914 1333 ,19 38 بعدما ترجمها إلى الفرنسية وقدم لها وعلق عليها محمد صوالح، وأما في الأقطار المسيحية فقد ابتهج له ملوكها وشعوبها أيما ابتهاج، واعتبروه جوابا على سقوط القسطنطينية في قبضة الإسلام، قبل ذلك بنحو نصف قرن وخلدت ذكرى الحادث في روما بإقامة قداس عظيم.
المصدر
كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.