التونسيون يصوتون في انتخابات الرئاسة وأبرز منافسي سعيد في السجن    ترامب يعود لمكان محاولة اغتياله: "لن أستسلم أبداً"    23 قتيلا في غارات اسرائيلية على لبنان    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    معرض الفرس الدولي في نسخته 15.. غاب عن فعالياته رواق وعروض ال DGSN    الريال: كارفاخال يعاني 3 إصابات خطيرة    انطلاق برنامج الحملات الطبية المصغرة لفائدة الساكنة القروية بإقليم إفران    مغاربة يحيون الذكرى الأولى ل"طوفان الأقصى" بمسيرة وطنية حاشدة    البرتغال تؤكد على الشراكة الاستراتيجية "الأساسية" بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    جمعية هيئات المحامين بالمغرب تدين بشدة العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان    أمن طنجة يحقق مع سيدة هددت شابة بنشر فيديوهات جنسية لها    نحو عشرة ملايين تونسي يصوتون في انتخابات رئاسية تبدو نتائجها محسومة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد بالمغرب    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    مضيان يقود لائحة كبار المغادرين لقيادة حزب الاستقلال وأدمينو أبرز الملتحقين    مغاربة ينعوون وفاة الفنانة نعيمة المشرقي: فنانة محترمة وماخذات حقها فالساحة الفنية (فيديو)    التعادل يحسم مباراة الحسنية والوداد    أخنوش: المغرب يعزز قيم الفرنكوفونية    عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    هكذا علقت هولندا على قرار المحكمة الأوروبية وعلاقتها بالمغرب    رغم تراجعه عن مطالبته بوقف تسليح إسرائيل.. نتنياهو يهاجم ماكرون: سننتصر معك أو من دونك وعارك سيستمر لوقت طويل (فيديو)    منتخب U20 يواجه فرنسا وديا استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية        إنزال كبير لطلبة كليات الطب بالرباط في سياق الإضرابات المتواصلة -فيديو-    حزب الله: التواصل مع صفي الدين "مقطوع"    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة        "احذروا".. زخات رعدية قوية مصحوبة ب"التبروري" وبهبات رياح غدا الأحد بعدد من المناطق        وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        البكوري: عملنا يستند على إعمال مبدأ القانون في معالجة كل القضايا مع الحرص على المال العمومي    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى    من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية        السكوري يُطلق منصة رقمية لخدمة التشغيل    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك الحسن الثاني سألني عن أساتذتي ورأيي في كلية الآداب في الرباط
الرئيس الغيني سيكتوري تسبب في إلغاء أول موعد مع الملك الراحل
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2010


الحلقة العاشرة :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب.
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

كيف كان رد السلطة المغربية على قرار الأحزاب القاضي برفض طبع «الشرق الأوسط» في المغرب؟
-إذا كان المقصود الحكومة، كما أسلفت لم يعرض موضوع طبع «الشرق الاوسط» على مجلس حكومي. أما السلطات العليا، أي القصر الملكي، فقد التزم الصمت، في حين كانت ترتيبات الطباعة تسير قدماً. ويبدو أن فكرة إجراء حوار مع «الشرق الأوسط» كان هو الرد العملي على تلك الحملة.
هل نفهم من كلامك أن هذا القرار من الحسن الثاني كان بمثابة رد غير مباشر على أحزاب الحركة الوطنية التي كانت معه في صراع؟
-نعم، هذا ما يمكن استنتاجه عندما قرر الملك الحسن الثاني إجراء حوار مع الصحيفة. والواضح أن قرار الملك كان قراره هو دون توصية من أي أحد من محيط المستشارين أو الوزراء. كان الملك يدرك أن الصحيفة توزع في جميع أنحاء العالم، أي أنها ستسوق صورة إيجابية عن المغرب في الخارج، كما أن موقف الصحيفة من نزاع الصحراء ظل واضحاً منذ البداية، وكان الى جانب مغربية الصحراء، بعيداً عن أي ابتزاز تحت الطاولة أو فوقها كما كانت تفعل منابر أخرى.
