هبات رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    التساقطات المطرية ترفع نسبة ملء السدود ببلادنا إلى 34.81 بالمائة    البحيري: سعداء بالتتويج بلقب البطولة    المغربي إيغامان يقود رينجرز لفوز مثير    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    إحياءا لروح الوحدة والاستقلال.. وفد من الشرفاء العلميين يزور ضريح محمد الخامس ترحما على روحه الطاهرة    الغلوسي: الفساد يتمدد بفعل غياب الديمقراطية وقوى الفساد تنشر التخويف وتُشرّع لنفسها    اندلاع حريق مهول بحي المهاجرين العشوائي بتزنيت يسائل سياسات الإيواء والاندماج    حفل موسيقي مميز يُلهب أجواء المركز الثقافي ليكسوس بحضور جمهور غفير    الأعمال الفنية الرمضانية: تخمة في الإنتاج ورداءة في الجودة    إغلاق السوق المركزي لبيع الأسماك بشفشاون: قرار رسمي لحماية الصحة العامة وتنظيم النشاط التجاري    أوديسيه: المغرب "إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة حلم" للمسافرين    إسبانيا تُمدد فترة التحقيق "السري" لنفق سبتة بعد تسجيل تطورات    شبهة التهريب الدولي للمخدرات تتسبب في توقيف سائق شاحنة بطنجة    ترامب يجمّد عمل إذاعات أمريكية موجهة إلى الخارج    عواصف وأعاصير تخلف 33 قتيلا على الأقل في الولايات المتحدة    رياح وتساقطات ثلجية الاثنين والثلاثاء    الأرصاد الجوية تحذر من أمواج عاتية    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    السلطات تمنع محامين إسبان موالين للبوليساريو من دخول العيون    "الثقافة جزء من التنمية المحلية" عنوان أجندة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    انخفاض جديد في أسعار المحروقات بالمغرب..    اتحاد طنجة يكرس سلسلة تعادلات الوداد و يرغمه على تعادله الرابع تواليا    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    عشرات الآلاف يتظاهرون في صربيا ضد الفساد    في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا    ستشهاد 6 فلسطينيين من بينهم أسيرة محررة لأول مرة منذ وقف النار.. يرفع حصيلة العدوان على غزة إلى 48 ألفا و572 شهيدا    المُقاطعة أو المجاعة !    العدالة والتنمية يحمل الحكومة مسؤولية التأخير في إعادة إيواء متضرري زلزال الحوز    وزير الداخلية الفرنسي يهدد بالاستقالة إذا ليّنت باريس موقفها مع الجزائر    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    ضبط أزيد من 18 ألف قنينة من المشروبات الكحولية في مخزن سري بالناظور    حالة الطقس ليوم غد الاثنين: أمطار، ثلوج، ورياح قوية بعدة مناطق    المغرب وموريتانيا يعززان التعاون الإعلامي في عصر التحولات الرقمية    تطبيق "تيليغرام" يسمح بتداول العملات المشفرة    مصرع 51 شخصا في حريق بملهى ليلي في مقدونيا الشمالية    من الناظور إلى الداخلة.. عضو في كونفيدرالية البحارة يكشف عن التلاعب بأسعار السمك    الجزائر واكتشاف البطاقة البنكية: بين السخرية والواقع المرير    المغرب يتصدر إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. الفتح الرباطي يتغلب على الشباب السالمي (4-2)    السكتيوي يستدعي 32 لاعبا لإجراء تجمع إعدادي تأهبا ل"شان" 2024    الإيقاع بشبكة نصب في الناظور.. انتحلوا صفة قاض للاحتيال على سيدة    فوزي لقجع.. مهندس نجاح نهضة بركان وصانع مجدها الكروي    استمرار ضطرابات الجوية بالمغرب طيلة الأسبوع المقبل    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    فيضانات وانهيارات أرضية تجتاح شمال إيطاليا (فيديو)    نهضة بركان يتوج بالدوري الاحترافي    نهضة بركان يدخل تاريخ الكرة المغربية بأول لقب للبطولة الوطنية    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    الغذاء المتوازن و صحة القلب في رمضان !!    فرنسا تعلن استيراد الحصبة من المغرب    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.
