سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تلقيت رسالة من دلمي عن طريق عون قضائي يذكرني فيها بأني مجرد «مستخدم» بذل عبد اللطيف عواد جهودا مضنية لترتيب لقاء بيننا.. ونصحني أصدقاء بالذهاب إلى القضاء لكني رفضت
الحلقة 37 : عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه. من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدارالبيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات. اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدارالبيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل. في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل. طلحة جبريل (صحافي سوداني مقيم في المغرب) [email protected]
اتفقت مع دلمي على أن تخرج في عطلة بعد أن أبلغك بأنه سيتولى رئاسة التحرير. هل فعلا بدأت عطلتك؟ - نعم، بدأت أكثر العطلات تعاسة في حياتي، وكان ذلك يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2001. وتفاديا لكل قيل وقال وأي تأويل، تعمدت عدم الرد على جميع المكالمات الهاتفية، بما في ذلك مكالمات من أصدقاء قريبين. كانت أياما رمضانية، لذلك كنت أمضي معظم سحابة النهار في النوم ثم أذهب إلى مكتبي في زنقة أم الربيع في أكدال لأقرأ بعض الكتب التي لم أجد وقتا لقراءتها، وبعد الإفطار أعود من جديد إلى المكتب لترتيب بعض الأوراق والوثائق والصور أو مواصلة القراءة. ومن حسن الحظ أن تلك العطلة صادفت شهر رمضان، حيث لكل شخص طقوسه الخاصة، وعادة ما تقل الأنشطة ذات الطابع السياسي والاجتماعي، التي يمكن أن تكون مناسبة للقاء بعض الناس، وبالتالي الدخول في أسئلة حول ما حدث. الأمر الوحيد الذي مارسته خلال هذه الفترة هو إلقاء دروسي في مادة الصحافة المكتوبة بأحد المعاهد الصحافية في الدارالبيضاء. وما الذي حصل بعد ذلك؟- بعد بضعة أيام اتصلت بالصديق عبد اللطيف عواد، الذي كان في البداية واسطة الاتصال بيني وبين دلمي، وهو الذي كان متحمسا أن أتولى رئاسة تحرير «الصباح». اتفقنا على اللقاء بعد الإفطار في إحدى أمسيات رمضان. وبالفعل التقينا في الموعد المحدد في مقهى بحي أكدال. شرحت له كل الملابسات، وأبدى استغرابا وأسفا لما حدث. فهمت منه أن عبد المنعم دلمي فاتحه في الأمر، فاقترح عليه عواد أن يتولى دلمي رئاسة التحرير على أن أتفرغ للكتابة، وقال له عواد «ربما ستحتاجه من جديد لرئاسة التحرير». اقترح عواد أن ينظم لنا لقاء يوم الثلاثاء 27 نوفمبر نتحدث فيه بصراحة ونطرح جميع البدائل على الطاولة. بيد أن دلمي سيعتذر عن الموعد بحجة أنه سيسافر في ذلك اليوم إلى جنيف، لكن اتضح لي أنه في الواقع لم يسافر يوم الثلاثاء ، بل سافر يوم الخميس 29 نوفمبر. فشلت إذن مساعي عبد اللطيف عواد في ترتيب موعد بينكما؟- يمكن القول إنه فشل في ترتيب موعد بيننا، لكن عبد اللطيف عواد وبكامل المروءة استمر في مساعيه، حتى لا يتسع الشرخ. لذلك لم ييأس الرجل، وقرر اقتراح موعد جديد في الرابع من ديسمبر 2001، بعد عودة دلمي من جنيف. لكن دلمي سيعتذر من جديد عن هذا الموعد، واقترح أن يتصل بي في وقت لاحق، فأيقنت حينئذ أنه لا يريد اللقاء، وأبلغت عواد أن يكف عن محاولاته، حتى لا يتحول الأمر إلى استجداء. بعد ذلك سيلتقي دلمي بعواد، فنقل له اقتراحا يقضي بأن أستمر مع الشركة «كاتبا متفرغا، أكتب عمودا وأجري حوارات وأمثل الصحيفة في بعض المهام الرسمية التي لها علاقة بالقصر»، على حد قوله. تفضل عبد اللطيف عواد وزارني بمكتبي في أكدال ونقل لي هذه الاقتراحات، وتحدث معي باتجاه قبولها، على أساس أنه اقتراح جيد، خاصة أن دلمي أبلغه بأنه يمكنني أن أحتفظ بالراتب نفسه الذي كنت أتقاضاه وأنا رئيس للتحرير. معنى هذا أنه قدم لك عرضا مغريا؟