ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎تجربتي مع صحيفة «الحركة» كانت الأفضل خلال مساري المهني واستفدت منها كثيراً
‎كان الوضع كارثيا وخلال سنة واحدة تغير كل شيء وقفزنا بالأجور الى مستويات قياسية مقارنة بما كان
نشر في المساء يوم 15 - 09 - 2010


الحلقه الثلاثون :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]
‎ ما هي قصة انتقالك للاشتغال في جريدة «الحركة» الناطقة باسم الحركة الشعبية؟- دعني قبل ذلك أضعك في صورة أوضاعي الشخصية مع بداية 1998. كنت ما زلت أعمل مع وكالة «يونايتد بريس إنترناشونال»، لكن كل برامج تطوير الوكالة كانت قد تجمدت، وأصبح العمل يقتصر على إرسال أخبار وتقارير، يعني عملا مماثلا لعمل أي وكالة عادية، في حين كانت شروط العمل غير مواتية، إذ لم تكن توجد مصاريف للتحرير، سواء تعلق الأمر بمصاريف الهاتف وخدمة وكالة المغرب العربي للأنباء أو التنقل داخل المغرب، وكان الراتب لا يتجاوز ألف دولار. وهكذا أصبحت عاجزا عن توفير الحد الأدنى لمصاريف أسرتي، خاصة مصاريف المدارس لأبنائي. حاولت أن أستعين بعمل إضافي مع صحف ومجلات أخرى، لذلك راسلت صحيفة «الزمان»، التي كانت تصدر في لندن. كما كتبت مواضيع ثقافية لمجلة «الوسط» بتشجيع ودعم من الصديق بيار أبي صعب. بيد أن تلك المساهمات لم تحقق ما هو مطلوب. كانت تعويضات «الزمان» لا تتجاوز 400 دولار في الشهر، فيما لا تتجاوز تعويضات «الوسط» 150 دولارا، ثم إن راتب «يونايتد بريس إنترناشونال» كان غير منتظم. كانت أيام بؤس حقيقي، ما يزال طعم مرارتها تحت لساني.أكثر ما نغص حياتي هو أن أبنائي كانوا عرضة للطرد من المدرسة بسبب عجزي عن تسديد مصاريف الدراسة. كان أبنائي يتابعون دراستهم في مدارس البعثة الفرنسية. وندرك أن هناك إقبالا كبيرا على هذه المدارس، لذلك لم يكن لدي إدارة البعثة الفرنسية أدنى استعداد للمرونة. أتذكر أني ذهبت إلى الإدارة وحاولت أن أشرح لهم بأني شبه عاطل من أجل تخفيض الأقساط أو تأجيل تسديدها، لكن نعرف أن الفرنسيين يكونون قساة جدا في مثل هذه الأمور.تلقيت بالفعل إنذارا بأنه في حالة عدم التسديد سيضطرون إلى طرد أبنائي من المدرسة، غير أني لم أكن مستعدا على الإطلاق أن أطلب مساعدة من أحد. حاولت أن أحصل على قرض من البنك، لكن لم يكن هناك أي بنك على استعداد أن يقرضني. البنوك لا تعترف بالماضي. البنوك تريد دائما أن تعرف فقط ما هو حاضرك: «هل تتقاضي راتبا منتظما؟ وهل لديك سجل جيد في مجال التسديد»؟. ضاقت بي الدنيا وأظلمت تماما، وبقيت أقاتل من أجل أن أجد حلا. فكرت جديا في مغادرة المغرب، لكن السؤال كان: إلى أين؟ كنت أريد ضمانات بالعمل في أوربا أو في الخليج، لأني كنت أخشى أن أقفز إلى المجهول. لماذا لم تفكر في الاشتغال مع الصحف والأسبوعيات المغربية التي كانت تصدر في ذلك الوقت؟ - شخصيا لم يكن لدي أي اعتراض في الاشتغال مع أي صحيفة مغربية، لكن كان هناك وضع غريب في هذا الصدد. إما أنك تجد ناسا لا يرغبون فيك لحساسيات مهنية أو يعتقدون بأنك إذا عملت معهم ستكلفهم كثيرا جدا على اعتبار أنك تجر خلفك رصيدا مهنيا. كنت أعمل في مكتبي بأكدال، وتراكمت علي مستحقات الكراء، وأقيمت علي عدة دعاوى قضائية بسبب الكراء وديون البنوك، وساءت أوضاعي جدا. في تلك الفترة، أي في فبراير 1998، سيكلف الملك الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل حكومة التناوب. نتذكر أن المشاورات استمرت حتى شهر أبريل، وحين أعلنت تشكيلة الحكومة وجدت أن معظم الوزراء تربطهم بي صلة وثيقة جدا، بل كان بعضهم أصدقاء لي، فألمحت أكثر من مرة لأكثر من وزير برغبتي في أن أجد عملا، لكني لم أتلق أي اقتراح على الإطلاق. كيف إذن جاء عرض العمل مع جريدة «الحركة»؟