سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تلقيت وعدا بتولي الإصدارات العربية عندما طرحت فكرة بيع مجموعة «ماروك سوار» إلى «إكوميديا» عندما تقرر تحويل «الصباح» إلى صحيفة منوعات أيقنت أن أيامي أضحت معدودة
الحلقة 34 : عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه. من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدارالبيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات. اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدارالبيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل. في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل. طلحة جبريل (صحافي سوداني مقيم في المغرب) [email protected] قلت من قبل إن خالد بليزيد أراد التدخل في الخط التحريري للصحيفة، ما هي كيفية هذا التدخل؟ - لم يكن يريد، بل سعى إلى تحويل خط التحرير إلى وجهة أخرى، من صحيفة موجهة نحو النخبة إلى صحيفة منوعات أو على حد تعبيره صحيفة «شعبوية». أتذكر أني سألته عن معنى «شعبوية» وكيف يفهم هذا المصطلح، فسمعت منه إجابة صادمة، قال لي: «الناس الآن مهتمون بالمغني حجيب (كنا آنذاك في عام 2001). لماذا لا تكتبون عنه أو تكتبون عن الشيخات؟» هكذا بالحرف. وماذا كان جوابك عليه؟ - كان جوابي عليه «يبدو أنكم اخترتم رئيس التحرير الخطأ». أيقنت آنذاك أن الرجل يريد أن تتبنى الصحيفة «مدرسة كولومبيا» في أسوأ مظاهرها، ولا أظن أنه كان يدرك ماذا تعني «مدرسة كولومبيا» في الصحافة المكتوبة. لا أنكر أني كنت مشدودا في فترة من الفترات إلى هذه المدرسة، وهي المدرسة التي انطلقت من جامعة كولومبيا في نيويورك، وراحت تبشر بأسلوب خاص في تناول الأخبار، وجاءت بفكرة بدت لماعة في السبعينيات ووصلتنا أصداؤها في الثمانينيات واستمرت في التسعينيات، وهي مدرسة تقول إن «الخبر هو الإثارة». وكانت تلك الإثارة تعني لها «شيئا من الدين، شيئا من الحكم، شيئا من الغموض، شيئا من الجنس وشيئا من الجريمة»، وهي مدرسة تجسدت في مجلتين، واحدة أمريكية هي «بلاي بوي»، وأخرى فرنسية هي «باري ماتش». في تلك الفترة بدأت أميل وبانجذاب واضح إلى مدرسة «الاستطلاعات والتحقيقات» وكانت أمامي مجلة «نيوزويك». لذلك رحت، ربما باندفاع، أحث المحررين نحو «صحافة لا تكتب في المكاتب»، بل صحافة تخرج إلى الشوارع والحارات والمدن والقرى والمداشر، صحافة تجعل من قاعة التحرير مجرد اجتماع صباحي، وبعد ذلك ينتشر المحررون في أرض الله الواسعة. وبهذا الفهم، شارك ثلاثة من المحررين في تحقيق ملفت حول «الحراكة»، هم أحمد غيلان وعبد الله الدامون وأحمد جلالي. كان تحقيقاً رائعا. وبادرت الصحيفة لأول مرة في تاريخ الصحافة المغربية إلى الترويج لذلك الاستطلاع على مستويين: الأول عبر وصلة إشهارية كان يفترض أن تبث من إذاعة «ميدي1»، لكن الإذاعة رفضت بث الوصلة التي كانت تقول «الحراكة.. الموت لمواجهة الحياة». والثاني عبر إعلان ترويجي نشرناه في «الصباح»، وبأسلوب غير معتاد في الصحافة الوطنية. ما هي الاستطلاعلات الأخرى التي أنجزتها الصحيفة؟ - في الواقع أصبحت الاستطلاعات هي السمة الأساسية، والجنس الصحافي الذي ركزت عليه، إضافة إلى الكتب. وفي هذا الصدد، أعد أحمد غيلان سلسة حلقات حول أشهر الثانويات في المغرب، في حين أعد أحمد جلالي حلقات عن أشهر المقاهي في المدن المغربية، وقصة كل مقهى، ومن هم روادها. كما أعد عبد الله الدامون استطلاعا مميزا عن مدينة أكادير، وفاطمة موسى أعدت استطلاعات عن مدينتي فاس والقنيطرة. وهناك استطلاعات أخرى كثيرة، ومن يعود إلى أرشيف الصحيفة، إذا كانوا احتفظوا به، سيجد الكثير. كان المحررون يتحركون في جميع الاتجاهات. وما هي الكتب التي ترجمت؟ - في هذا الجانب، اشترينا حقوق نشر كتاب «بورقيبة آخر البايات» من الصافي سعيد، وترجمت خديجة درايسي كتاب «المغرب الجار المقلق»، في حين ترجم أحمد جلالي كتاب الكاتب المغربي يوسف أمين العلمي «مغربي في نيويورك». ونشرنا حلقات حول «الكتابة في السجن»، أي الكتب التي كتبها معتقلون سياسيون خلف القضبان. وماذا عن المنوعات التي كان يطلب بليزيد التركيز عليها، حسب قولك؟ - دعني أقول إن عبد المنعم دلمي نفسه، وليس فقط بليزيد، كان يطلب وبإلحاح نشر المزيد من المنوعات، وقد حاولت في حدود المعقول نشر بعض الأمور التي وجدت أنها ربما تفي بالغرض، لكن دون أن نسقط في الابتذال. وفي هذا السياق، أعد الناقد حسن البحراوي حلقات ممتازة حول «أغاني العيطة» وكذا حول مجموعة «ناس الغيوان»، وأعد عبد اللطيف السعداني سلسلة اجتماعية حول الحياة الحقيقية لإحدى المومسات، جلبت علينا الكثير من الانتقادات، بيد أن ذلك لم يكن كافيا من وجهة نظرهم، وحدثت مبادرة من أغرب المبادرات التي عايشتها في الصحافة الوطنية، إذ قرر دلمي أن يعقد مع بليزيد اجتماعات يومية مع مجموعة تضم سبعة محررين من الصحيفة، من أجل تزويدهم بأفكار لكتابة منوعات، وأصبحت عمليا أنتج الصحيفة بحوالي سبعة محررين، وكان ذلك قبل أسابيع من قرار إقالتي في نوفمبر 2001، وكان علي أن أنتبه في ذلك الوقت إلى أن أيامي أضحت معدودة في «الصباح»، إذ لا معنى لعقد اجتماعات تحرير مع نصف الطاقم لا يحضرها رئيس التحرير. كان في اعتقادهم أنني أوجه الصحيفة نحو النخبة والمثقفين، وهم يريدون صحيفة «شعبوية»، على حد تعبير بليزيد. لكن أين تجلى هذا التوجه نحو المثقفين من وجهة نظرهم؟ - في الواقع، حرص رشيد نيني، المسؤول عن القسم الثقافي، على محاورة أسماء بارزة من الكتاب والمبدعين المغاربة، وعلى الرغم من أن الصحيفة كانت مشتركة في وكالات خدمات صحافية، مثل وكالة «أورينت بريس» التي تقدم مواد سياسية وثقافية جاهزة مع صورها، فإن رشيد نيني كان يصر على عدم الاستعانة بتلك الوكالات. كان رشيد نيني يفضل إنجاز مواد مغربية، وهو أمر يتطلب جهدا إضافيا، لكنه كان ينجز ذلك دون كلل. كما استطاع أن يجذب عددا كبيرا من القراء لزاوية كنت اقترحتها عليه بعنوان «دردشة»، حيث حاور بطريقته الخاصة من خلالها عددا بلا حصر من الكتاب والأدباء والإعلاميين، وكانت من الزوايا التي حظيت بشعبية واسعة وسط القراء. ثم كان هناك مشروع «كتاب في جريدة» الذي رموه بعد خروجي. ما هي قصة هذا المشروع؟ - كان الشاعر محمد بنيس عضوا في لجنة ذلك المشروع، الذي أطلقته اليونسكو من أجل أن يصل الكتاب إلى أكبر عدد من القراء في العالم. بدأ المشروع أساسا في أمريكا اللاتينية، ثم نقلت اليونسكو التجربة إلى العالم العربي، حيث تولى الإشراف عليه الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، ومقر المشروع في بيروت، وفكرته بسيطة ومبتكرة، وهي أن بعض الصحف وفي كل شهر توزع مجانا مع أحد أعدادها كتابا كاملا لأحد المبدعين العرب، سواء من القدماء أو المحدثين، في مجالات القصة والرواية والفكر والشعر والنقد أو التشكيل وما إلى ذلك، وهكذا يمكن أن يحصل