يرقد المهدي المنجرة منذ أشهر طويلة في مستشفى عريق بالرباط وهو يعاني ربما من مرض قاس وقد بلغ من الكبر عتيا. وربما الأنكى من ثقل المرض أنه يعاني من جراحات مسار فكري طويل تميز بالالتصاق بقضايا الحريات وحقوق الإنسان ومواجهة بغي السلطة الحاكمة ليس في بلده المغرب فحسب وإنما عبر العالم... كيف لا وهو المفكر الذي ابتكر مفاهيم فكرية جديدة مثل ‘الاستعمار الجديد' و' الميغا-امبريالية' وسخر كتاباته لفضح جشع النيولبرالية-الامبريالية الجديدة المتوحشة والدفاع عن حق دول العالم الثالث في التنمية المستقلة وكتب عن نظام دولي منشود يقوم على العدالة والإنصاف والكرامة لكل الشعوب والمجتمعات. هذا المفكر وعالم المستقبليات الاستثنائي-وهو يصارع المرض الفاجع حاليا- ربما قد يجد سلوى في رؤية تنبؤاته تتحقق في الواقع العربي.إذا كان بشر بسيناريو ‘التغيير الجذري' للأنظمة الحاكمة في العالم العربي واعتبر أن' الانتفاضات الشعبية' هي الحل الأخير لبناء مجتمعات عربية معاصرة تتوفر فيها المشاركة الشعبية وحقوق الإنسان منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي... *خيبات المفكر العربي: إن ما دفعني إلى كتابة هذه الورقة المستعجلة بعض كلمات حدثتني بها إحدى المدرسات الجامعيات التونسيات- وكان لقاؤنا صدفة في قسم اللغة والآداب العربية بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس- عن زيارتها الأخيرة إلى المغرب للمشاركة في ندوة علمية حيث سألتها عن المنجرة فصمتت قليلا وقالت بنبرة يغلبها الأسى والحسرة:'أجل ! ..تمكنت من زيارته في المستشفى بعد عناء شديد وصعوبات شتي ووساطات...هناك حراسة مشددة على المستشفى والغرفة التي يرقد فيها. حتى الكثير من أصدقائه وطلبته لم يتمكنوا من زيارته...الموت قدر من الله ! لكنني رأيته في حالة غيبوبة شديدة... !! ‘.لقد دفعتني هذه الكلمات المقتضبة المتقطعة التي يلفها رداء الأسى والحزن التي قالتها هذه الأستاذة الجامعية إلى استدعاء هذه الأسطر المتفلتة من ذاكرة مكتظة بآلام الماضي وجراحات الحاضر المثخنة. يمكن القول أن المنجرة ليس باحثا ومفكرا عربيا وإسلاميا فحسب وإنما هو مفكر ارتقى إلى العالمية وأصبح مفكرا كونيا إنسانيا بعد اعتراف أشهر المفكرين الأمريكيين المعاصرين صامويل هنتغتون بأن المهدي المنجرة قد سبقه إلى اكتشاف مفهوم ‘الحرب الحضارية' وهو مصطلح من المصطلحات الفكرية التي غدت حاضرة بكثافة في كتابات وبحوث علماء الاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية منذ تسعينات القرن الماضي:'على خلاف موقف صامويل هانتنغتون التي اعترف ضمن مؤلفه' صدام الحضارات' بمرجعيتي وأسبقيتي في طرح مفهوم الحرب الحضارية الأولى، فان موقفي هو موقف وقائي، أي أننا إذا أردنا تفادي الصدام فلا بد من خلق حوار حضاري بين شمال العالم وجنوبه. أما عبارة"الحرب الصليبية' التي تبناها بوش الابن في خطابه وإن بصورة عابرة فهي تبين ما ذهب إليه من قبله ابن خلدون حين قال بان القوي يفرض على الضعيف المنهزم قيمه وعباراته ولغته. وهذا الأمر ينطبق على دول الجنوب وينطبق أيضا على نظام الأممالمتحدة الذي اثبت صراحة سيره هو الآخر صوب نهايته...' (1) و يمكننا القول أيضا في هذا السياق أن هذا المفكرو باحث المستقبليات الذي سخر مسيرته العلمية والفكرية الطويلة لتحليل المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية لدول العالم الثالث وبلورة بديل تنموي مستقبلي أصيل يجمع بين المحافظة على القيم الثقافية والتحرر من التبعية للقوى الامبريالية المتوحشة وبين التفتح على منجزات الحضارة المعاصرة من تكنولوجيات وعلوم التربية ومعرفة قد عاش طيلة رحلة الحياة الزاخرة بالعطاء والإبداع الفكري نموذجا للمفكر العربي الاستثنائي، المفكر الذي يجمع بين موضوعية البحث والنظر ونزاهة التحليل والاستنتاج واقتراح الحلول والبدائل الفكرية والاجتماعية،و المفكر الذي ضحى ب'الوزارات' والمناصب السياسية في المغرب وحتى على المستوى الدولي (استقال من الوظيفة السامية لليونسكو: Unesco ) من أجل أن لا يخون أفكاره ولا يقع في التناقض مع القناعات والمبادئ التي يؤمن بها (الحرية،الكرامة،العدالة الاجتماعية والاقتصادية...). (1)المهدي المنجرة: الإهانة في عهد الميغا- امبريالية/ المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، 2007،ط 5، ص:42. وهكذا كان تركيز كتاباته ودراساته على دور القيم الثقافية في حياة المجتمعات والشعوب ومحوريتها في أي مسعى مستقبلي لبناء حوار عادل وإنساني بين الحضارات: ‘الغرب متغطرس ثقافيا لأن فضاءه الزمني التاريخي محدود. حين تذهب إلى العراق أو الصين أو إلى أمريكا الجنوبية ثمة ثقافة متجذرة ومتطورة. في الولاياتالمتحدة تجد بالمقابل الأكلات السريعة (الفاست فود). إن التقدم العلمي لا يعني آليا امتلاك ثقافة التواصل مع الآخر. أنا أعتقد أن العالم يعيش حالة انفجار،وهنا أعود لتعبير ‘الانتفاضة'. فالانتفاضة انفجار يحدث حين يبلغ السيل الزبى. ثمة ظلم هائل في العالم، ومن اللازم إيجاد الحلول كي يكون كل الناس رابحين وكي لا يكون هناك خاسر...' (2) لقد قدم المنجرة نموذجا متميزا وفريدا للمفكر والمثقف العربي المؤمن بآفاق التغيير السياسي والاجتماعي والفكري في العالم العربي والإسلامي المعاصر، وأصبحت أفكاره منذ ثمانينات القرن الماضي مصدر اهتمام وقراءة ومتابعة على صعيد العالم العربي وحده وإنما على الصعيد العالمي. وكان التزامه الحقيقي والصادق بالدعوة إلى ‘التغيير الجذري' في عالمنا العربي والإسلامي مصدر أتعاب كبيرة إذ تمت مضايقته ومحاصرة أفكاره وكتاباته في بلده المغرب ومنع من إلقاء المداخلات والمحاضرات لأكثر من أربعين سنة، ومنع أيضا من دخول أغلب البلدان العربية مرات عديدة لخوف الأنظمة السياسية من أفكاره والمواقف التي يبشر بها أينما سافر وحيثما تكلم أو كتب أو ألقى مداخلته في أي مكان. ذلك أن ممارسة التفكير العميق والحقيقي الذي ينشد بناء الإنسان الواعي وإعادة القيم الإنسانية الميتة إلى صفائها وجذوتها نشاط خطير على الأنظمة السياسية والبنيات الجامدة والمنغلقة على ذاتها وتصوراتها المنخرمة. فالتفكير الذي يشرح أوجاع الحاضر وينشد المستقبل العادل يعبر عن مشروع للنسف والتغيير المبدع حيث يسمح: ‘لنا باعتبار النسق البيئي الاجتماعي بوضع مسافة بيننا وبين أنفسنا وبأن ننظر إلى أنفسنا من الخارج وبأن نموضع أنفسنا، أي الاعتراف بذاتيتنا' (3) *سيرة زاخرة بالأحداث: تذكرني بعض الصفحات القليلة من السيرة الذاتية للمهدي المنجرة والتي أمكنني العثور عليها متفرقة في بعض مؤلفاته بنموذج المفكر/ المثقف الحامل لمشروع فكري أو ثقافي. وقليل من (2) م.ن.