- سيبدو بأن الأمر كذلك، بيد أني كنت أشعر في دواخلي بقدر لا يستهان به من المهانة. إذ لم أرتكب خطأ مهنيا أو كان هناك تقصير من طرفي، وما قيل حول انحدار المبيعات كان كلاما مختلقا، لأن من يتصل بشركة التوزيع ويبلغها بأنه لا يستطيع تلبية طلبها بزيادة كميات السحب، ويخفي على رئيس التحرير بيانات التوزيع اليومية حتى لا يعرف ما هي الأعداد التي حققت ارتفاعا، وتلك التي تراجعت توزيعيا قصد تفادي مكامن الخلل، لا يمكن أن يأتي إلى رئيس التحرير نفسه، الذي لم يكن يعرف عدد النسخ التي توزعها صحيفة يتولى رئاستها، ويحاسبه على أرقام علمها عند الله. تقصد القول أن دلمي حاسبك على تراجع مفترض لمبيعات الصحيفة دون أن يمكنك من بيانات المبيعات؟- مع كامل الأسف، هذا الذي حصل بالضبط. ثم إن عرضه ربما يكون مغريا من ناحية استمرار الراتب، لكنه كان مهينا جدا بالنسبة إلى ما كان مطلوبا مني بالمقابل، إذا تأملنا كيف يمكن تطبيقه، لأنه لو كان دلمي تولى رئاسة التحرير كما كان اتفاقنا لأصبح الأمر مقبولا إلى حد ما. ربما كنت قبلت على مضض، لكن أن يكون «رئيسي» في التحرير محرر متدرب، فهذا ما لا يمكن القبول به. إذ بكل صراحة كان يمكن أن أجري حوارا مع رئيس دولة عظمى، ثم يقال لي إنه لن ينشر لأنني لم أسأله عن فوائد زيت أركان أو سفن الصيد البحري في أعالي البحار، أو ينشر بطريقة سيئة، ونحن نعرف كيف يمكن أن يتلاعب مطبخ أي صحيفة بالمواد إذا كانت الأهواء والأمزجة والضغائن تتحكم في العمل. المهم أنني استمعت لما قاله عواد، وقال لي إنه ارتاح كثيرا عندما سمع أن دلمي سيحتفظ لي براتبي وبنفس الامتيازات وسيخصص لي مكتبا في مقر الشركة بالرباط. وماذا قال لك عواد أيضا؟- تحدثنا طويلا ونحن نتمشى أمام مكتبي في أكدال، وقلت له في الختام إني أرغب في سماع الاقتراح من عبد المنعم دلمي شخصيا، وأبلغني أن دلمي سيتصل بي الجمعة أو السبت، أي قبل 48 أو 24 ساعة من انتهاء عطلتي، حيث كان يفترض أن أعود إلى العمل في التاسع من ديسمبر 2001. ودعت عبد اللطيف عواد في انتظار مكالمة هاتفية من دلمي، لكنه لم يتصل. هل مددت عطلتك؟- ربما كانوا يتمنون ذلك بحثا عن مبرر قانوني لحرماني من مستحقاتي المشروعة، كما سيتضح ذلك لاحقا. بيد أنني ذهبت إلى مكاتب الصحيفة في الدارالبيضاء، في التاسع من ديسمبر، كما هو مفترض، وتصادف أن كان ذلك اليوم يوم أحد. ذهبت إلى هناك في حدود الحادية عشرة صباحا. صعدت إلى الطابق الرابع حيث توجد مكاتب «الصباح»، وصافحت جميع الزملاء باستثناء عبد الرشيد الزبيري، ولم أدخل مكتبي السابق، حيث كان يوجد عبد الله دجاج «رئيس التحرير»، (يقصد عبد الله نهاري) الذي بقي جامدا فوق كرسيه، يريد الإيحاء بأنه منهمك في العمل. لكن لماذا لم تصافح الزبيري؟- ولماذا أصافحه؟ أنا بشر. من الصعب علي تحمل الغدر. الإساءة عندما تأتي من شخص بعيد يمكن احتمالها، ولكن حين تكون من شخص تعاملت معه بكل نبل، يصعب أن تتعامل معه وفق القاعدة الإنجيلية التي تقول «إذا تلقيت صفعة على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر». دعنا نعود إلى الشاعر طرفة بن العبد الذي قال:فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يديوظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندحاول الزبيري اللحاق بي بعد أن خرجت من مكاتب الصحيفة، محاولا الحديث معي، لكني تجاهلته، وكانت تلك آخر مرة ألتقيه. وماذا فعلت بعد ذلك؟- كان هاجسي أن أسجل بطريقة إدارية حضوري إلى مقر الشركة بعد انتهاء العطلة قانونيا. لذلك انتقلت إلى الطابق الثالث حيث وجدت أحد الأعوان (شاوش) في مكتب الهاتف، فسألته إن كان عبد المنعم دلمي موجوداً، فأجاب بالنفي، وسألته كذلك عن خالد بليزيد وسمير السيفر على أساس أن أسلم أحدهما نسخة من استمارة العودة من العطلة، لكن تبين لي ألا أحد منهما حضر ذلك الصباح. عند ذاك اتصلت بدلمي من الهاتف المحمول، وأبلغته بأنني موجود في مكاتب الصحيفة ولا أعرف ماذا سأفعل، فقال لي إنه كان يريد الاتصال بي هاتفيا، لكنه أصيب بنزلة برد، لذلك يقترح أن نلتقي غدا الاثنين في فندق هيلتون في الرباط وحدد الموعد في الساعة الثانية عشرة ظهرا. تمنيت له الشفاء وقلت له إني سأكون في الموعد والمكان المحددين. عدت إلى الرباط متيقنا أن الأمور دخلت مرحلة التماطل. وفي اليوم التالي كنت في الساعة الثانية عشرة في فندق هيلتون. أي في المكان نفسه الذي اتفقنا فيه أن أعمل رئيساً للتحرير. لعله القدر حين ينسج وقائعه بكفاءة مذهلة. هل جاء دلمي فعلا؟- نعم، لكن جاء متأخرا بعض الشيء. وبدأنا أول اجتماع بيننا منذ أن أبلغني بقرار توليه رئاسة التحرير، وهو القرار الذي لم يلتزم به كما قلت. قال لي باقتضاب شديد إنه يقترح أن أكتب في الصحيفة، فقلت له: «قبل أن أجيبك عن هذا العرض سأبدي لك أربع ملاحظات:أولا، قلت له، نحن اتفقنا على أساس أن تتولى أنت رئاسة التحرير وأن أذهب أنا في عطلة للتأمل فيما اقترحته، أي أن أظل أكتب مع الصحيفة، لكنني فوجئت بأن هذا الاتفاق لم يحترم، على الرغم من أنني احترمته بالتزامي الصمت المطبق، رافضا حتى الرد على أي مكالمة هاتفية.ثانيا، عينتم رئيس تحرير جديد، وهذا حقكم، ونشرتم بيانا قلتم فيه ما بدا لكم بشأن انتقالي إلى مكتب الرباط، وإعادة هيكلة الصحيفة، ولم يكن ذلك اتفاقنا. ثم إنكم عقدتم اجتماعا مع المحررين يوم الاربعاء 14 نوفمبر، قلتم فيه ما شاء لكم أن تقولوا، ولم أحضر ذلك الاجتماع، لأنكم ببساطة لم توجهوا لي أي دعوة. وهذه ليست مروءة، إذ ليس من الشهامة أن تكال الانتقادات لرئيس تحرير غائب، وهو ما زال، رسميا، على الأقل صحافيا في الشركة.ثالثا، بعد أن تم تعيين رئيس تحرير جديد، لم تصدروا أي بيان يوضح أسباب إقالة رئيس التحرير السابق، وقلت له لكم الحق في أن تعينوا ما تشاؤون لكن المسألة كانت انقلابية.رابعا، على افتراض أنني قبلت بالذهاب إلى مكتب الرباط، كان من المفترض أن نلتقي، ونناقش تفاصيل الأمر، لكنك لم ترغب في اللقاء بي. ومن يضمن لي أني إذا أرسلت مادة إلى الصحيفة ستنشر، وهل سأعود إليك في مثل هذه التفاصيل اليومية». وماذا كان رد دلمي عليك؟- عقب على ملاحظاتي باقتضاب شديد، وقال لي: «أنت موظف في الشركة ومن حقها أن تحدد لك المهام التي تراها». فأجبته «لست موظفا، بل مؤسسا لهذه الصحيفة». بدا عليه شيء من النرفزة عندما سمع ذلك، وأجاب «أنت لست مؤسسا، بل موظفا». وعلى الرغم من أنني حاولت أن أكون هادئا قدر الإمكان، لم أحتمل تعقيبه وقلت بحدة: «هل قدمت لك طلبا للعمل في شركتك؟ أليس أنت من وجهت لي الدعوة لنتناول الغداء سويا في هذا المكان، واقترحت علي إصدار الصحيفة، وأنا كنت وقتها رئيس تحرير صحيفة أخرى؟ أليست هذه هي الحقيقة؟». شعرت وقتها أن الجدال سيكون بلا معنى، فقلت له: «على أي حال، لدي طلب أخير، حفاظا على اعتبارات مهنية. لقد كتبت خبرا مقتضبا أتمنى أن ينشر في الصحيفة، وسأرسل لكم استقالتي بعد تسوية مستحقاتي»، ثم ودعته وانصرفت. وماذا قلت في هذا الخبر الذي طلبت منهم نشره؟- كتبت الخبر بعنوان «طلحة جبريل يغادر الصباح» وبصيغة مهنية محايدة، جاء فيه «أعفي طلحة جبريل من مهامه كرئيس لتحرير «الصباح». وكان جبريل تولى رئاسة تحرير الصحيفة منذ صدورها في العاشر من أبريل من العام الماضي. كما أشرف على انطلاقتها. واقترحت إدارة شركة إيكوميديا التي تصدر «الصباح» على طلحة جيريل أن يواصل عمله مع الشركة ككاتب عمود، وفي الوقت نفسه إنجاز حوارات سياسية بعد انتهاء عطلة مستحقة، بيد أنه اعتذر عن ذلك لاعتبارات مهنية، مفضلا مغادرة الشركة بكيفية نهائية» . لكن لماذا لم ينشروا هذا الخبر؟- أعتقد أنهم لا زالوا يوجدون في دنيا الناس هذه ويمكنك أن تطرح عليهم هذا السؤال، هم قدموا رواية أخرى تقول كل شيء إلا الحقيقة. وماذا عن مصير مستحقاتك المالية؟- حاول الأخ عبد اللطيف عواد من جديد أن يتدخل من أجل تسوية المستحقات بطريقة معقولة. وبالفعل أرسلت لهم في 14 يناير 2002 استقالة مقتضبة كتبت فيها:«السيد عبد المنعم دلمي الرئيس المدير العام لشركة إيكوميديا.تحية طيبة وبعد.الموضوع: استقالة.أود أن أتقدم إليكم باستقالتي هذه من عملي كرئيس لتحرير صحيفة «الصباح». وأرجو اعتبار هذه الاستقالة كذلك بمثابة إقرار بأنني تسلمت كافة مستحقاتي من الشركة ولم تعد لدي أي مطالب في هذا الشأن.وتقبلوا فائق التقدير والاحترام.طلحة جبريل موسى».وكانوا قد أرسلوا إلي قبل ذلك بدورهم رسالة تشتمل على تسوية الحساب النهائي. هل قبلت بتلك التسوية؟- هناك بعض الأصدقاء، ومنهم الصديق عبد اللطيف وهبي، اقترحوا علي تقديم اعتراض قانوني على التسوية، حيث اعتبروها في غاية الإجحاف، وقدر الأستاذ وهبي المبلغ الذي يفترض أن تسدده شركة «إيكوميديا» في حدود 1.750.795 درهم. بيد أني فضلت بصراحة عدم الدخول في نزاع قضائي معهم. إذ حتى الآن وبعد 32 سنة في هذه المهنة، لم أقف أمام محكمة إلا مرة واحدة، وكان ذلك عندما تقرر بيع شقتي بالمزاد العلني عام1997. وأتمنى ألا يحدث ذلك قط فيما تبقى لي من عمر، سواء كنت ظالماً أو مظلوماً.وفي هذا الصدد دعني أشير إلى واقعة من وقائع القيل والقال ، أتذكر أن عبد الكريم بن عتيق، وبعد أن أطلقنا صحيفة «الجمهور» أبلغني ذات يوم أن محررا في صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» قال له: «احذروا طلحة جبريل، فليس له عمل سوى متابعة الصحف التي يعمل معها في المحاكم». وكان جوابي «اطمئن. ذلك لن يحدث قط»، والمفارقة أن عددا من الزملاء في مؤسسات أخرى كانوا يحثونني على متابعة شركة «إيكوميديا» قضائيا. كنت أسمع ما يقولون، بيد أني لم ألتفت أبدا إلى تلك النصائح. وهل عرفت اسم الصحافي الذي قال لبنعتيق هذا الكلام؟- بصراحة، وبما أني لم أسمع الحديث مباشرة، لا تتنتظر مني أن أقول لك من هو. لكن لماذا قررت فيما بعد الحديث عن قضية إعفائك من «الصباح»؟