سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استقلت من «الحركة» بسبب القناة الثانية وأشهر «المنعطف» جعلت البعض يتذكر بأني أجنبي تمنينا دائماً، أنا وأبنائي، ألا تضع القرعة المنتخبين المغربي والسوداني في مجموعة واحدة
الحلقة 31 : عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه. من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدارالبيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات. اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدارالبيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل. في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل. طلحة جبريل (صحافي سوداني مقيم في المغرب) [email protected] لكن لماذا قدمت استقالتك من جريدة «توفرت لك فيها كل الشروط المهنية وكنت تمارس فيها دورك بالكامل»، على حد قولك؟- كان بالإمكان أن أبقى في «الحركة» إلى يوم الناس هذا، لولا واقعة تسببت فيها مليكة ملاك، التي كانت تقدم برنامجا إسمه «في الواجهة» في القناة الثانية، وكان يشترك في ذلك البرنامج صحافيون من مختلف المنابر الإعلامية، واتصلت بي لترشيح صحافي يمثل «الحركة»، فرشحت لها علي مبارك الذي كان التحق وقتها بالصحيفة. كان ضيف الحلقة من البرنامج هو عبد الرزاق أفيلال، الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين، وأذكر أني طلبت من علي مبارك أن يعد نفسه جيدا للبرنامج لأنه سيمثل الصحيفة، وليس شخصه. وبالفعل، راح يجمع معلومات حول موضوع يتعلق بمشروع عرف «اختلالات مالية» بجماعة عين السبع، التي كان يرأسها أفيلال، وهو الموضوع الذي ما يزال أمام القضاء، وكان منتظرا أن يطرح علي مبارك أسئلة حوله. لكن الذي حدث هو أنه خلال اللقاء الذي كان يتم مع الصحافيين المشاركين في البرنامج، أخبر علي مبارك مليكة مالك باقتراحه، أي أنه سيطرح أسئلة حول موضوع «الفساد المالي بعين السبع»، فيما كان رأيها، أي مليكة مالك، ألا يطرح هذا الموضوع في برنامجها. ولماذا؟- لأنها لم تكن تريد آنذاك طرح موضع يتعلق بوزارة الداخلية، ربما لاعتبارات تتعلق بها وبالبرنامج. المهم في هذا كله أن ملكية مالك اتصلت وطلبت تغيير علي مبارك بصحافي آخر، وعندما سأتلها عن السبب؟ قالت لي «إنه غير مناسب». وماذا كان ردك عليها؟ - تمسكت برأيي وقلت لها لا يجوز أن تحدد التلفزة من هو الصحافي الذي يمكن أن يشارك في برنامج حواري، وعندما أصررت على موقفي لجأت مليكة ملاك إلى محند العنصر، الذي تحدث معي بلهجة توبيخ حادة لم تكن معتادة منه، خاصة أن العنصر نادرا جدا ما ينفعل. لم أقبل تلك اللهجة ولم أرض بذلك الموقف. ولهذا السبب قررت مغادرة صحيفة «الحركة»؟- ليس في الحين. بل كتبت رسالة استقالة يوم 23 يونيو 1999 وأرسلتها الى محند العنصر. ولأنها، بصراحة هي رسالة الاستقالة الوحيدة التي قدمتها طواعية ودن ضغوط أو تدخلات، أجد من المفيد أن أدرج نصها. كتبت في تلك الرسالة بالحرف موجها كلامي إلى محند العنصر «في بداية هذه الرسالة أود أن أعبر لكم عن تقديري واحترامي البالغ لشخصكم الكريم واعتزازي الشديد بالفترة التي أمضيتها معكم عندما اضطلعت بمهمة رئيس تحرير الصحيفة الناطقة باسم الهيئة السياسية التي تتولون قيادتها. وطوال الفترة الماضية كنت ألمس منكم التقدير والاحترام والتعامل المتحضر والراقي، والواقع