ص:30 (3) ادغار موران: الفكر والمستقبل/ترجمة أحمد القصوار ومنير الحجوجي،دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2004،ط1،ص:47 المفكرين أو الفلاسفة حملوا مشاريع فكرية مستقبلية في تاريخ ثقافتنا العربية الإسلامية ومنهم ابن رشد وابن خلدون وأبو إسحاق الشاطبي فكانت حياتهم محنا على محن وكان ثمن حلمهم بإعادة بناء منظومة التفكير وتغيير الواقع نشدانا للأفضل وتوقا إلى التجديد باهضا. فالمفكر حامل المشروع الفكري يكون مثقفا إذا اتجه بأفكاره واطروحاته إلى الناس والتحم بهموم المجتمع وعاش آلامه وآماله. لم يخصص هذا المفكر والباحث المختص في الدراسات المستقبلية مؤلفا لكتابة سيرته الذاتية ولكنه اكتفى بسرد نتف من الأحداث والوقائع التي عاشها وظلت حاضرة في ذاكرته وضمنها في فصول قصيرة ومقتضبة من بعض كتبه. ولعل من بين الوقائع التي احتفظت بها ذاكرته منذ أيام الطفولة تلك الحادثة التي كان شاهدا عليها والتي جعلته ينتبه إلى مظاهر الذل الاجتماعي ودوس معاني الكرامة الإنسانية مبكرا، فماسح الأحذية الفقير الذي تعرض إلى الإهانة من طرف أحد الزبائن في مقهى من مقاهي الدار البيضاء ليست مجرد حادثة بسيطة إنما هي حادثة عميقة تكشف عن تجليات الشعور بالذل والمهانة في نفسية المواطن المغربي والعربي عموما. وتعبر عن تراتبية ممارسة الإذلال وإلغاء الكرامة البشرية فيما بين المواطنين أنفسهم وفيما بينهم وبين السلطة الحاكمة، ثم ترتقي هذه الممارسة البشعة اللاإنسانية إلى القوى الامبريالية التي تمارسها على دول وشعوب العالم الثالث: ‘منذ أكثر من خمسين سنة وكنت وقتها في إحدى ثانويات الدار البيضاء، أعطانا أستاذ اللغة الفرنسية موضوعا للإنشاء يقول ‘أحكوا كيف أحسستم لأول مرة بالسخط أمام مشهد للظلم'..ولا زلت أحتفظ إلى اليوم بورقة درس الإنشاء هذا التي تتطرق لحدث معيش: كان أحد ماسحي الأحذية يعرض خدماته على أحد الزبائن على سطحية إحدى المقاهي، غير أن الزبون رفضها لمرتين قبل أن يقوم بركله . تقدم الماسح إلى الشرطي كان شاهدا على الحدث شاكيا له ما تعرض له .طلب منه الشرطي الذهاب إلى حال سبيله لأنه هو المخطئ باعتبار أنه كان يتحرش بالزبون . إنها قصة طبعت حياتي ولا زالت ماثلة أمامي حتى اليوم من خلال الظلم الذي يتعرض له ملايين البشر في العالم ... وقد توسع هذا الشطط بعد بعد تفكك الإتحاد السوفياتي وبروز عصر الميغا-إمبريالية أي الإمبراطورية العظمى بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحالفها ذات الهندسة المتنوعة ...'(4) ومن بين الوقائع النادرة التي يستحضرهنا المهدي المنجرة في سياقات متنوعة من كتاباته علاقاته بالملك الراحل الحسين الثاني والتي لم يكشف عن الكثير من أسرارها وملابساتها :'علاقتي بالراحل الحسين الثاني ترجع إلى فترة الطفولة، تعرفت عليه وعمري ست سنوات، وكانت (4) الإهانة في العهد الميغا إمبريالية ص:7-8. علاقتنا مبنية على الاحترام في إطار قول الحقيقة حتى أن أعضاء في أكاديمية المملكة كانوا يعتبرون جرأتي في الحديث عن أوضاع المغرب وعن الحياة السياسية راجعة إلى نوع خاص من الحماية أستمدها من معرفة قديمة بالملك، وهذا ليس صحيحا أبدا، ليس في الموضوع سر .