أقوى معارضان للنظام العسكري في الجزائر يحلان بمدينة بني انصار في المغرب    إبراهيم دياز مرشح لخلافة ياسين بونو ويوسف النصيري.. وهذا موقف ريال مدريد    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    مناهضو التطبيع يحتجون أمام البرلمان تضامنا مع نساء فلسطين ولبنان ويواصلون التنديد بالإبادة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    إسدال الستار على الدورة الحادية عشرة لمهرجان "فيزا فور ميوزيك"        ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..        موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    "كوب-29": الموافقة على 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي المنجرة أو زرقاء اليمامة.. إنه المهدي الذي لم نهتدي به
نشر في العمق المغربي يوم 14 - 02 - 2024

" أولدي ماتبقاوش من تلاقاو معايا تقولولي الله يخليلك صحيحتك ، بغيتكم تقراو وترجعو مفكرين وتنفعو بلادكم أما صحتي فهي في ملك رب عادل لايظلم أحدا " ... بعدما سمعت هذا الكلام من المرحوم المهدي المنجرة سنة 2000 أحسست أن هذا الرجل أمعن في إهانتي ؟؟؟ ... أه وترليون أه ما أبلدني ،،، فبعد مرور سنوات قليلة فقط ، أصبحت إلى هاته اللحظة أعيش على وقع كابوس ذلك المشهد الحواري الذي جمعني بذلك الرجل الخرافي ، أدركت حينها انني كنت على موعد مع رجل كالتاريخ لايتكرر أبدا ...
حدث هذا عندما كنت أدرس في السنة الأولى بكلية الحقوق جامعة محمد الأول بوجدة ، حيث وصل إلى مسامعي أن " جمعية صيادلة وجدة " ستستضيف العالم الجليل المهدي المنجرة ، ليعقد لقاء مفتوحا ببهو بلدية وجدة ، وحينها كنت أقطن بحي المحرشي البعيد عن المدار الحضري ، لكنني كنت مصمم على حضور اللقاء في ذلك اليوم المشهود في رمضان الكريم ،،،، فطلبت من أمي نصف خبزة ونصف لتر من الحليب ... فسألتني بغرابة، إلى أين ستذهب تناول فطورك وصلي التراويح ثم توكل على الله ؟ ... أجبتها وأنا " مرفوع ومفتون " : سأذهب لحضور درس لعالم كبير يخاف منه الحسن الثاني ( هاذا ماكنت اعرفه في تلك اللحظة ) الأمر الذي زاد من مخاوف والدتي ، لكن أخي الأكبر كني قال لها اتركيه على ذمتي ، فالمفكر المهدي المنجرة يحبه الملك ويحبه الجميع ،،،، كان الحي الذي كنا نقطن به في تلك الفترة ، يعيش على وقع فقر هيكلي ، رهيب ، حيث لاماء ولا كهرباء ولاطرق معبدة ... فذهبت مشيا لمدة تفوق الساعة ، وأوقفني أذان المغرب وانا بالقرب من قنطرة " واد الناشف " فصليت بسرعة البرق ،،، وجلست فمدني أحدهم بحفنة من التمر ، أكلتها مع الحليب الذي كان في يدي ، وقمت بسرعة لاستئناف مسيرتي، وأنا أمضغ ذلك الخبز الذي أردت التخلص منه بسرعة ، ولحد الان لا أعرف كيف أكلته ؟؟؟ ... ووصلت لبهو بلدية وجدة ، وكنت حليق الرأس لدرجة شبه كاملة ، فوجدت شخصا عاديا من حراس البلدية ، وقلت له هل يمكنني أن أجلس في مقاعد المقدمة ؟ قال لي : ولكن لن يأتي القوم إلا بعد صلاة التراويح ، قلت له : نظري ضعيف وأريد أن أشاهد الدكتور المهدي المنجرة وهذا هو حلمي ،،، فضحك كثيرا لأنه استغرب لهاته اللهفة على رجل لايعرفه " معذور " مرت الدقائق كالساعات ، وانتهت صلاة التراويح ، وبدأت الكراسي الأمامية تمتلأ بأصحاب الجلابيب المنمقة، والبدل الفرنسية ، فلم تستقر نبضات قلبي حتى تأكدت أنه لن يطلب مني مغادرة الصف الأول، وبعدها دخل سيدي المهدي المنجرة ، وسط تصفيقات غير عادية ، بعدما وقف الجميع لتحيته ، فالحدث جلل كما توقعت ، خصوصا أنه وصل الى مسامعي أن من يوجد بالخارج يفوق عدد اللذين فازوا بشرف حضور مأدبة علم لن تتكرر ،،، حينذاك حمدت الله ، وقلت في قرارة نفسي " أنا ذكي خطتي كانت محكمة " ...
كان سيدي المهدي المنجرّة يلبس بدلة عادية ، وبشعر طويل يغزوه الشيب من كل جانب ، وبخاتم عملاق في يده اليسرى ، لكنني تفاجأت في بداية كلامه ، بالفراغ الذي يغزو أسنانه الأمامية ، مما يجعله ينطق الكلام بطريقة غير سليمة ، وعندما انتظمت ضربات قلبي بدأت اسمع كلماته الصارمة ، بصوت غاضب وعال ، وهو يضرب بقوة على الطاولة ،،، خصوصا عندما قال هاته الجملة التي لن أنساها يا إلهي حيث قال " قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها.لايهم ماستؤول إليه،الأهم هو أن تُشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية " فأحسست وكأنه يوجه كلامه لي !!!
وبعد بداية الأسئلة ، كنت حينها وصلت لدرجة الطمأنينة ، والاستئناس بالأجواء ،،، كتبت سؤالا لسيدي المهدي المنجرة، بعدما عجزت على طرحه جهرا عبر مكبر الصوت ،،، حيث كتبت " أستاذي بما أنك حصلت على شهادة الدكتورة في موضوع الجامعة العربية، كيف تنظر إلى القمة العربية التي ستنعقد بعد أيام " ... سلمته السؤال واجابني بسرعة نظرا لكثرة الأسئلة الشفهية والكتابية ، فرد علي : ابني عليك أن تعلم أن كل الزعماء العرب فاشلين ، وإذا اجتمع فشل على فشل في قاعة كبيرة ، فالنتيجة فشل ذريع " فانفجرت القاعة ضحكا ... أما أنا فقد أحسست انني أسعد رجل في العالم فقلت في قرارة نفسي " أنا من جعلتهم يضحكون " ... وبعد ثلاث ساعات بدأ البعض يغادر القاعة ، أما أنا فقد رابطت وصممت على الجلوس إلى نهاية هذا اللقاء التاريخي ...
بدأت مرحلة توقيع الكتب ، لكنني لم أكن اتوفر على المال ، وجلست واقفا في مكاني ، وانا مستمتع بالنظر إليه عن قرب ، وعندما انتهى نظر إلي مبتسما قال لي : اقترب يا ابني ، فاقتربت منه مرتبكا ، وقلت له : اعذر إرتباكي... فقال لي جملة غاية في الحكمة : لاتحمل هم ولاترتبك العالم كله مرتبك ... فضحك كل من كان حوله ، وسألني عن اسمي ، ثم وقع لي كتاب سيرته الذاتية ، وقبلت رأسه وقلت له بعفوية وفرحة طفولية " الله يخليلك صحيحتك " وحينها قال لي تلك الجملة السرمدية التي بدأت بها مقالتي ...
مرت السنين ، وأصبحت أحس بالفخر كلما جرى على لسان أحدهم اسم المهدي المنجرة ، إلى حدود هاته اللحظة ، التي قررت أن اقوم ببحث معمق في كل دقائق فكر الرجل وحياته فتقبلوا مني هذا العمل المتواضع في حق ولي صالح وعالم نحرير ...
وتبقى الإشارة أن المرحوم المهدي المنجرة أوصى أرملته بتحويل مكتبته الباذخة المقدرة ب 5560 كتابا لصالح المكتبة الوطنية بالرباط ، حتى تبقى مرجعا لكل الطلاب الباحثين ، والأجيال المقبلة ، فما أعظمك أيها العالم الجليل ... وكأنك تقول بهذا الصنيع الإيماني والوطني ... بلادي وإن هانت علي عزيزة – وأهلي وإن ظنوا بي كرام .
1 – العالم الذي لم يعطي لعقله إجازة :

فسلاما على من أدرك أنه في المكان الخطأ فرحل ... هكذا ترجل المهدي المنجرة ، عن هذا العالم يوم 14 يونيو 2014 ... نعم توفي العالم الذي لم يعطي إجازة لعقله ، بعدما انتهى من دورياته الاستشرافية الممتدة في الزمان والمكان ، وتركنا في ريف دنماركي لاشيء حولنا سوى البقر ...
إنه يجسد بكل استحقاق مقولة " فخامة العقل واناقة الروح " هو العالم الموسوعي الذي اجتمعت فيه كل أسامي العزة والشموخ ، فهو مؤسس علم المستقبليات ، وهو البروفيسور كذلك ، والدكتور ، والموسوعة ، والعلامة، والمتنبي والمنذر بآلام العالم ، ورجل الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسي والتعليم ... نعم التعليم هو قلب المعرفة والتنمية ، كما كان يقول ، لذلك كان مطلوب عند دول أوروبية كثيرة ، ليضع لها مخططات تعليمية جعلتها في مصاف الدول المتقدمة ، لكنه وجه بالحصار والتجاهل في بلده المغرب ، رغم انه كان يريد خدمة بلده فقط ، فالرجل كان زاهدا في المناصب ، فهو الذي ترك مهمة إدارة الإذاعة الوطنية وعمره 25 سنة ، لأنه يريد أن يكون مستقلا في قرارته حرا شريفا في حياته، لذلك رفض إهانة الغرب والأنظمة العربية المستبدة بالشعوب ، فكتبت كتابه المرجعي " الإهانة في زمن الميغاإمبريالية " ووصف الديموقراطية في الوطن العربي " بالذلقراطية ، وكان فريد زمانه حيث كان الشخصية الوحيدة من غير اليابانيين الذي سلمه الإمبراطور الياباني يدا ليد ، جائزة اليابان العالمية وقال له " دكتور مهدي أنت الوحيد من غير اليابانيين الذين فهموا العقل الياباني " ... غريب فقد استفادت منه اليابان وكفر به المغرب ... الامر ليس غريبا ،لقد كانت الدولة المغربية ونحن معاها كوسالا في كل شيء ، فقد كان يقرأ في مكاننا ونحن نستمتع بحياة الذلقراطية ... فقد كان يقول " أن العرب يظنون أنهم تركوا المستقبل وراءهم !!!
2 – فالدكتور المهدي المنجرة يقول : إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث ...
/اهدم الأسرة
2/اهدم التعليم.
3/ إسقاط القدوات والمرجعيات.
لكي تهدم الأسرة : عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها ب"ربة بيت"
ولكي تهدم التعليم: عليك ب(المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.