أنه لولا عونكم ودعمكم المادي والمعنوي لما أمكن لي القيام بمهمتي وإنجاز ما تم إنجازه. إنني الآن وبعد مضي أزيد من سنة أود من خلال هذه الرسالة إبلاغ سيادتكم برغبتي في الاستقالة من مهامي، دافعي في ذلك الحفاظ على صداقتكم وحرصي الشديد ألا تشوب هذه الصداقة أية شائبة لأي سبب من الأسباب. إن هذا الحرص ولا شيء عداه هو الذي كان وراء تقديم استقالتي إيمانا مني بأن الصداقة والعلاقة مع الرجال لا تقدر بثمن، وهي غير قابلة مطلقا لأي مساومة كيفما كان نوعها أو طابعها. إنني في هذه الرسالة أود أن أعبر لكم صادقا عن اعتزازي بالتجربة التي قمت بها رفقة ثلة من الزملاء. لقد كانت بالفعل تجربة غنية ومثيرة وستظل موضع اعتزازي. إن تحويل صحيفة كانت تعاني ما تعاني إلى صحيفة تصدر وفق قواعد مهنية واحترافية صارمة ليس أمرا سهلا. لذلك حازت الصحيفة على إعجاب وثناء وتقدير الوسط السياسي والإعلامي. ولا شك أن المختصين والمهنيين سيقرون بأنها تجربة غير مسبوقة في المشهد الإعلامي المغربي. إن العمل كان جماعيا وكان دوري هو دور من يضبط إيقاع الفرقة، لذلك أرى من واجبي الذي تفرضه علي أخلاق المهنة أن أخص بالتنويه في هذا الصدد الصديق علي أشبان، الذي وجدت منه دعما متصلا وتعاونا مثمرا طوال الفترة التي عملنا فيها سويا. لقد انخرط فريق صغير في التجربة بحماس وإيمان وكنت ألمس فيه رغبة عارمة لمواجهة الصعاب وإنجاح عملية إعادة الهيكلة. إنني ومن خلال هذه الرسالة أود أن أؤكد لكم استعدادي التام في المستقبل أن أضع تجربتي المهنية رهن إشارتكم دائما وأبدا. وسيبقى هاجسي الأول والأخير هو الحفاظ على صداقة ومودة شخص يستحق كل التقدير والاحترام. إنني على يقين بأنكم ستقدرون الظروف والحيثيات التي دفعتني لاتخاذ هذا القرار، وبالتالي سأعتبر أن مهمتي مع الصحيفة ستنتهي في أجل أقصاه 30 يونيو 1999. وتقبلوا السيد الأمين العام فائق التقدير والاحترام».كان هذا هو نص الاستقالة. وعلى الرغم من محاولات بذلت لإقناعي بالتراجع، تشبثت بموقفي، وهكذا غادرت «الحركة» بعد سنة حافلة، وعدت إلى مكتبي في أكدال ليبدأ فصل آخر من فصول «صحافة تأكل أبناءها». بعد «الحركة» انتقلت إلى «المنعطف». ما هي قصة هذا الانتقال؟- لم أنتقل مباشرة، بل عشت فترة بياض. بقيت ثلاثة أشهر بدون عمل من يونيو إلى سبتمبر 1999. دعني أحدثك قليلا عن تلك الفترة. دخلت من جديد دوامة البطالة وتبعاتها وتراكم الديون وما يجلبه من نكد ومنغصات. مرة أخرى لم أجد سوى الصديق منصور العيسى الذي كان كريما معي، وأنا شديد الامتنان لهذا الرجل. خلال هذه الفترة اقترح علي الزميل الصافي سعيد العمل معه في مجلة «أفريكانا»، وهي مجلة شهرية أصدرها على نفقته لتهتم بالقضايا الإفريقية، لكن تلك التجربة لم يكتب لها أن تستمر بسبب مشكلة التمويل.عدت من جديد إلى دوامة القضايا أمام المحاكم بسبب الديون، وأعني ديون البنوك والكراء. خلال تلك الفترة تعرفت على عدد كبير من الأعوان القضائيين في المحكمة الابتدائية في شارع مدغشقر بالرباط. كانت معرفة مفيدة في كل الأحوال. كانوا يأتون عادة إلى مكتبي في أكدال بقرارات حجز على «ممتلكاتي»، ولم تكن هناك بالطبع «ممتلكات»، بل كتب ووثائق وصور مع قادة دول وجهاز كومبيوتر وهاتف وفاكس.