كان الملك يعرف أرائي وطبعي وموقفي وعدم أستعدادي للتفاوض أو التنازل عن حريتي وكان يحترم ذلك'(5) إن العلاقة التي طبعت علاقة هذا المفكر المستقل بالسلطة السياسية في بلاده ولئن كانت تقوم على الحذر والحيطة حينا والتنافر والصدام أحيانا أخرى نظرا لتثبثه بأفكاره وعدم تقديمه للتنازلات المطلوبة فإنها تنكشف عن لحظات قليلة يسود فيها الحوار خاصة مع الملك الحسن الثاني ومنها ما يتعلق باللقاء الذي تعرض إلى تأسيس رابطة لحقوق الإنسان بالمغرب بعد فترة طويلة من تصلب الحكومة في القبول بمعالجة ملف الحريات وحقوق الإنسان ‘ في سنة 1989 جاء ممثلون عن ثلاثة أحزاب (الإتحاد الإشتراكي، التقدم الإشتراكية، منظمة العمل الشعبي) إلى مكتبي وطلبوا مساعدتي لتجميع عدد من الأشخاص من مختلف الإتجاهات لتأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بإعتباري شخصا مستقلا ولدي علاقات طيبة مع الجميع . تقدمنا بطلب ترخيص للمنظمة . كان معنا إدريس البصري وأحمد عصمان وعبدة ربه بأنني سألتقي مع الملك في قصر إفران وإمتد الحديث بيننا في عدة موضوعات إلى أن توجه الملك بالسؤال عن مبررات تأسيس منظمة لحقوق الإنسان فأجبته بالقول: ‘إن أي تفحص سريع للائحة أعضاء المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا يكشف عن عدد كبير من المغاربة العاملين بهذا المركز وهو مايسمى ظاهرة هجرة الأدمغة . لقد قمنا ياجلالة الملك بدراسات وأنا شخصيا تابعت تجربة خوان كارلوس في إسبانيا حيث إستدعى جميع العقول المهاجرة للدخول إلى إسبانيا. إن جميع الدراسات حول هجرة الأدمغة ترجع الأمر لسببين رئيسيين: الأمر الأول هو غياب إمكانيات ووسائل البحث العلمي في الدول التي يهاجر أهلها إلى الخارج و السبب الثاني هو الحرية .فالباحثون أول شئ يطلبونه هو الحرية .و أضفت:أنت تعرف بإجلالة الملك أن أهل فاس كلهم خرجوا إلى الشارع زمن الاستعمار يوم دخل عسكري فرنسي إلى جامع القرويين خرجوا دفاعا عن حرمة الجامعة ... لهذا أنا أدافع اليوم عن حقوق الإنسان .فأجاب الملك ونحن في القصر وبحضور كل الحكومة وقال بالفرنسية : Manjra ma donn' une mauvaise conscience : المنجرة أعطاني الاحاس بتأنيب الضمير وسأضع كل أمكانياتي في البحث العلمي في الميزانية المقبلة ...'(6) (5)م.ن ص :255 (6)م،ن، ص:254 لقد إستحضر المنجرة في هذا السياق بعض اللحظات القاسية التي عاشها في بلده المغرب لا سيما ما يتعلق منها بمحاصرته ومنعه من إيصال أفكاره إلى الطبقة المتعلمة وعموم الناس في المجتمع المغربي، علاوة على منعه من إلقاء المحاضرات في الملتقيات والمنتديات: ‘احتجاجي سنة 1999 عن منع محاضرتي في فاس وسفري إلى اليابان كان بسبب اقتناعي بان وظيفة الأستاذ مزدوجة: وظيفة معرفية وعلمية ووظيفة أخلاقية من خلال المواقف والدفاع عن القضايا العادلة.عشت في الولاياتالمتحدةالأمريكية على عهد ماكرثي وقوانينه المتعصبة، وشهدت كيف كان أساتذة الجامعة يدفعون طلبتهم للاحتجاج في الشارع ومناهضة قوانين ماكرثي. فكان تقييم أداء الأستاذ نابعا من درجة انسجامه بين ما يدعو له من أفكار وما يتبناه من مواقف علمية وشخصية (7). ويتحدث المنجرة عن واقعة أخرى من وقائع المنع السياسي التي تعرض لها في بلده اذ وقع منعه مرات عديدة من إلقاء المحاضرات ومنها ما جد في سنة 2003 حيث لم يسمح له بتقديم مداخلات حول إشكالية الإستعمار الجديد (neo-colinlisme )في مكناس وعين لوح وإبن سليمان والدار البيضاء :'في كل هذه الأنشطة كنت ألبي دعوة جمعيات ثقاقية أو دعوات طلابية أو منتديات علمية لباحثين في الكليات وفي دور الشباب .