بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    "الكونفدرالية" تقرر تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي ضد التراجعات التشريعية للحكومة وإخلافها لالتزاماتها    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور            الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )        لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي        انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد المنعم دلمي هو من بادر واتصل بي لإطلاق صحيفة «الصباح»
كان من شروطي ان تكون أجور المحررين مماثلة لزملائهم في «ليكونوميست»
نشر في المساء يوم 16 - 09 - 2010


الحلقة 32 :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]
ما هي قصة مغادرتك «المنعطف»؟
- عندما أنيطت بي مسؤولية رئاسة تحرير»المنعطف» كانت الصحيفة متوقفة عن الصدور، إذ كانت تحتجب خلال عطلة الصيف في شهر غشت. كان هذا وضعا شاذا، لأن الصحف اليومية عادة لا تتوقف عن الصدور طوال أيام السنة. ومنذ اليوم الأول لالتحاقي بالصحيفة، انهمكت في وضع خطة تطويرية متكاملة ووضع ماكيط جديد وتغيير تبويب الصحيفة. وتقرر العمل مع نفس الطاقم لإدخال التغييرات المطلوبة. كان عملا مضنيا. وقد ساعدني كثيرا حماس المحررين بالانخراط في مشروع تطويري، لكن لم تكن لدى الصحيفة أي موارد مالية، إلى حد أني كنت أبدد الكثير من الوقت في استقبال الدائنين وتهدئتهم.
هل كان التهامي الخياري يتدخل في طريقة اشتغالك داخل الصحيفة؟
- أبدا، وأقول، شهادة لله، إن الخياري ترك لي حرية كاملة في العمل، بل ترك لي حرية مهنية بلا حدود في تناول الأخبار والمواضيع والمواد، وكان شكيب بنسودة هو صلة الوصل بيننا.لا أتذكر أن الخياري تدخل إلا مرتين: الأولى، عندما نشرنا خبرا لم يكن دقيقا، والثانية عندما أهملنا نشر خبر بسبب زحمة وضغط العمل اليومي. والحقيقة أن الخبرين لم تكن لهما علاقة بالهيئة السياسية التي يتولى قيادتها أو القطاع الحكومي الذي يتولى تسييره. ثم جاءت فترة شعرت فيها بالعياء، خاصة مع تفاقم المشكلة المالية، وعبرت عن رغبتي في الانسحاب في ديسمبر 1999 بسبب استحالة تطبيق مشروع التطوير الذي أعددته نظرا لقلة الموارد، بل انعدامها. لكن تقرر، بالتراضي، أن أستمر. لكن في مطلع فبراير 2000 طلبت بإلحاح هذه المرة أن أغادر للأسباب سالفة الذكر. ويجب أن أقول الآن أيضا إنني وجدت تفهما، وحتى عندما طلبت أن نحتكم للعقد، الذي بمقتضاه تم الاتفاق بيننا، إذا كان هناك إشكال، كان الرد أن هذه مسألة شكلية وأن المهم هو التراضي. وهكذا تقرر أن أستمر في ممارسة مهامي فترة يتم خلالها ترتيب عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى. وفي الموعد المحدد تم ذلك وبكيفية حضارية. لكن، وبكل نزاهة، أقول ما عجل باستقالتي بالطبع هو الاتصالات التي كانت قد بدأت من أجل إطلاق يومية «الصباح»، وهو المشروع الذي سيجعلني أنتقل لأول مرة من الرباط إلى الدارالبيضاء. و في السادسة من مساء الثلاثاء 29 فبراير 2000 وبعد حفل وداعي بسيط، غادرت «المنعطف» رسميا، وكنت قد غادرتها فعليا قبل ذلك بأيام، وكما قلت يومها للطاقم: «أنا مطمئن.. إننا أنجزنا شيئا».
ألم يشترط عليك مسؤولو «المنعطف» بعض الشروط وأنت تستعد للانتقال إلى مشروع آخر؟.