كنت أقول لهؤلاء الأعوان القضائيين مازحا: «أرجوكم لا تحجزوا على أي شيء داخل مكتبي، لأنه من خلال هذا المكتب سيأتي العمل وستأتي الأموال الطائلة، وربما أكون الصحافي الوحيد الذي لديه مكتب شخصي، لأني لا أريد أن تدخلوا في متاهات البحث عن عنواني وأين أقيم، على الأقل سهلت عليكم الأمور». تعاملت أنا والكاتبة ناديا، التي صمدت معي سنوات طويلة، مع الأوراق التي كان يحضرها الأعوان القضائيون، ببرودة دم، وفي بعض الأحيان كنا نعتبرها مزحة ثقيلة، لأن كل الأوراق تقول بالحجز على الممتلكات، وما أن يدخل العون القضائي إلى المكتب حتى يكتشف أن ليس هناك أي شيء يستحق الحجز. ويكتفي بالتفرج على صوري مع قادة الدول. على أية حال ستتولى «ناديا» بعد ذلك مهمة تسديد الديون، وهي إلى الآن تتصرف في راتبي بالطريقة التي تراها، هذا هو الحل الذي توصلنا إليه في نهاية المطاف، ربما تتأخر لكنها تسدد شهريا ما بذمتنا، وأذكر أني حتى عندما غادرت المغرب إلى أمريكا واظبت هي على الإيفاء بالتزاماتها، وهذا ربما كانت له انعكاسات طيبة على سمعتنا معا. خلال الفترة ما بين استقالتي من «الحركة» وانتقالي إلى صحيفة «المنعطف»، سألت نفسي سؤالا منطقيا، هل من الضروري أن أتسمر حيث أنا حتى آخر قطرة زيت في المشكاة؟ لماذا لا أغادر نحو أية جهة أخرى؟ بل تساءلت أيضا :لماذا لا أذهب إلى الخليج مثلا، وأعمل هناك وأترك أبنائي يتابعون دراستهم في المغرب»؟. كانت فترة صعبة جدا علي وعلى أبنائي بطبيعة الحال. تقصد القول أنك عشت محطة أخرى من مسار «صحافة تأكل أبناءها»؟ - نعم محطة أخرى من محطات هذه الصحافة التي تأكل أبناءها، لكن في سبتمبر 1999 سيتصل بي هاتفيا شكيب بنسودة، مدير ديوان التهامي الخياري وزير الصيد البحري آنذاك. شكل ذلك الاتصال حدثا على الصعيد الشخصي، لأني كنت أتصل بعدد من المسؤولين أو أعضاء دواوينهم، وأسمع الجواب المعتاد: «لديه اجتماع» أو «أنه سيتصل بكم فيما بعد». حتى زملاء المهنة، باستثناء واحد أو اثنين، انقطعوا عن زيارتي. بعضهم اعتقد أن علاقتي بالمهنة انتهت، وهذا اختزال عجيب للأشياء، إذ من المؤكد أن الصحافي لا يفقد مهنته فقط لأنه يعيش فترة بطالة. يمكن أن يكون هناك وزير أول سابق، ووزير سابق، ومستشار سابق، ومدير سابق، لكن لا يوجد «صحافي سابق». الصحافي يبقى صحافيا حتى يدخل قبره. الصحافيون يتقاعدون في قبورهم. المهم، سعدت جدا عندما سمعت من شكيب بنسودة عبارة «نريد أن نلتقي بك». خمنت أن الأمر يتعلق بخبر سار، وصدق حدسي. هل كانت لك معرفة سابقة بشكيب بنسودة؟- إطلاقا، بل حتى التهامي الخياري كانت علاقتي به محدودة جدا، ولم يحدث أن كان لنا لقاء مباشر. كنت أعرف بالطبع بأنه من القياديين البارزين في حزب التقدم والاشتراكية، وأنه قاد انشقاقا عموديا انتهى بتأسيس حزب جديد أسماه «جبهة القوى الديمقراطية»، واستطاع الخياري استقطاب آخرين لم تكن لهم علاقة بحزب التقدم والاشتراكية.ذهبت إلى شكيب بنسودة في مكتبه بوزارة الصيد البحري، وأبلغني أنهم في الحزب يقترحون علي تولي رئاسة تحرير صحيفة «المنعطف» وإعادة هيكلتها، وكان جوابي مقتضبا وحاسماً. قلت: «بكل فرح. لا يوجد أي مانع». هل التقيت بالتهامي الخياري؟