سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
غطيت بطلب من البصري «حملة المخدرات» وروى لي حكاية غير منطقية عن اعتقال «الذيب» هددني مرة واحدة بالمتابعة القضائية وكان ذلك مرتبطاً بمحاكمة «الكومسير ثابت
الحلقة الثامنة والعشرون : عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه. من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدارالبيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات. اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدارالبيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل. في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل. طلحة جبريل (صحافي سوداني مقيم في المغرب) [email protected]
لنواصل حديثنا حول إدريس البصري. قلت إنه أشاد بك مرتين، فما الذي قاله بالضبط؟ - نعم، أشاد بي مرتين، المرة الأولى كانت في لندن عام 1989، وقتها كان إدريس البصري في زيارة رسمية للعاصمة البريطانية، ورتبت له السفارة المغربية لقاء مع مجموعة كبيرة من الصحافيين العرب. في ذلك اللقاء، تحدث البصري عني ونوه بعملي، وقال أمام جميع الحاضرين إن «طلحة جبريل هو أكثر مراسل يحظى باحترامنا في المغرب». ونقل إلي هذا الكلام وقتها عثمان العمير، رئيس تحرير «الشرق الأوسط». أما المرة الثانية فكانت خلال آخر لقاء معه بمنزله في بوزنيقة، وسأعود إلى هذا اللقاء لاحقا بالتفصيل. هل سبق أن زار ادريس البصري مقر «الشرق الاوسط» في لندن؟ - لم يحدث ذلك. المسؤول الوحيد الذي زار مقر الصحيفة في بناية «دار الصحافة العربية» في العاصمة البريطانية كان هو المستشار اندري أزولاي. تلك الزيارة تمت في عام 1993، أي الفترة التي كلف خلالها أزلاي بموضوع كتاب «ذاكرة ملك»، لكن هناك شخصيات مغربية اخرى زارت لندن ، وهي زيارات رتبت لها شخصياً، في إطار تحسين العلاقات بين الصحيفة والنخبة المغربية. من هم الذين شاركوا في تلك الزيارات؟ - كانت أوضاع الصحيفة صعبة جداً في علاقاتها مع النخبة المغربية، على الرغم من الحوار الذي اجريناه مع الملك الحسن الثاني في يناير 1985. ذلك الحوار ساعدنا كثيراً في تطبيع العلاقات مع السياسيين المغاربة، لكن على مستوى النخبة المثقفة كان هناك نفور من التعامل مع الصحيفة. وكنا حقيقة في حاجة الى مساهمات هذه النخبة في عدة مجالات، مثل صفحات الرأي والصفحات الثقافية، وبعض الملفات الصحافية. كانت وجهة نظري أن نبادر الى عملية «تطبيع متكتم» مع النخبة المغربية المثقفة، تتم بدون ضوضاء وبعيداً عن وسائل الاعلام. وأقول للتاريخ إن عثمان العمير رئيس التحرير آنذاك، كان متجاوباً الى أقصى حدود التجاوب، بل كان مبادراً في كثير من الأحيان وليس مسانداً فقط. وفي هذا السياق كانت أول مجموعة تسافر الى لندن بدعوة من الصحيفة، تضم كل من المهدي المنجرة وعبد الجبار السحيمي ومصطفى اليزناسني. زارت هذه المجموعة لندن وحضروا اجتماعات التحرير، وعقدوا لقاءات مع محرري وكتاب الصحيفة. وأعد لهم برنامجا حافلا. ولم يكتب أي احد منهم كلمة واحدة عن تلك الزيارة، ولم يكن مطلوباً منهم ذلك، كما لم نكتب نحن أي خبر عن تلك الزيارة . وربما تكون هذه أول مرة يعلم فيها الناس بهذه الواقعة. هل هناك آخرون ذهبوا الى لندن؟ - نعم. دأب المعهد العالي للصحافة والاتصال في الرباط ، على إيفاد بعض طلابه للتدريب في مكاتب الصحيفة في الرباط خلال العطلة الصيفية، واقترحت إدارة المعهد أن تنظم لبعض طلاب المعهد، زيارة الى مقر الصحيفة في لندن، بيد أني وبالتنسيق مع الدكتور محمد طلال، مدير الدراسات في المعهد في ذلك الوقت، اقترحت، أن تزور مجموعة من الأساتذة مقر الصحيفة، بدلاً من الطلاب لأن الفائدة ستكون أكبر. وهو ما تم بالفعل، حيث زار مقر الصحيفة كل من محمد طلال وأحمد خشيشن وزير التربية الحالي وجمال الدين الناجي، وأحمد تفاسكا رحمه الله. كما نظمت زيارة أخرى لأساتذة المعهد الى مقر الشركة في جدة. والواقع أن تلك الزيارات حققت الغرض المطلوب، وصار هناك «تطبيع» تدريجي مع النخبة المثقفة في المغرب. طبعاً هذه العلاقة تعرضت إلى هزة كبيرة مع حرب الخليج الثانية، عندما غزا العراق الكويت في غشت عام 1990، وبعد أن هدأت النفوس قليلاً، زار المغرب كل من عثمان العمير وعبد الرحمن الراشد، وأجريا لقاءات مع عدد كبير من المثقفين المغاربة. وحققت تلك اللقاءات نتائج مبهرة. نعود الى إدريس البصري، ألم يكن يتصل بك عقب المواد التي تنشر ليعرض عليك «امتيازات محددة»؟ - الثابت أنه كان يتصل بي بين الفنية والأخرى، وكان دائما يسألني قائلا: «إذا أردت شيئا لا تتردد أن تقول لي»، لكنني اعتبرت ذلك من باب المجاملات، ولم أعرف أنه كان يغدق أموالا على صحافيين حتى سمعت منه ذلك بأذنيّ. وما هو السياق الذي قال لك فيه البصري هذا الكلام؟ - قال لي ذلك في حوار مسجل بصوته في اللقاء الذي جرى بمنزله في بوزنيقة. ومن هم الصحافيون الذين كانوا يتقاضون أموالا من البصري والذين ذكرهم في هذا الحوار معك؟ - ذكر لي أسماء معروفة ومشهورة بإعطاء الدروس والنصائح في الشفافية النزاهة، لا أرغب الدخول في لعبة الأسماء، لأن أدريس البصري، أصبح في ذمة الله، وحساسية هذا الامر تتطلب تأكيداً من طرف من قال، لا من روى ونقل عنه. وأنت، ألم تتلق من البصري أي شيء؟ - نهائيا و«لا شروى نقير»، كما يقال. مرة واحدة فقط طلبت تدخله في مسألة شخصية، وكنت وقتها عاطلا عن العمل، كان ذلك في عام 1997، كانت لدي شقة صغيرة أسكن فيها في زنقة بهت في حي أكدال في الرباط، اشتريتها من التعويضات التي تلقيتها من «الشرق الأوسط»، اشتريتها نقداً بمبلغ 450 ألف درهم، وكانت تتكون من غرفة واحدة «أستوديو». تراكمت عليّ وقتها ديون للبنك المغربي للتجارة الخارجية، ورفع البنك ضدي دعوى استرداد دين، وكسب الدعوى، وبما أنه لم تكن لدي موارد، فقد حجزوا على الشقة وأرادوا بيعها في المزاد العلني عن طريق المحكمة، وقدر السماسرة سعرها في حدود 120 ألف درهم، ونحن نعرف التواطؤ الذي يحدث في مثل هذه القضايا التي تباع فيها المحجوزات عن طريق مزادات المحاكم. اقترحت على البنك أن يمنحني فرصة بيع الشقة بالطرق العادية على أن أسدد ما أحصل عليه عن طريق موثق العقود إلى البنك مباشرة. وما هي تفاصيل هذا اللقاء مع البصري الذي طلبت منه فيه التدخل في قضية شخصية؟ - دعنى أقول لك إنني لم ألتق البصري عقب مغادرتي «الشرق الأوسط» إلا بعد فترة، وذلك في مطار الرباطسلا، وسألني يومها عن «وكالة يونايتد بريس أنترناشيونال» التي أعمل معها، وقلت له: «إنني غير مرتاح وأبحث عن بديل»، وطلبت منه موعدا لأشرح له موضوع الشقة، هذا الموعد لم يأت إلا بعد عدة أشهر خلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين. وبعد ذلك اللقاء، وقفت معه لبضع دقائق وشرحت له موضوع الشقة، وقلت له إن الأمر يمكن أن يحل عن طريق المدير الإقليمي للبنك في الرباط، يدعى ذلك المدير محمد بنيس وكنت قد سمعت أن له علاقة بإدريس البصري. وعلى أية حال هو يعمل حالياً في مجال الأعمال الخاصة، ولا شك انه يتذكر الواقعة كما جرت. وماذا كان رد إدريس البصري عندما شرحت له أمر الشقة؟ - كان جوابه بهذه الصيغة «بنيس صديقي، اذهب عنده وقل له إنك من طرفي»، فهمت من هذا الجواب بأنه لا يريد أن يتدخل لفائدتي، إذ لو أراد التدخل لتحدث شخصيا مع ذلك المسؤول البنكي مباشرة أو طلب من أحد مساعديه أن يفعل. وعلى الرغم من ذلك، ذهبت عند محمد بنيس، وكان جوابه «أنت الآن أحرجتني مع الوزير، أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا لأن الملف في الدارالبيضاء». أيقنت أن علي أن أسلك طريقا آخر. وفعلا اتصلت بأندريه أزولاي، الذي بادر إلى الحديث مع المدير العام للبنك في الدارالبيضاء، وقبلوا بالحل الذي اقترحته عليهم، أي بيع الشقة بطريقة عادية، ثم تسديد المبلغ برمته إلى البنك، وهذا ما حدث بالفعل، وقررت من يومها ألا أفكر مطلقا في اقتناء أي متر مربع حتى لو كان بيت صفيح في دنيا الناس هذه. تلك كانت المرة الوحيدة التي طلبت فيها تدخل إدريس البصري، وردني خائبا. طيب، هل حدث أن تلقيت تهديدا صريحا أو مستترا من طرف البصري على غرار ما كان يفعل مع بعض الصحافيين؟ - حدث ذلك مرة واحدة. وتعود هذه الواقعة إلى المحاكمة الشهيرة للكوميسير الحاج ثابت في الدارالبيضاء والتي جرت وقائعها عام 1993، والذي اتهم فيها باغتصاب عدة فتيات مستغلا نفوذه كعميد للشرطة في الاستعلامات العامة. كان حاتم البطيوي تولى تغطية تلك المحاكمة، واستطاع أن يحصل على خبر مفاده أن هناك مجموعة من كبار المسؤولين في جهاز الأمن سيفصلون من عملهم بسبب تداعيات قضية ثابت، وكان من بينهم مسؤول الاستعلامات العامة في المغرب حسن الصفريوي. أبلغني حاتم بالخبر وبالمصدر، ونشرناه في «الشرق الأوسط». في اليوم الذي نشر فيه الخبر، اتصل بي الصفريوي، وهو غاضب، وقال: «أحدثك الآن من مكتبي، أنا أمارس عملي كالمعتاد»، واستشهد الصفريوي بالآية القرآنية «إذا جاءكم فاسق بنبأ...»، إلى آخر الآية، ثم اتصل بي فيما بعد إدريس البصري هاتفيا، مؤكدا أن «ما نشرناه لا أساس له من الصحة»، وقال لي وهو في حالة غضب شديد: «لقد طلبت من وزير العدل مصطفى بلعربي العلوي أن يحرك ضدكم دعوى بنشر خبر زائف». وهل تم، فعلا، تحريك الدعوى ضدكم؟ - المهم أني تعاملت مع الموضوع بكل جدية، وأبلغت الأخ رئيس التحرير عثمان العمير في لندن بالأمر، وقال لي إنه سيأتي إلى المغرب على متن أول طائرة، وكان موقفا شهما ومن المواقف التي لا أنساها له. كان حاتم البطيوي وقتها في مدينته أصيلة يحضر اجتماعا للمجلس البلدي، وأتذكر أني وصلت إليه بصعوبة عن طريق هاتف المجلس، وطلبت منه أن يغادر الجلسة لأن هناك أمرا مهما عليّ أن أحيطه علما به، وأبلغته بالموضوع وطلبت منه أن يتكتم عليه، وقلت له إن علينا جميعا أن ننتظر الأسوأ. وفي اليوم التالي، وصل العمير من لندن، وأبلغني أنه سيجري بعض الاتصالات، وفعلا اتصل بالجنرال عبد الحق القادري وأبلغه بالواقعة، والمؤكد أن الموضوع وصل إلى الملك الحسن