ولكي تسقط القدوات عليك ب (العلماء) اطعن فيهم ، شكك فيهم، قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
هو عراب الكرامة القائل " عندما يتعلق الأمر بكرامتي سأدوس عليك حتى ولو كنت لغم " ... صحيح فمن من قابلنا بأنف
نعم المهدي المنجرة عبر أكثر من مرة على أنه متشائم على المدى القصير ، لكنه قال كذلك أنه متفائل على المدى الطويل ، لذلك بح صوته وهو يطالب بفصل التحديث عن التغريب، وربط الثقافة بالعلم ، والأخذ بخصوصية كل بلد في السياسات العمومية ، إنه رجل مؤمن بأن العرب سيصنعون التاريخ ، بتعليم قوي ، واستقلال سياسي واقتصادي وثقافي عن الغرب ... هو العالم المسلم ربط العلم بالمنظومة القيمية والأخلاق الموجودة في القرآن والسنة ، عكس بعض المستغربين الذين انسلخوا من هويتهم ، لمجرد أنهم قرؤوا عشر كتب لمثقفي الغرب ...فمن ترك داره قل مقداره ، فالأمل عند الرجل هو أن تنظر لتلك الموجة التي تولد هناك وليس لهذه التي تموت عند قدميك...
قال أحدهم إن علم المستقبليات يختلف مع المذهب المالكي للدولة ، فقد كان مالكا يكرر دائما مقولته التي يقدسها الفقهاء " دعوها حتى تقع " فكان يرفض الخوض في الماضي ، وكلما حوصر باسئلة المستقبل يقول لهم " اذهبوا إلى العراق " حيث يوجه ابي حنيفة الفقيه المستقبلي ، لكن المهدي المنجرة قال " لست عرافا حتى يكون لي مردين أن مع كل قطعيات الدين الإسلامي. فقط يجب قراءة الماضي جيدا ، وتشخيص الحاضر بنجاح ، ثم التوجه لاستشراف المستقبل عبر وضع مخططات تنهل من جودة الماضي لتفادي النكوص والردة ..." ... فنحن العرب نُدَوِّن حاجياتنا في ورقة حتى نتذكّرها، بعد ذلك ننسى أين وضعنا الورقة...نُدَوِّن حاجياتنا في ورقة حتى نتذكّرها، بعد ذلك ننسى أين وضعناها ...
فقد تناسى البعض أن كل نبوؤاته الرجل صدقت ، فقال بصراع الحضارات قبل صامويل هنتغتون فحدث ذلك ، واغتصب مقولة " نهاية التاريخ " لفوكيما ، وتنبا بأشياء كثيرا وحدثت ، وهاهو المغرب يقف حاليا على نبوؤته، بحلول أزمة مائية ، لكنه كان يتنبأ ويعطي الحلول ، فقد كان مدمنا على نظرية " الإشكال والحل " فقد كان المنذر بآلام العالم ... فقد حشر أنفه في كل تفاصيل البشرية ، وبكل أصناف العلوم ، فقد مات ولم يهادن...
والدليل على كل ماسبق ، أن هناك داخل عالم الفكر، ذلك البئر السحيق المظلم في بيئتنا العربية من كان له رأي آخر مخالف تماما عما كانت تردده الجموع من أهازيج الفرح والبهجة في شوارع بنغازي وطرابلس والقاهرة وتونس وصنعاء والشام، كان ذلك هو العالم الموسوعي المغربي الراحل (المهدي محمد المنجرة) الذي وضع تصور عن الأوضاع التي ستكون عليها البلدان العربية حال تفجر ثورات فيها فكتب قبل ذلك بسنوات يقول :
"أي ثورة في الشوارع لا تسبقها ثورة فكرية في العقول ستكون كارثة، وسيكون مآلها الفشل الذريع، وستنتهي بتحولها إلى وسيلة عنف إقصائية تعمل على زيادة الشرخ داخل المجتمع، وتدمير مقدرات الدولة، وتلجأ بعد ذلك إلى التناحر فيما بينها".!!
قدرة الرجل على التفكير المنهجي وإستخلاص العبر جعلته يستشرف الأوضاع ويصورها لنا في أقل من ثلاث سطور بدقة متناهية وكأنه يطالع أمامه مشاهد حية من المستقبل أو كأنه معلق رياضي ماهر يصف مباراة في كرة قدم ....

3 – هكذا تحققت كل تنبؤات المهدي المنجرة – الربيع العربي وكيفية تجاوزه نموذجا ...
شكل سقوط الاتحاد السوفياتي بالنسبة للاستكبار العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة، فرصة سانحة لبسط السيطرة على مدخرات العالم الثالث، وتجويع شعوبها، والتدخل في شؤونها، فانبرى مفكرون كبار لفضح هذه الخطط الجهنمية الإمبريالية، مقدمين بدائل حقيقية.
من بين هؤلاء المفكرين الذين قالو "لا" بصوت مرتفع، واستشرفوا المستقبل في ظل هذا الوضع الدولي الجديد، موضحين انعكاساته الخطيرة على المنطقة والعالم الثالث بدقة استشرافية بالغة لا يتجاوز هامش خطئها 5%، نجد المفكر المغربي المهدي المنجرة، الذي صال وجال فكريًا في كبريات الجامعات الغربية، في حين منع من إلقاء محاضراته في الجامعات المغربية، لأن صراحته لم تكن محل ثقة المسؤولين في الرباط كما كانت بعيد الاستقلال.

– الواقع العربي في ظل النظام العالمي الجديد ...
لا يفرق المهدي بين الأمركة والعولمة في توصيفه لحالة العالم منذ فجر تسعينيات القرن الماضي -أي بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الاشتراكي- حتى الآن، ويرى فيه استعمارًا جديدًا كشف الوجه البشع للنظام العالمي الجديد الذي تقف خلفه واشنطن، بهدف المزيد من تشتيت وتخلف العالم الثالث لصالح الحضارة اليهودية والمسيحية.
هذه الحضارة، بحسب مؤلف كتاب "الحرب الحضارية الأولى"، هدفها من وراء العولمة، وعبر المنظمات الأممية والشركات متعددة الجنسيات، فرض قيمها وأخلاقياتها وأسلوب حياتها على الحضارات الأخرى، غير اليهودية وغير المسيحية، كالعربية الإسلامية مثلًا.
وفي هذا الإطار، "لم تعد لدينا أية شرعية حقيقية دوليًا، فالولايات المتحدة تقول إنها تعتبر قرارها ودفاعها عن شعبها هو الشرعية"، وتمنح لنفسها حق التدخل في أي مكان تريد، دون أي احترام لميثاق الأمم المتحدة.
ويرى الأستاذ المهدي المنجرة أيضًا أن الأمة تعيش فترة تطرح عليها تساؤلات عميقة، تمثل امتحانًا لهذا العالم الجديد الذى نريده، دون أن يخفي رؤيته التشاؤمية، لأن الوضع وصل مستوياته الدنيا من الانحطاط في المنطقة، وهو ما أطلق عليه مفهومي "الذلقراطية" و"الخوفقراطية" وغيرهما.
لا يمكن مجابهة هذه التحديات الحديثة التي فرضت على الأمة العربية بحلول ماضوية، ولا توصيفات قديمة، لذلك نحت المنجرة مفاهيم حديثة طافحة بدلالات عميقة ارتبطت باسمه، وفرضت نفسها في حقل التحليلات الإستراتيجية.
من بين هذه المفاهيم مفهوم «الميغا – إمبريالية»، وفكرة «الاستعمار الجديد»، كما وصف "الحرب الحضارية" قبل حديث صامويل هنغتينغتون عن صراع الحضارات. يقول المنجرة في كتابه "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية": "أصبح للميغا إمبريالية أسلوب جديد ولغة من تركيب جديد، والميغا حسب مدلولها تقتضي الانفراد بالقرار؛ فهي لا تقبل إمبريالية أخرى منافسة على عكس ما كان في السابق، حين كانت الإمبريالية الفرنسية مثلًا تقبل بوجود إمبرياليات أخرى ألمانية وبريطانية وإسبانية أو غيرها"، التي ساهمت بفعل جرائمها التاريخية خلال الاستعمار في سخط الجماهير العربية وخروجها للشوارع.

– الربيع العربي وسيناريوهات التجاوب معه ...
في كتابه المثير "انتفاضات في زمن الذلقراطية"، أكد المنجرة على أن الجهل والتفقير والتخلف وغياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ستؤدي حتمًا إلى انتفاضات الشعوب العربية على وضع لم يعد مقبولًا، ولا يمكن أن يبقى للأبد، محذرًا من أن تأخر الاستجابة لمطالب الشباب العربي سيجعل التكلفة مرتفعة مستقبلًا.
وهو ما تحقق في العراق ونعيشه اليوم واقعًا في سوريا واليمن نتيجة عدم إعطاء كلام المهدي ما يستحق من الأهمية، رغم أن الأمر يتعلق بأهم رجل في الدراسات المستقبلية على المستوى العالمي.
لقد لمح المفكر المهدي المنجرة إلى اقتراب ما عرف ب"الربيع العربي" في أكثر من مناسبة، إلا أن كتاب "عولمة العولمة" -الذي تناول مواضيع عدة هي في الأصل مقالات وندوات وحوارات– تناول فيه مستقبل الحالة العربية بعد 2011، تحديدًا في المحور المعنون تحت "المجتمعات العربية: اختلالات الراهن وسيناريوهات المستقبل"، واضعًا للزلزال الذي هز المنطقة 3 سيناريوهات لا رابع لها:
السيناريو الأول: الاستقرار والاستمرار
ينتصر هذا السيناريو لاستمرارية الوضع على ما هو عليه، ويحتاج إلى دعم من البنك الدولي، والجيوش الأجنبية التي تستوطن البلاد العربية، غير أن الاستقرار البيولوجي على حد تعبير المنجرة، يعني الموت وتعطيل الإبداع والخلق والابتكار، وهذا السيناريو الذي يسميه "ستاتوسكو" غير ممكن في حياة الشعوب.
السيناريو الثاني: الإصلاح
سيناريو الإصلاح، الذي كان قد تعطل نظرًا لاستمرار السيناريو الأول، يمكن له أن ينجح بنسبة 30%؛ إلا أن ذلك يظل رهينًا بسرعة التدخل لإقامة الإصلاحات اللازمة، والوعي بالإكراهات التي تستوجب منا معالجة فورية وجذرية لمسائل مثل: الديمقراطية وشروطها الضرورية، والعمل على وضع دعائم المجتمع المدني إلى جانب تدابير من هذا القبيل.
غير أن هذا السيناريو، حسب الأستاذ المنجرة، كلما تأخر العمل به صار من المتعذر الإقدام على إصلاحات فاعلة وناجحة، لافتًا إلى مسألة مهمة يغفل عنها كثر قائلًا: "أنا لا أقصد هنا الثورة، ولا أبغي إشعال نار الفتنة، وإنما أدعو إلى اجتماع الكل سريعًا على مائدة المفاوضات، وأن يتم التسامح في العديد من الأمور... وإن كنت شخصيًا، أرى أن المشكلة التي تواجه هذا السيناريو تكمن في عدم وجود قوة سياسية في أي بلد عربي قادرة على تقديم برنامج تغيير عن طريق الإصلاح".
السيناريو الثالث: التغيير الجذري
يعني الثورة أو المواجهة أو التحولات الكبرى والعميقة، معترفًا أنه لا يدري كيف سيتم هذا التغيير وما هي درجة سرعته، ربما تتخذ منحى شبيهًا لذلك الذي اتخذته ثورة الشعب المغربي ضد الاستعمار الفرنسي عام 1953 – ثورة الملك والشعب.
مثلت هذه الثورة لحظتها تغيرًا جذريًا، سواء على مستوى وعي الشعب المغربي أو على مستوى وضعية الاستعمار الفرنسي، الذي لم يتوقع قيامها بتلك السرعة التي تمت بها، ولعل مفكرنا كان يستشرف الوقت الوجيز الذي سقط فيه نظام الرئيس التونسي وتداعيات ذلك على القاهرة واليمن وليبيا وباقي الدول العربية التي تحاول تجاوز تداعيات "الربيع الديمقراطي".

4 – شروط النهضة: رؤى استشرافية لما بعد الربيع العربي ...
يقول البروفيسور المنجرة: "عندما يسمح الفرد في كل شيء، ويستسهل معنى الحياة، ويسترخصها ويجعلها مساوية لعود ثقاب أو قنينة بنزين أو هما معًا، لتتم عملية الموت من أجل الحياة الشريفة، وإيصال رسالة واحدة فقط مفادها أنني غير راض عن هذه الحياة، إنه الملل من المعاناة، إنه الاكتفاء الذاتي من الذل، إنها الراحة النفسية والاختيار الصعب الذي يرسل رسالة للزعماء العرب والحكومات وكل مسؤول، تقول: هناك شيء ما غير سوي... سؤال يطرح نفسه بقوة، هل تعرفون يا سادتي فقدان الأمل؟ هل تستشعرون حياة الذل والهوان؟ هل تحسون بالمستضعفين؟".
للإجابة على هذه الأسئلة الحارقة التي طرحها مفكرنا، لا بد من التفكير في نهضة تعيد للشباب العربي كرامته وإنسانيته، وتزرع في نفسه الأمل بآدمية ذاته وقيمة وطنه، وذلك لن يتأتى إلا بشروط ضرورية، ورؤية متكاملة لا تتوفر عند أغلب الدول العربية.

يمكن القول إن هذه الشروط الداخلية، إضافة إلى مقاومة الغرب الغازي خارجيًا، من أهم الأوراق التي شكلت هوية المشروع الفكري للمهدي المنجرة، فالنهضة تتوقف في تقديره على بناء نموذج تحديثي تنموي أصيل نابع من الذات، والخصوصية الثقافية، غير مستورد من بيئات تاريخية وعقلية مختلفة كالفرونكوفونية بالنسبة لدول المغرب العربي، أو الأنجلوساكسونية بالنسبة للمشرق، حتى التجربة اليابانية التي كان شديد الإعجاب بها قال إنه لا يمكن استنساخها في العالم الثالث.
يجب أن ينطلق هذا المسعى التنموي أولًا -إن كانت نية الفاعل السياسي حسنة- من محاربة الأمية، وتعميم التعليم باللغة الوطنية لبناء إنسان عربي مثقف من المهد إلى اللحد، قادر على مواكبة المعرفة والمستجدات التكنولوجية، وذلك بتخصيص نسبة مهمة من الناتج الوطني الإجمالي للبحث العلمي، الذي لا يمكن أن ينتعش إلا بتوفير جو من الحرية لأصحاب المواهب العلمية والتقنية لأجل الإبداع والعطاء.
ويسوق المفكر المغربي (1933-2014) مثالًا على ذلك بدولة اليابان، القوة الاقتصادية الثانية في العالم التي استطاعت القضاء على الأمية في ظرف 25 سنة؛ أي بعد ثورة الميجي في عام 1868، لتنطلق النهضة في هذا البلد الآسيوي من الاهتمام باللغة الوطنية والاستثمار في المعرفة البحث العلمي، والحفاظ على القيم الوطنية.

