في آخر العام الماضي والأشهر الأولى من العام الجاري، اكتشفت الجمعية المغربية لمناهضة الخروقات البنكية أن الكثير من الوثائق البنكية السرية لعدد من الزبناء وصلت إلى بعض باعة «الزريعة» في الدارالبيضاء، وهو ما يصنف في خانة الخروقات البنكية الخطيرة لأن فيها انتهاكا للسر المهني لمواطنين وضعوا ثقتهم في هذه الأبناك واستودعوها أسرارهم البنكية. تتضمن هذه الوثائق السرية، التي وجد بعضها قبل أسابيع في إحدى الوكالات البنكية في عين السبع، جردا بأسماء عدد من الزبناء وأرقام بطاقاتهم ونوعية العمليات البنكية وقيمتها المالية، وتتنوع هذه العمليات بين سحب دفتر الشيكات وسحب النقود، وتوطين اقتطاعات التغطية الإجبارية على المرض في الحساب البنكي، ووثائق تسوية واجبات صندوق الضمان الاجتماعي... ومن شأن تسرب هذه الوثائق أن يلحق ضررا بالغا بأصحابها في حال وقوعها بين أيدي مجرمين محترفين قد يستعملون المعلومات المتضمنة فيها لسحب أموال من حسابات المعنيين أو توريطهم في إحدى المشاكل. وأوضحت الجمعية أن تحليل تواريخ العمليات البنكية يدل على أن الأمر لا يتعلق بحالة إهمال معزولة أدت إلى وصول وثائق الزبناء إلى محلات بيع «الزريعة»، بل بممارسة مترسخة في الوكالة نفسها، تتمثل في التخلص من هذه الوثائق. وتمتد الفترة التي تغطيها الوثائق التي وجدتها الجمعية ما بين 20 أكتوبر 2008 و12 غشت 2009. وبمجرد اكتشافها الوثائق، راسلت الجمعية رئيس مجلس إدارة تلك الوكالة في 26 أبريل الماضي، تحذر فيها من أن تسرب هذه الوثائق يعد خطأ فادحا يتعارض وقواعد العمل البنكي الملزم بحماية السر البنكي، مضيفة أن هذا التسرب تتحمل فيه المؤسسة البنكية مسؤولية جنائية طبقا للقانون، وكان جواب البنك أن الإدارة لا علم لها بالحادثة، وأنها أجرت تحقيقا داخليا أبان عن أن عددا من وثائق الأرشيف سرقت في وكالة واحدة عندما دخل أشخاص غرباء إلى الوكالة خلال القيام ببعض الأشغال فيها، وأن البنك رفع دعوى ضد مجهول لدى وكيل الملك في الدارالبيضاء. هذه التبريرات لم تقنع الجمعية، التي راسلت في آخر شهر يونيو الماضي مديرية الرقابة البنكية في البنك المركزي تشرح فيها أنها أجرت بدورها تحقيقا في الموضوع حول الوكالة المعنية وتبين لها أنها مجهزة بكاميرات للمراقبة لتحديد كل من يدخل إليها، وأكدت على أن هذه التبريرات لا تعفي البنك من مسؤوليته عن الإهمال وخرق السر المهني البنكي. ولم يكلف بنك المغرب نفسه سوى تكرار جواب البنك. ما حصل وقع مثله في وكالة بنكية أخرى حيث عثر على وثائق لعدد من زبنائها في محلات لبيع «الزريعة» في حي إفريقيا وشارع 2 مارس، وفي ظل غياب توضيحات رسمية من إدارة البنك المعني، قالت الجمعية المغربية لمناهضة الخروقات البنكية إنها استفسرت بعض الأطر البنكية عن السبب المحتمل وراء تسرب وثائق الزبناء إلى الباعة في الشوارع، فأوضح لها أحدهم أن بعض الوكالات البنكية لا تتوفر على أجهزة للتخلص من الوثائق المتراكمة بطريقة يستحيل معها قراءة مضمونها، فتلجأ إلى خدمات أصحاب العربات المجرورة لحمل هذه الوثائق والتخلص منها، إلا أن بعض هؤلاء يفضل بيع تلك الأوراق لباعة «الزريعة».