- سيقرر المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية في 23 فبراير تكليف مكتب دراسات بتحويل صحيفة «الحركة» إلى مقاولة عصرية، وفي أحد أيام مارس 1998، سيتصل بي الصديق إبراهيم اليوسي، الذي تربطه علاقة قوية بمحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، والذي سبق له أن عمل مديرا للشؤون الاجتماعية في وزارة البريد، وأبلغني أن العنصر يفكر في تكليف مكتب دراسات لإعداد مشروع تطوير صحيفة «الحركة» وتحويلها إلى مقاولة عصرية، خاصة أن الحزب انتقل إلى المعارضة، وسيواجه حكومة قوية هي «حكومة التناوب»، واقترح العنصر أن أساعدهم في هذا الاتجاه.أبلغت اليوسي بأني لا أعرف مكاتب دراسات في المغرب يمكن أن تقدم المطلوب في المجال الصحافي، لكن بالمقابل يمكن أن أقدم اقتراحا عمليا، هو تشكيل لجنة من متخصصين لإعداد دراسة مفصلة حول المشروع لقاء تعويضات مالية. نقل الأخ اليوسي الاقتراح إلى سي العنصر، وعاد منه بجواب إيجابي، وطلب مني المضي قدما في تشكيل لجنة متخصصة لإعداد مشروع إعادة الهيكلة. اقترحت تشكيل اللجنة من أربعة أعضاء، هم لطيفة أخرباش، وكانت آنذاك أستاذة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، وفتح الله عبد الناصر، الأستاذ بالمعهد نفسه، وأحمد الملاح، وهو مخرج صحافي يقيم في لندن، إضافة إلى شخصي. بيد أن لطيفة أخرباش اعتذرت عن المهمة لارتباطاتها المهنية. وافق العنصر على الاقتراح، ووقعنا عقدا ينص على أن نبدأ العمل في 14 أبريل 1998، على أن تنجز الدراسة المطلوبة في أجل لا يتعدى شهرا واحدا، وبعد ذلك يتم تتبع تنفيذ المشروع خلال ثلاثة أشهر.ألم تكن لبعض أعضاء هذه اللجنة التقنية علاقة تنظيمية بحزب الحركة الشعبية؟- أبدا، لأن محند العنصر أراد أن تكون اللجنة محايدة تماما، وألا تكون لها أي علاقة مع الحزب لا من قريب ولا من بعيد. وماذا حدث بعد ذلك؟- شرعنا في إعداد الدراسة، بتشخيص الأوضاع داخل الصحيفة في ذلك الوقت. واعتمدنا أسلوب الدراسة الميدانية وتقابل المعلومات والتحري والتدقيق، مع وضع جذاذات لجميع الجوانب. جالسنا جميع العاملين في الصحيفة ومطبعة «إمبريال» التي يملكها الحزب. وفي 16 ماي أعددنا تقريرا شاملا، أعتقد أنه الأول من نوعه في تاريخ الصحافة الوطنية. كان التقرير يتكون من ثلاثة أجزاء: أولها حول وضعية الصحيفة في تلك الفترة ،وثانيها يهم الهيكلة المقترحة وثالثها يتعلق بالتصورات المستقبلية. كان تقريرا مفصلا يتكون من 25 صفحة، كتب بعناية وموضوعية ووفق منهج علمي. كم تقاضيتم عن تلك الدراسة؟- تقاضينا حوالي 60 ألف درهم، وكان مبلغا محترما في ذلك الوقت. كان العنصر كريما في هذا الجانب. وماذا طلب منك العنصر بعد أن توصل بهذا التقرير؟