هل صحيح أن المسؤولين في جريدة «الشرق الأوسط» طلبوا إجراء حوار مع الراحل الحسن الثاني لإحراج الأحزاب التي عارضت طبع الصحيفة في المغرب؟
- هذا غير صحيح على الإطلاق. قرار إجراء هذا الحوار كان قرار الملك الراحل ولم يكن بطلب من الصحيفة. وهنا أسرد واقعة تؤكد أن الصحيفة لم تطلب إجراء حوار مع الملك، ليس لانها لم تكن راغبة، لكن تقديراتنا كانت أن المرور عبر القنوات التقليدية (وزارة الاعلام) لن يقود الى إجراء الحوار، وحتى بالنسبة للقنوات غير التقليدية، أي عن طريق الديوان الملكي، لم يكن الامر مضموناً. أتذكر أن أحمد بنسودة وكان وقتها مديراً للديوان الملكي أبلغني أن تقديم طلب للديوان لإجراء حوار مع الملك عملية غير مجدية، لان هناك مئات الطلبات في هذا الصدد، واقترح أن ننتظر الى أن يقرر الملك إجراء هذا الحوار، وكان محقاً.
حدثت الواقعة التي تؤكد أن الصحيفة لم تطلب إجراء حوار مع الملك، في يوليو 1984. تلقيت وقتها مكالمة هاتفية من المدير الإداري للصحيفة في لندن، أي بعد مرور زهاء أربعة أشهر على صدور قرار طبع الصحيفة في المغرب، حيث طلب مني أن أنتقل وعلى عجل الى فاس دون أن يوضح سبب ذلك الطلب المفاجيء. كان الملك الحسن الثاني وقتها في فاس، وخمنت أن السبب ربما يكون قرب وصول زائر مهم، بيد أني استبعدت هذه الفرضية، لأن المسؤول الإداري لا علاقة له بالأمور الصحافية، وإذا كان ما فكرت فيه صحيحاً لكان اتصل رئيس التحرير أو مدير التحرير كما جرت العادة. عندما وصلت الى فاس طلب مني الانتقال الى «فندق فاس»، وهناك وجدت أن محمد علي حافظ، أحد ناشري «الشرق الاوسط»، وصل الليلة التي قبلها قادماً من العاصمة البريطانية. التقيت محمد علي حافظ وشرح لي الأمر، واشار الى أنه هو وشقيقه هشام (ناشرا الصحيفة) طلبا عبر قنوات رسمية اللقاء مع الملك الحسن الثاني لشكره على قرار السماح بطباعة «الشرق الاوسط» في المغرب، وكان أن تحدد الموعد على عجل، ولم يستطع هشام علي حافظ الذي كان في جدة آنذاك، الحضور، وبعد وصول محمد علي حافظ إلى فاس أبلغه أحمد بنسودة بأن الملك يرغب في إجراء حوار صحافي، لذلك اقترح الناشر أن أحضر فوراً من الرباط وأرافقه عندما يستقبله الملك وأجري شخصياً الحوار، وافق القصر الملكي على هذا الاقتراح. كانت مفاجأة سارة جدا بالنسبة لي، وتوقعت أن يكون الحوار مع الملك الحسن الثاني له ما بعده في مشواري المهني. وبالفعل عكفت تلك الليلة في إعداد محاور الاسئلة التي سأطرحها على الملك، واقترحت أن يطرح الناشر في البداية ثلاثة أسئلة حول العلاقات المغربية السعودية، ووافق محمد علي حافظ على الاقتراح. وفي اليوم التالي بقينا في الفندق في انتظار اتصال من القصر الملكي في فاس، لنتوجه الى هناك.
وأنت تنتظر موعد اللقاء مع الملك الحسن الثاني، ألم يطلب منكما أن تكونا بهندام معين؟
- لا. لم يكن القصر الملكي يتدخل في هذه التفاصيل، لأنها بدهية، الملك الحسن الثاني كان يتضايق عندما يحضر أي صحافي ندواته الصحافية بدون ربطة عنق، وهذه مسألة كانت معروفة. عندما أخبرت في فاس أني سألتقي الملك، حرصت أن أكون في منتهى الأناقة، وهو أمر طبيعي. وبينما نحن جالسان في بهو الفندق ننتظر المكالمة الهاتفية التي ستحدد لنا موعد اللقاء مع الملك الحسن الثاني، جاء المستشار الملكي أحمد بنسودة وقال لنا «جلالة الملك يعتذر بسبب ارتباطه بموعد طارئ مع ضيف زائر»، كان الضيف هو الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري، الذي حل بالمغرب بشكل مفاجئ.