- بلى. طلبوا مني بكل لطف عدم إغراء أي محرر بالانتقال معي إلى المشروع الجديد. وفي هذا الصدد، أقول صادقا إنني كنت حريصا ألا يصحبني أحد من طاقم «المنعطف» إلى المشروع الجديد، لسببين: الأول أنه ليس من الأخلاق المهنية بناء مشروع جديد على أنقاض صحيفة أخرى، وفي كل تجاربي كنت قادرا على الاستعانة بطاقم جديد. وهناك حالتان تشكلان استثناء لهذه القاعدة حدثتا عندما انتقلت من «الصباح» إلى «الجمهور»، سأتحدث عن ملابساتهما لاحقا. والسبب الثاني، أني التزمت بعدم إغراء أي محرر بترك الصحيفة إلى المشروع الجديد.
لكن هناك بعض الصحافيين انتقلوا معك من «المنعطف» إلى «الصباح»؟
- هذا ليس صحيحا، هناك فقط حالة فتيحة أعرور، وسأتحدث عن ملابسات انتقالها إلى «الصباح»، ثم حالة مريم الجفاري، التي كانت تعمل في القسم التقني في «المنعطف». هاتان الحالتان جعلتا «المنعطف» تكتب مقالا ضدي في الصفحة الأولى. أما الآخرون، وأعني تحديدا نادية البوكيلي ومحمد الناسك وعبد الله دجاج، فهؤلاء جئت بهم إلى «المنعطف». وأتذكر أنني أبلغت شكيب بنسودة بأنني لن أترك خلفي محررين يمكن أن يرهقوا ميزانية الصحيفة، لذلك سأسحب الذين عينتهم نحوالمشروع الجديد.
لكن ما هي حكاية انتقال فتيحة أعرور والتقنية مريم الجفاري إلى «الصباح»؟
- موضوع فتيحة أعرور سأعود إليه بالتفصيل، أما مريم الجفاري فكانت تعمل معي في تركيب الصفحة الأولى، وعندما علمت بأني سأنتقل إلى مشروع جديد، ظلت تلح علي كثيرا، حد التوسل، بقبولها ضمن طاقم الصحيفة الجديدة، وحين راحت تلح إلحاحا شديدا، اقترحت عليها أن يتم ذلك بالتراضي، أي أن تتفاهم مع إدارة «المنعطف»، فإذا قبلوا يمكن أن تنتقل إلى المشروع الجديد. وفعلا قدمت استقالتها وطلبت منهم قبولها، وأبلغها المسؤول الإداري والمالي بأنها أصلا لا ترتبط بعقد عمل مع الصحيفة، كما أنها غير مصرح بها في صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي لا يوجد ما يمنعها من الاستقالة. هذه هي الواقعة كما حدثت.