القراء على كتاب كامل بالسعر الذي تباع به الصحيفة. لأنه يصدر على شكل ملحق مجاني في حجم ال«تابلويد»، وبالطبع على ورق الصحف. كانت اليونسكو تتولى اختيار الكتاب عبر لجنة الاختيار التي تضم كتابا ومبدعين، وتدفع قيمة الكتاب للمؤلف، ثم تتولى الجوانب الفنية، حيث ترسل الأفلام جاهزة إلى الصحف المشتركة في المشروع في جيمع أنحاء العالم العربي، وخارجه. في فبراير 2001 تلقيت دعوة من شوقي عبد الأمير، المشرف العام لحضور المؤتمر الثالث للمشروع في بيروت، وكانت اليونسكو بدأته في المغرب مع «العلم» و«الاتحاد الاشتراكي»، لكن الصحيفتين أهملتا المشروع. كان رأي محمد بنيس أن «الصباح» على الرغم من حداثة صدورها أصبحت تحظى باحترام النخبة المغربية، وبالتالي هي الأصلح لتبني ذلك المشروع. وبالفعل لبيت الدعوة وحضرت المؤتمر الثالث في بيروت بصفتي رئيسا لتحرير «الصباح»، وأبلغت المنظمين موافقتي على المشروع حتى دون الاستشارة مع عبد المنعم دلمي، لكن الأمانة تقتضي مني القول إنه أقر ذلك بعد أن عدت إلى المغرب وشرحت له فكرة المشروع. وشرعنا فورا في نشر «كتاب في جريدة» كل شهر، يوزع مجانا مع الصحيفة، ثم تلقيت دعوة لحضور المؤتمر الرابع في العاصمة اليمنية صنعاء، وانعقد ذلك اللقاء بالفعل في يناير 2002، لكني في ذلك الوقت كنت خرجت من «الصباح» لأجلس في مكتبي بأكدال عاطلا عن العمل. وماذا عن حضور الجانب السياسي في الصحيفة، هل تلقيت توجيهات في هذا السياق؟ - لم أتلق أي توجيهات، لكن عندما تطلب أن تكون الجرعة الأساسية في الصحيفة هي «المنوعات»، فهذا يعني تلقائيا عدم الاهتمام بالسياسة، أو على الأقل الاهتمام بها من زواية «المنوعات» أيضا كأن تركز على قضايا الاختلاسات مثلا وسط المسؤولين. كنا أنجزنا حوارات مهمة مع عدد كبير من المسؤولين وصناع القرار السياسي، وطرحنا ملفات كبيرة كتجربة نظام الغرفتين، على سبيل المثال، وأداء وزراء حكومة التناوب، وما إلى ذلك، لكن يبدو أني كنت أفعل بالضبط ما لا يرغبون فيه، أي إصدار صحيفة جادة وموضوعية ونزيهة. وماذا كانت رغبة مسؤولي «الصباح»? - كان المطلوب، كما سيحدث من بعد، هو صحيفة مطلوب منها -كما قلت- أن تقتات من تشوهات المجتمع، صحيفة تغوص صفحاتها في الدماء والجرائم، وتكون أخبارها، على غرار قتلَ، ذبحَ، اختلسَ، اغتصبَ. والمؤكد أن دلمي عندما طلب مني إصدار «صحيفة مستقلة» ربما توسم خيرا في أني أستطيع ذلك، لكن عندما راح يتحدث عن «المنوعات» وبليزيد عن «الشعبوية»، لم أكن أنا هو الشخص المناسب على الإطلاق. هل ظل الطاقم في حدود 14 محررا حتى غادرت «الصباح»؟ - دعني أكون دقيقا. أنا لم أغادر الصحيفة، بل طلب مني أن أغادرها بطريقة ملتفة، أي على الأقل لم أطرد كما سيحدث لي في «الجمهور». قبل مغادرتي طلبت ضم عبد الرشيد الزبيري، بناء على طلبه، ليعمل في سكرتارية التحرير، وكانت قد انضمت إلى الطاقم فتيحة أعرور كذلك. وقبل فترة قصيرة من خروجي، انضم إلى الطاقم رضوان الحفياني، وهو أحد طلابي، درس في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الدارالبيضاء، حيث كنت ألقي دروسي في الصحافة المكتوبة، وكان شابا نشيطا له حس صحافي ممتاز، ويحب مهنته، ولا تنقصه الجرأة. كنت قد فوضت مسألة اختيار المحررين الجدد لرؤساء الأقسام، إذ لا يعقل أن يحتكر رئيس التحرير تعيين كل محرر جديد، وفي هذا السياق عزز حسن العطافي القسم الرياضي بعنصرين جديدين، هما يونس الخراشي ومحمد المعتصم، وفي فترة لاحقة هشام رمرام، وهم شباب بمؤهلات مهنية عالية. في حين اقترح الزبيري أو دجاج- لا أتذكر- ضحى زين الدين. وما هي قصة انضمام فتيحة أعرور إلى الطاقم؟ - وُجهت دعوة إلى عبد المنعم دلمي لمتابعة زيارة ملكية إلى فرنسا في ماي 2000، وبعد عودته من باريس اقترح أن نتناول الغداء سويا، وبما أن ذلك لم يحدث من قبل، خمنت أن الأمر يكتسى أهمية. وفعلا تناولنا الغداء في فندق «رويال منصور» بالدارالبيضاء، وخلال الغداء تحدث عن أعرور، وقال إنه لاحظ أثناء الزيارة أنها صحافية نشيطة، وكانت صحيفة «المنعطف» قد أوفدتها لتغطية الزيارة الملكية، وراح دلمي ينوه كثيرا بكفاءتها، وطلب مني ضمها إلى الطاقم. وللتاريخ، أقول إنه ترك لي الأمر ، مؤكدا أنه لن يفرض علي أي أحد. وكان تعليقي الوحيد الذي قلته إنني أعرفها. بعد الغداء، رحت أفكر في الأمر بيني وبين نفسي، وقلت «لا يجوز أخلاقيا أن أرفض هذا الطلب. الرجل هو صاحب المؤسسة، ويقترح ضم محررة إلى الطاقم ويترك القرار بيدي». لكن كان في ذهني كذلك التزامي مع «المنعطف» بعدم إغراء أي أحد للانضمام إلى «الصباح»، وفي نهاية الأمر حزمت أمري ووافقت على ضمها إلى الطاقم، وكنت أتوقع أن ذلك سيثير غضب إدارة «المنعطف»، وهذا ما حدث بالفعل. إذ بعد انضمام فتيحة أعرور إلى الطاقم تلقيت أكثر من شكوى من محررين يقولون إنها غير منضبطة، وفي وثائقي تقارير كتبها محررون حول عدم الانضباط، لكنهم لم يكونوا يعرفون أن قرار ضمها للطاقم جاء على شكل اقتراح من الرئيس المدير العام للمؤسسة. لذلك احتفظت بتلك التقرير. لكن راج وسط الصحافيين أنك شخصيا كرئيس تحرير لم تكن لديك سلطة على فيتحة أعرور. ما هو ردك؟ -أعرور كانت تعرف كيف جاءت إلى الصحيفة، ولهذا راحت تتصرف على أساس أنها فوق الجميع، بما في ذلك رئيس التحرير، لكني لم أتخذ أي قرار بشأنها حتى غادرت «الصباح»، وعندما علم المحررون بقرار إقالتي، تولت هي الاتصال بعدد كبير من الزملاء في الصحف والمؤسسات الأخرى لتقول لهم إن المحررين كان لهم دور أساسي في طردي. متى بدأت تشعر بأن الأمور تسير في اتجاه الاستغناء عنك؟ - كنت أعتقد العكس تماما. وهنا سأكشف لك لأول مرة معلومة لا أعتقد أنها معروفة، وهي أنه في يونيو 2001 أبلغني أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك، أن هناك فكرة لبيع مجموعة «ماروك سوار» لمجموعة «إيكوميديا»، وطلب مني نقل الفكرة في سرية تامة إلى عبد المنعم دلمي. وبالفعل نقلت الاقتراح إلى دلمي، الذي أبدى حماسا للمشروع، وقدم تقريرا لرؤيته في دمج مجموعة «ماروك سوار» في مجموعة «إيكوميديا»، مقترحا هيكلة جديدة للمجموعتين. نقلت الاقتراح المكتوب إلى أزولاي. وأتذكر أن دلمي أبلغني وقتها بأنه في حالة اكتمال الصفقة سأتحول إلى مدير تحرير لجميع المطبوعات العربية، التي تصدر عن المجموعة الجديدة. شكرته على ذلك العرض، ثم اقترحت أن تتواصل مشاوراته مباشرة مع أزولاي، وابتعدت أنا عن الموضوع حتى يكتمل، وهذا ما حدث، لكن إلى الآن ليست لدي معلومات حول أسباب تعثر تلك الصفقة. لكن ما هي، في نظرك، الأسباب المسكوت عنها في قرار الاستغناء عنك من طرف مسؤولي «الصباح»؟ - ليست لي أية معلومة مؤكدة في هذا السياق، لكن أعتقد أنهم ارتأوا ضرورة إنهاء عملي مع الشركة لأسباب يمكنهم أن يتحدثوا عنها. أما أنا فإني أقول ما أعرف، ولست من المنجمين لأدرك السبب الحقيقي. وكما قلت لك، كانت هناك عدة روايات، لكني لست متيقنا أي رواية هي الصحيحة، وأنت تعرف أن المؤسسات في غالب الأحيان لا تبلغ الصحافيين بالأسباب الحقيقية لفصلهم. لكن متى بدأت الإرهاصات بفصلك عن العمل؟ - أعتقد أن أول إشارة كانت حكاية سحب نصف الطاقم في اجتماعات طويلة من أجل التفكير في إعداد مواد منوعة. لكن الإشارة الأكثر وضوحا، سأعرفها عندما عدت من عطلة في صيف عام 2001، وكانت أول عطلة أقضيها مع أهلي في الخرطوم بعد سنوات. عقب عودتي من العطلة جاءني بعض المحررين، وأبلغوني أنه خلال فترة غيابي كانت هناك لقاءات مستمرة في مكتب خالد بليزيد مع عبد الله دجاج وعبد الرشيد الزبيري. كما أبلغوني أنه في كثير من الأحيان يأخذ دجاج بعض الصفحات بعد سحبها على أوراق «A3» ويحملها إلى بليزيد، وبلغ الاستياء ببعض المحررين أن طلبوا مني فصل دجاج. وكان ردي عليهم أنه إذا كانت الشركة قررت الاستغناء عني، فإن فصل فلان أو فلتان لن يجدي نفعا. لذلك علينا أن نواصل عملنا، ومن يريد أن يكيد الدسائس لا يمكن أن يرعوي بمجرد مواجهته بحقيقة ما يفعله، خاصة إذا كان يقوم ذلك بتشجيع ورضى مدير عام الشركة، أي خالد بليزيد. وكنت أقول لهم «أعدكم بشيء واحد، في اليوم الذي سأبلغ فيه بقرار فصلي، سأجمع أوراقي وأنصرف، وأطلب منكم البقاء حيث أنتم، وعليكم المحافظة على المستوى الذي وصلت إليه الصحيفة». من هم المحررون الذين أبلغوك بما كان يحدث خلال فترة عطلتك؟ - هل تعتقد أني سأقول لك من هم؟. كن على يقين بأني لن أقول ذلك مطلقا. المجالس بالأمانات. لكن المؤكد أنهم سيقرؤون هذا الحديث وسيعرفون أني لا أختلق. إذا أرادوا هم أن يقولوا ذلك، فالأمر متروك لهم، لكن لا تتوقع مني الإخلال بالقاعدة الأخلاقية بأن المجالس بالأمانات. وما هي علاقتك الآن بعبد الله نهاري وعبد الرشيد الزبيري؟ هل تحدثت مع أحدهما يوما ما حول هذا الأمر؟ - ولماذا أتحدث معهما؟ وهب أنني تحدثت مع عبد الله دجاج، ماذا كنت سأقول له؟ هل ساقول له إن لك طبيعة تآمرية، ولن تتخلى عنها؟ وما الداعي أصلاً للكلام الخارج عن الذوق؟ هل سأطلب منه أن يكف عن الدسائس، وهو يعتقد أن البراعة في الحياة هي الكيد للآخرين؟ المشكلة في مثل هذه الأمور ليست في من يتطوع بنقل الدسائس، بل في من يستمع إليها. سأقول لك شيئا. في اليوم الذي سيبلغني فيه عبد المنعم دلمي بأني أصبحت شخصا غير مرغوب فيه، أو كما يقال باللاتيني Persona non grata، استفسرت خالد بليزيد عما إذا كان يعرف سبب استدعائي بهذه الكيفية العاجلة من طرف عبد المنعم دلمي، فنفى علمه بأي شيء. وفي ذلك اليوم، أي في 12 نوفمبر 2001، كان بليزيد يعرف تماما ما هو القرار، لذلك سيقول لي بعد ذلك دون أن يفطن للأمر: «شخصيا، طلبت منهما (يقصد دلمي ونادية صلاح) أن يتم التعامل معك بطريقة مهذبة». بالطبع، لم يكن مفروضا أن يبلغني قرارا سأسمعه من دلمي، لكنه على الأقل كان يمكنه أن يقول لي «لا تستعجل الأمور وانتظر ما سيقوله لك دلمي». لماذا لم تقدم استقالتك طالما أن الأمور بلغت هذا الحد؟ - ومن الذي قال إني لم أقدم استقالتي؟ دعني أروي لك الوقائع طبقا لتسلسلها الزمني، وكما حدثت، وليس كما ستكتب بعد ذلك في الصفحة الأولى من «الصباح». كان ممكنا أن أبقى مع الصحيفة من مكتب الرباط كما اقترحوا، لكن كان من الأفضل لي ولكرامتي المهنية أن يتساءل الناس: «لماذا استأذن فلان في الانصراف مستعجلا»؟ بدلا من أن يكون سؤالهم: «لماذا يتلكأ هذا الرجل متثاقلا»؟.