خلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص "برلمان.كوم" بقرائه في عالم شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسة والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال. "برلمان.كوم" وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات مسلطا الضوء على حياتها وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتها سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع. في هذه الحلقة، سنقدم نبذة عن حياة الراحل المهدي المنجرة عالم المستقبليات الذي اشتهر بمقالاته وكتبه التي نظرت لمجموعة من الأطروحات والقراءات المستقبلية وللآفاق السياسية والاجتماعية في العالم العربي الإسلامي، وكان من القلائل الذين تنبأوا بسقوط بعض الأنظمة العربية قبل سنة 2011. دراسته بثانوية ليوطي وبأمريكا ولد المهدي المنجرة سنة 1933 بالرباط ودرس بثانوية ليوطي بالدار البيضاء منذ سنة 1944 حتى سنة 1948. وبعد أن حصل على البكالوريا، سافر للدراسة في أمريكا والتحق بمؤسسة بانتي، ثم التحق بجامعة كورنل وتخصص في البيولوجيا والكيمياء. دفعته ميولاته السياسية والاجتماعية إلى المزاوجة بين دراسته العلمية من جهة، والعلوم الاجتماعية والسياسية من جهة ثانية، واطلع خلال إقامته بأمريكا على العمل الوطني والقومي. وبعد حصوله على دبلوم الإجازة في العلوم السياسية بذات الجامعة، انتقل إلى مدرسة لندن للاقتصاديات والعلوم السياسية التابعة لجامعة لندن بين 1954 و1957، ومنها حصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية. فكر المهدي المنجرة ومستقبل المغرب اهتم المهدي المنجرة خلال دراساته بإشكالية “إلى أين نسير”، وخصوصا عند معاينته لغياب رؤية مستقبلية واضحة وشاملة لدى عدد من الحكومات التي تعاقبت على تدبير الشأن العام بالمغرب. وبخصوص سيطرة القوى العظمى على مقدرات وخيرات العالم ، انتقد المنجرة، العولمة، ليس لأنها تجسد وتكرس أشكالا جديدة من الاستعمار، ولكن أيضا لأنها سبيل من سبل إقصاء وتهميش الدول والشعوب والثقافات الأخرى، مادامت هي قائمة بالأساس على اغتيال الحق في الاختلاف والحق في التميز. وأكد المهدي في أكثر من مناسبة، أن الشيء الوحيد الذي له مستقبل في هذا العالم هو الفقر، فهناك أكثر من 3 مليار نسمة لا يصل دخلهم اليومي إلى دولارين اثنين. “ومنذ 30 عاما خلت كان الفرق بين الشمال والجنوب من 1 إلى 10 فيما يخص الدخل، أما اليوم فهو من 1 إلى 20”. ومعنى هذا أن توزيع الثروات يتم بكيفية تؤدي إلى المزيد من التفقير. المسؤوليات والجوائز وشغل المهدي المنجرة عدة مناصب علمية دولية، على رأسها أستاذ بجامعة محمد الخامس، ومستشار أول في الوفد الدائم للمغرب بهيئة الأممالمتحدة خلال الفترة (1958-1959)، وأستاذ محاضر وباحث بمركز الدراسات التابع لجامعة لندن (1970)، وشغل باليونسكو مناصب قيادية عديدة (1961-1979). إلى جانب ذلك، شغل منصب منسق لمؤتمر التعاون التقني بين الدول الإفريقية (1979-1980)، وخبير خاص للأمم المتحدة للسنة الدولية للمعاقين (1980-1981)، ومستشار مدير مكتب العلاقات بين الحكومات للمعلومات بروما (1981-1985)، ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة لمحاربة استهلاك المخدرات. وخولت له دراساته أن يترأس الفيدرالية العالمية للدراسات المستقبلية (1976-1981) ثم شغل عضوية لجنتها التنفيذية، وترأس الجمعية الدولية للمستقبليات (فوتوريبل)، وشغل عضوية الجمعية المغربية للمستقبليات، والمجلس التنفيذي للجمعية العالمية للتنمية (1985-1988). وحاز المفكر الراحل عددا من الجوائز والأوسمة، منها: جائزة الأدب الفرنسي في جامعة كورنيل (1953)، ووسام الاستقلال بالأردن (1960)، ووسام ضابط للفنون والآداب بفرنسا (1976)، والجائزة الفضية الكبرى للأكاديمية المعمارية بباريس (1984)، ووسام الشمس المشرقة باليابان (1986)، وجائزة السلام لسنة 1990 من معهد ألبرت آنشتاين الدولي. مقالاته العلمية ومؤلفاته من أهم مؤلفات المنجرة والتي تناولت العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا ومختلف قضايا التنمية،: “نظام الأممالمتحدة” (1973)، و “من المهد إلى اللحد” (1981)، و”الحرب الحضارية الأولى” (1991) و”حوار التواصل” (1996)، و”عولمة العولمة” (1999)، و”انتفاضات في زمن الذلقراطية” (2002) و”الإهانة في عهد الميغا إمبريالية” (2004)، وآخرها كتاب “قيمة القيم” (2007). وتوفي سنة 2014.