وماذا كان رد فعل «المنعطف» على هذه الواقعة؟
- كتب شكيب بنسودة مقالا في الصفحة الأولى بتاريخ 18 ماي 2000 يقول فيه: «ذات يوم جاء السيد طلحة جبريل مستسمحا في مغادرة الجريدة لأسباب شخصية. واعتبارا لما جمع بيننا طيلة المدة التي قضيناها معه، غضضنا الطرف عما يتضمنه العقد وما يقوله بهذا الصدد، مقتصرين على شرط واحد فقط أن السيد طلحة جبريل يتعهد بعدم إغراء أي مشتغل ب»المنعطف» بعدما قبلنا قراره اصطحاب من يشاء من الصحفيين والإداريين. ذلكم مجمل ما حصل بين جريدة المنعطف والسيد طلحة جبريل. وبالنسبة لنا وبغض النظر عما استخلصناه من هذه التجربة، فإننا استوعبناها بإيجابياتها وسلبياتها ولا نرى داعيا، في المرحلة الراهنة، لتقييمها بالرغم أن عددا من الملفات التي هيئت في المنعطف والتي حظيت حتى بإعلانات على صفحاتها نشرت في الأخير في جريدة منافسة. لكن، ما يدفعنا اليوم للرجوع لهذه التجربة هو ما نعتبره عدم الوفاء بعهد معنوي قطعناه مع السيد طلحة جبريل. ضمن الطاقم الذي بقي في المنعطف، كانت هناك زميلة (يقصد فتيحة أعرور) نعتز بها إلى حد أننا لم نر مانعا في اختيارها لتغطية الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة إلى باريس باسم الجريدة. يوما واحدا فقط بعد عودتها من الديار الفرنسية، أشعرتنا هذه الصحفية بأنها اتفقت مع إدارة جريدة الصباح على الالتحاق بها، بمعنى أنها كانت على سابق اتصال بهذه الإدارة وأنها تناقشت معها على مضمون هذا الاتفاق. ومرة أخرى، غضضنا الطرف وتقبلنا الأمر بصدر رحب رغم الانزعاج المشروع الذي طالنا لما نشرت هذه الزميلة مضمون العمل الذي قامت به في فرنسا باسم المنعطف في جريدة الصباح. اليوم، مرة أخرى وبعد أن تبين لنا أن إدارة الصباح كانت في الحقيقة على اتصال بجل طاقم المنعطف، التحقت مخرجة كانت تعمل بجريدتنا بالصباح مع فارق أنها لم تكلف نفسها عناء إخبار إدارة الجريدة بقرارها».
هذه أهم فقرات ذلك المقال أوردتها كما كتبت، وبما أني بينت تفاصيل انتقال مريم الجفاري، وهي على أي حال ليست «مخرجة» كما قيل، بل كاتبة تقنية، فإن توضيح التحاق أعرور بعد ذلك بصحيفة «الصباح» سيبين حقائق الأمور.
ربما تبدو هذه المسألة شكلية، لكن أعتقد شخصيا أنها أساسية لأن انتقال المحررين من صحيفة إلى أخرى ليس أمرا جللا، لكن الشفافية في هذا الجانب مهمة. وأكرر أن إطلاق صحيفة جديدة على أنقاض صحيفة أخرى أمر غير مقبول مهنيا وأخلاقيا، لذلك ربما يدرك الآن بعض الزملاء لماذا كنت دائما متحفظا تجاه مسألة استقطاب محررين من صحف أخرى في مشاريع جديدة، وكنت دائما أقول إني أريد محررين جددا.
لنتوقف الآن عند قصتك مع «الصباح». ما هو السياق الذي رافق انتقالك إلى هذه الجريدة؟
- كما أسلفت، طلبت في بداية فبراير 2000 أن أغادر «المنعطف» بعد أن أيقنت أن الموارد المالية الشحيحة لن تتيح لي تنفيذ مشروع التطوير وإعادة الهيكلة. لكن طلب مني البقاء بعض الوقت إلى حين ترتيب الأمور، وتولية من سيخلفني في مهامي. في ذلك الشهر اتصل بي الصديق عبد اللطيف عواد، الذي كان مديرا لصحيفة «أنوال»، وقال لي إنه ظل يتصل بي خلال أواخر يناير، لكنه لم يجدني. وقد كنت في الواقع خارج المغرب حيث سافرت إلى بيروت لحضور المؤتمر السنوي لمجموعة «الحياة»، حيث كنت أكتب في مجلة «الوسط»، التي تصدر عن المجموعة فوجهوا لي الدعوة لحضور مؤتمرهم على هذا الأساس. عدت إلى الرباط أواخر يناير 2000، وأبلغني عواد أن هناك شخصا يريد أن يلتقي بي، دون أن يحدد لي من هو، وقال لي إنه من الأفضل أن يكون الموعد وسط الأسبوع، إذا كان ذلك ملائما، فأجبته: «فليكن».