نشر في لكم يوم 16 - 03 - 2025

المهدي المنجرة عالم مستقبليات يَعقل صناعته بحفر أركيولوجي غير معتاد بين مُجايليه. فهو صاحب رصيد معرفي لا يزال يُحرك أقلام الباحثين بشكل دائم وغير منقطع…يحضر اسمه بين جُدران الجامعات والمعاهد، وفي رَدهات الإعلام، ويتردد ذكره عند الحالمين بالتحرر من هيمنة الاستعمار الجديد…أراد البعض أن يُدخله في غياهب النسيان، ويَطوي تجربته في أجندة التغافل…وفاة "مثقف الكرامة" وُصِف ب"الخسارة الفادحة" في الوسط الأكاديمي الاقليمي والدولي، لأن المنجرة كان حقيقة رمزًا من رموز مناهضة الظلم والفقر و"الاستعمار الناعم". ويَظهر تميزه أكبر في نقله للدرس المستقبلي من المُدرجات الجامعية إلى ميادين الإصلاح والنهضة في الميدان. فهو الخبير الاستراتيجي الذي لا يروقه أن يتوقف عند حدود التشخيص فقط، بل يتطلع إلى اجتراح وصفات للتوقع والتدخل من أجل معالجة الأعطاب التنموية التي راكمها العالم الثالث على امتداد مساره.
والحديث عن المنجرة هو حديث عن كتابه "الاهانة في زمن الميغاامبريالية". من حيث الشكل، يَسُدُّ الكتاب فراغا في حقل الدراسات المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي في السياق المغربي، على افتراض أن البحث في هذا الميدان لا يزال جنينيا لم يُفرز بعد توجهات حقيقية تتقاطع فيها المستويات السياسية مع المستويات السوسيواقتصادية ضمن مقاربات تنموية واضحة، وتجذب إليها سيولات معرفية ومنهجية كثيرة، مثلما هو الشأن في الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث الغربية.
استأثر كتاب المهدي المنجرة باهتمام واسع من طرف الباحثين من مختلف التخصصات، وعلى صعيد أكثر من جامعة، وخلق وقتها رَجَّة فكرية دولية، وخلخل ذهنيات سياسية اعتادت الاصطفاف إلى جانب نعيم السياسة ووتيرية الكراسي. نفدت طبعاته من الأسواق في زمن قياسي في إشارة إلى تلقفه باهتمام واسع من طرف القراء، وخلق أسئلة محرجة مثلما شرح دهاليز ومخافر العلاقات الدولية والدسائس السياسية التي تحاك ضد العالم الثالث.
استعادة فكر المنجرة في ظل التحولات الراهنة التي يعيشها العالم الثالث من انتفاضات و"ثورات" ما يسمى الربيع العربي والجدل الإعلامي الذي يرافق التنظير لها، يجعلنا أمام فكر واقعي استراتيجي استشرف المستقبل، ليس من زاوية الباحث المتخصص، بل من موقع الشخص الذي تقلد مناصب سياسية داخل أجهزة المؤسسات الدولية، مما يجعل مسألة استحضار مقولاته أمرا ضروريا لفهم وإعادة فهم ما يقع على المستوى الدولي.
بطاقة تقنية عن الكتاب
كتاب الإهانة في زمن الميغا إمبريالية صدر عن منشورات المركز الثقافي العربي سنة 2004 في 267 صفحة من الحجم المتوسط، زُينت غلافه لوحة معبرة للفنان المغربي أحمد بن يسف (صورة وردة ذابلة تنشد الغيث والسقاء في دلالة على واقع الحال). وهو في الأصل عبارة عن سلسلة محاورات صحفية وحوارات حية وشهادات تاريخية مع منابر إعلامية دولية ووطنية، تغطي مساحة ما يعرف بالتاريخ الراهن، (20 حوار صحفي/ 06 مقالات صحفية).