رغم المنع والإقصاء والتنكر أحيانًا، في بلده المغرب الذي تعلق به تعلق الابن البار، والمناضل النزيه، الصادق، الجريء، سيظل الدكتور المهدي المنجرة أحد المراجع العربية والدولية في مختلف قضايا العلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية التي لا يمكن تجاوزها إطلاقًا، باعتباره مثقفًا عضويًا ذا مكانة وهيبة علمية وفكرية.


5 – المفكر المغربي الذي لم يهادن: المهدي المنجرة «مستقبلي» حتى النهاية ...
في بيته بالرباط رحل المفكر المغربي المهدي المنجرة (1933 2014) يوم الجمعة الماضي بعد صراع طويل مع مرض الباركنسون الذي أقعده لأكثر من سنتين. المثقف الموسوعي رحل بصمت، مخلّفاً إرثاً فكرياً، يحفر في مجالات التنمية والثقافة والاقتصاد. إرث دافع عن حق العالم الثالث في المعرفة والحياة ضدّ ما كان يسمّيه بهيمنة ال«ميغا إمبريالية».
خلال مساره الفكري، واجه الراحل مقاومةً تختزلها العبارة الشهيرة عن نبي الحي الذي لا يطرب. غالباً ما لم يكن يطرب لدى المؤسسات الرسمية في بلده. خريج «جامعة كورنيل» الأميركية، حيث حصل على الإجازة في البيولوجيا والعلوم السياسية وخريج «جامعة لندن» حيث حاز الدكتوراه في الاقتصاد خلال الخمسينيات، ألغت السلطات المغربية العديد من الندوات التي كان يفترض أن يقدمها في كليات ومعاهد مغربية خلال السنوات الأخيرة. ظل مغيباً عن كثير من القضايا التي يعتبر من مؤسسي فكرها على المستوى الدولي، خصوصاً قضايا التنمية والتعليم.
عبر تحصيله العلمي، راكم المنجرة دراسات جمعت بين البيولوجيا والكيمياء والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والسياسية. كان من أوائل الأساتذة المغاربة في الجامعة المغربية، إذ كان أول أستاذ محاضر مغربي في «جامعة محمد الخامس» في الرباط. وشغل منصب مدير الإذاعة والتلفزة الحكومية بعد الاستقلال قبل أن يستقيل منها في بداية الستينيات. كان الراحل هو المفاوض الأساسي للمالكين الفرنسيين لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، خلال صفقة اقتنائها.
في نهاية الخمسينيات، انطلقت مسيرة الرجل المهنية على المستوى الدولي. عمل في منظمة الأمم المتحدة كمستشار أول في الوفد الدائم للمغرب في المنظمة الأممية (19581959) قبل أن يتقلّد مناصب بارزة عدة، وشغل مناصب عدة في الأونيسكو. حاضر في «جامعة لندن» للاقتصاد (1970)، وترأس «نادي روما» في الثمانينيات. وهو النادي الذي أصدر في بداية السبعينيات أولى الدراسات والأبحاث حول مفهوم التنمية كما تقارب في الدراسات الاجتماعية والاقتصادية حالياً. مفهوم صار يركز في الجانب البشري ومعطيات أخرى خلافاً لمعدلات النمو الاقتصادي التي كانت الأهم في المنظور التنموي خلال تلك الحقبة. الأبحاث نتج منها كتاب «من المهد إلى اللحد» (1981) الذي ترجم إلى أكثر من 15 لغة، وقارب مسائل التعليم والتنمية.
اجتهادات الباحث الذي كان من مؤسسي شعبة الدراسات المستقبلية ظلت «حبيسة» أوراق قدمها في منتديات دولية ولجان علمية أوروبية وتابعة للأمم المتحدة. وبينما وجدت خبرته آفاقاً أوسع في دول غربية تبنته واستدعت خبرته في لجان لبلورة سياسات رسمية، بقي مغيّباً عن الدائرة المغربية التي انطلقت فيها مشاريع تنموية أطلقت تحت تسميات مختلفة، وأرادت ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء. ظل المنجرة مغيباً ربما بسبب جرأته في تشريح الوضع المغربي، وطريقته في الكلام التي كانت تغلب عليها «قسوة» الجامعي الموضوعية، على الخطاب السياسي المهادن.
ولهذا، رفض عروضاً لمناصب وزارية في البلد وفضل البحث والتأليف المعرفي. أصدر «الحرب الحضارية الأولى» (1991)، و«عولمة العولمة» (1999)، و«انتفاضات في زمن الذلقراطية» (2002) و«الإهانة في عهد الميغا إمبريالية» (2004)، وآخر كتبه «قيمة القيم» (2007).
حازت جهود الراحل المعرفية كثيراً من التقدير والجوائز الدولية من ضمنها: «ميدالية السلام» من «معهد ألبرت إينشتاين» و«الجائزة الكبرى لأكاديمية الهندسة الفرنسية» و«وسام الشمس المشرقة في اليابان»، إلى جانب عضويته في أكاديميات دولية عدة منها «الأكاديمية المغربية» و«الأكاديمية الأفريقية للعلوم» و«الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب» و«الجمعية الدولية للمستقبليات» (فورتوبيل). كما كان من مؤسسي ورئيس «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان»، وعضواً ناشطاً في «حزب الاستقلال» ومن بعده «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية».
خلال العقدين الأخيرين، استقر المنجرة في المغرب. وظل بيته في العاصمة الرباط مفتوحاً دوماً أمام الجامعيين والطلبة الذين كانوا يزورونه في كل وقت. طلبة من كل الآفاق والتوجهات السياسية كانوا يبادلونه الحديث. ينصت لهم في الأساس ويستمع لصوت المستقبل الذي تبيّن بعض ملامحه قبل عقود. لم يكن يتخذ وضع الأستاذ بقدر ما يحمل صوته دفء الجدّ الحكيم الذي خبر الحياة.
ليس المجال البحثي فقط، من سيفتقد المهدي المنجرة، بل الكثير من أصدقائه المجهولين الذين تقاسموا معه لحظات من المحبة والشغف بالمعرفة. معرفة لطالما دعا الراحل إلى أن تكون من حق الشعوب لأنّها الباب الوحيد لانعتاق الفرد والمجتمعات.
6 – أزمة المياه...كيف تنبأ المهدي المنجرة بحدوث خصاص مائي بالمغرب ؟
من المعلوم أن الضغط المائي بلغ ذروته خلال العقود الأخيرة بالنظر إلى حجم الطلب المتزايد عليه، إذ حسب منظمة الصحة العالمية سيجد نصف سكان الأرض أنفسهم يعيشون في مناطق تتعرض للضغط المائي.
و في المغرب، يؤكد مرارا وزير التجهيز و الماء نزار بركة، أنَّ البلاد تعيش أزمة مائية حقيقية خلال السنة الجارية، نتج عنها مواجهة عدد من المواطنين مشاكل في التزود بالماء، كما أبرز، أن الجفاف الذي يعيشه المغرب هذه السنة وما نتج عنه من انخفاض مستوى المياه الجوفية، اضطر بعض الفلاحين إلى بيع أراضيهم...
كل هذه المعطيات التي جاءت بها المؤسسات الرسمية وطنيا و دوليا، تحيلنا مما لا يدع مجالا للشك على صحة تنبؤات عالم المستقبليات المهدي المنجرة، حيث كان ينادي في كل خرجاته و كتبه و محاضراته إلى ضرورة اتباع سياسة مائية تعود بالنفع على المغرب و تمده بالخير الوافي و العطاء الكافي كما توفر له الاكتفاء الذاتي.
و في هذا الصدد، تحدث المنجرة رحمه الله في إحدى محاضراته سنة 1993، عن أزمة المياه المتوقع حدوثها بالمغرب، معتبرا آنذاك أن الأمر لا يستحق التأجيل بل يقتضي وضع خارطة طريق تمكن من ضمان وجود هذه المادة الحيوية.
و جدير بالذكر أن المهدي المنجرة، مفكر و عالم مستقبليات، تحققت جل توقعاته التي قدمها للعالم، إذ ناضل كذلك من أجل تعليم ينتج أجيالا مثقفة كما نادى بتحقيق تنمية اقتصادية ترقى بكرامة الإنسان وتهدم الهوة السحيقة بين الغرب والعالم الثالث فهو رجل الاستقالات، الذي تخلى مرارا عن مناصب تسيل اللعاب من اجل حريته و مبادئه التي يؤمن بها أيّما إيمان.
7 – رثاء الدكتور الإسلامي الصادق الرمبوق لوفاة المنذر بآلام العالم في قصيدة مؤثرة :
رثاء المهدي المنجرة برد الله مضجعه ...
سَهْمُ الشَّهَامَةِ لَمْ يَدَعْ لِيَ مَنْزَعَا * فِي قَوْسِ عَيْنِي فَانْثَنَتْ أَنْ تَدْمَعَا
لَحْنُ الْفَخَارِ أَغَارَ فِي نَايِي عَلَى * شَجَنِ النُّوَاحِ وَصَدَّهُ أَنْ يَسْجَعَا
غَنُّوا الرُّجُولَةَ فِي عُلاَ مَهْدِيِّنَا * غَنُّوا الشَّجَاعَةَ وَالْمَكَارِمَ أَجْمَعَا
شَرُفَتْ بِهِ حَيّاً وَتَاهَتْ مَيِّتاً * بِمَنِ اسْتَجَارَ بِعِلْمِهِ أَنْ يَخْضَعَا
فَلْتَنْسُجُوا مِنْ نَخْوَةٍ كَفَناً لَهُ * زُفُّوهُمَا فِي اللَّحْدِ يُبْتَعَثَا مَعَا
لاَ تَحْفَلُوا بِثَعَالِبٍ يَبْكُونَهُ * مِنْ بَعْدِ مَا وَأَدُوا الْمَنَارَ الأَلْمَعَا
وَهُمُ الَّذِينَ قَلَوْهُ فِي رَيْعَانِهِ * وَتَلَبَّدُوا بِبَيَانِهِ أَنْ يَصْدَعَا
هُمْ نَكَّسُوا أَعْلاَمَهُ حَذَرَ النُّهَى * أَنْ يَسْتَنِيرَ بِهِ الظَّلاَمُ فَيَسْطَعَا
خَرَقُوا سَفِينَةَ نَجْدَةٍ فِي مَرْفَأٍ * حَبَسُوا جَنَاحَ شِرَاعِهَا أَنْ يُشْرَعَا
ثُمَّ اعْتَلَوْا جُثْمَانَهُ بِعَزَائِهِ * وَالصِّلُّ لاَ يَرْتَاحُ حَتَّى يَلْسَعَا
شَأْنَ الطُّغَاةِ عَلَى وُثُوقٍ بَيَّتُوا * كَيْداً غَدَا إِبْلِيسُ مِنْهُ مُفَزَّعَا
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ تُحْكِمُ مَكْرَهَا * لِيَؤُولَ مَكْرُ الْوَاثِقِينَ مُصَدَّعَا
فَانْظُرْ إِلَى الأَشْبَالِ غَنَّتْ لَيْثَهَا * فَأَصَابَ بِالْمِقَةِ الْمَقَامَ الأَرْفَعَا
غَنَّتْ بِهِ مُسْتَقْبَلاً فَأَصِخْ لَهَا * كَيْ تُدْرِكَ اللَّحْنَ الْوَلِيدَ وَتَسْمَعَا
مُوسَى الزَّمَانِ تَفَتَّقَتْ أَجْيَالُهُ * وَلَسَوْفَ تَدْعُو لِلْحَيَاةِ كَمَا دَعَا
مَهْدِيَّنَا لَلَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً * فَعَلَيْكَ مِنْهُ رِضَاهُ يَتْرَى شُرَّعَا
مَهْدِيَّنَا سَلِّمْ عَلَى خَيْرِ الْوَرَى * فَعَسَى بِرَدِّ سَلاَمِنَا أَنْ يَشْفَعَا
8 – أمينة المريني...أرملة المهدي المنجرة التي ورثت مكتبته وحب الناس ...