لا أقبل أية دعوة لنشاط حكومي أو رسمي ... أنا اتحدث حول موضوع علمي . ولست بصدد الدعاية لبرنامج إنتخابي أو سياسي، ولا أتوفر على شركة أو وضعية أو بنك ربما قد تتضرر من إتفاق المتبادل الحر.موضوعي كان حول أفاق الإستعمار الجديد، وإهتمامي بالموضوع يرجع إلى أربعة عقود ودخلت بسببه السجن بسبب نضالي ضد الإستعمار القديم وعمري 15 سنة. وأنا اليوم أمنع لأنني أتحدث علنا عن الإستعمار الجديد. وأنا مستعد غدا للموت من أجل محاربة هذا الإستعمار في الداخل والخارج'(8) مذكرات وشهادات سياسية: والقارئ للورقات المقتضبة التي تؤرخ لبعض الأحداث التي عاشها هذا المفكر الاستثنائي في حياته الزاخرة بالبحث العلمي والكتابات الفكرية والنضال السياسي والثفافي المستمر يقف عند بعض الوقائع التي يستحضرها بوفاء وحميمية لبعض الأشخاص الذين عرفهم عن قرب وتأثر بمواقفهم ونزاهتهم وتضحياتهم من أجل مبادئ وقيم الحرية والعدالة والكرامة . من ذلك استحضاره للحظة تعرفه على الدكتور المهدي بن عبود في نوفمبر 1951 في ميناء نيويورك عندما سافر إلى الولاياتالمتحدة . (7)م.ن.ص :252 (8) م.ن.ص 248 الأمريكية لشغل مهمة مدير مكتب *تحريرالمغرب* لدى الحكومة الأمريكية وهيئة الأممالمتحدة (9) وكذلك تعرفه على المناضل المغربي محمد السعداني في بريطانيا سنة 1954 حينما إلتحق بالجامعة للدراسات العليا في لندن: ‘عرفت سي محمد في أنجلترا عام 1954 في مدرسة لندن للاقتصاد التي سجل فيها بعيد تسجيلي لمتابعة دراسته برسم السلك الثالث. فلما فرغ من هذه المدرسة قصد أكسفورد Oxford فحصل منها على شهادة الدكتوراه،وقد جمع بيننا النضال في سبيل تحرير الشعوب المستعمرة.إذ كنا يومئذ المغربين الوحيدين اللذين يدرسان في جامعة أنجليزية،و كان سي محمد يسكن في ‘شيبيردس دس بوش وقد كان يرأس عندئذ حركة تحرير المستعمرات التي أفلحنا نحن الاثنين في أن ننشئ داخلها لجنة خاصة بشمال إفريقيا، ورأيت سي محمد يعمل كذلك داخل اتحاد الطلاب العرب في المملكة المتحدة وقد كان عضوا نشيطا فيه. فكانت تخونه عاطفته كلما دار الحديث عن التجاوزات التي تقترفها السلط الاستعمارية' (10). كما تستحضر ذاكرة المهدي المنجرة في هذا المجال الظروف التي تعرف فيها على الزعيم المغربي المهدي بن بركة الذي اختطفته القوى الاستعمارية وتم اغتياله في ظروف غامضة لم تتوضح حقيقتها إلى حد الآن، وكانت لقاءاته معه مصدرا لاستلهام القيم الإنسانية التي كان ينادي بها وهي استقلال دول العالم الثالث عن الاستعمار الأوروبي-الغربي وتحرير الشعوب المستضعفة من التبعية وبناء تكتل اقتصادي وسياسي فاعل لدول الجنوب: ‘عرفت المهدي بن بركة من خلال فترة نفيه التي بدأت قي يناير 1960 لأنني كنت أتواجد بباريس كموظف دولي وغالبا ما كنت أراه خلال زياراته لفرنسا وكان آخرها في أكتوبر 1965 ربما قبل اختفائه بقليل. وكنت كذلك أزوره في شامبيزي (chambesy) عندما أكون في جنيف بمناسبة مؤتمرات دولية...لقد فهم المهدي بن بركة مبكرا أن استقلال دول العالم الثالث لم يكن سوى محطة هشة في طريق طويل جدا.لقد كان أيضا واعيا بأن التحرر يتطلب تعاونا وثيقا بين دول الجنوب، وكذا جمع كتلة انتقادية قادرة على وقف امبريالية وحشية لم تغادر المكان إلا ظاهريا حتى تتجذر فيه أكثر' (11) (9) م،ن. ص-ص :265-267 (10) المهدي المنجرة: قيمة القيم/ المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء يوليو 2008،ص:260 (11) م،ن: ص-ص:267-268.