أصل الكتاب مشهد طفولي ترسخ في ذهن المنجرة في زمن الحماية الفرنسية بالمغرب، مشهد ضرب ماسح أحذية من طرف أحد المعمرين الأجانب في مقهى شعبي، وعبر عنه انشائيا في إحدى الحصص المدرسية.(الذاكرة والتاريخ).
والواقع، أن قراءة كتاب المهدي المنجرة "الاهانة في زمن الميغا إمبريالية" لا يستقيم منهجيا دون التعمق في مختلف انتاجاته الفكرية، على مدار أزيد من خمسة عقود، ذلك أن الكتاب الذي نقدمه للقارئ يأتي كحلقة ضمن حلقات المشروع الفكري للمهدي المنجرة، مما يستدعي التقاطع بين الحين والآخر على مختلف انتاجاته الاستوغرافية وإحالة القارئ الى دراسات أخرى.
يلاحظ قارئ كتاب الاهانة في زمن الميغا إمبريالية تحليلا عميقا ودقيقا "لتاريخ الاهانات" التي عرفتها الدول العالمثالثية، مثقلا بالتحليل الكمي الاحصائي، والتي توضح مما لا يدع مجالا للشك أن زمن الإهانة تستتبعها انتفاضات حتمية في إطار جدلية التاريخ، لأن النخب التي أوكلت اليها مهمة الترافع عن الشعوب باعت ضميرها للاستعمار الأمريكي الجديد، وما يزكي هذه الانتفاضات هو تساؤل الشعوب المستمر: أين نحن مما يقع من حولنا؟ أين حكامنا؟ أين مثقفونا؟ ما سبب هذه الاهانة الدولية؟
يقول المهدي المنجرة في تقديمه لإصداره الجديد: "إن الانشغال المركزي لهذا الكتاب يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي "الإهانة"، هي شر قديم يعود بقوة في هذا العالم -عالم ما بعد تفكك النظام السوفياتي- الذي اعتبره فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ"، الإهانة أضحت شكلا من أشكال الحكم واستيلاب الارادة، وأداة لتدبير العلاقات الدولية. إنها حسب القاموس الفرنسي لروبير "عملية فعل الإهانة وتلقيها".
تتلقى شعوب العالم الثالث إهانة مزدوجة: إهانة دولية معبرة عن الغطرسة الامريكية الهادفة إلى أمركة العالم، وأخرى محلية مرتبطة بعلاقة الأنظمة الحاكمة بالشعوب، تنضاف إليها إهانة ثالثة عندما يمتنع المرء عن إبداء أية ردة فعل (استجابة للقدر).
مضامين الكتاب:
قارب المهدي المنجرة بين ثنايا الكتاب عدة قضايا جيوسياسية دولية واقليمية ومحلية من زاوية الاهانة الدولية التي فرضها النظام الدولي الجديد على كل الأنظمة السياسية بما فيها الغرب الأوروبي، واعتبر الوضع السياسي الجديد بعد تفكك المنظومة الاشتراكية السوفياتية مُنذرا بظهور الحروب الحضارية بين الشرق والغرب، حروب قيمية، حروب هوياتية، سيلعب فيها الإعلام دورا أساسيا.(حديت دافييد بن غوريون إلى أثرياء اليهود عشية الإعلان عن قيام اسرائيل بالشرق الاوسط1948م).
حين نضع هذا الكتاب في سياق التأليف التاريخي المغربي، فهو يتميز منذ الوهلة الاولى بثلاث ايجابيات لا جدال فيها:
أولا: استثمر المهدي المنجرة تجربة خمسين سنة من المحاضرات الجامعية والبحث العلمي والحوارات الإعلامية في مختلف الجامعات الغربية والعربية، وتراكمات الخبرة الدولية في مراكز البحت الاستراتيجي لمقاربة موضوع الاهانة كتيمة كونية عابرة للقارات ومخترقة للفضاءات.