رغم أن المرض ناب عن الحكومة وساهم في نسيان المفكر المهدي المنجرة، ورغم الجحود وآلام المصادرة التي ظل عالم المستقبليات المغربي عرضة لها، من طرف وزارة الداخلية، إلا أن أمينة المريني، أرملة الراحل، عملت على تنفيذ وصية المهدي، وبادرت إلى منح مكتبته الخاصة للمكتبة الوطنية بالرباط، حتى ينهل منها الطلاب والباحثون الذين لم تتح لهم فرصة حضور ومواكبة محاضراته بسبب المنع.
لم يبادل الرجل الجفاء والتنكر بالغضب والانتقام، بل دعا رفيقة حياته إلى ترحيل كل كتبه ومؤلفاته التي فاقت 5560 كتابا، إلى المكتبة الوطنية، ناهيك عن عدد كبير من الصور والملصقات التاريخية، و808 مجلات و788 قرصا مدمجا. تم توثيق الهبة بمقر المكتبة الوطنية، وحملت توقيع أرملة فقيد الفكر أمينة المريني، ومدير المكتبة الوطنية إدريس خروز.
حرصت أمينة على تنفيذ الوصية التي شاركت في صياغتها ودافعت على حق الأجيال القادمة في الاطلاع على فكر المهدي عالم المستقبليات، بعد أن كان بيته في منطقة بئر قاسم بالرباط، عبارة عن مكتبة بعد أن احتلت الكتب كل الحيطان وزحفت على أثاث «فيلا» تحولت إلى صالون فكري يجمع خيرة المفكرين العرب والأجانب.
عاشت أمينة أصعب مراحل حياة زوجها المهدي، حين كان متابعا من طرف المخبرين، وواسته في زمن الحصار المضروب عليه من طرف وزارة الداخلية التي كانت تمنع لقاءاته الجماهيرية، وتغلق في وجهه قاعات الندوات والمحاضرات، وحتى الحق في ولوج «خيريات» وتنوير أفكار الطبقات الكادحة. كما عاشت معه محنة المرض بعد أن أصيب بداء الارتعاش الذي أقعده وحد من تحركاته ومن إبداعاته الفكرية.
حين أسلم المهدي جسده للمرض، تحولت أمينة إلى ممرضة تقضي وقتها بين سريره والمطبخ، لتلبية حاجيات ضيوفه الذين كانوا يترددون عليه، حيث كانت تحرص على ألا يساهم حوار الضيوف في الرفع من معاناته، لاسيما وأنه ظل يحمل في قلبه غصة المنع. طالبت أمينة بكل جرأة بعض الضيوف بالكف عن زيارة المهدي للضرورة الصحية، ورغم ذلك كان يواجه الآلام بتحد كبير ويصر على أداء صلواته في مسجد «كراكشو» بمعية رفيقه المهدي بن عبود الذي اقتسم معه الاسم والفكر وداء الارتعاش أيضا، وظلا في المحنة سواء.
كانت أمينة تقوم بشكل يومي بمراقبة وضعية المهدي الممدد في فراشه، وتتأكد من أنابيب البلاستيك المثبتة في أنفه والتي كانت تساعده على التنفس، وهي الوحيدة التي تفهم طلباته لأنه في الشهور الأخيرة كان يصر على الحديث إلى زواره رغم أنهم لا يفهمون أحيانا ما يقوله. وكانت أمينة تملك الجرأة الكافية لتقول لأكثر من زائر «ثقيل» «عذرا سيدي زيارتك تزيد من معاناته»، فيستجيبون لطلبها على مضض.
9 – الخبير المستقبلي المهدي المنجرة الملقب بالمنذر بآلام العالم ...
وقف إلى جانب الفقراء، و دافع عن حقوقهم المشروعة أينما كانوا و وجدوا.. هو الذي كتب، لماذا هناك الفقراء يجب فهم أسباب الفقر و عدم الاقتصار على بعض الصدقات، إن الصدقة لا تعوض روح المحبة، و لا تنمية مع هذه الصدقة، أوقفوا هذه المساعدة، احتفظوا بها لأنفسكم..و كفوا عن إعطاء بعض الفضلات للناس، لكي لا يثوروا..
هو المتخصص في الأفاق المستقبلية، الذي اطلع الرأي العام الوطني و بالأرقام، الهشاشة الاجتماعية للمغاربة، إذ أن الفئة الفقيرة، أي 50 بالمائة يعيشون بمدخول اقل من 20 درهم في اليوم، و أن الطبقة الغنية، تمثل حوالي 10 بالمائة، بمعنى أن الغني يزداد غنى، و الفقير يزداد فقر.
هو الذي قال، و ياليت أن بعض الأغنياء قد راكموا ثروتهم بمجهودهم و بالحلال، أما في الواقع فإننا نجد جزءا كبيرا منهم، يصنع ثروته بطرق أخرى غير مسموح بها، لكن لا احد يتحدث عنها، و إذا أخدنا الرشوة، فسنجد أنها أصبحت جزءا منالمنظومة .. و كل شيء يجب أن نفسره بهذه المقاربة، فإذا ألمتك يدك و ذهبت عند الطبيب، فستجد أن الطبيب الجيد، يبحث في كل جسدك عن السبب، و ليس فقط في يديك.
هو الخبير و العالم المستقبلي المهدي المنجرة، الذي عاش غريبا في بلده فاحتضنه العالم و أصبح مفكرا استثنائيا. هو الذي كان سباقا إلى اكتشاف مفهوم الحرب الحضارية، من خلال مقدمة كتابه صدام الحضارات، الذي أعلن أن تاريخ العالم ليس سيرورة، و لكنه صراع مستمر بين الحضارات.
أغنى العالم، بكتبه و أفكاره و مقالاته و ندواته، و ساهم في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، و ترأس خلال أربعين سنة اكبر معهد للأبحاث المستقبلية و الإستراتيجية في العالم، فكتبه كانت بالعربية، و الانجليزية، و الفرنسية، و اليابانية، و نال الكثير من الجوائز الدولية و الوطنية، و حطمت كتبه الأرقام القياسية في المبيعات، نخص منها الاهانة في عهد الميغا امبريالية، قيمة القيم، عولمة العولمة، الحرب الحضارية الأولى...
طريقة كتابته المتمكنة، حارب الاستبداد و الديكتاتورية، و وقف في وجهه سلاح المنع، من إلقاء محاضراته في الكثير من البلدان العربية و الإسلامية، المفكر المغربي الكبير المهدي المنجرة، تنبأ بوقوع الثورات العربية و تطرق عن نتائجها.
يعتبر هرم من أهرمات العلماء العالميين، الذي أنجبهم مغربنا الحبيب، دخل الأروقة الدبلوماسية من باب الأمم المتحدة، فراكم التجربة و عرف أسرارها و رؤيتها السياسية و الإيديولوجية، كرس حياته للبحث العلمي، و المقالات الفكرية، و الكفاح السياسي و الثقافي، بقي ملتزما لأفكاره و مبادئه، و وفيا لشعاره في الحياة، الكرامة و العدالة و الحرية.
قاوم التهميش و الإقصاء و العنف، و فضح الامبريالية المتوحشة و العولمة الجشعة، انه بالفعل مفكر كوني استثنائي.

10 – أهمية التعليم في أقوال الدكتور المهدي المنجرة و مؤسس سنغفورة لي كوان ...

و نحن نتباكى على اغتصاب الفتاة المعاقة و قبلها حمارة سيدي قاسم !! والكثير من صور اغتصاب وطن مشلول!
يأتي للذهن أحد ابرز أقوال المفكر و الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله التي بقيت عالقة في أذهان الكثيرين حيث يقول :
"عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان، بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن !
خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات ! وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ..! بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب.
لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس .. ! فبناء الإنسان .. يأتي قبل بناء كل شيء ، وهذا ما يحتاجه شباببنا اليوم .. يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
1/اهدم الأسرة
2/اهدم التعليم.
3/ إسقاط القدوات والمرجعيات.
لكي تهدم الأسرة : عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها ب"ربة بيت"
ولكي تهدم التعليم: عليك ب(المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
ولكي تسقط القدوات عليك ب (العلماء) اطعن فيهم ، شكك فيهم، قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا اختفت (الأم الواعية) واختفى (المعلم المخلص) وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشء على القيم؟؟؟..!"
– مؤسس سنغفورة لي كوان ...
يقول مؤسس سنغافورة لي كوان "أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمتُ بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع ...
11 – مفتاح القرن الحادي والعشرين عندما يتصالح العلم مع الثقافة ... المهدي المنجرة :

نُشرت ترجمة الدراسة في العدد 1 من دورية "استشراف" للدراسات المستقبلية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

– ملخص ...
الفكرة الأساسية لهذا المقال هي ضرورة الكفّ عن ربط التحديث بالتغريب، وعن الفصل بين العلم والثقافة، وعن الاعتقاد أنه لا يوجد سوى نموذجٍ أحادي للتنمية يكمن مفتاحه في نشر تكنولوجيا يُزعم أنها "محايدة" و"كونية". فعلى العكس من ذلك، يدعو مهدي المنجرة البلدان العربية وبلدان الجنوب إلى مقاربة القرن الحادي والعشرين بفلسفةٍ تستند إلى الرّؤى ما-بعد الحداثية بشأن فلسفة العلوم، وإلى التجربة الفريدة من نوعها لليابان. وهذا التحذير مصحوبٌ بتحليلٍ صريح ومن دون محاباة لتأخّر تأقلم المؤسّسات والإجراءات التنظيمية المعاصرة، ولأزمة النّظُم القِيَمية والتعلّمية، ليأخذ المقال في نهاية المطاف شكل مرافعةٍ لا هوادة فيها لمصلحة إعادة انبعاث الثقافة وانصهارها مع العلم، معتبرًا ذلك مفتاح البقاء على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين.