- في الواقع قررت أن أتحدث عندما نشروا بيانا يعلنون فيه إعادة الهيكلة وتعيين رئيس تحرير جديد ونقلي إلى مكتب الرباط. كان هناك محرر من أسبوعية «الأيام» (وأقصد هنا الزميل هشام روزاق)، راح يلح علي لإجراء حوار حول أسباب خروجي من «الصباح». وعادة لا أرد صحافيا يتصل بي حول أي أمر، لسبب بسيط وهو أني صحافي. لكن قبل ذلك دعني أتوقف عند واقعة من أغرب ما عرفته علاقتي ب«الصباح» من تطورات. إذ بعد نشر الحوار مع «الأيام» تلقيت رسالة من عبد المنعم دلمي بتاريخ 25 ديسمبر عن طريق عون قضائي يقول فيها «أثير انتباهكم إلى أنكم لم تكتبوا أي مقال منذ انتهاء عطلتكم السنوية يوم 8 دجنبر 2001. وأذكركم بأنكم معينون في مكتب الجريدة بالرباط، وأنكم ملزمون بكتابة مادة يومية تتعلق بالحياة السياسة للمغرب. وبالمناسبة أذكركم بأنكم مستخدم بمؤسسة «إيكوميديا». جريدة الصباح وبصفتكم هاته يجب عليكم الامتناع عن الإدلاء بأي تصريح من شأنه إلحاق ضرر بالمؤسسة التي تشغلكم. كما أنكم ملزمون باحترام السر المهني. وتقبلوا عبارات التقدير والاحترام». من حيث الشكل كانت رسالة سخيفة جدا، وكان الأسخف أنها أرسلت عبر «عون قضائي»، وكأن بيننا نزاع حول أحقية التنقيب عن النفط في خليج المكسيك. ومن حيث المضمون سأكتشف بأني تحولت من «رئيس تحرير» إلى مجرد «مستخدم». وماذا عن حوارك مع «الأيام»؟- كنت قررت أن أتحدث. وفعلا جاء عندي هشام روزاق إلى مكتبي في أكدال، وأجرى معي حوارا طويلا. لكنه نشر في صفحة واحدة على شكل تقرير، مما أخل بمضمونه. حقيقة لم تعجبني الطريقة التي صيغ بها الحوار على الإطلاق. لماذا؟- لأنه أدخل فيه حتى انطباعاته واستنتاجاته ولم يكتب الحوار كما كان يفترض، ولم يحترم الأصول المهنية المطلوبة، لأن الأمر يتعلق بحوار حول قضية في غاية الحساسية، وليس حوارا حول هواياتي والألوان المفضلة لدي. لذلك كان يجب أن يترك كلامي كما قلته، ولا يصاغ بالطريقة التي صيغ بها، خاصة أنه هو الذي طلب إجراء الحوار وليس أنا، ثم راحت الصحيفة تنشر ردودا على ما قلت. ألم يكن ذلك باتفاق معك؟ - إطلاقا، لم أتحدث من أجل أن أتحول إلى مادة تستغلها «الأيام» لتملأ بها صفحاتها. وتيقنت تماما أنني وقعت في فخ أعد بعناية، وندمت ندما شديدا على ذلك الخطأ. وأعتقد أن نشر «الأيام» لهذا الحوار معي بعنوان «قصة الطلاق بين طلحة جبريل والصباح»، لم يكن فيه حسن نية على الإطلاق، ولم أتحدث مع نورالدين مفتاح مدير هذه الأسبوعية إلى يومنا هذا حول الموضوع، وهذه هي عادتي. دائما أقول «الروايات تصحح نفسها في نهاية المطاف». كما التقيت آخرين من صحافيي «الأيام»، وبعضهم قال لي بالحرف «كانت لدينا صورة خاطئة عنك». للأسف ميدان الصحافة يعج بظواهر كثيرة سلبية تدخل كلها في إطار الحسد المهني، ومجالنا المهني فيه أيضا حساسيات عالية جدا. هل سمعت مثلا أن محرراً كتب ينوه بإنجاز صحافي كتبه زميل له. هذا الأمر بصراحة يوجد في الغرب.مثلاً عندما انفردت مجلة «نيويوركر» بنشر ما وقع من انتهاكات في سجن «أبوغريب» في العراق، كتبت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا في صفحتها الأولى تنوه فيه بما حققته المجلة من سبق صحافي.وحتى يوم الناس هذا، فإن الأخبار السلبية التي تنشر عني أكثر بكثير من الأخبار الإيجابية. على أي حال، أنا لست سوى صحافي، خبر المحن واختبرته، وسامح الله الجميع.