ثانيا: خاض المؤلف تجربة كتابة التأريخ للعلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد ونظام العولمة من زاوية المحلل الناقد المتتبع لسير الأحداث والمجريات والمتوقع لمالاتها المستقبلية، وفي هذا الصدد نحن أمام مساهمة فكرية تغني المكتبة المغربية بل العالمية بشكل أعم، لأن جل المؤلفات المتوفرة حول موضوع الاهانة والكرامة الانسانية في عالم اليوم تغلب عليها السطحية والمعالجة الضحلة، وتعتمد على مراجع متقادمة ومعطيات رقمية تضليلية تخدم أجندات سياسية معروفة، والواقع أن المؤلف وإن عبر في السنوات الاخيرة من حياته عن اهتمامه بموضوع الاهانة في زمن الميغا إمبريالية فإن انشغالاته الكبرى كانت لم تنفك عن مناصرة قضايا الأمة الاسلامية والعالم الثالث وإشكالية العطب التنموي واستمرارية الفعل الاستعماري.
ثالثا: اتبع المؤلف منحى التركيب الذي لا يخلو من صعوبة، تركيب يجده القارئ حاضرا في تناول قضايا متعددة ومركبة، تمزج بين ما هو محلي خاص (ميكرو سياسي) وبين ما هو كوني عام (ماكرو سياسي) ولا يعني التركيب في هذه الحالة الاقتصار على الايجاز واختزال مراحل تاريخية كبرى في تأليف صغير الحجم، بل هناك خيطا رابطا يصل بين مختلف مقالات وحوارات الكتاب، وهو إعادة النظر في التصور الذي ما زال شائعا عند عموم القراء وعدد لا يستهان به عن الباحثين، مفاده أن الدراسات التركيبية تحجب مساحات مهمة عن التحليل والتدقيق.
يتمحور فكر المنجرة حول تحرّر الجنوب من هيمنة الشمال عن طريق التنمية، وذلك من خلال محاربة الأمية ودعم البحث العلمي واستعمال اللغة الأم، إلى جانب دفاعه عن قضايا الشعوب المقهورة وحرياتها، ومناهضته للصهيونية ورفضه للتطبيع، وسخر المنجرة كتاباته ضد ما أسماه ب"العولمة الجشعة". وألف المهدي المنجرة العديد من الدراسات في العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا وقضايا التنمية، أبرزها "نظام الأمم المتحدة" (1973) و"من المهد إلى اللحد" (2003) و"الحرب الحضارية الأولى" (1991) والإهانة في عهد الميغا إمبريالية (2004).
وقد جاء في تقديم هذا الكتاب أن ظاهرة العولمة من وجهة نظر المهدي المنجرة، بصرف النظر عن كل المقاربات والتأويلات، مرحلة من مراحل الاستعمار الجديد الذي تعمل القوى الكبرى على التأسيس والترويج لها، ليس فقط على مستوى الممارسة والتطبيق، ولكن أيضا على مستوى الثقافة والفكر.
إن العولمة في نظر المهدي المنجرة هي فرض لنمط معين من القيم من لدن دول الشمال على دول الجنوب. ولا ينتفض المهدي المنجرة، وهو السابر لأغوار العلاقات الدولية والعارف بمعظم تفاصيلها، ضد العولمة كظاهرة استعمارية جديدة فحسب، بل وأيضا كتوظيف لغوي يحرم الدول والشعوب من حقها في اختيار مصطلحاتها ومفاهيمها ومفرداتها للتعبير عن واقعها وآمالها في التحرر والاستقلال والكرامة. (الاستعمار اللغوي/ الاسلامي). ويضيف التقديم أن رفض المؤلف لظاهرة العولمة السائدة، إنما هو رفض لحمولتها الاستعمارية الجديدة، لبعدها الاقتصادي والإقصائي، ولمحتواها الفكري المتمركز حول المنظومة الغربية، ولتطلعها إلى صهر كل ثقافات العالم في بوثقة واحدة، ولرفضها مبدأ التعدد والتنوع اللذين لا مستقبل للبشرية بدونهما.