12 – الدكتور المهدي المنجرة والديموقراطية العربية ...
الدكتور المهدي المنجرة، من أكبر الفعاليات التي تتبعت تطور العالم من مواقع شتى ومتعددة، وهو من أوائل المغاربة الذين دقوا نواقيس الخطر، ومنذ أمد بعيد، بخصوص الانحرافات وتضييع مواعيد المغرب خصوصًا و العالم العربي عموما مع التاريخ. لكن القائمين على الأمور لم يولوا أي اهتمام لكل ما كان ينذر به الدكتور. واليوم ها هو الواقع يؤكد بجلاء، أراد من أراد و كره من كره، ما سبق و أن حذر منه الدكتور المهدي المنجرة بالأمس القريب و البعيد.
و الغريب في الأمر أن كل أغلب بلدان العالم استفاذت و لازالت تستفيذ من خبرة الدكتور المهدي المنجرة و من أفكاره و اجتهاداته و تنبؤاته المستقبلية العلمية المبنية على الدراسة المتأنية و المتروية، لكن القائمين على الأمور بالمغرب ظلوا يخلقون العراقيل الواهية تلو العراقيل الواهية الشيء الذي حرم البلاد من الاستفاذة من قدرات هذا الرجل العظيم الذي تسابقت كل الدول لاحتصانه و دعوته للاستقرار بها لكنه رفض لأنه "ابن بطوطة" عصره يعشق التجوال عبر العالم و التواصل مع جميع الشعوب و مثقفيها.
فهل يعقل اختلاق أسباب واهية لمنع بشكل ملتوي محاضرة أو لقاء هناك و هناك، وهذا ما وقع للدكتور المهدي المنجرة ببلده المغرب أكثر من مرة، في حين تتسابق الدول الأخرى العارفة بقيمة هذا الرجل ، حتى العظمى منها، لاحتضان محاضراته و لقاءاته.
و من الأمور التي شغلت بال الدكتور المهدي المنجرة إشكالية الديمقراطية و حقوق الانسان بالعالم العربي، و التي أضحت من المطالب الملحة لتمكين الشعوب العربية من الرقي و الخروج من النفق المظلم لمحاولة اللحاق بركب أمم عالم اليومن لأن هذا هو السبيل الوحيد للمسايرة و إلا حكمت الشعوب العربية على نفسها بأن تظل خارج الدائرة.
و يرى الدكتور المهدي المنجرة أن الدول العربية وصلت إلى درجة من التدني يصعب معها قبول استمرار الأمور على ما هي عليه. و في نظر الدكتور أن الأسباب الحقيقية التي أوصلت العرب إلى هذا الوضع تكمن في الذل و عدم احترام حقوق الانسان و التعذيب و التبعية للدول الكبرى.
و قد سبق للدكتور المهدي المنجرة أن توقع في كتابه "انتفاضات" سنة 2000 جملة من الأمور أضحت أمرا واقعا الآن و بجلاء لا يمكن أن ينكرها أحد.
و يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن السبيل للخروج من هذا الوضع هو سبيل وحيد لا ثاني له، و هو الرجوع إلى الشعوب العربية لتمكينها من تقرير مصيرها، و هذا نوع من الديمقراطية التي أضحى ينادي بها الجميع عبر العالم.
و من الحواجز الكبرى التي تعترض التحول الديمقراطي في البلدان العربية، في نظر الدكتور، هناك أولا الأمية باعتبار أن أكثر من نصف العرب ليس لهم وسائل للتعرف على الاشكاليات و التعبير و على الاحتجاج. و فعلا الأمية ضارة أطنابها في المجتمعات العربية و تصل نسبتها إلى 55 في المئة علما أن أمية اليوم ليست هي أمية الأمس ، و إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات التي عرفتها تقتنيات التواصل و الاتصالات فإن تلك النسبة ستكون أكبر من ذلك و بكثير.
أما الحاجز الثاني فهو الفقر، و يبدو أن الفقر العالمي ليس كالفقر في العالم لأن أغلبه مرتبط بمنظومة الفقرقراطية، رغم أن المناطق العربية تعتبر من المناطق الغنية بثرواتها و الفقيرة بفقر شعوبها.
و يزداد الطين بلة إذا علمنا أن الحاجز الثالث هو غياب العدل الاجتماعي، و لعل الهوة الشاسعة التي قل نظيرها في العالم، بين الأغنياء و الفقراء لأكبر دليل على ذلك، و هو وضع يزداد تعمقا مع استمرار وجود خروقات لحقوق الانسان بتلك الدول.
و يرى الدكتور المهدي المنجرة أن كل هذه العوامل بالاضافة إلى الكذب على الشعوب تجعل أن الحكومات أضحت فاقدة لمصداقيتها في عيون الشعوب العربية رغم كل ما يقال حاليا فيها بصدد الانتقال الديمقراطي.
و في خضم هذا الوضع يرى الدكتور المهدي المنجرة أن النخبة بالبلدان العربية تنصلت من مسؤوليتها، و أغلب أفرادها، لم يكتفوا باعتماد الانتهازية و إنما اعتمدوا الارتزاق للسلطة و أضحوا مرتزقة لها و للخارج.
و بخصوص ضرورة إقرار الديمقراطية بالبلدان العربية، يرى الدكتور ( و هذا سمعته منه أكثر من مرة و فرأته في جملة من انتاجاته الغزيرة) أن الديمقراطية ترفض الظلم و أن أي انسان له كرامة و له وسائل بيولوجية (على الأقل) يدافع بها على نفسه. و في هذا الاطار دأب الدكتور على تشبيه الحالة بحالة الطفل صغير السن حينما يضرب يكون له رد فعل مباشر و على التو (البكاء و الاحتجاج)، و بذلك فإن لكل واحد وسائل لمواجهة الظلم، لأن الظلم كوني ، كما هناك تعددية في أساليب مواجهته و التصدي إليه. و من هناك تبدو إشكالية التقليد في اعتماد الديمقراطية غشكالية ثانوية جدا. لأن الديمقراطية هي وسيلة و غاية في ذات الوقت، إلا أنها تتطلب شروط، و من أهمها التوفر على رؤية محددة المقاصد. و مثل هذه الرؤية لا يمكن استيرادها من الخارج كوصفة أو كما تستورد سيارة آخر تقليعة، إذ يجب أن نكون من نتاج المجتمع نفسه الذي يسعى إلى الاقرار بالديمقراطية و سطه و في أحضانه و بين ظهرانيه.
و بالتالي فإنه، بالنسبة للدكتور المهدي المتجرة، لا مناص من تهييء شروط معينة لكي تتحقق دمقرطة حقيقية بالبدان العربية فيما يخص الحريات و العدل الاجتماعي و الفقر.
و مهما يكن من أمر، بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة، الدمقرطة لا خيار بشأنها في الدول العربية، إما أن تكون و إما الانتفاضات، ليس بمعنى الفوضى و التهور، و إنما بمعنى البحث عن الوسائل الضرورية للتغيير تأخذ أشكال انتفاضات من أجل المطالبة بالتغيير.
13 – وسام "سُحلفائي" للمنجرة...

متى كانت آخر مرة تمردت فيها؟
لا تهلع(ي)، ولا تجزع(ي)... أنا لا أقصد التمرد السياسي، ليس خوفا عليك طبعا من البطش، بل خوفا على نفسي من تهمة التحريض. كما أنني لا أقصد التمرد الشكلي، الذي يجعلك تربي شعرك وحشرات شعرك.
أنا أتحدث عن التمرد كمبدأ، كطريقة في التفكير
إذا كنت تعلم أن المفكر المهدي المنجرة كان ولا يزال من أهم المراجع الدولية في القضايا السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية، فاعلم أنك من الكثيرين.
وإذا كنت تعلم أنه كان وراء تأسيس الجوق الوطني المغربي، حين كان مديرا للإذاعة والتلفزة، فاعلم أنك من القلائل.
أما إذا كنت مغربيا ولا تعلم من هو الدكتور المهدي المنجرة، فلا أنت من الكثيرين ولا من القلائل... وحلال فيك قصائد هجاء العصر "الجاهلي".
لكنني سأتغاضى بكل شهامة عن جهلك لهذه الشخصية الوطنية النادرة، وأحيلك فورا على قناة الجزيرة الوثائقية، التي بثت شريطا وثائقيا بعنوان "المنذر بآلام العالم"، في إشارة إلى الاسم الذي كان يعرف به المنجرة لدى الصحف العالمية.
وفي حالة إذا لم تجد هذا العنوان مغريا لك، فدعني استفز فضولك، المشكوك فيه، وأخبرك بأنك ستجد في هذا الشريط الوثائقي، الجواب عن سبب رفض الدكتور المنجرة بثَّ خطاب الملك الراحل محمد الخامس مباشرة على أمواج الإذاعة والتلفزة المغربية، حين كان مديرا عاما لها.
فأسرع الخطى إذن إلى اليوتيوب، قبل الحذف.
الآن وقد تخلصنا من المتسائلين عمّن يكون الدكتور المنجرة، دعنا نمر سريعا إلى أولئك الفضوليين الذين يتساءلون عن سبب كتابة هذه السطور، ولماذا الكلام عن مولاي* المهدي في هذا التوقيت بالذات، رغم أنه لا يصادف لا ذكرى وفاته، ولا ذكرى ميلاده، ولا يتربع اسمه على عرش "الطوندونس" المغربي لا سامح الله.
الجواب المفرح المبكي عن هذا السؤال، ستجده في الحلقة 27 من السلسلة الفكاهية "سوحليفة"، وبالضبط في الدقيقة الثانية وخمس وخمسين ثانية، حين عرض "طونطو" المدني على زوجته (حياة) أن يحملها إلى غرفتها فوق ذراعيه، خوفا عليها من إرهاق الحمل، فلم تفوِّت الصغيرة إسراء الفرصة، وقالت له "طانِزة": "تهزّهااا!! غادي تولد لينا المهدي المنجرة!!!".
مدير المدرسة أبى أن يشهر الراية البيضاء وطالب، في شكل عتاب مقنَّع، الدكتور المنجرة بإعطاء بريق أمل للشباب الحاضر. عتاب استفز المهدي، فجحظت عيناه، واهتز من على كرسيه، ليصرخ بحرقة صادقة: "الأمل هو يْحاربنااا!! منِّي أنا وجبد!!".
لا أحد يستطيع أن يدّعي أنها جملة مألوفة، فقد كان بإمكان إسراء مكايدة حياة، عن طريق تذكير المدني بأن زوجته لن تأتي لنا بمولود يصنع الصواريخ، أو يصنع النووي، أو"البّومادا" أو طرابيش النمل، كما يقال.
لكن إسراء فاجأتنا جميعا، وتمردت على كل تلك التعابير المألوفة، لتأتي بالجديد، وتستشهد باسم المهدي المنجرة، كرمز لأعلى مستويات العلم، التي من الصعب جدا على أي إنسان إدراكها، وخصوصا إذا كان ابن زوجة "طونطوها" المدني.
فلتسجل إذن يا تاريخ، أننا صرنا نحتفي بصاحب كتاب "انتفاضات في زمن الذّلقراطية"، على قناة عمومية مغربية وليست أجنبية. وصار فكر مولاي* المهدي المنجرة، يُقدَّم للمغاربة على أنه أقصى درجات العلم، بل وتم تفضيله حتى على علم صناعة الصواريخ.
هذه الحقيقة التي خرجت من فم الطفلة إسراء، ذكرتني بلقائي بهذه الشخصية الإنسانية بامتياز. لكنني سأؤجل الحديث عن هذا اللقاء لأتكلم عن حكاية أهم، جرت خلال محاضرة ألقاها المهدي في المدرسة الوطنية العليا للمعلوماتية وتحليل النظم في أواخر سنة 2006.
متى تمردت على ما فرضه المجتمع عليك؟ على أن تعيش الحياة المطلوب إثباتها بالتفصيل، كما جاء في المقرر؟ متى كانت آخر مرة أخضعت فيها للنقد والتمحيص ما تلقّنته من المدرس، من الأسرة، من الشيوخ، من السياسيين، وحتى من العلماء؟
كان المفكر المهدي يركز طيلة هذه المحاضرة على تشريح حقيقة الوضع في المغرب (بالأرقام والدراسات طبعا)، واستسلم كعادته إلى قناعته الراسخة بضرورة الاصطدام بهذه الحقيقة، باعتبارها الحقيقة المنطقية التي يجب المجاهرة بها مهما كلف الأمر، وإلا فلا حديث عن أي إصلاح.
كان من أهم لحظات هذه المحاضرة، على الأقل بالنسبة لي، الحوار غير المتوقع، الذي دار بين الدكتور المنجرة ومدير المدرسة آنذاك، حيث بدا للجميع الاختلاف الواضح بين وجهتي النظر... إلّا أن تصفيقات الحاضرين انتصرت للدكتور المنجرة ورجحت حججه.
لكن مدير المدرسة أبى أن يشهر الراية البيضاء وطالب، في شكل عتاب مقنَّع، الدكتور المنجرة بإعطاء بريق أمل للشباب الحاضر. عتاب استفز المهدي، فجحظت عيناه، واهتز من على كرسيه، ليصرخ بحرقة صادقة: "الأمل هو يْحاربنااا!! منِّي أنا وجبد!!".
جملة لن أنساها أبدا؛ فقد كانت دعوة صريحة من هذا المفكر المتفرّد للشباب إلى التمرد على الوجوه القديمة، بمن فيهم هو شخصيا، والتمرد على أفكارهم... لم يستثنِ أفكاره، بالرغم من كونها مرجعا عالميا.
متى جربت ولو مرة واحدة، ماركة جديدة من السلوكيات والتفكير (على سبيل التجربة ليس إلا)؟
باختصار، متى كانت آخر مرة قررت فيها أن تعيش كما خلقك الله، حرا في جسدك، في أفكارك واختياراتك؟
فالأمل في قاموس مولاي* المهدي المنجرة، يبدأ بتكسير "الأصنام".
عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، أرى من واجبي الآن أن أخبرك بأنه، إذا كنت من أنصار "كل بدعة ضلالة"، فالمقال ينتهي بالنسبة إليك هنا. شكرا جزيلا على وقتك الثمين، وإلى مقال آخر...
أما في حالة إذا ما كنت من المناصرين لوصية مولاي المهدي المنجرة، فاسمح لي أن أطرح عليك سؤالا مباشرا، أتمنى أن تستحضر(ي) ضميرك للإجابة عليه: متى كانت آخر مرة تمردت فيها؟
لا تهلع(ي)، ولا تجزع(ي)... أنا لا أقصد التمرد السياسي، ليس خوفا عليك طبعا من البطش، بل خوفا على نفسي من تهمة التحريض. كما أنني لا أقصد التمرد الشكلي، الذي يجعلك تربي شعرك وحشرات شعرك. أنا أتحدث عن التمرد كمبدأ، كطريقة في الحياة.
دعني أرفع عنك الحرج مؤقتا، وأزيل عني عباءة المفتش "كولومبو"، لأجيب أنا أولا على هذا السؤال.
بكل ضمير وشفافية، أقر وأعترف، أن آخر مرة تمردت فيها، كانت على المشروبات الغازية، لأنني سمعت والله أعلم، أنها تسبب انتفاخ البطن والأرداف.
الآن، حان دورك، ولا تتسرع في الإجابة... متى تمردت على ما فرضه المجتمع عليك؟ على أن تعيش الحياة المطلوب إثباتها بالتفصيل، كما جاء في المقرر؟ متى كانت آخر مرة أخضعت فيها للنقد والتمحيص ما تلقّنته من المدرس، من الأسرة، من الشيوخ، من السياسيين، وحتى من العلماء؟
متى جربت ولو مرة واحدة، ماركة جديدة من السلوكيات والتفكير (على سبيل التجربة ليس إلا)؟
باختصار، متى كانت آخر مرة قررت فيها أن تعيش كما خلقك الله، حرا في جسدك، في أفكارك واختياراتك؟
اعلم أنني سأكون في منتهى السعادة والرضى، وسأنام قرير العين، لو جعلتك تسهر هذه الليلة، تفكر في العمر الذي ضاع منك وأنت تديم الطأطأة للعرف والتقليد.
لا تظلمني ولا تلمني، فغرضي مصلحتك... لعلك تقلق يوما، فتشك وتبحث، وتبدع لنا ما لم يبدع فيه أحد من قبلك. وتُخرج لنا إلى الوجود، ماركة جديدة من الأفكار، مسجلة باسمك وحقوقها محفوظة.
ومن يدري، فقد تنال شرف التكريم في الموسم القادم من سلسلة "سوحليفة" الرمضانية. لن تنتظر كثيرا، عام "مادَّا ما جاب". على الأقل ستكون أوفر حظا بكثير من مولاي* المهدي المنجرة، الذي انتظر أكثر من نصف قرن في حياته، وأكثر من ست سنوات بعد مماته، من أجل أن يوشَّح بوسام "سُحلفائي "، من إمضاء المتمردة إسراء.
هام جدا: كلمة مولاي في هذا المقال، لا أقصد بها انتساب الدكتور المهدي المنجرة إلى شجرة آل البيت، بل أقصد بها انتسابه إلى شرفاء آل العلم. (ماركة مسجلة).