وماذا فعلتما بعد تأجيل هذا الحوار مع الملك الحسن الثاني إلى أجل غير مسمى؟
- بعد تأجيل اللقاء، استقل محمد علي حافظ الطائرة عائداً إلى لندن، في حين عدت إلى الرباط لأواصل عملي بشكل عادي، وتكتمت على موضوع اللقاء الذي لم يتم، لكن بقيت على اتصال مع المستشار أحمد بنسودة في انتظار أن يُحدد لنا الملك الحسن الثاني موعداً جديداً.
وفعلا، في نوفمبر عام 1984، اتصل بي هذه المرة عبد اللطيف الفيلالي، وكان وقتها وزيراً للإعلام، وأخبرني أن اللقاء مع الملك سيكون في مدينة إفران وأن علي الاتصال برئيس التحرير ليحضر فوراً من لندن.
لكن لماذا قررت «الشرق الأوسط» هذه المرة انتداب رئيسها في التحرير عرفان نظام الدين وليس ناشر الصحيفة محمد علي حافظ ليكون برفقتك في هذا الحوار مع الملك الحسن الثاني؟
- شخصياً طرحت على نفسي هذا السؤال، لكن يرجح جداً أن إدارة الصحيفة لم تكن في البداية على علم بطبيعة اللقاء المقترح مع الملك، واعتقدوا أن الأمر لا يعدو ان يكون لقاءً بروتكولياً يشكرون فيه الملك على قرار طبع «الشرق الاوسط» في المغرب، وربما لهذا السبب جاء أحد ناشري الصحيفة، قبل أن يتداركوا الأمر في المرة الثانية ويتقرر حضور رئيس التحرير. هذا احتمال. أو ربما عندما علم الديوان الملكي أن الملك يرغب في إجراء حوار، تقرر هذه المرة دعوة رئيس التحرير. وهذا أيضاً احتمال. شخصياً لم أكن أعلم الملابسات، التي جعلت الفيلالي يطلب مني الاتصال برئيس التحرير للحضور. المهم أني اتصلت برئيس التحرير وكان آنذاك عرفان نظام الدين وأخبرته بالأمر، وبالفعل أستقل أول طائرة من مطار لندن الى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، وبعد وصوله سافرنا سوياً الى إفران.
طُلب منا أن نقيم في فندق مشليفن، في انتظار أن يتم الاتصال بنا من القصر الملكي في إفران قصد لقاء الملك. وفي الليلة التي سبقت موعد اللقاء تناولنا العشاء مع أحمد بنسودة وعبد اللطيف الفيلالي في مطعم الفندق. دار الحديث حول مواضيع عامة، وكان المتحدث في أغلب الوقت هو أحمد بنسودة، الذي حكى لنا ذكرياته في المشرق العربي عندما كان سفيراً في بيروت، أما الفيلالي فقد بقى صامتاً طول الوقت. وفي اليوم التالي سيقال لنا إن اللقاء تأجل مرة أخرى، لأن الملك الحسن الثاني له التزامات طارئة، وسيتم الاتصال بنا لاحقاً لتحديد موعد آخر.
ومن هي الجهة التي أخبرتكما بنبأ تأجيل هذا اللقاء مع الملك؟
- جاء عندنا إلى الفندق عبد اللطيف الفيلالي وزير الإعلام حيث أخبرنا بتأجيل اللقاء. وهكذا عدنا من جديد من حيث أتينا في انتظار موعد آخر. وفعلا، سيكون هذا الموعد في يناير عام 1985 عندما اتصل بي عبد اللطيف الفيلالي من جديد وطلب حضور عرفان نظام الدين. وصل عرفان من جديد الى المغرب وزرنا الفيلالي في مكتبه في وزارة الإعلام في الرباط، وأخبرنا أن الملك قرر أن يخصنا بمقابلة صحفية وأن علينا أن ننتقل إلى مراكش لإجراء هذه المقابلة. بقينا مع الفيلالي حوالي 20 دقيقة تقريباً في مكتبه، حاول خلالها عرفان نظام الدين التطرق الى بعض الأمور العامة، بيد ان الفيلالي لم يكن متحمساً للحديث. شخصياً لم أتحدث على الإطلاق. كنت أعرف شخصية الفيلالي، وحقيقة موقفه من طباعة «الشرق الأوسط» بل أيضاً حقيقة مشاعره تجاه كل ما له علاقة بالعالم العربي.