الثاني، لذلك بقينا ننتظر، لكن بعد مرور عدة أيام، أيقنا بأن البصري كان في سورة غضب وأن تهديده كان وليد لحظة انفعال. بعد ذلك، تحدث الملك في خطاب متلفز، وقال جملته الشهيرة تعليقا على موضوع الكوميسير ثابت: «لا أود أن أوسخ فمي بهذا الموضوع، لكن هناك خمسة أو ستة من الرؤوس يجب أن يذهبوا إلى حالهم». وفعلا صدر قرار بإعفاء عدد من كبار المسؤولين في الأمن الوطني، وكان من بينهم حسن الصفريوي. وكما نعرف، فقد صدر حكم بالإعدام في حق ثابت، ونفذ بالفعل في الخامس من سبتمبر 1993. دعنا نتحدث الآن عن الحملة ضد تجار المخدرات في التسعينيات. يقال إنك كنت تتلقى توجيهات مباشرة من البصري في شأن التغطية الإعلامية لهذه الحملة؟ - كانت تلك عمليا آخر محطات علاقتي بإدريس البصري. تلك الحملة انطلقت في يناير 1996، وبعدها غادرت «الشرق الأوسط»، وبالضبط في السابع من أبريل. أتذكر أنني استدعيت صباح يوم أحد إلى منزل البصري الكائن في طريق زعير. وجدت عند مدخل المنزل عضو ديوانه أحمد الشليح الذي سيصبح عاملا على تمارة. وكان هناك كالعادة عدد من الناس ينتظرون الوزير في أحد صالونات منزله. ولحظتها أبلغني أحمد الشليح بأنني سأرافق الوزير في سيارته، ولم يحدد لي الوجهة أو الموضوع. وبعد فترة، خرج الوزير وكان معه محيي الدين أمزازي الذي سيشغل عدة مناصب مهمة بعد ذلك في وزارة الداخلية. ركبنا مع الوزير في سيارته التي كان يقودها شخصيا. وفي الطريق أخبرني بنبأ انطلاق حملة تطهيرية، وقال لي بهذه الخصوص: «سنقوم بحملة ضد كبار تجار المخدرات والمتملصين من الضرائب بتعليمات من سيدنا (حملة التطهير) وتقرر أن تشارك «الشرق الأوسط» في تغطية هذه الحملة». معنى هذا أن البصري أخبرك بنبأ الحملة قبل أن تنطلق؟ - نعم، قبل أن تنطلق. وطلب مني أن أبقى على اتصال مع سي أمزازي، مشيرا إلى أنه سيزودني بالصور والأخبار قبل الإعلان عنها رسميا، وقال إن «الشرق الأوسط» و«لومتان» ستواكبان الحملة، مؤكدا أنها التعليمات. ثم سألني كيف أتصور التغطية الإعلامية، فقلت له «إن أهم شيء هو الأخبار، وإذا استطعنا الحصول عليها قبل الآخرين، فسيمنحنا ذلك فرصة نشرها بطريقة جيدة، وفي الصفحة الأولى». وزدت قائلا: «نتوقع الحصول على المعلومات وبعد ذلك يمكننا صياغتها بطريقة مهنية. قلت ذلك وفي ذهني أن معظم البلاغات الرسمية المهمة كانت تصدر مساء، أي بعد أن تغلق الصحف، وكان ما يهم المسؤولين وقتها أن تذاع تلك الأخبار في نشرة التلفزة الرئيسية في الثامنة والنصف ليلا. وماذا كان رد البصري عليك؟ - كان رده أنه سيعطي تعليماته من أجل أن نحصل على الأخبار قبل الآخرين، وأشار إلى أن عليّ الاتصال به مباشرة في حالة وجود أي استفسار. وألح أدريس البصري أن أشرف شخصيا على صياغة الأخبار. كان البصري في طريقه إلى مكتبه في الوزارة، وطلب مني أن أصعد معه. وفعلا، رافقته إلى هناك، حيث كان يوجد مزيان بلفقية، وزير التجهيز، رحمه الله، وسعيد أمسكان، وزير النقل، في انتظاره. وعلى الرغم من ذلك، واصل حديثه عن أهمية الحملة، وقال إنها ستكون أكبر حملة في تاريخ المغرب. لاحظت أنه، وبعد أن ألقى التحية على الوزيرين، راح يتحدث معي في العموميات، بل طلب إحضار فنجان قهوة لي، ولعله قصد ذلك في واحدة من طرائقه، لإرسال رسائل يفهمها هو شخصيا. وهل فعلا أصبحت تتلقى أخبارا قبل الآخرين عندما بدأت الحملة؟ - نعم. ليس فقط الأخبار بل الصور كذلك. وكان هناك اهتمام بالغ بما تنشره «الشرق الأوسط»، إذ بات واضحا أن ما تنشره صحيفتنا هو المصدر الذي يعتد به في نشر أخبار الروايات الرسمية حول تلك الحملة. وكان من أكثر الجوانب تشويقا وإثارة في تلك الحملة، موضوع «هروب» بارون المخدرات أحمد بنقوب الملقب ب«الذيب». كان قد أعلن أنه مبحوث عنه، وانتشرت شائعات كثيرة حول قدرته على الإفلات من الاعتقال عدة مرات. وبالموازاة مع ذلك، تردد أنه ألقي عليه القبض فعلا، لكن رسميا كان يقال إنه أفلت لأمور تتعلق بالتحقيق معه. على أية حال، بقي الأمر غامضا حتى اليوم، وأظن أن الشخص الوحيد المؤهل ليقول الحقيقة هو «الذيب» نفسه. هذا الأخير كان رجلا أسطوريا في طنجة، إذ يقال إنه كان يتجول بسيارته في المدينة، وعندما يقف في أي شارع يتناول رزمة من الفلوس ويوزعها على المحتاجين، بل قيل أيضا، في روايات غير موثقة، إنه كان يمول حفلات المناسبات. كان «الذيب» شخصية أسطورية، كما قلت، لذلك انشغل الرأي العام بعملية القبض عليه، خاصة عندما نشرنا، استنادا إلى ما تلقيته من معلومات، أنه استطاع الإفلات من شقة حاصرها رجال الأمن في طنجة قبل موعد الإفطار بدقائق، حيث كنا في شهر رمضان. وبعد أيام، اتصل بي ادريس البصري، وقال لي: لقد ألقينا القبض على «الذيب»، واستفسرته عن المكان الذي ألقي فيه القبض عليه، فقال: «وجدناه في عمارة يملكها في طور التشييد، توجد قبالة «سور المعكازين» في طنجة وتطل على البحر»، مشيرا إلى أنه كان مختبئا في المكان الذي يفترض أن يكون فيه المصعد، وقال إنه ظل هناك ثلاثة أيام بدون أكل أو ماء، لذلك نقص وزنه، وكان معروفا بكونه شخصا بدينا. غير أن تلك الرواية لم تكن مقنعة، لذلك قلت للوزير: «أعتقد أن أي شخص يبقى بدون ماء ثلاثة أيام يمكن أن يهلك». وكان جواب البصري أنه أبلغ أيضا عبد الحفيظ الرويسي، رئيس مجموعة «لوماتان»، بالخبر وبالصيغة نفسها ولا توجد إمكانية لتعديل الرواية. نشرت الخبر في «الشرق الأوسط» على أساس أنه ألقي القبض على «الذيب» في عمارة يمتلكها في طنجة. هل تتذكر بعض الطرائف مع إدريس البصري في هذه الحملة؟ - نعم، من بين الطرائف التي أتذكرها أن إدريس البصري كان، خلال تلك الحملة، يعقد لقاءات مع الصحافيين في مقر وزارة الداخلية. وكنت قد دأبت على استعمال لفظة «أباطرة المخدرات» خلال تغطية أخبار الحملة، للإشارة إلى كبار تجار المخدرات، فسألني البصري عن معنى كلمة «أباطرة» وشرحتها له. وعندما جاء إلى أحد اللقاءات الصحافية، أراد أن يقول إن السلطات ألقت القبض على جميع أباطرة المخدرات، لكنه نسيَ الكلمة على ما يبدو، فقال «ألقينا القبض على جميع أكابرة المخدرات». وعندما بدا أن الصحافيين لم يفهموا معنى «أكابرة»، استدرك وقال «تلك الكلمة التي يستعملها طلحة جبريل» والتفت نحوي وقال: «فسرها لهم». وفي السياق نفسه، كان البصري يحرص على ألا يكتب أي صحافي أنه عقد ندوة صحافية، وفي ظنه أن الندوة الصحافية يعقدها الملك فقط. وكان يقول بالفرنسية قبل أن يبدأ: «هذه Point de presse»، ثم يترجمها حرفيا قائلا: «هذه نقطة صحافة». وكنت أكتب أن الوزير عقد ندوة صحافية، وفي مرة سألني: «لماذا لا تكتب نقطة صحافة»؟ فقلت له: «هذا التعبير لا معنى له في العربية، ومن الأفضل ترجمته إلى لقاء صحافي».