لم تسأله عن هوية الشخص الذي يريد لقاءك؟
- نهائيا. قال لي عواد إنه صديق وهو يوجه لك دعوة لنتناول الغداء جميعا في فندق «هيلتون» بالرباط. وقبل يوم من الموعد المحدد، اتصل بي عبد اللطيف عواد من جديد لتأكيد الموعد، وسألني: «هل تعرف عبد المنعم دلمي؟»، فأجبته: «أسمع به، لكني لم أتعرف عليه قط في حياتي»، فقال لي: «إنه هو الشخص الذي يريد أن يلتقيك». قلت: «أسمع به باعتباره مدير صحيفة «ليكونوميست»، وأعرف أنه زوج نادية صلاح، التي تعرفت عليها معرفة سطحية جدا، عندما كانت تعمل في الصفحة الاقتصادية في «لوبنيون»، فيما كنت أعمل في العلم». وفهمت من عواد أن الإثنين معا، أي دلمي ونادية صلاح، يعملان بالتدريس في كلية الحقوق بالرباط. ذهبت في الموعد المحدد، فقدمني عواد إلى دلمي، فوجدته شخصا مهذبا، وكنت خالي الذهن من سبب اللقاء. قال لي: «كنت أعرفك في «الشرق الأوسط». أين أنت الآن؟» قلت له: «أعمل رئيسا لتحرير المنعطف»»، فعبر عن استغرابه، وقال لي: «هذه صحيفة صغيرة. لماذا التحقت بها؟». وأجبته قائلا: «حين يبحث الصحافي عن عمل يقبل بالعرض الذي يجده أمامه، ولم أكن لأشترط العمل في «هيرالد تربيون» أو «الغارديان»، وما وجدته في سوق العمل هو هذه الصحيفة».
كان في حديثه يمزج بين العربية والفرنسية، واعتذر لي عن ذلك، لكني قلت له: «أفهم ماذا تقول، وإذا كنت تجد صعوبة في العربية يمكن أن نتحدث بالإنجليزية». ثم قال: «لدي مشروع أريد أن ينطلق بهدوء. وسمعت من كثيرين حديثا طيبا عن مهنيتك»، وزاد دلمي قائلا «الأخ عواد صديقي، وقال لي إذا كنتم تريدون رئيس تحرير لصحيفة تصدر بالعربية فلا يوجد أفضل منك». وكما تقتضي اللياقة شكرته وشكرت الأخ عواد، الذي كان حاضرا معنا يسمع كل ما يدور بيننا، وقلت لدلمي: «يسعدني جدا هذا الكلام والعرض، لكن ما هي هوية هذه اليومية؟»، فأجاب:»يومية مستقلة». قلت له، وهنا أنقل من أوراقي التي كتبتها في ذلك المساء، «لكن كلمة «مستقلة» كلمة مطاطة وعامة، مستقلة عن الأحزاب؟ عن الدولة؟ مستقلة عماذا؟»، فأجاب «مستقلة عن الجميع». قلت «طيب. ما هي التوجهات؟ وما هو الخط التحريري؟»، وأجاب «يجب أن تكون صحيفة يومية سياسية، لكن بحكم أنها تصدر عن مؤسسة ذات طابع اقتصادي فنتوقع أن تكون الجرعة الاقتصادية أكبر مما هو معتاد في الصحف اليومية الأخرى». سألته: «هل تريد مني أن أضع لك تصوراً؟»، فأجاب «بعد الاتفاق يمكن أن تضع التصور المطلوب». قلت: «أنا أقبل إذن بالعرض».
وماذا كان رد دلمي عليك؟
- كان رده أن أنتقل إلى الدار البيضاء. وبهذه المناسبة أقول إنه لم يحدث قط طيلة مسيرتي المهنية أن قدمت طلبا للالتحاق بأي صحيفة أو مؤسسة جامعية عندما تعلق الأمر بالتدريس. كان هم الذين يتصلون بي.