- الواقع ان العنصر أعجب جداً بذلك التقرير ، وطلب مني وقبل ان تنتهي مهتنا ترشيح من يمكن أن يطبق ذتلك الدراسة، ورشحت له زميلين هما نورالدين مفتاح، الناشر الحالي لأسبوعية الايام ، وكذلك محمد الشرقي ، مراسل صحيفة « الحياة» . التقى العنصر بالفعل مع مفتاح في مقر حزب الحركة الشعبية في شارع باتريس لوممبا في ماي 1998، ولم أعد أتذكر في اي صحيفة كان يعمل آنذاك، ولم أحضر اجتماعهما، لكن فهمت انه لم يحدث بينها اتفاق، وما ذا كان السبب مادي أو ما الى ذلك ،ولم أسأل العنصر إطلاقاً حول سبب عدم الاتفاق، كما أني لم اتحدث مع نورالدين مفتاح قط حول الأمر، وأعتقد انه كذلك لم يتطرق للموضوع. أما بالنسبة للاخ الشرقي فقد بدأ العمل بالفعل في «الحركة» وكان مطلوباً مني طبقاً للعقد المبرم مع سي العنصر، ان ابقى لمدة شهرين أضافيين من اجل مراقبة تطبيق الدراسة المقترحة، بيد أن الاخ الشرق لم يستمر، وقرر الانسحاب لأسباب لا ادعي اني أعرفها. وما حدث بعد ذلك أن العنصر اقترح علي، باعتباري رئيس لجنة إعادة الهيكلة، تطبيق ما جاء في التقرير بنفسي ، أي ان أتولى رئاسة التحرير، وافقت على العرض على أساس راتب شهري حدد في عشرة آلاف درهم، إضافة بالطبع إلى التعويض عما أنجزناه من دراسة. وهكذا أصبحت عمليا رئيسا للتحرير، وقد تولى الأمور الإدارية والمالية الأخ علي أشبان، الذي وجدت منه تعاونا كبيرا، وساعدني مساعدة مقدرة في تسهيل جميع الأمور، وقد عملنا كفريق واحد.كيف وجدتم الأوضاع داخل الصحيفة؟- وجدنا وضعا كارثيا. إذ لم أكن أتصور في يوم من الأيام على سبيل المثال أن رئيس قسم رياضي في صحيفة يومية، وكان آنذاك هو عبد الرشيد الزبيري، يتقاضى 500 درهم راتبا شهريا. وقد كانت الأجور كلها تتراوح ما بين 500 درهم و2000 درهم، فيما يتم تعويض المتعاونين بعدد الأسطر. وحتى من يقوم بمهام رئاسة التحرير، وهو محمد أمقران، كان يتقاضى 3200 درهم في الشهر، وهو خريج معهد الإعلام والاتصال في الرباط، أي أنه كان شخصا مؤهلا. كما لم يكن يوجد انخراط في الضمان الاجتماعي أو صناديق التقاعد، ولم تكن هناك عقود ولا حوافز، بل كانت هناك أمور بلا حصر تعرقل سير العمل. هل وجدت بعض العراقيل أثناء بدء مهامك؟- بلا حصر. وفي مقدمة هذه العراقيل ضيق في الأمكنة المخصصة للمحررين، ونقص حتى في عدد الكراسي والطاولات، إذ يحدث أن يأتي محرر متأخرا فلا يجد مكانا يجلس فيه. كما لم يكن هناك أرشيف معلومات أو صور، ولم يكن مسموحا استعمال هاتف الصحيفة إلا إذا كان مدير الصحيفة موجودا. خلل وفوضى إدارية طالت حتى توزيع المراسلات والرسائل التي ترد بالفاكس، ومن ذلك أذكر أننا أوردنا في التقرير الختامي أن رسالة بالفاكس أرسلت إلى الصحيفة في السادس من أبريل، من تلك السنة، لكنها لم تصل إلى المحرر إلا في 18 أبريل، أي أنها استغرقت 12 يوما لتنتقل من جهاز الفاكس إلى المحرر المعني. وقد سمعنا شكوى من بعض المحررين أن هناك من كان يخفي قصاصات الأنباء بقصد عرقلة العمل بنية مبيتة.من كان مدير «الصحيفة» آنذاك؟كان المدير هو علي العلوي، وأعتقد أنه ما يزال هناك. ربما لم تعد له الصلاحيات نفسها، لكنه موجود.هل حدث صدام بينك وبين العلوي؟- بصراحة، كنت أعمل بحرية تامة لأن العنصر فوض لي جميع صلاحيات إدارة الصحيفة وتحويلها إلى مقاولة، وقال لي بالحرف:»طبّق التقرير الذي أعد من طرفكم ولا تكترث لأحد». لذلك لم يكن هناك أي احتكاك مع علي العلوي، على الرغم من أنه حاول عرقلة العمل في بعض الفترات، لكن عملية التغيير كانت جارفة إلى حد أني قررت في بعض الأحيان حذف الافتتاحية التي كان يكتبها، والواقع أنه لم يكن له أي دور سوى كتابة تلك الافتتاحية، وفي نهاية المطاف استسلم لعملية التغيير. معنى هذا أن عملت بصلاحيات مطلقة؟