يرى المهدي المنجرة الذي أهدى الكتاب إلى والديه اللذين قال عنهما إنهما "علّماني قيمة الكرامة": "أن تاريخ العالم الثالث في الخمسين سنة الأخيرة عبارة عن سلسلة متناهية من المهانات والمذلة والانحدار على كافة المستويات، والانهيار هو المستديم وليس التنمية". وحتى يُشخص المهدي المنجرة المسألة استعمل مجموعة من العبارات التي اختارها مثل "الكذبوقراطية" و"الذلقراطية" و"الرهابقراطية" و"الخوفقراطية"…وهي مصطلحات جديدة لخّصت المأساة العالمثالثية التي تعيش شعوبها مرحلة الاستعمار الذكي بعد طرد الاستعمار المباشر. ويتساءل المهدي المنجرة الأزمة: أين مثقفونا ومبدعونا؟ ما الذي حدث لمناضلينا المدافعين عن القضايا الكبرى؟! أين هم المتحدثون باسم المجتمع المدني؟ إلى أي حد ستصل بهم الوشاية وتجارة المخابرات؟ كيف نُفسر سكونيتنا الخاصة والقبول بمذلة وطنية ودولية كهذه؟ ويضيف في موضع آخر: "نحن نعرف من يموّل هذه النخب (الحركات الثقافية/ صالونات النخبة)، ومنها صوّب سهام نقده نحو الإعلام الذي وصفه بأنه "سطحي" إذ يقول "إنني لم أعرف يوما ما الإعلام العربي ولا أعرف عنوانه فهو سطحي محكوم بتبعية وبضغوط رئيسية ثلاثة. أولا غياب الديمقراطية في البلاد العربية والضغوط الخارجية نتيجة للهيمنة على منابع الإعلام إضافة إلى التمويلات الأجنبية لتطوير الإعلام عندنا الذي يفتقر إلى الإمكانات والوسائل المتطورة مما يفتح باب تلقي المساعدات وما يتبع ذلك من وصاية.
يسلط المهدي المنجرة بعض الضوء على ما أسماه بالكذبقراطية مستدلا بمقولة فرنسوا مورياك الكاتب الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل 1952 فقد قال سنة 1941:
"إن الدخول في السياسة ظل يعني دائما التخلي عن الآداب".
تفطن المنجرة إلى دور الكتاب والإعلاميين في صناعة الرأي العام الدولي، مستشهدا بحوار أجراه دافييد بن غوريون مع أثرياء يهود العالم بأحد الفنادق الفخمة بأمريكا عشية الاعلان قيام دولة اسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط: "أنا ذهبت إلى أمريكا سنة 1948 وعمري 15 سنة بالصدفة وصلت في نفس الشهر الذي خلقت فيه الأمم المتحدة إسرائيل بقرار أممي، بعد مدة جاء بن غوريون وعقد اجتماعا مع أثرياء اليهود بفندق ضخم وقال لهم: "أنا لا أريد مالكم أريد أن يشتري كل واحد منكم محطة تلفزة أو إذاعة واستديو للأفلام أو جريدة"..
هذه الوسائل هي التي استخدمت لفرض الأفكار والقيم الصهيونية ألم يقل بوش ذات يوم. "لا يمكن أن نسمح لأي كان أن يمس قيمنا ونوعية حياتنا". ألا تسمح لغيرك أن يغيّر قيمك يعني أن تفرض ثقافتك وأسلوبك ولونك وهذا "مشروع غربلة" ألم يقل ابن خلدون حين تتغلب قبيلة على أخرى تفرض عليها طرق عيشها ولباسها ولغتها وسلاحها في كتاب المقدمة.