طلبت من دلمي مهلة أسبوع أو أسبوعين، وكان ذلك يوم 12 فبراير 2000، لكي أستأذن الناس الذين أعمل معهم الآن، أي «المنعطف»، فسألني «هل لديك اقتراح حول الراتب؟»، وكان جوابي كالتالي: «أعتقد دائما أن العمل هو الذي يحدد الراتب، وليس الراتب هو الذي يحدد العمل»، فقال «على أي حال، الراتب سيكون في حدود 20600 درهم مع تعويض عن النقل حدد في مبلغ 5000 درهم، إضافة إلى 7500 درهم لقاء التمثيل، وخصم الضرائب والاقتطاعات القانونية».
اتفقنا أن أبدأ دواما في حدود ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا بعد الظهر، إلى حين انتهاء المهلة التي اقترحتها على «المنعطف». وما أن فرغنا من الغداء حتى كنا قد ناقشنا جميع التفاصيل، واتفقنا أن يعلن في صحيفة «ليكونوميست» عن توظيف الطاقم الجديد للصحيفة، وأبلغني أنه حصل بالفعل على رخصة الصدور وأن اسم الصحيفة سيكون «الصباح». استحسنت هذا الاسم لأنه محايد وليست له أي دلالة سياسية. وفعلا تسلمت عقد العمل بتاريخ 15 فبراير2000، وذهبت في اليوم التالي إلى مقر الصحيفة في حي بوركون بشارع بوردو بالدارالبيضاء.
وماذا حدث بعد ذلك؟
- خصصوا لي في مقر الصحيفة طاولة وكرسيا في غرفة صغيرة، على أساس إجراء المعاينة للمحررين الجدد. واستفسرني دلمي عن الفترة المطلوبة لإطلاق الصحيفة الجديدة، وقال: «أعتقد أن الأمر يتطلب من أربعة إلى ستة أشهر». فقلت له: «إذا اكتمل الطاقم سأحتاج إلى أربعة أسابيع فقط». استغرب دلمي كثيرا، لكني كنت واثقا مما أقول. واقترح أن يكون الطاقم في حدود 14 محررا، مع وعد بزيادته بعد أن تجد الصحيفة موقعا لها في سوق التوزيع والإشهار. واشترطت من جانبي أن تكون أجور المحررين مماثلة لزملائهم في «ليكونوميست»، أي أن تتراوح ما بين ستة وثمانية آلاف درهم، مع فترة تجربة تتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر. كما اشترطت أن يكونوا جميعهم من الذين لم يسبق لهم أن عملوا في صحف أخرى.
هل وافق دلمي على شروطك؟
-نعم، وأبلغني بأنهم لن يتدخلوا نهائيا في اختيار الطاقم، وخصصوا للصحيفة الجديدة وحدها طابقا، وهو الطابق الثالث. وما لفت انتباهي أني وجدت مؤسسة منظمة وأنيقة وتحمل سمات المقاولة العصرية. بعد ذلك تعرفت على نادية صلاح، رئيسة تحرير «ليكونوميست»، وخالد بليزيد، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير التخطيط، ولاحظت بأنه يتحدث الإنجليزية.
تحدث معك بالإنجليزية؟
- نعم، كنا في الغالب نتحدث بالإنجليزية.
لم يكن وقتها مديرا عاما؟
- نعم، بل سيصبح مديرا عاما في وقت لاحق، لكن كان منصبه في تلك الفترة مدير التخطيط، بيد أنه ظل دائما هو الشخص الثالث في المؤسسة، بعد دلمي ونادية صلاح. كان يكتب عمودا في «ليكونوميست» يتناوب عليه هو ودلمي ونادية صلاح. ومن المسؤولين في المؤسسة تعرفت أيضا على عبد الحميد بلقاسم مدير التسويق والإشهار، وسمير السيفر المدير الإداري.