14 – المتنبي الكبير – المهدي المنجرة :

مع إندلاع الإحتجاجات في العالم العربي في ربيع 2011 كانت اكثر فكرة خادعة تناقلها الناس بكثرة وأنتشرت بينهم كالنار في الهشيم عبارة تقول "أن ثورة فرنسا استمرت 10 سنوات قبل أن تنجح وينعم الفرنسيين بالحرية والإزدهار! كانت العبارة تنزل على الأرواح الخائفة والمترقبة آنذاك بردا وسلاما وكأنها تطمئنهم عن المستقبل المجهول الذي ظهر امامهم فجأة كالسراب لكنها كانت في نفس الوقت تحجب عنهم رؤية عما كان ينتظرهم من نوازل وخطوب وأوقات عصيبة قادمة
كنا نسمعها من الكبير والصغير المتعلم والأمي من الليبي والمصري والسوري حتى أني سمعتها مرة من شخص بسيط جدا لم يقرأ في حياته كتاب واحد ولا يعلم شيء عن أسماء فولتير وروبسبير ولماذا إنتقلت فرنسا من جمهورية أولى إلى ثانية وثالثة؟ مجرد عبارات هلامية رماها الإعلام المحرض كالقنبلة وسط أمواج من الغاضبين لتعمل عمل السحر وتتلقفها جماهير سعيدة راضية ترتجي من ورائها أيام فرح وسعادة ببركة النوايا الطيبة بعد أن تنتهي من إلتهام سندوتشات الفاصوليا وطاسات الشاهي بالكاكاوية في ساحة المحكمة، بلورها ترهونينا العظيم فيما بعد بالحكمة الشهيرة "الخير جاي" حتى أصبحت نذير شؤم ونادرة يتهكم بها الليبيين إلى يومنا هذا.
لكن هناك داخل عالم الفكر، ذلك البئر السحيق المظلم في بيئتنا العربية من كان له رأي آخر مخالف تماما عما كانت تردده الجموع من أهازيج الفرح والبهجة في شوارع بنغازي وطرابلس والقاهرة وتونس وصنعاء والشام، كان ذلك هو العالم الموسوعي المغربي الراحل (المهدي محمد المنجرة) الذي وضع تصور عن الأوضاع التي ستكون عليها البلدان العربية حال تفجر ثورات فيها فكتب قبل ذلك بسنوات يقول :
"أي ثورة في الشوارع لا تسبقها ثورة فكرية في العقول ستكون كارثة، وسيكون مآلها الفشل الذريع، وستنتهي بتحولها إلى وسيلة عنف إقصائية تعمل على زيادة الشرخ داخل المجتمع، وتدمير مقدرات الدولة، وتلجأ بعد ذلك إلى التناحر فيما بينها".!!
قدرة الرجل على التفكير المنهجي وإستخلاص العبر جعلته يستشرف الأوضاع ويصورها لنا في أقل من ثلاث سطور بدقة متناهية وكأنه يطالع أمامه مشاهد حية من المستقبل أو كأنه معلق رياضي ماهر يصف مباراة في كرة قدم
كم منا سمع بهذا الرجل أو قرأ كتبه؟ وكم قناة فضائية أجرت معه مقابلة؟ وكم حاكم عربي طلب إستشاراته؟ حتى ملك المغرب الذي زامله في الدراسة ضاق به ذرعا ومنعه من ألقاء المحاضرات مع نشوب أول خلاف فكري معه، كنت مثل الكثيرين أجهل كل شيء عنه ولم أعثر على كتاباته ومنشوراته إلا بعد أن قرأت خبر نعيه بطريق الصدفة عام 2014.
ساهم بتنظيم لقاء دولي كبير عن مشروع النهضة عام 90 وخرج بنتيجة تقول أن "المسلمين لم يصلوا إلى هذا الدرك إلا بعد أن سجنوا انفسهم في الماضي وابتعدوا عن الإجتهاد برغم أن الإسلام دين شديد الإرتباط بالمستقبل" غير ان قرارات هذا المؤتمر ذهبت أدراج الرياح كغيرها من المؤتمرات والندوات التي تعقدها الحكومات العربية للمفاخرة والظهور والدعاية
تخبرنا سيرته الكثير فهو خبير علاقات من الطراز الأول إهتم بعلوم المستقبل مع أنه تخصص في البيولوجيا والكيمياء في أمريكا ولعل أكبر شهادة في حقه هي إعتراف الكاتب الأمريكي الشهير صامويل هنتينغتون أن المنجرة هو صاحب فكرة (صراع الحضارات) التي دفعته لاحقا إلى تأليف كتابه ذائع الصيت وأنه أول من طرح الموضوع من البداية
المشكلة أننا دائما لا ننتبه إلا بعد حلول الكارثة ! وكلما قرأت عن منجزات هذا العالم أكثر شعرت بأن جهل الأمم بمواطن ضعفها وقصورها يكلفها أثمان باهظة ومصائب مدمرة قد لا تمنحها الفرصة للوقوف على قدميها مجددا في حين كان بإمكانها مواجهة هذه التحديات والتعامل معها بكل سهولة لو أحسنت الإستفادة من نتاجات بعض العقول القريبة منها والتي غيبها الحسد والغيرة والوشاية
مؤلفاته تتركز في معظمها عن العدالة وكيفية إيجاد نظام دولي بديل يقوم على إنصاف الشعوب وتحريرها من التخلف الثقافي الذي يعتبره المسؤول الأول عن إنحدارها وضعفها وضبابية مستقبلها. قبل وفاته أوصى بدفنه في مقبرة للفقراء مع ان أسرته تمتلك مكان في مقبرة للشخصيات المهمة ورجال الدولة لكنه رفض في رحلته الأخيرة مجاورة الأغنياء وأصحاب السلطة واختار جيرة الفقراء والمعدومين الذين أفنى حياته في الدفاع عنهم وعن حقوقهم المهضومة.
15 – كيف قرأ لنا الدكتور المهدي المنجرة !!!
يشهد الفضاء الأزرق للتواصل الاجتماعي، انبثاق حركة عرفان ووفاء لهامة فكرية مغربية أصيلة غيبتها عنا قساوة المرض، وضريبة العمر، وعقوق الأبناء، وانصراف المسؤولين. إنها هامة بحجم الوطن، عميق فينا حد الأصول، ممتد حد الحلم، من منا سينكر طيف سؤاله الحارق وهو يخترق أوهام الحدود وجدر الوصاية، من منا سينسى حلما مشتركا رحبا رحابة الوطن اسمه المهدي المنجرة. من يستطيع أن يقتلع من ذاكرتنا حضوره العميق والممتد، حضوره الأنيس الدافيء لدرجة التماهي مع ذواتنا لأنه ببساطة هو "النحن"، حين تنصب الأسئلة بحجم المستقبل وبعناد النقد الصارم..
والموقع pjd.ma إذ يبارك هذه الالتفاتة المنتمية بالإصرار للمستقبل، يعيد فرز تضاريس خريطة فكر الرجل من خلال نشر مقالات عنه، مؤكدين أن سياقات انبثاق أفكارها مرهونة بلحظتها التي أنتجتها، وأن كان طعم المستقبل ساكنا في ثناياها بقدرة صاحبها على التنبوء وهو الذي أرسى المستقبل علما يدرس ومعالم تقتفى.
عن هذا الرجل كتب الكاتب محمد أديب السلاوي مقالا بعنوان: "كيف قرأ لنا الدكتور المهدي المنجرة"، وهو المقال الذي نشرته يومية بيان اليوم في عدد 11 مارس 2014 هذا نصه:
الزمن العربي للذلقراطية؟
1 يرتبط اسم الباحث المستقبلي، الدكتور المهدي المنجرة، لدى عامة المثقفين والسياسيين بمصطلح "المستقبلية". فهو الذي أطلق هذا المصطلح بشكل مكثف في ندواته ومحاضراته وكتبه وحواراته، حيث جعل منه مصطلحا مذهبيا/ فلسفيا، مرادفا للتنمية، في الأدبيات السياسية المغربية. وهو مؤسس الجمعية المغربية للدراسات المستقبلية، التي ساهمت إلى حد كبير في إشعاع هذا المصطلح وإغنائه في الإعلام الوطني، كما في الفاعلية السياسية الوطنية وأدبياتها وبفضل جهوده العلمية، أصبح "الأفق المستقبلي" يؤخذ بعين الاعتبار في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعدما ظل مغيبا لفترة طويلة، خاصة في العهد الاستعماري، والعهود التي مهدت له، حيث أخذت الإدارة المغربية والعديد من الأحزاب، والمنظمات السياسية والنقابية المغربية تولي، أهمية خاصة للأفق المستقبلي في أدبياتها، وفي تنظيماتها وهياكلها، وبرامجها، وهو ما يعتبره المجتمع الثقافي المغربي، انعكاسا إيجابيا، للمجهودات التي بذلها ويبذلها هذا الباحث من أجل المستقبل والمستقبلية.
من بين مؤلفاته العديدة التي تعالج مستقبلية العالم العربي/ العالم الثالث، كتاب: انتفاضات في زمن الذلقراطية، وهو مجموعة حوارات أنجزها مع نخبة من الصحفيين والكتاب المغاربة: هند عروب/ مصطفى حيران/ نور الدين العويدي/ حمادي الغاري/ وآخرين، وجميعها تصب في محور "الذلقراطية" الجرح المتفجر على الجسد العربي خصوصا... والجسد العالمثالثي على العموم.
لنحاول الإطلالة على هذا الكتاب، الذي يعود إصداره إلى العقد الأخير من القرن الماضي :
2 و"الذلقراطية"، مصطلح جديد/ توليد لغوي جديد، من إبداع المفكر المغربي الدكتور المهدي المنجرة، وهو يشكل عنصرا تركيبيا خماسيا، يختصر واقع الحال في الوطن العربي وفي العالم الثالث وهي: الجهلوقراطية/ الفقرقراطية/ الشيخوقراطية/ المخزنقراطية، (بالنسبة للمغرب)، وهي التي أفرزت مجتمعة التخلفقراطية، التي تغرق الوطن العربي في الرداءة الحضارية حتى القعر .
ذلك هو جوهر كتاب "انتفاضات في زمن الذلقراطية" الذي يلقي الأضواء الكاشفة على الأوضاع المتردية في الوطن العربي وعن هجمة الاستعمار الجديد عليه. وعلى أن المؤلف يرفض أن يكون هذا الكتاب سياسيا، أو منتميا لحزب أو حركة أو إيديولوجية، إلا أن هذا الرفض لا يعني ابتعاده عن السياسة ومفاهيمها وقيمها، فالحوارات التي تشكل مادته الأساسية، تخوض جميعها في غمار القضايا الأكثر ارتباطا بالمواطن العربي، وحقوقه ومستقبله، وأحيانا في غمار القضايا التي يصمت عليها محترفي السياسة، الذين أوجدتهم الأنظمة لينوبوا عن البلاد والعباد، وهو ما يضع الباحث المستقبلي/ المؤلف، في موقع المناضل السياسي، الذي يعمل بشجاعة من أجل التغيير والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي يحمل في دمه حقنة مضادة للإقصاء والتهميش والظلم، وكل إفرازات "الذلقراطية" التي اختصر بها الوضعية المتردية للمواطن العربي... وكل مواطني العالم الثالث.
تعالج حوارات هذا الكتاب، محاور سياسية واقتصادية وثقافية مختلفة، ذات أهمية قصوى، بالنسبة للأوضاع العربية الراهنة، تصب جميعها في الوضع العربي/ العالم ثالثي الراهن، وما يواجهه من تحديات، وما يحيط به من مخاطر وسلبيات. أن الحرية/ المستقبل/ الديمقراطية/ العولمة/ السميائية/ نقل التقنولوجية / التعليم / الدراسات المستقبلية / النظام الدولي الجديد / التعددية الدولية / الصهيونية / أحلام إسرائيل/ الانتفاضة والحرب الحضارية / احتلال العراق، محاور تشكل في جوهرها دوافع وأسباب نشر هذا الكتاب، ولكنها في ذات الوقت، تستعيد منظور مؤلفه، العربي/ العالمثالثي/ المناضل/ المثقف، على محيطه وهويته وانشغالاته كمفكر مستقبلي، وكمواطن مغربي.