كان الاستعمار ولا يزال يتحرك بمنطق "وحدانية السوق" التي تحدث عنها روجي غارودي، وحدانية تجعل الانسان متحكما فيه من طرف الشركات المتعددة الجنسيات.
المهدي المنجرة حمل على اليونسكو والجامعة العربية التي رأى أنها ملحقة بالبنتاغون وضواحيه مسؤولية اندحار العالم الثالث، وشن هجوما على بعض المفكرين الذين يوصفون ب"الإسلاميين"، مؤكدا أن الصفة الأخيرة دخيلة ولا وجود لها عبر التاريخ الاسلامي، متتبعا عبر متون ومضان التاريخ لحظة تشكلها، وإنما جاؤوا بها لإحداث الفرقة بين المسلمين، كما سخر المنجرة من مصطلح "الحداثة" التي رأى أنها فارغة من أي مدلول وأنها إلى اللغو أقرب. وأن بعض المفكرين الاسلاميين "رضعوا" الإسلام من بعض المستشرقين وتعرفوا عليه، عن طريق بعض الرموز في الغرب مثل لويس ماسينون وميشو بلير وادموند دوتي وجاك بيرك وغيرهم…
لم يغفل المنجرة عن الحديث عما أسماه بالحرب الحضارية سنة 1991 مؤكدا ريادته في هذا المجال قبل صامويل هانتنغتون بعامين: "لقد استعملت تعبير الحرب الحضارية في حوار مع مجلة ديرشبيغل الألمانية يوم 15 فيفري 1991 التي جعلت منه عنوانا على صدر غلافها المخصص لحرب الخليج، وقد قلت حينها بالحرف: "هذه هي الحرب الحضارية الأولى، ليس لي أن أقارن نفسي بهانتنغتون لأن أطروحاتنا ليست متماثلة فأطروحتي استشرافية أما أطروحته فتوجيهية".
ويمكن تلخيص مقاربتي على الشكل التالي "إذا لم تنتبه للقيم الثقافية فسيقودك ذلك نحو النزاع…أطروحتي تأخذ شكلا استباقيا لتفادي النزاعات على عكس هانتنغتون الذي يعتبر أن البذرة الوراثية للعنف توجد في الحضارات".
كرر المهدي المنجرة أكثر من مرة مقولة أنطونيو غرامشي التي آمن بها فهو ليس متفائلا تفاؤلا اعتباطيا، وليس متشائما لكنه يميل للتسلح ب "عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة".
القراءة النقدية للكتاب:
تجدر الاشارة الى أن كتاب الإهانة في زمن الميغا إمبريالية للمهدي المنجرة ينتمي حسب المختصين بدراسات الابستمولوجيا ضمن خانة "نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي" تلك النظرية التي صاحبت لحظة الانتشاء بالاستقلال الشكلي لدول العالم الثالث في سياق المواجهة النظرية مع نظرية الهيمنة المركزية الغربية التي برزت في العلوم الانسانية. ويعد ادوارد سعيد الذي دشن حقل هذه النظرية بكتابه الاشكالي والصادم حول "الاستشراق" 1978 واحدا من أبرز منظريها. فالنظرية تلامس مشكلات الاستعمار ومعيقات التنمية واستمرار الامبريالية الأمريكية وتزايد الصدامات الحضارية وتكريس التباعد الثقافي والانقسام السياسي بين فرقاء اللعبة السياسية، وقد برز عدة مثقفين منافحين عن هذه النظرية (فرانز فانون- البير ميمي- ليو بورد سيدار سنغور المهدي بن بركة…)
يستند المهدي المنجرة إلى المستقبليات التي يُعد من بين المتخصصين الأوائل فيها، وكل ذلك في المدار الذي لا يفارق النقد، النقد المتعدد الأوجه المصوب نحو الغرب الامبريالي، وانطلاقا مما يمكن نعته ب المثقف الثالثي المهموم ب "اقتصاد التنمية وقول الحق في وجه السلطة وبنوع من الانفعال والغضب"، بل إنه ينتقد صمت المثقفين واضرابهم عن الخوض في الأسئلة الحارقة، يقول المهدي المنجرة في كتابه الحرب الحضارية الكبرى.