كيف انطلق العمل في «الصباح»؟
- لم تكن لديهم أية فكرة في كيفية إطلاق صحيفة عربية. المهم أنه بالتزامن مع اختيار المحررين، شرعت مع اثنين من التقنيين في انجاز شبكة قاعة التحرير، وطلبت تجهيزها بأجهزة ماكنتوش (جهاز لكل محرر) ثم بعد ذلك إدخال وكالات الأنباء والصور. وكانت» الصباح» هي الاولى في الجوانب التقنية، مثلاً كانت أول صحيفة لا توجد بها راقنة، وتستعمل البريد الاليكتروني في التواصل.
أقول للأمانة إنهم لم يبخلوا علي بأي شيء يتعلق بالتجهيز والأمور التقنية. وأتذكر أن أول محرر التقيته في إطار تشكيل الطاقم كان هو أحمد جلالي. وكنت قد استدعيت من «المنعطف» كلا من نادية البوكيلي، ومحمد الناسك، وعبد الله دجاج، الذين اشتغلوا معي في «المنعطف»، وكان من أوائل الذين طلبوا الالتحاق كذلك بالصحيفة أحمد نجيم، الذي يشتغل حاليا بمجلة «نيشان»، لكنه اختفى بعد ذلك. ثم استدعيت عمر جاري من «الحركة»، وعبد الله الدامون من طنجة، وكان في حالة قرف من الصحافة ويمارس عملا تجاريا، وكنت تعرفت على قدراته المهنية الممتازة عندما عمل مراسلا لصحيفة «الحركة» من طنجة.
وضعت تصورا أوليا للتبويب، واقترحت أن تكون هناك جرعة ثقافية زائدة، لذلك كنت أحتاج إلى محرر له اهتمامات ثقافية واضحة. وكان الأخ حسن نجمي، وأنا لازلت حينها في «المنعطف»، قد تحدث معي عن الأخ رشيد نيني، الذي كان غادر المغرب بعد تجربة إصدار صحيفته «أوال» و تجربة أخرى سلبية في «العلم»، وعلمت أنه ضجر من تجربته المنهكة في الهجرة. كنت أقرأ له وأعرفه، لكن ليس معرفة وثيقة، ومن خلال ما قرأت له وجدت أنه الأنسب لرئاسة القسم الثقافي. وعلى أي حال، هناك بعض التفاصيل الأخرى سأتحدث عنها عندما قرر رشيد نيني، ليس مغادرة «الصباح»، بل أن يطلق الصحافة المكتوبة ويتجه نحو العمل التلفزيوني. كما ارتأيت أن تكون لنا صفحات رياضة قوية، لذلك طلبت من الأخ حسن العطافي تولي رئاسة القسم الرياضي، ثم كان طبيعيا أن تكون الجرعة الاقتصادية أكبر، لكن كان رأيي أن نهتم بالجانب الاستهلاكي، لأن الصحيفة ليست متخصصة في الاقتصاد، مع تخصيص صفحات للمجتمع وللأقاليم، والتركيز على الاستطلاعات، أي تلك التي يطلق عليها في الصحافة «التحقيقات»، وهو خطأ شائع.
حرصت أن تختلف الصفحة الأولى كليا عما كان سائدا آنذاك، حيث يكون هناك خبران فقط تم صياغتهما في شكل تقرير، واحد رئيسي، والآخر رئيسي ثان مع صورة واحدة مع الخبر الرئيسي أو منفصلة.
وأدرجت أيضا في ماكيط الصفحة الأولى زاوية أخبار قصيرة اخترت لها عنوان «حدث يحدث سيحدث»، ثم زاوية أخبار خاصة بعنوان «أخبار الصباح» وبورتريه صغير بعنوان «أسماء في الأخبار»، إضافة إلى مادة رشيقة عبارة عن قصة ملونة في أسفل الصفحة، وأن تكون جميع المواد بدون تتمات. انا شخصيا، ضد فكرة أن تكون هناك تتمات لأخبار الصفحة الأولى. كانت هذه هي الملامح الرئيسية للصفحة الأولى.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.