- بكل تأكيد، بل دعني أقول لك شيئاً. إن تجربتي في «الحركة» كانت أفضل تجربة في حياتي المهنية. كانت عملية تحدٍ رائعة وممتعة، إذ كيف تحوّل شبه صحيفة ميتة إلى مقاولة عصرية، وأصبحت «الحركة» وقتها أفضل صحيفة معارضة لحكومة التناوب، بدون شتائم أو سباب، بل بنقد موضوعي وبأسلوب راق وطبقا لمعايير مهنية. لقد سبق لي أن عملت قبل ذلك وبعد ذلك في عدة صحف، لكن الصلاحيات التي منحت لي في «الحركة» لم أحظ بها في أي صحيفة أخرى على الإطلاق، بما في ذلك تلك التي لها إمكانيات لا تقارن بإمكانيات صحيفة «الحركة». ثم إن الخبرة التي اكتسبتها في «الحركة» لم أكتسبها في أي صحيفة أخرى، لأنني أعدت بناء مقاولة بطريقتي وبأسلوبي ووفقا لرؤيتي. وأصارحك القول بأني تدخلت في كل شيء: تدخلت في التحرير والإدارة والطباعة. وما الذي فعتله بخصوص رواتب الصحافيين؟-يذكر الزملاء الذين شاركوني تلك التجربة أن أول ما فعلته كان هو تعديل تلك الرواتب تعديلا جذريا. كانت بالفعل «ثورة» في الأجور، حيث قفز الحد الأدنى للأجور من 500 درهم إلى 2000 درهم، واقترحت أجورا جديدة للتقنيين والإداريين، وتمت عملية الانخراط الكامل في الضمان الاجتماعي والتقاعد وأنجزت هيكلة جديدة، وقد وجدت كل الدعم من محند العنصر لأنه رصد ميزانية من الحزب وقدمها للصحيفة. كما ساعدني، بصدق، الشخص الذي أناط به العنصر المسؤولية المالية والإدارية، وأعني الأخ علي أشبان. كما شيدنا قاعة تحرير عصرية، وأدخلت خدمة الوكالات الأجنبية وخدمات الصور، بل أدخلت خدمة الإنترنيت، التي كانت في بداياتها في تلك الفترة، وربما كانت «الحركة» أول صحيفة مغربية تعتمد على الإنترنيت اعتمادا كاملا. كما اعتمدت شبكة من المراسلين في جميع المدن المغربية، واستعنت بعناصر جديدة في التحرير من مختلف التوجهات، وحصلنا على بطاقات مهنية للمحررين وأصبحنا نعمل مثل خلية نحل، وقسمنا الصحيفة إلى أقسام، كان ضمنها قسم الإنتاج. وهل انعكست هذه التغييرات على الصحيفة تحريريا؟- أكيد. صدر أول عدد من «الحركة» في فاتح ماي 1998، ووجد القراء بأنهم أمام صحيفة جديدة لا تقارن بأي صحيفة مغربية على مستوى الإخراج والتبويب. وأتذكر أني تلقيت تهنئة حارة من العنصر شخصيا، وكان راضيا كل الرضى. راح محررو الصحيفة يتحركون داخل وخارج المغرب لأول مرة، حيث كانت الأسفار قبل ذلك
تقتصر فقط على مدير الصحيفة. وأتذكر في هذا الصدد بأني كتبت مرة عنوانا (مانشيت) يقول: «الزبيري يكتب من بكين وجاري من أبوظبي والصوفي من الكويت». لاحظ كيف أنه في وقت واحد كان هناك ثلاثة من محرري الصحيفة يوجدون في الصين والإمارات والكويت. هذا حدث بالفعل. وكنا الصحيفة المغربية الوحيدة التي نشرت التقرير الكامل للمحقق الأمريكي المستقل كينيث ستار حول فضيحة الرئيس الامريكي بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي. هل استقطبت بعض الأسماء الصحيفة من خارج الجريدة للاشتغال معك؟- أقول دائما إن الصحيفة الناجحة هي الصحيفة التي تصنع نجومها، ولا تأتي بهم من الصحف الأخرى. وأقول بدون ادعاء إن «الحركة» خلقت نجومها في تلك الفترة. كان هناك عبد الله الدامون وعمر جاري وعبد الرشيد الزبيري ومصطفى الصوفي ومحجوب البيلي ونادية البوكيلي ونعيمة المباركي وبشرى بهيجي وعبد السلام رزاق وثريا بوجيدة وخديجة بن حدوش وبادي سعدون، إضافة إلى العناصر التي كانت تعمل من قبل في الصحيفة. وأقول بكل موضوعية إن تجربتي في الحركة هي التي أدت إلى ميلاد قوي لصحيفتي «الصباح» و»الجمهور». ألم تواجه بعض العراقيل أثناء أداء مهامك؟