"لقد هالني سكوت عدد كبير من المثقفين أو المعارضين في العالم الثالث" (ص 24).
تقتضي الكتابة التركيبة بالضرورة إنتقاء المعطيات والأمثلة والأرقام، ومن الصعب أن تخلو هذه الكتابة من الثغرات، ومع ذلك أود أن أشير إلى بعض الجوانب التي لم يعالجها الكتاب بالرغم من أنها تنسجم مع منطقه العام، ففيما يخص تحليل مرحلة التناوب التوافقي ومفهوم العهد الجديد وتجربة العدالة الانتقالية التي شهدها المغرب منذ التسعينات ومطلع الألفية الثالثة، وهي قضايا سياسية لم تخضع لمجهر المنجرة تحليلا وتشخيصا، وتنسجم مع منطق الكتاب، مما يجعل القارئ يجد صعوبة في ربط الكوني بالمحلي المغربي.
توحي قراءة كتاب المهدي المنجرة بضرورة قيام بتتبع شامل لمفهوم العلاقات الدولية والنظام الدولي الجديد والاستناد إلى المرجعية الأحادية.
وأخيرا يبدو لي أن كتاب الاهانة يتمتع براهنية ذات فائدة تنويرية بالنسبة للقارئ العادي والنبيه، فمن جهة يساعدنا الكتاب على فهم التجربة التاريخية الملموسة التي أنتجت عددا من المفاهيم الكونية ذات الصلة بحراك الربيع العربي، وأعني المفاهيم المرتبطة بحقوق الانسان، الديموقراطية، الحرية المدنية، مسالة العلاقة بين السلطة السياسية والدينية، ثم إن فهم أحداث الحراك العربي في ظل فوضى الإعلام يدعونا الى قراءة واعادة قراءة مضامين المشروع الفكري للمهدي المنجرة.
الإهانة في زمن الميغا امبريالية كتاب يقرأ مرات ومرات…ويعتد به لرجل صارت محاضراته عابرة للحدود والقارات، إستفاد منه العالم كله إلا بلده. يكوي المنجرة بعباراته من هم فوق، لكنه ينشد الشفاء متسلحا بمقولة غرامشي "عقلانية التشاؤم وتفاؤل الارادة"
ما تنبأ به حصل. أمريكا على حافة الإفلاس وهيمنتها على العالم قيد التصدّع تعلن قدوم قوى عالمية اخرى على استحياء…الوضع العربي يزداد سوءا…الأنظمة العربية تترنح والنخب المثقفة. آن الأوان لها أن تخرج من دائرة الارتزاق والانتهازية والوصولية.
مؤلفات المهدي المنجرة:
*من المهد الى اللحد، القاهرة، 1981.
*الحرب الحضارية الاولى، الرباط ، 1991.
*القدس العربي، رمز وذاكرة، مطبعة وليليي 1996.
*حوار التواصل، منشورات شراع، طنجة ، 1996
*مسار فكر، منشورات وليلي، مراكش 1997.
*عولمة العولمة، منشورات الزمن، الرباط، 1999.
*انتفاضات في عهد الذلقراطية، منشورات البوكيلي، القنيطرة، 2002.
* the United nation system. London 1973.
* no limits to learning. Report to the club of roma. London.1979.
* Maghreb et francophonie. Paris 1998.
*premiere guerre civilisationnelle. Rabat 1991.
* nord sud prélude à l'ère postcoloniale.casablanca.1993.
* la décolonisation culturelle. Défi majeur du 21 siècle. Edition walili Marrakech 1996.
* guerre d'Afghanistan deuxième guerre civilisationnelle et fin de l'empire qui la déclenchée .Tokyo 2001.
* humiliation à l'ère du méga impérialisme. Casablanca 2003.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.