3 من بين المحاور الأساسية لهذا الكتاب، محور يتصل بعهد المغرب الجديد، تطرق فيه إلى عدة أسئلة حول الملكية والسياسة الخارجية والتناوب الديمقراطي، وقضية الصحراء المسترجعة، إذ أكد بوضوح أن دخول المغرب عهدا جديدا يستوجب حضور شرطي المصداقية والمشروعية، وهما شرطان لا يتأتيان إلا من الشعب. لأجل ذلك يرى مفكرنا المستقبلي ضرورة وجود مجلس تأسيسي لإعداد دستور جديد للبلاد ينقلها إلى ما يريده الشعب لنفسه ومستقبله. أما عن الملكية، فهي في نظره رمز ونظام يحمي الشعب، وتأريخ عريق يسطر ملامح هذه الأمة، ومن الصعب تصور أي نظام بديل لهذا النظام، لكنه في نظره يحتاج إلى إدخال بعض التغييرات، ولن تدخل إلا إذا كانت هناك مراجعة من جديد لجهاز المجموعة كنظام سياسي، فمن أدوار الملكية المعاصرة، الدور الاستطلاعي والاستبصاري المستقبلي، خاصة وأن للحكومات والبرلمانات رؤيتها المحدودة والمتأسسة على سياسات الأمد القصير، بينما مؤسسة شامخة كالملكية لها إمكانات الرؤية والتبصر، من الأفضل – في نظره- أن تهتم بالمسائل الأساسية والشؤون الإستراتيجية للبلاد، وتترك باقي الأشياء التي يمكن أن يزاولها الآخرون.
وعن قراءاته لسياسة المغرب الخارجية، يرى الدكتور المنجرة أن الحكومة/ الحكومات المغربية في وضعها الراهن لا تملك موقفا واضحا في السياسة الخارجية، وليست لديها إستراتيجية لماهية الأهداف المراد تحصيلها. وأن المغرب بات مرتهنا بقيود التبعية للغرب. وهو ما يتناقض وشعارات التعاون جنوب/ جنوب وعدم الانحياز والوحدة العربية والوحدة الإسلامية....
17 – المهدي المنجرة وصموئيل هنتغتون... وصراع الحضارات .
المهدي المنجرة اقتصادي وعالم اجتماع مغربي ولد في مدينة الرباط سنة 1933 و توفي فيها سنة 2014 عن عمر يناهز 81 عاما. ويعتبر المنجرة من الرواد الأوائل في تخصص الدراسات المستقبلية، كما يعتبر أحد أكبر المراجع على الصعيدين العربي و الدولي في القضايا السياسية و العلاقات الدولية و الدراسات المستقبلية.
بعد أن حصل على الثانوية العامة في المغرب، سافر المنجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتحق بجامعة كورنل حيث بدأ بدراسة البيولوجيا و الكيمياء. إلا أنه سرعان ما اكتشف شغفه بالعلوم السياسية والاجتماعية مما دفعه الى دراستهما فيها بعد للحصول على شهادة البكالوريس في العلوم السياسية منها. ثم سافر المنجرة إلى بريطانيا سنة 1954 لمتابعة دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد حيث كانت أطروحته لنيل الدكتوراة حول موضوع "الجامعة العربية-البنية والتحديات".
تبوأ المنجرة العديد من المناصب الدولية و الفخرية أهمها أستاذا وباحثا في كلية لندن للاقتصاد، والمستشار الخاص للمدير العام لليونسكو، وعضوا مؤسسا في نادي روما الذي تأسس في عام 1968.
ويجب التنويه هنا إلى أن الامبراطور الياباني كان قد منح المنجرة في العام 1986 وسام " الشمس المشرقة" الوطني عن بحث قام به بخصوص أهمية "النموذج الياباني" بالنسبة لدول العالم الثالث، حيث أن اليابان تعتبر نموذجا فريداً في التوفيق بين الأصالة الشرقية والحداثة الغربية . ثم تولى عمادة بعض الجامعات اليابانية في التسعينيات من القرن الماضي، مما اتاح له الفرصة الاطلاع عن كثب على التجربة اليابانية.
كانت ثقافة المنجرة أنجلوساكسونية على نقيض الغالبية الكبرى من مفكري ومثقفي المغرب العربي الذين هم خريجي الثقافة الفرنكوفونية . لقد ابتكر المنجرة مفاهيم جديدة مثل"الاستعمار الجديد"و"الميجا-امبريالية" وغيرهما وتكلم عن جشع الليبرالبة الجديدة التي نعتها بالمتوحشة.
لقد دافع المنجرة عن حق دول العالم الثالث في التنمية ونادى بالعدالة والإنصاف للشعوب المضطهدة والمستغلة. ويقارن المنجرة بين الحضارات القديمة والمتجذرة في عمق التاريخ وبين الغرب المتغطرس صاحب الحضارة الأقل عراقة وتجذرا حيث يقول: "الغرب متغطرس ثقافيا لأن فضاءه الزمني التاريخي محدود، وحين تذهب الى العراق أو الصين أو إلى أمريكا اللاتينية تجد لديهم ثقافة متجذرة ومتطورة، وفي الولايات المتحدة تجد بالمقابل الأكلات السريعة. إن التقدم العلمي لا يعني آليا امتلاك ثقافة التواصل مع الآخر".
ويضيف:"أنا أعتقد أن العالم يعيش حالة انفجار، وهنا أعود لاستخدام تعبير "الانتفاضة". فالانتفاضة انفجار يحدث حين يبلغ السيل الزبى. ثمة ظلم هائل في العالم، ومن اللازم إيجاد الحلول كي يكون كل الناس رابحين وكي لا يكون هناك خاسر".
بصفته عالم مستقبليات دولي، فقد درس المنجرة معطيات الماضي و الحاضر لاستشراف المستقبل، إذ أنه استشرف احداثاٌ عالمية كثيرة، وقد تحدث المنجرة عن حرب الخليج الأولى التي سماها "الحرب الحضارية" قبل حدوثها، وتنبأ بوقوع أحداث الربيع العربي في كتابه "الانتفاضة في زمن الذلقراطية" الذي صدر عام 2006 ، وكذلك تنبأ بالأزمة المالية و الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 2008، من خلال أطروحته "الميغا إمبريالية".
إذن سبق المنجرة المفكر الأمريكي صموئيل هنتغتون في استخدامه لمفهوم صدام الحضارات، ولكن تحت مسمى آخر،وهو الحرب الحضارية.
و الفرق الكبير بين المنجرة وهنتغتون في توصيفهما للحرب الحضارية أو صدام الحضارات هو أن الأول يطرح الموضوع من منطلق وقائي تحذيري، الغاية منه ترسيخ قيم العدالة الإنسانية، وتفادي الصراعات بين الشعوب و الدول التي تجر في أذيالها كوارث على البشرية، ولضمان استمرار القيم المثلى في كافة المجتمعات. أما هنتغتون فتحدث عن صدام أو صراع الحضارات من منطلق أصولي قومي وخطابه خطاب دفاعي يؤكد فيه أن الخطر على الغرب سيأتي من العالم غير اليهودي- المسيحي.
فالمنجرة من خلال أطروحته عن صراع الحضارات ينادي من أجل تحقيق السلام والأمن والعدل والقيم الانسانية العليا، في حين يسعى هنتغتون إلى تأجيج الصراع و خلق حالة من الرعب لدى الشعوب التي تنتمي الى الحضارة الغربية ودب الذعر فيهم وتخويفهم من الإسلام و الحضارة الصينية الكونفوشستية على وجه الخصوص. ففي حين ينادي المنجرة إلى خلق حوار حضاري بين الشمال والجنوب لدفع الأخطار المحدقة وخلق حالة من السلام العالمي، يخلق هنتغتون حالة من التوتر و الذعر في العالم الغربي.
تستند أطروحة هنتغتون في صراع الحضارات على قاعدة أن الصراع بين الدول و الشعوب لم يعد أيديولوجيا أو سياسيا أو اقتصاديا بل إنه الإختلاف الثقافي و الديني، وقد سبق له وأن وضع تسلسلا زمنيا لمراحل و أشكال الصراع في التاريخ الإنساني. فأول ما بدأ الصراع حسب رأيه بين الملوك والأباطرة، ثم أصبح الصراع بين الشعوب أي بين الدول القومية، ثم أيديولوجياً إبان الحرب الباردة. أما في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أصبح الصراع بين الحضارات أو بمعنى آخر بين الهويات الثقافية المختلفة. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وتفجير مركز التجارة العالمي وكأنها تؤكد صحة نظرية هنتغتون أو لتحقق نبوءته. ويبدو أن أطروحة هنتغتون هذه هي امتداد لأطروحة "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا" للشاعر الإنجليزي" روديارد كبلنغ" في نهاية القرن التاسع عشر التي أصبحت وكأنها حقيقة راسخة لدى الكثيرين في الشرق والغرب على حد سواء وأنه لا يمكن جسر الهوة بينهما في الأمد المنظور. وقد تولد لدى الكثيرين القناعة بأن التقاليد والإرث الروحي والثقافي والنظم السياسية لكل منهما تختلف عن الآخر. ويحدث أن تعقد في كثير من الأحيان المؤتمرات العالمية لجسر الهوة بين الشرق والغرب ويتم نوع من الهدنة المؤقتة بينهما التي سرعان ما تنهار ليعود الصدام بينهما إلى سابق عهده. وفي نقده لاطروحة "صراع الحضارات" يرى المفكر العربي الكبير إدوارد سعيد أن اختلاق الغرب لهذه الأطروحة وكتابة هنتغتون عنها عام 1993 ( أي بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991) تحمل وراءها دلالات وخفايا كثيرة . ويضيف سعيد أن هنتغتون اعتمد بشكل كبير على أستاذه " برنارد لويس" ( الذي كان دائما على خلاف مع سعيد نفسه وخاض عدة جدالات فكرية معه) الذي كتب مقالته المشهورة " جذور الغضب الإسلامي" . إذن فأطروحة هنتنغتون تلك جاءت انعكاسا للعقل السياسي الغربي والأمريكي على وجه الخصوص، وكأنها دعوة لضرورة وجود أعداء طيلة الوقت من أجل السيطرة والهيمنة على شعوب دول العالم الثالث، وما أن يتلاشى عدو يخلقون عدواً آخر وهكذا. فبعد سقوط المعسكر الشيوعي وانتهاء الحرب الباردة كان من المتوقع أن تختفي مسببات الصراع وأن يعيش العالم بسلام، إلا أن أطروحة هنتغتون تلك جاءت لتعبر عن عقلية البنتاغون الأمريكية في خلق الحروب والصراعات على الدوام. ويرى بعض الباحثين أن أطروحة "صراع الحضارات" جاءت رداً على أطروحة " نهاية التاريخ" لفرنسيس فوكوياما التي تخلق المناخ الملائم لإرساء السلام في العالم. وعلى أية حا، فإننا نعترف لهنتغتون بنزاهته و موضوعيته العلمية حيث يعترف في الفصل العاشر من كتابه "صدام الحضارات" أن المنجرة هو أول من تحدث عن الصراع بين الحضارات ولكن من منطلق مختلف تماما عن منطلق هنتغتون كما أسلفنا ويقول:
"وصف المفكر المغربي البارز المهدي المنجرة حرب الخليج اثناء حدوثها بأنها أول حرب حضارات والحقيقة أنها كانت الثانية، فالأولى كانت الحرب السوفيتية- الافغانية في 1979-1989".
ويضيف قائلا: "كلا الحربين بدأتا كغزوٍ مباشر قامت به دولة لأراضي دولة اخرى، ولكنها تحولت إلى حروب حضارات وصارت تعرف بذلك. والحقيقة أيضاً أنها كانت حروب انتقال الى حقبة يغلب عليها الصراع الإثني وحروب خطوط التقسيم بين جماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة".
ويشير المنجرة في كتابه "قيمة القيم" الى هذا الإعتراف من قبل هنتغتون قائلا:
"يعترف هنتغتون في الفصل العاشر من كتابه صدام الحضارات بأنني كنت أول من استخدم عبارة الحرب الحضارية". إن إرشادات المنجرة وتحذيره العالم من الخراب و الدمار و الى تجنب الصراعات بين الحضارات و الثقافات، و استشرافه لما قد يحدث في العالم من دمار، أدت بالوزير الفرنسي ميشال جوبيير لأن يطلق عليه وصف "المنذر بآلام العالم "
18 : أشهر كتب العالم المغربي المهدي المنجرة ...