سافرنا إلى مراكش في مطلع يناير، والمفارقة أننا بحثنا هناك عن غرفتين في فندق، لنكتشف أن الفنادق ممتلئة ملء سعتها، بسبب عطلة رأس السنة، ورحنا ساعات وساعات ننتقل من فندق الى آخر بحثاً عن غرفتين، وكان أكثر ما أثار حيرتي هو أن الديوان الملكي لم يساعدنا على الاطلاق في تدبير حجز، وأتذكر أني عبرت لرئيس التحرير عرفان نظام الدين عن شكوكي في إمكانية أن يجري اللقاء أصلاً، وقلت له على الأقل كان يفترض أن «الكتابة الخاصة للملك» تدبر موضوع إقامتنا، وشخصياً أشك في أن يستقبلنا ملك البلاد ونحن نتجول في شوارع مراكش على متن سيارة أجرة من فندق الى فندق، وأقول بعد مضي قرابة ربع قرن من هذه الواقعة إني لم أفهم لماذ واجهنا تلك المشكلة، والتفسير الوحيد أن كل جهة اعتقدت أن جهة أخرى تكلفت بنا. بعد جولة طالت وجدنا فندقاً، واتصلت بالمستشار أحمد بنسودة وأبلغته باسم الفندق الذي نقيم به، والمعلومات الأخرى حول رقم الغرفة وما إلى ذلك. ثم بقينا ننتظر أن يتصل بنا القصر الملكي للقاء الملك. وعندما طال الانتظار تسرب إلى عرفان نظام الدين بعض الملل، وقال لي بنبرة متشائمة، يبدو أن سيناريو فاس وإفران سيتكرر من جديد في مراكش أيضا، في إشارة منه إلى أن اللقاء مع الملك سيتأجل للمرة الثالثة. وبدوري رجحت هذه الفرضية وقلت له يكفي أننا نقيم على حسابنا، والمغرب بلد مضياف، ولا أعتقد إذا كان هناك لقاء مع الملك سنقيم على حسابنا. من الضروري أن أشير إلى أن الصحيفة لم تكن محتاجة لمن يتكفل بتغطية مصاريف تحركات صحافييها في مثل هذه المناسبات. لكن وجدت أن عدم الحجز لنا في أحد فنادق مراكش يعد مؤشراً سلبياً، وأن الحوار مع الملك يمكن أن يتأجل للمرة الثالثة.
عندما سافرتما إلى مراكش، هل كنتما على علم باليوم الذي سيتم فيه استقبالكما من طرف الملك؟
- لم نكن نعرف أي شيء. ما كنا نعرفه هو أننا سنلتقي الملك، لكن متى وأين وكيف، كلها أسئلة معلقة ولا أحد يملك جواباً عنها. بعد وصولنا إلى مراكش طلب مني عرفان نظام الدين أن أعد مسودة أسئلة الحوار التي ينبغي أن نطرحها على الملك ويطلع عليها لاحقاً، لكن الذي حدث هو أن المستشار أحمد بنسودة اتصل بنا ودعانا الى وجبة عشاء وعدنا في ساعة متأخرة من الليل، وهكذا لم يتسن لنظام الدين أن يطلع على مسودة الأسئلة التي أعددتها.