- في أي صحيفة هناك «مراكز قوى» مناهضة لأي تغيير لأنها تتضرر من العمل المهني. وعلى الرغم من ذلك، لم أقرر فصل أي شخص. والواقع أني لم أفصل محررا طوال مسيرتي المهنية، وحتى أولئك الذين كنت أعرف بأنهم يتآمرون لإجهاض المشروع ويعرقلون العمل، لم يحدث أن اتخذت عقوبة ضدهم، ودليلي على ذلك أن محررا أنيطت به مهمة التآمر علي في «الصباح» وكنت أعرف التفاصيل جيدا، لكني رفضت مطلقا فكرة فصله التي اقترحها علي بعض الزملاء آنذاك، وهو ما يزال هناك، وسنعود للموضوع حين نصل محطة «الصباح». ماذا كان موقف أصدقائك من الوزراء في حكومة التناوب بعد اشتغالك في جريدة «الحركة»؟- أتذكر في هذا السياق أني بدأت أسمع أن بعض الناس يقولون كيف يذهب فلان إلى صحيفة «الحركة» وهي صحيفة متواضعة، ولم يدركوا أني قمت بعملية تحدٍّ، وهي أن تخرج من رحم هذه الصحيفة صحيفة أخرى حقيقية، إلى حد أني فكرت في تغيير حتى الاسم. وبعض الناس قالوا كيف يذهب فلان إلى صحيفة معارضة لمن يمكن اعتبارهم «أصدقاء» في حكومة التناوب. هذه المسألة رددت عليها عن طريق الصحافي الفلسطيني الصديق بلال الحسن، وكان آنذاك رئيس تحرير «اليوم السابع»، وهو لازال حيا يرزق ويتذكر جيدا الواقعة. زار بلال الحسن المغرب بعد أن صدرت «الحركة» في حلتها الجديدة، وأعجبته جدا، وقال لي إنها صحيفة حديثة إخراجا ومضمونا. كان بلال الحسن يعتزم الالتقاء ببعض من يعرفهم من وزراء حكومة التناوب، فقلت له: «طالما أن الأمر كذلك فأرجو أن تتكرم بنقل رسالة شفوية مني إلى أولئك الذين يسألون عن سبب انتقالي إلى الحركة». هذه الرسالة مؤداها أني صحافي، والصحافي لابد أن يعمل، ولا يمكن أن يموت جوعا لأنه يفاضل بين هذه الصحيفة أو تلك. لست مناضلا في أي حزب من الأحزاب، ومن يوفر لي شروط العمل المهنية أعمل معه، وإذا كان هؤلاء «الأصدقاء» فعلا يخشون على رصيدي المهني، كما يقولون، فقد كنت جائعا ولم يسأل عني أحد منهم، وأبلغتهم بأني جائع ولم يبادر أحد. فلماذا لا أعمل بجهدي وبشروط مهنية محترمة جدا. أكثر من ذلك اتخذ العنصر موقفا نبيلا لا أنساه له، عندما قال لي: «نحن نعرف قيمتك ووزنك، ونعرف أنك تريد أن تبقى على علاقة طيبة مع الجميع، لذلك لا نريد أن نحرجك إذا لم تكن ترغب أن تكتب في الصحيفة. والحقيقة أني لم أكتب سطرا واحدا بتوقيعي طوال سنة كاملة هي فترة عملي في «الحركة»، ولم أكتب حتى اسمي رئيسا للتحرير، على الرغم من أن الجميع كانوا يعرفون بأني رئيس التحرير وبيدي كل الأمور. كم بقيت في «الحركة»؟- سنة واحدة. بدأت عملي رئيسا للتحرير في فاتح ماي وقدمت استقالتي في يونيو 1999. وكانت «الحركة» هي الصحيفة الوحيدة التي نشرت خبر استقالتي في الصفحة الأولى، وهي الصحيفة الوحيدة التي نظمت لي حفلا تكريميا وكتبت ذلك أيضاً في الصفحة الأولى، بل هي الصحيفة الوحيدة التي طلبت مني ترشيح رئيس تحرير بعدي، وهو عبد الرشيد الزبيري، على الرغم من أن ذلك الترشيح لم يرقهم، لكنهم قبلوا به لأنه جاء من عندي. ماذا أقول أكثر من هذا؟.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.