- التقيت به فيما بعد، لكن الاتفاق الأساسي كان مع شكيب بنسودة مدير ديوانه. أبلغني بأنهم يريدون إعادة هيكلة الصحيفة لتتحول إلى صحيفة يومية قوية. طلبت منه أن يحددوا لي الخط التحريري، وكان جوابه مقتضبا وواضحاً. قال: «هذه صحيفة ناطقة باسم «جبهة القوى الديمقراطية» ونحن نشارك في حكومة التناوب بوزيرين». فهمت المطلوب. وبعد ذلك التقيت بالتهامي الخياري، وكان لقاء وديا، وفهمت منه أنهم يتوقعون مني نتائج إيجابية، وستمنح لي جميع الصلاحيات، لكن الخياري أصر أن أكتب اسمي رئيسا للتحرير. بصراحة لم تكن تلك رغبتي، لكن كانت ظروفي الشخصية والضائقة المالية لا تتيحان لي أصلا وضع أي شروط، لذلك لم أعترض، على الرغم من أني لم أكتب شيئا بتوقيعي. وفي هذا السياق، أتذكر أن «العلم» كتبت تعليقا، في الصفحة الأولى، فيه الكثير من الغمز حول رئاستي تحرير «المنعطف»، وذكرت أن بعض الصحف راحت تستعين ب»الأجانب» لرئاسة التحرير، وذكرت اسمي واسم زميل آخر. ومن هو الاستقلالي الذي يتحمل مسؤولية نشر هذا الخبر في «العلم»؟- لا علم لي بالتفاصيل في هذا الشأن. سمعت أن من كتب ذلك محرر اساسين لكن ليست لدي رواية موثقة . ولا أخفيك أني تألمت كثيرا لذلك التعليق، لأن «العلم» هي مدرستي التي تعلمت فيها وأعتز بها. بعض الناس عندما لا يجدون شيئا يقولونه، يتذكرون أني أجنبي، وهذا أمر محير فعلا. أنا لم أزعم في يوم من الأيام أني مغربي، على الرغم من أن حبي لهذا البلد مماثل تماما لحبي لبلدي، لذلك أنا أعتبر المغرب، قولا وفعلا، وطنا لي. وكتبت في مقدمة هذه الحلقات «صحافي سوداني مقيم في المغرب». لو كنت في أمريكا وبقيت 35 سنة هناك لكنت ترشحت للرئاسة الأمريكية. وبهذه المناسبة، أتذكر أمرا طريفا. دائما ما أطرح سؤالا بسيطا على أبنائي: «إذا لعب المنتخب المغربي لكرة القدم ضد المنتخب السوداني، من تشجعون؟» ويكون جوابهم: «بصراحة لا نعرف». ويطرحون علي نفس السؤال: «وأنت من ستشجع؟»، فأقول لهم بصراحة «أنا أيضا لا أعرف». أنا وأبنائي نتمنى جميعا ألا ترمي القرعة المنتخبين في مجموعة واحدة. ويتذكر الرياضيون أن المرة الوحيدة التي نال فيها المغرب كأس أفريقيا للأمم في عام 1976 كانت نتيجة مباراته مع المنتخب السوداني هي التعادل، ربما نتمنى دائماً أن تتكرر هذه النتيجة. لنرجع إلى قصة عملك في صحيفة «المنعطف». هل باشرت عملك فورا في هذه الصحيفة؟-أتذكر أني وقعت عقدا ينص على ما هو مطلوب مني إنجازه، حيث حدد العقد ثلاثة أهداف: أولا، تطوير الصحيفة. ثانيا، التعريف بمواقف «جبهة القوى الديمقراطية» في إطار من التفتح على المشهد السياسي. ثالثا، وضع خطة تتيح للصحيفة استقلالا إدارياً وماليا. ونص العقد أيضا على أن أكون مسؤولا فقط أمام التهامي الخياري، وأن أواصل عملي مع المنابر الخارجية مثل مجلة «الوسط». وما هو سقف الراتب الذي كنت تتقاضاه من «المنعطف»؟- كنت أتقاضى عشرة آلاف درهم طبقا لما هو منصوص عليه في العقد. متى كان ذلك؟- وقعت العقد في 15 سبتمبر 1999، وبناء عليه انتقلت إلى مقر الصحيفة في زنقة مولاي أحمد الوكيلي بالرباط، ليس بعيداً عن مقر الاذاعة الوطنية. هل وضعت بعض الشروط مقابل الاشتغال في «المنعطف»؟- أية شروط؟ هل من كان في حالة عوز يضع شروطاً؟! كيف وجدت الوضع داخل الصحيفة؟ - كانت الصحيفة توجد في شقة متواضعة جدا. قاعة صغيرة للمحررين، وقاعة للقسم التقني ومكتب رئيس التحرير، وفي المدخل مكتب استقبال يجلس في الاداريون أيضاً. وكان هناك مكتب في شقة أخرى للمحاسبة والإشهار والتوزيع. كان يعمل في الصحيفة عدد محدود من المحررين، وترأس تحرير الصحيفة قبلي عمر الحسني ، وهو شخص هاديء ودمث. كانت تسود وسط المحرين حالة إحباط بسببب ظروف العمل وتدني الأجور. لكن قطعا كانت ظروفهم أفضل من الظروف التي وجدت فيها محرري «الحركة». كان هناك احترام للأمور القانونية مثل الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، وأقسام المحاسبة والإشهار والتوزيع منظمة إلى حد ما. بدأت بوضع ميزانية تقديرية، ووضعت تصورا للانطلاق بميزانية شهرية في حدود 520 ألف درهم شهريا، بما في ذلك تكلفة الورق والطبع، لكن تلك الميزانية لم تتوفر بالطبع. وماذا عن الصحافيين الذين كانوا يشتغلون داخل الصحفية؟- وجدت هناك عناصر جيدة مهنيا. ربما كان ينقصها الحماس فقط. كان هناك عبد الواحد الأشهب ومحمد المشهوري وعبد العزيز بنعبو وحميد الأصبهاني ومصطفى مومسك وفتيحة أعرور ويوسف المودني وزهرة ايدموح. هل عملت على إلحاق صحافيين آخرين بهيئة التحرير؟- نعم، استعنت بعناصر جديدة، من بينهم الزميل محمد بنيس في القسم الرياضي، وكنت أعرفه بالطبع منذ أن عملنا سويا في «العلم»، ونادية البوكيلي جاءت معي من «الحركة»، ومحمد الناسك الذي كنت أعرفه قبل كذلك، وعبد الله دجاج الذي تقدم بطلب للعمل في الصحيفة، حيث كان يعمل في صحيفة أمازيغية غير منتظمة يصدرها المحامي أحمد الدغرني. تقصد هنا عبد الله نهاري سكرتير التحرير الحالي بجريدة «الصباح»؟- نعم. لكن لماذا تناديه «عبد الله دجاج» رغم أنك أنت من اخترت له لقب نهاري؟- اسمه عبدالله دجاج، و أنا فعلاً الذي اخترت له هذا اللقب، وسأتحدث عن هذه القصة عندما نصل إلى محطة «الصباح». وأعود لأقول إن التعديلات التي قمت بها داخل «المنعطف» لم تهم فقط الطاقم البشري، بل أدخلت تعديلات على المكاتب، واستعنت بعناصر وأجهزة جديدة في القسم التقني. كما أدخلت تعديلات جذرية على ماكيط الصحيفة. ألم تكن لك مشاكل مع بعض الصحفيين؟ - أبدا. طمأنت العناصر القديمة بأن من عادتي أن أعمل مع الجميع، ولا يمكن أن أفصل أحدا، وسعيت إلى تحسين أجورهم، وهذه كانت قاعدة عندي، أي رفع الأجور، ثم ربطت علاقات مباشرة مع المراسلين، ولعل من الأشياء الملفتة أن «المنعطف» كان لديها عدد كبير من مراسلين في الأقاليم والمدن. هل أدخلت تغييرات على الخط التحريري؟- حاولت الاستفادة من وجود محمد بنيس، وهو قيدوم الصحافيين الرياضيين المغاربة، لإضافة جرعة زائدة في التغطية الرياضية. وبما أن للصحيفة شبكة مراسلين واسعة في الاقاليم، عمدت إلى أن تهتم بأخبار المدن والأقاليم.وما هي المشاكل التي واجهتها في الصحيفة؟- المشكلة الأساسية، هي الجانب المالي، خاصة أن الصحيفة لم تكن لها مطبعة، كما أن مداخيلها من الإشهار محدودة. لكن تمكنت بموارد محدودة من الاستمرار، على الرغم من ذلك، سعيت إلى تطويرها قدر الامكان. لم تكن لدي مشاكل، سواء داخل الصحيفة أو خارجها. كانت المشكلة الأساسية هي الوضعية المالية للصحيفة. ولا يوجد أي إشكال مع قيادة «جبهة القوى الديمقراطية»، حيث التقيت بنوابهم في البرلمان، ووجدت منهم تفهما حول رؤيتي لتغطية أنشطتهم البرلمانية. ولا ننسى أن المدة التي عملت بها كانت قصيرة جدا، إذ كانت عمليا من أكتوبر حتى منتصف فبراير عام 2000، أي حوالي خمسة أشهر. ولم أجد تركة ثقيلة كما هو الحال في صحيفة «الحركة». كانت المشكلة الأساسية، كما أسلفت، هي شح الموارد، لذلك كثيرا ما واجهتني مشكلة تسديد الأجور والفواتير الإدارية.