ماذا جرى بالتحديد في اليوم الموالي؟
- انتقلنا الى الفندق الذي يقيم فيه المستشار أحمد بنسودة في حدود الساعة 11 صباحا، حيث جرت دردشة ودية، قبل أن يطلب منا بشكل مفاجئ أن نرافقه على متن سيارته إلى القصر الملكي في مراكش. وفعلا، أقلتنا السيارة نحو القصر الملكي، وانطلقت بنا بسرعة وكانت تطلق صفارة إنذار قبل أن تتوقف بنا في موقف القصر الملكي. دخلنا الى القصر بعد عملية تفتيش عادية. وذهبنا الى قاعة صغيرة في انتظار أن نستدعى للقاء الملك. وبعد فترة قصيرة جاء عبد اللطيف الفيلالي وزير الإعلام. راح بنسودة يتحدث عن قضايا عامة. تحدث عن المغرب العربي وعن الشرق الأوسط وعن تاريخه، لكنه ركز حديثه على ما اعتبره سلبيات فترة حكم جمال عبد الناصر. شخصياً لم أعقب والتزمت الصمت، وبدا أن صمتي لم يرق بنسودة، فسألني عما إذا كنت من المعجبين بجمال عبد الناصر، كان ردي عليه بهذه الصيغة «يا سيد بنسودة معظم السودانيين معجبون بشخصية عبد الناصر لأسباب محلية مرتبطة بوضعنا الداخلي في السودان، ولأسباب ترتبط بمكانته وسط الشعوب العربية في فترة من الفترات»، وقلت إن جمال عبد الناصر ساعد السودانيين في استقلال بلدهم واحترم إرادتهم وساعدهم في قضايا لها علاقة بالتنمية وزار الخرطوم بعد هزيمة 67 وألقى في الجماهير التي خرجت لاستقباله خطابا أثنى فيه على الشعب السوداني «الذي علمه الصمود»، كما قال بعد هزيمة يونيو. وكان الحدث الاستثنائي في تلك الزيارة عندما حمل السودانيون سيارة جمال عبد الناصر على أكتافهم من المطار إلى القصر الرئاسي بالخرطوم في سابقة لا مثيل لها في تاريخ السياسة العربية. وقلت أيضاً إنه يصعب علي كمواطن سوداني انتقاد سياسة عبد الناصر. ولاحظت أن بنسودة انزعج من كلامي، وعقب قائلاً: جيلكم لا يعرف الحقائق.
كم قضيتما من الوقت قبل أن يؤذن لكما بالدخول عند الملك؟
- كان معروفا عن الراحل الحسن الثاني أنه يترك ضيوفه ينتظرون أحياناً ساعات طوالا قبل أن يستقبلهم. ولأن الأمر كذلك فقد طال انتظارنا لمدة زادت عن ساعتين، قبل أن يؤذن لنا، في حدود الواحدة بعد الظهر، بالدخول إلى قاعة فسيحة وبديعة، مزخرفة بجميع أنواع الفسيفساء، حيث وجدنا الملك واقفا في وسط القاعة، وبدا كما لو أنه استيقظ للتو من النوم. وقف غير بعيد منه كل من عبد اللطيف الفيلالي والمستشارين أحمد بن سودة وأحمد رضا اكديرة. تقدمنا للسلام على الملك. صافحته شخصياً بانحناءة وأدب يفرضهما الاحترام الواجب له كملك.
وماذا قال لك الراحل الحسن الثاني عندما تقدمت للسلام عليه؟
-التفت نحوي وقال «هل تعرف ما الذي يشترك فيه المغاربة مع السودانيين؟». أعترف أني فوجئت بهذا السؤال، حيث كنت أعتقد أنه سيتحدث مع عرفان نظام الدين. وأجبت «أعتقد انه المذهب المالكي»، وزدت قائلاً «سمعتكم مرة في إحدى خطبكم تتحدثون عن هذا الأمر». وزدت قائلا «ما يربطنا أيضاً أن المرأة في البلدين ترتدي الأبيض حدادا على وفاة زوجها، في حين أن المرأة في باقي دول العالم الإسلامي، ترتدي زياً أسود». لم يعلق الملك على جوابي لكن استنتجت أنه استحسنه، وراح يتحدث عن الطرق الصوفية التي توجد في البلدين. بعد ذلك سألني الملك عن دراستي في المغرب، وقلت له «درست في كلية الآداب والعلوم الانسانية بمنحة من حكومة جلالتكم»، ثم قال «ما رأيك في مستواها التعليمي؟»، قلت «يا جلالة الملك ما من طالب إلا ويعتز بالكلية التي درس بها». ثم سألني سؤالا آخر «من هم أساتذك الذين تلقيت عليهم دروسك في هذه الكلية؟»، عندها شعرت بالارتباك قليلاً، لأن كل الأساتذة الذين درست على أيديهم كانوا من المعارضين لسياسته أو حتى لنظامه، وقد لاحظت ذلك على ملامح وجهه عندما ذكرت له أسماء محمد عابد الجابري وعبد السلام بومجديل وعلي أومليل ومحمد ابراهيم بوعلو والطاهر واعزيز وطه عبد الرحمان وفاطمة المسدالي.