– كتب المهدي المنجرة :
اشتهر المهدي المنجرة بكتاباته في علم المستقبليات وصراع الحضارات والمقارنة بين التقدم الغربي والإنحطاط العربي وإشكالات التنمية والعولمة وقضايا القيم الإنسانية. وقدم المهدي المنجرة عشرات المؤلفات باللغة الفرنسية والانجليزية والعربي
أشهر كتب المهدي المنجرة :
– كتاب الحرب الحضارية الأولى ...
يطرح الكاتب والمفكر المغربي مهدي المنجرة في كتاب الحرب الحضارية الأولى العديد من القضايا الأساسية التي تهم مجتمعنا العربي والإسلامي، وتفاعلنا مع التغييرات التي تحدث في العالم. ويؤكد الدكتور مهدي المنجرة على ضرورة الإهتمام بالبحث العلمي وبناء استراتيجية مستقبلية فعالة لتقدم أمتنا وازدهار حضارتنا الإسلامية.

يُؤكد الدكتور مهدي المنجرة على ضرورة التمسك بالهوية الإسلامية واللغة العربية وتحقيق التنمية المُستدامة والقضاء على الأمية والمديونية والسعي نحو امتلاك القوة الإقتصادية والعلمية والعسكرية التي تنافس الغرب.

أهم المواضيع التي تطرق لها كتاب الحرب الحضارية الأولى :

– حرب الخليج
– القضية الفلسطينية
– العالم الاسلامي و التهديدات التي تواجه
– المغرب العربي
– الفرنكوفونية
– اللغة العربية
اقتباسات من الكتاب
ليس في الإسلام حدود للتعبير عن الرأي .. واتحدى أي عالم، كيفما كان، أن يعطي تفسيرا بان الإسلام قد جاء بحدود في التعبير عن الراي. التعبير عن الرأي مضمون مادام الإنسان لم يمس حقا من حقوق إنسان آخر .. وهذا موجود في جميع القوانين.
أن حاضرنا هو كذلك ليس بأيدينا، فلا يحق لنا أن نكذب على أنفسنا، بل يجب أن تكون لدينا الشجاعة لنقول بصراحة: أن الإستقلالات التي حصلنا عليها ليست سوى استقلالات شكلية رمزية شبه سياسية، أما في الميادين الاقتصادية و الاعلامية و الحضارية فإننا غير مستقلين، ناهيكم بما يجري في مجال التلفزة مثلا ،حيث تسود التبعية و التقليد الأعمى.
إن الكثيرين من صانعي القرارات في الدول النامية كانوا و لا يزال الكثيرون منهم ، من المحملين بالقيم و المفاهيم مما أوجده المستعمرون السابقون في نظم التعليم.
– كتاب عولمة العولمة
كتاب عولمة العولمة عبارة عن مجموعة حوارات ومداخلات أجريت مع الدكتور المهدي المنجرة، يتناول فيه مشاكل العالم الثالث وقضية العولمة ومرحلة الاستعمار الجديد وتأسيس نظام عالمي جديد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية.

ينتقد المهدي المنجرة التبعية الثقافية للغرب وتواطأ النخب الحاكمة في الدول العربية مع النظام الإمبريالي للدول الكبرى عبر خيانة قضايا الأمة ونشر الأمية والجهل بين أفراد المجتمع. وعوض ذلك يركز على ضرورة الإستثمار في العنصر البشري وإعطاء الأولوية للخبرات المحلية والوطنية.
اقتباسات من الكتاب
فإن ما تمت عولمته حاليا هو، بكل تأكيد الفقر والظلم الاجتماعي والرشوة والاستلاب الثقافي.
أقول ببساطة إن العولمة، كما هي محددة وكما هي مفروضة حاليا، تكون أحد الأسباب الأساسية في صعود العنف وتناسل النزعات التي نلاحظها على المستوى الكوني
كم أتحسر لكون جامعاتنا لا تزال تقيم إعتبارا كبيرا لهاته الحدود، التي تعرقل مواجهة التحديات المعرفية المعاصرة، من قبيل تلك الموجودة في كلية الآداب بين التاريخ وعلم الإجتماع و الأتروبولوجيا واللغويات وغيرها.
صحيح أن المعرفة مؤقتة وأنها تتطور دوما وبوثيرة مسرعة. كما أننا نعلم بأن ما هو صحيح اليوم يمكن أن يصبح خاطئا غدا. وهذا الأمر ينطبق بالخصوص على العلوم الاجتماعية التي يبدو أننا نميل فيها إلى السلوك المتغطرس نوع ما.
كتاب الإهانة في عهد الميغا إمبريالية
يتطرق كتاب الإهانة في عهد الميغا إمبريالية للمفكر الكبير مهدي المنجرة على الإهانة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على دول العالم الثالث باعتبارها القوة الإقتصادية الأولى في العالم وتسليطها حكام ومسؤولين يعملون لمصلحتها فقط، والعراق خير مثال على ذلك.
اقتباسات من كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ للكاتب جهاد الترباني...
اقتباسات من كتاب الأربعون للكاتب أحمد الشقيري
اقتباسات من كتاب حديث الصباح للكاتب أدهم شرقاوي
كتاب الإهانة في عهد الميغا إمبريالية عبارة عن مقالات صحفية. يستطرد فيه الدكتور مهدي المنجرة تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في مراكز القرار في كل أنحاء العالم ويعتبر الدكتور هذه الهيمنة هي الحرب على الإسلام
اقتباسات من الكتاب
ليس هناك من شعب عانى ماعاناه الشعب الفلسطيني. ولهذا السبب أعتقد بأن القضية الفلسطينية لا تهم الفلسطنيين وحدهم. فباعتباري مغربيا وعربيا ومسلما إفريقيا، بل باعتباري فقط كائنا إنسانيا، لن أعتبر نفسي أبدا حرا ما دامت فلسطين محتلة، ومادام هؤلاء الناس لم يسترجعوا كرامتهم.
إن الإسلام دين المستقبل، بل هو حضارة المستقبل، والمسلمون في تزايد ديموغرافي مستمر (إذ سيمثلون 40% من سكان العالم نهاية هذا القرن)، وبالتالي فاستعداء هذا الدين وهذه الحضارةهو ضرب من ضروب الغباء ونظرة أقل ما يُقال عنها إنها ضيقة الأفق.
لقد أصبح للميغا إمبريالية أسلوب جديد ولغة من تركيب جديد، والميغا حسب مدلولها لا تقتضي الإنفراد بالقرار. فهي لا تقبل امبريالية أخرى منافسة على عكس ماكان في السابق، حيث كانت الإمبريالية الفرنسية مثلا تقبل بوجود امبرياليات أخرى ألمانية وبريطانية وإسبانية أو غيرها.
والإهانة لا يمكن أن يقبلها شعب لفترة طويلة. والدفاع عن الكرامة لا يمكن إلا أن يثير ردود فعل قد تكون عنيفة في طبيعتها. وستندلع "انتفاضات" جديدة في كل الوطن العربي الإسلامي مخلفة ثمنا اجتماعيا وإنسانيا كبيرا.
– كتاب حوار التواصل :
يِؤكد مهدي المنجرة في كتاب حوار التواصل على ضرورة مقاومة الهيمنة الغربية والثقافة اليهودية – المسيحية، ومحاولة تشخيص مشاكل العالم الثالث في جميع الميادين الحيوية كالإعلام والتنمية والديمقراطية والحث عن حلول لها من أجل النهوض بأمتنا والتخلص من التبعية الثقافية والحضارية للغرب والمستعمر.

يسعى دائما الدكتور مهدي المنجرة على إبراز تفوق الغرب في العديد من المجالات من بينها الإعلام في مقابل تخاذلنا عن مواكبة هذا التقدم، ويبرز على أن الإزدهار الذي نرجوه لبلداننا لا يعني تقليد الغرب في كل شيء. على عكس تماما، فيمكننا الإستفادة من حضارتنا وقيمنا وهويتنا التي نفتخر بها ويضرب مثالا بنموذج اليابان الذي استطاعت تحقيق التطور والتقدم من خلال التشبت بثقافتها وبحضارتها.

اقتباسات من الكتاب
من السهل على المرء، أن يبين كيف أن الهوة بين الشمال والجنوب لامفر من تزايد اتساعها، مادام الجنوب لم يطور بشكل جدي استراتيجيات وسياسات خاصة به في مجال الإعلام.
لقد تعلمت الشعوب حدسيا، ان بإمكانها الإعتماد على قيمها الثقافية إذا أرادت التطور وفق طموحاتها، وهذه القيم هي بالطبع قيم متعددة وغير ذات جنس واحد داخل نفس البلد.
إن التغيير الذي يظهر لنا يكمن في أن الجيل الجديد لم تعد لديه العقد التي كانت في الأجيال السابقة التي تكونت على يد حكام الإستعمار واحتفظت بشكل غير واع بترسانة قيم الغرب.
– كتاب انتفاضات في زمن الذلقراطية ...
كتاب انتفاضات في زمن الذلقراطية هو نتاج حوارات وتساؤلات أجرتها الدكتورة هند عروب مع الدكتور وعالم المستقبليات مهدي المنجرة أجاب فيها على العديد من التساؤلات وتناول الكثير من القضايا.

في كتاب انتفاضات في زمن الذلقراطية استطاع الدكتور المنجرة بالتنبأ بأحداث الربيع العربي بالإستناد إلى الأوضاع الراهنة التي تعيشها الشعوب العربية من فقر وتجهيل وتجويع وهو ماسماه بالذل. ويؤكد على فالانتفاضات ماهي إلا رد فعل هذه الشعوب ضد حكامها ونخبها الفاسدين وقد سماهم بالمستعمر الوطني أي أنهم يطبقون سياسات المستعمر القديم ضد شعوبهم المقهورة.
وقد أبرز مهدي المنجرة على ضرورة إصلاح الفجوة الحاصلة بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث من خلال الإهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتوجه نحو التنمية والديموقراطية. وفي نهاية الكتاب تختم الدكتورة هند عروب قراءاتها في ثلاث من مؤلفات المنجرة وهي :
– حوار التواصل، من أجل مجتمع معرفي عادل
– عولمة العولمة
– التواصل الثقافي شمال – جنوب
اقتباسات من الكتاب

ينصب الاهتمام الاساس لهذه المجموعة من الكتابات على ما يمكن تلخيصه بالذل. إنه شر قديم يعود بقوة ليبسط هيمنته على العالم. فقد غدت المهانة شكلا للحكم ونمطا لتدبير المجتمعات وطنيا وعالميا والذل كما يعرفه معجم روبير : فعل الإذلال الواقع على الغير او على النفس.
فالانتفاضات هي ثورة على الذل والإهانة واحتقار السلط الحاكمة لشعوبها التي منذ حصولها على استقلالها، وهي تطالب من حكوماتها الوطنية أو من مستعمرها الوطني بالعدالة والكرامة والمساواة والحرية، ولم يكن رد الأنظمة المتسلطة الحاكمة سوى المزيد من القهر والتجويع والتجهيل، لذا فالانتفاضات لم تأت من فراغ ولا من عدم ...

– لاحياة لنبي بين قومه ... المهدي المنجرة العالم الذي الذي اعتمدت عليه اليابان وهمشه المغرب .

يعتبر المهدي المنجرة من أبرز المثقفين والمفكرين والعلماء المغاربة والعرب , وأحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.
حاز على أكثر من جائزة في أكثر من بلد، جال كثيرا من دهاليز المنظمات الدولية وبلغ بداخلها أسمى المناصب وندد بمواقفها في قضايا الحاضر والمستقبل، على المستوى العربي والدولي، ولد بالرباط يوم 13 مارس 1933, أتم دراسته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، عمل مستشارا وعضوا في العديد من المنظمات والأكاديميات
* سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.