لكل مجال دخوله، وغالبا ما يطرح هذا المصطلح على قطاع التعليم. لكن قبل الخوض في الدخول، يستحضر المرء المجهودات التي بذلت في السنة الماضية، والنتائج المحصل عليها. وإذا كان التعليم لم يوفق بدرجة عالية في إنتاج موارد بشرية تساير مستجدات العصر والأوراش التنموية، فماذا يمكن القول عن السياسة؟ إن الأصل في الأحزاب السياسية أن تمارس السياسة وتنشغل بالتدبير العام، فعلامَ ينم هذا؟ ما هي درجة الاهتمام الشعبي بالسياسة؟ لأن السياسة ليست همّا حزبيا فحسب، كما يفهم كثيرون، وإنما هي همّ عام. فكل عمل حزبي في عمقه القانوني والإنساني سياسي وليس كل فعل سياسي بالضرورة حزبيا. انطلاقا من هذا التقديم، هل يمكن الحديث عن الدخول السياسي بالمغرب؟ هل، فعلا، نتوفر على تجربة سياسية معتبرة؟ هل اختيارنا السياسي ينسجم مع المنظومة السياسية البانية؟ إن المشكل الحقيقي بالمغرب هو الرسوب الدائم في كل المنافسات السياسية، خاصة منها الانتخابية. فهل يمكن أن نقر بوجود أحزاب سياسية أغلبها يرضى بكسب مقاعد في جميع الاستحقاقات بطرق غير مشروعة؟ هل يمكن أن نقر بوجود إدارة نزيهة تعطي النموذج المثالي في الشفافية والمصداقية والجدية؟ وأن الدعم البارز لعناصر من إدارتنا يخدم مصالح أباطرة الانتخابات الذين يستغلون نفوذهم من أجل أغراضهم الشخصية؟ إن تنصيب مجموعة من المسؤولين يكون وليد الزبونية والقرابة غالبا، مما يجعل القطاع المكلف به يعيش نفس المشاكل أو أكثر. ورغم ذلك، تستمر المأساة ويبقى الخاسر الأكبر هو البلد. في تقديري، ليس لدينا دخول سياسي حقيقي لأننا أصلا لا نعيش السياسة كما هي متداولة في الأعراف الديمقراطية لدى الدول التي تحترم نفسها. وهناك مؤشرات كثيرة على ذلك، منها التراجع الديمقراطي كما ذكرنا وقضايا أخرى منها: - لقد هيأ المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الملفات متعلقة بالفساد الإداري والمالي لدى كثير من الإدارات والجماعات والمؤسسات، لكن لم يقدم إلى القضاء إلا النزر القليل. ومما زاد الطين بلة أن الحكومة تحمل مسؤولية الإحالة للمجلس نفسه، وهذا الأخير يعتبر الحكومة هي المسؤولة. ويظل المواطن حائرا بين هذا التقاذف. - إن لجان التفتيش المركزية والجهوية تعمل ليل نهار، لكن يتم التعتيم على نتائجها ومصير الملفات التي حضرت باستثناء ما ينشره الإعلام الذي يبذل مجهودا كبيرا في الحصول على المعلومة، وأثناء نشرها تحال غالبا على المحاكم، إذن هل ليدنا دخول سياسي؟ - بالأمس، قدم رئيس الحكومة الياباني استقالته إلى الرئيس لأنه فشل في مهمة إقناع المسؤولين الأمريكيين حول موضوع القواعد العسكرية، وقريبا قدم رئيس الحكومة البلجيكي استقالته إلى الملك لأنه لم يستطع أن يقرب بين الفرنكوفونيين والفلامانيين، خاصة حول موضوع بروكسيل، وقبله فرنسا... وعندنا تعم إدارات مركزية بفساد مالي وإداري بارز.. بل إن مشاريع سطرت منذ ست سنوات وأصيبت بالفشل، ورغم ذلك فالأمور تسير كأن شيئا لم يكن. فهل، فعلا، لدينا دخول سياسي؟ *حددت الحكومة نسبة الفقر في 9 في المائة، لكن دراسة «أكسفورد» حددت معايير لقياس نسبة الفقراء، ولما طبقت على واقعنا بلغت نسبة الفقر بالمغرب حوالي 27 في المائة.. لكن الحكومة غضبت واعتبرت معاييرها علمية والدراسات الأجنبية خاطئة. وبالتالي، ينطبق علينا الحديث المأثور «إذا لم تستح فاصنع ما شئت». ونفس الأمر وقع عندما صنفنا في الرتبة ال130 على مستوى التنمية البشرية.. حيث قامت الحكومة بتوجيه انتقادات إلى الأممالمتحدة التي يتصدر إحدى مؤسساتها هذا التصنيف الخاضع لسلم التنمية البشرية.. فالمغرب هو المصيب والبرنامج الأممي هو الخاطئ.. أبَعْد هذه الجرأة المكشوفة يمكن الحديث عن الدخول السياسي؟ - ظلت الحكومة تدعي أن المغرب بمنأى عن تداعيات الأزمة العالمية. واليوم تعلن حالة التقشف، مدعية أنه إجراء احتياطي لعدم التأثر بالأزمة، وحسب تصريحاتها فإن المتوقع لنسبة النمو هو 4 في المائة سنة 2010 و4,3 في المائة لسنة 2011. وبالمناسبة، سينعقد بمراكش من 26 إلى 28 أكتوبر 2010 الملتقى الاقتصادي المتعلق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إن ابتعاد الحكومة عن الصراحة يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل يمكن أن نتحدث عن دخول سياسي؟ إن المتتبع للإعلام بشتى أنواعه يستنتج أن الفاعل السياسي بالدرجة الأولى هو المؤسسة الملكية، سواء من خلال خطب جلالة الملك أو تحركاته. لكن الإشكال أن مشاريعَ تتجاوز التاريخ المحدد لإنجازها. وهذا راجع إلى إشكالات هرمية وأخلاقية، مما يطرح سؤال المسؤولية، باستثناء المشاريع التي تتابعها المؤسسة الملكية مرحلة بمرحلة. إن ما وقع في الانتخابات البرلمانية الجزئية بجبهة الشمال مؤشر على أن استعمال المال مازال حاضرا، وعلى أن الترحال السياسي مستمر والحياد السلبي للإدارة قائم إن لم نقل الانحياز أحيانا، وهذا ليس غريبا على منتخبين. يصرح زعماؤها بتصريحات تفاجئ الرأي العام: - فالسيد عباس الفاسي قال: «لن نشهر أبدا مراجعة الدستور في وجه الملك». - كما أخبر بأن جزءا من التحالفات السياسية مرتبط بقرار المحيط الملكي وليس بنتائج الانتخابات. - أما السيد مزوار فقد أكد أن السياسة في المغرب أصبحت تمارس بطريقة متجاوزة. - وشرعت الهيئات المجالية للعدالة والتنمية بالشمال في التحقيق مع حوالي 60 عضوا لم يصوتوا على لائحة الحزب خلال الانتخابات الجزئية المتعلقة بخمسة مقاعد شاغرة لمجلس المستشارين. - والذين طردوا من الأصالة والمعاصرة استوعبهم التقدم والاشتراكية الذي نظم مؤخرا بالدار البيضاء لقاء تحت عنوان «وحدة اليسار». - و«الكاو» الذي فوجئنا به هو التقرير الذي هيأته المجلة الفرنسية «ليكسبريس» التي خلصت إلى أن إصلاح القضاء مستحيل بالمغرب. إذن، أبَعْد هذه «الشلاظة» يمكن الحديث عن الدخول السياسي؟ «الحاصول» الكلام سيطول، ونختصره في ما يلي: إنني لست مؤهلا لرصد برنامج للإقلاع، ولكني أشدد على الديمقراطية أولا والديمقراطية ثانيا والديمقراطية أخيرا، وإلا فلن نتذوق أبدا نكهة دخول سياسي شفاف وسنظل دوما في عتبة الخروج..