هل كان يتحدث إليك الملك في هذه الدردشة بصوت يسمعه كل الحاضرين داخل القاعة أم أن هذا الحديث لم يسمعه أحد دونكما؟
-جميع الحاضرين في القاعة سمعوا تفاصيل ما كان يدور بيننا من حديث، وكنا جميعا واقفين في انتظار أن يدعونا الملك الى الجلوس لإجراء أول حوار صحفي يخص به الراحل الحسن الثاني صحيفة «الشرق الأوسط». والواقع أني شعرت ببعض الإحراج، لأن رئيس التحرير عرفان نظام الدين كان واقفاً الى جانبي ولم يتحدث معه الملك بعد أن صافحه.
وماذا جرى بعد هذه الدردشة؟
- الواقع أن الملك لم ينه هذه الدرشة، وإنما انتقل فيها إلى موضوع آخر عندما قال لي «ما هي اقضايا التي ستطرحونها؟»، ثم أضاف قائلا دون أن ينتظر جواباً «قيل لي إنك أنت الذي أعددت أسئلة هذا الحوار». فوجئت بذلك لأن أمر إعداد الاسئلة دار في حوار بيني وبين عرفان نظام الدين فقط. كان ردي «نعم يا جلالة الملك». عندها قال له عرفان نظام الدين إن هناك ربما بعض الاسئلة المحرجة ورد «بمقولة ذهبية» ستبقى دائماً عالقة بذهني «على أية حال، لا يوجد هناك سؤال محرج لرجل الدولة، ولكن توجد إجابة محرجة» قبل أن يضيف «لكم أن تسألوا أي سؤال». بعد ذلك، التفت الملك نحو عرفان نظام الدين وقال «أمامكم 45 دقيقة من الوقت لكن سنرى، الأمر يعتمد على أسئلتكم». شخصياً لم أفهم ماذا كان يقصد الملك. هل إذا راقته الأسئلة سيكون اللقاء في حدود 45 دقيقة، واذا حدث العكس سيكون أقل من ذلك.
وطبقاً لما تقتضيه الأعراف وبعد أن جلس هو على كرسي احمر اللون عليه شعار المملكة، جلسنا على يمينه في كرسيين أصغر حجماً، ثم شرع عرفان نظام الدين في الحديث، ومما قاله إن «الشرق الأوسط» سعيدة بأن تحاور واحداً من كبار الحكام في العالم العربي، وأحد أكثر القادة العرب ثقافة واطلاعاً، وإننا نأمل أن نخرج من الحوار بما يفيد العالم العربي ويشبع قاريء الصحيفة».
كان عرفان نظام الدين سألني عما يمكن أن يقال في مثل هذه المناسبات، على اعتبار أني حضرت من قبل عدة ندوات صحافية للملك واستمعت إليه في حوارات كثيرة، فاقترحت أن يثير معه ملابسات إجراء الحوار الذي سبق أن تأجل مرتين من قبل، وإننا جرينا خلف هذا الحوار ربما أكثر مما جرى البطلان سعيد عويطة ونوال المتوكل في الألعاب الاولمبية (فاز عويطة عام 1984 بمسافة 1500 متر في الالعاب الأولمبية في لوس انجلوس بالميدالية الذهبية، والمتوكل بالميدالية الذهبية في مسافة 400 متر حواجز).
وفعلاً وظف عرفان نظام الدين الأمر توظيفاً جيداً حين قال «يا جلالة الملك جرينا طويلاً خلف هذا الحوار أكثر مما جرى البطلان المغربيان سعيد عويطة ونوال المتوكل، وها نحن نفوز أيضاً بهذا اللقاء».
انفرجت أسارير الملك وضحك ضحكة خفيفة. وكان عرفان موفقاً في الطريقة التي طرح بها الموضوع.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.