على خلاف المفكّرين الذين يهتمّون عادة بأسئلة الحاضر في ظلّ تركة الماضي أو تطور المجتمعات بين الأمس واليوم، كان الدكتور المهدي المنجرة متوجّسا من عدد من التحوّلات السياسية والاقتصادية باتجاه المستقبل على الصعيدين الدولي والإقليمي. وتقوم تركته الفكرية اليوم على اعتباره أحد أهمّ محللي الدراسات المستقبلية مما يستحضر السؤال التلقائي: ماذا يقول المنجرة في واقع عام 2021 بعد سبع سنوات من رحيله، وكيف يمكن استحضار روحه وفكره من أجل تحديد معالم الطريق باتجاه السنوات والعقود المقبلة، في ظل تطورات العلاقات بين المغرب والدول الأوروبية واتفاق أبراهم مع إسرائيل وحكومة ترمب؟ استضاف نادي Cherkaoui and Friends في كلوب هاوس مساء الخميس (17 يونيو) جلسة فكرية استمرّت أربع ساعات بمشاركة عدد من الباحثين ممن جايلوا الرّاحل المنجرة عن قرب، والباحثين المهتمّين بمسيرته بين المغرب وبقية العالم. واستهدفت الجلسة البحث في حصيلة ما تحقّق ومالم يتحقق من استشرافاته وفحوى محاضراته ومؤلّفاته ومن أهمّها "قيمة القيم"، و"زمن الذّلقراطية"، و"الحرب الحضارية الأولى". وخلال تقديم الجلسة، قال د. محمد الشرقاوي أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأممالمتحدة سابقا إنّ "الغاية ليست عقد تأبينية أخرى للدكتور المنجرة أو التعبد في محراب ماضويةِ أنّه كان رجلا عظيما أو يحتاج إلى تشييد زاوية للمريدين، بقدر ما هي استحضار فكر واجتهادات المنجرة في هذه المرحلة التي تكثر فيها التحديات، إن لم نقل التعثرات، في توجهات المغرب بين شخصيات جايلته وتفاعلت معه على مستوى شخصي ومستوى معرفي واستشرافي." ودفع الشرقاوي الذي أدار الجلسة باتّجاه التّركيز على محوريْن رئيسييْن: المنجرة في البعد الدولي، والمنجرة في البعد العربي والمغربي. المنجرة مفكّرا وليس شيخا ذا مُريدين! قال الشرقاوي إنّه لم يجد من عبارات المنجرة لتعزيز الغاية من هذه الجلسة أفضل ممّا جاء في الصفحة 26 في كتابه "قيمة القيم"، إذ يقول "إنّ المستقبليات ليست حكرا على المثاليين أو الحالمين. وهي أبعد ما تكون مخجلة. فعلى عكس ذلك، فإن دورها يتحول إلى أدلة للقرار والعمل، لأنه في كثير من المجالات، يجب أن نكون على استعداد حتى نصل إلى حل للبقاء." ويوضح الشرقاوي أن المنجرة كان يعمل على "إنزال الدراسات المستقبلية من تأملات السّحب إلى أرض الواقع، ويضفي عليها شرعية التفكير والبناء بأدوات البحث العلمي وما تنطوي عليه نظرية التشابك أو التداخل Complexity theory، على غرار ما فعل شارلز ميلز بإنزال السوسيولوجيا إلى الواقع اليومي بدلا أن يطول انشغال الباحثين بأسئلة بنيوية أو متاهات الطرح المجتمعي العام." تحدث الكاتب والناشط الحقوقي محمد السكتاوي والرئيس السابق لجمعية "التضامن الجامعي المغربي"،أكبرهيأة مهنية للتعليم في المغرب، عن الحاجة لأن "نكون مخلصين لقيم المنجرة بعدم التعبّد لشخص، رغم أنّه بصم عصره بقوة من خلال شخصيته. وهذا يقودني إلى أن الظاهرة التي سادت أو تسود الآن، هي إدخاله في الأسطورة، انطلاقا من كونه يتنبأ بالقادم وله استشرافات كبيرة قد تحققت في القادم. ولا ينبغي أن نضفي على استشرافاته لبوس النبوءة، فهذا لن يرضيه، فهو مفهوم يقترب به من الدين ويبتعد من العقل. وينبغي ألّا نتعامل مع توقعاته بانبهار، فهي دوما تحتكم للعقل. وكل ما يمكن أن نستطيع هو رسم سيناريوهات للمستقبل، وهذه سيناريوهات وليست استشرافات مغلقة." وأوضح السكتاوي كذلك أن "المنجرة أعطانا في الواقع شيئا آخر: كيف نستخدم المنهج العملي، كيف نستخدم العقل، وعلمنا أيضا كيف تكون لنا رؤية نقدية، وعلمنا احترام الآخر، وأن يكون لنا الجانب النقدي. وهذا ما يجب أن نتعلمه ونحن نحيي الذكرى السابعة لرحيله. وينبغي أن تكون لنا مساحة كبيرة في محاورة المنجرة، وحتى إنْ كان بعيدا عنا، فهو يصغي علينا وقد نكون في وضع مريح لمناقشته." واستعرض السكتاوي بعض السيناريوهات التي تدخل في الاحتمال وهي قابلة للتقييم، "وفي هذا السياق أدخل إلى حرب الحضارات من قبيل الإهانة والكرامة، التسلط والذلقراطية وغيرها من المفاهيم. ونحن الآن في موقع المناقشة وليس التمجيد لأن التمجيد لن يرضي المنجرة. وهنا أعود إلى مقالة كتبتها في إحدى المناسبات، وأعتقدها ذكرى وفاة المنجرة، حيث دافع شاب وحاجج المنجرة بأنّ لا حرب غدا، وكان المنجرة ينصت له بإمعان..وكان الشاب يقول أن أمريكا لن تدخل في حرب غير محسوبة العواقب..وحينما أنهى الشاب، قال المنجرة بمنظوره الجيوبوليتيكي والاستشرافي: أن الحرب قادمة لا ريب فيها. وهنا سأتقمص دور ذلك الشاب لأناقش المكسب الكبير للمنجرة في تلك القضايا الكبرى التي طرحها، وأثارت الكثير من النقاش وجعلت الكثير من العرب ينبهرون، باعتبار أن للرجل رؤية ثاقبة وغيرها من الصفات، وهي عادة تدخل في ثقافتنا العربية." "الحرب الحضارية": فوارق بين لويس والمنجرة وهنتغتون! قال الدكتور عبد الحميد بناني، رئيس مؤسسة المهدي المنجرة للفكر والإبداع، إنّ الراحل المنجرة كان سبّاقا للتحذير من الحرب الحضارية، فيما لم يغيّر الغرب مخططاته التي كانت مبنية على "فرض القيم المسيحية واليهودية على بقية القيم الأخرى ومنها الإسلامية". وفي هذا السياق، أورد بناني أن المنجرة تطرّق لمفهوم صدام الحضارات عام 1973، أي عشرين عاما قبل صدور كتاب صامويل هنتنغتون "صراع الحضارات". وتوقع المنجرة هذا الأمر في نقده لمنظمة الأممالمتحدة، عندما أشار إلى أن هذا النظام العالمي لم يعد له مستقبل ولا قواسم مشتركة." وانتقد بشدة المنظمات الدولية التي تتحكم في العالم كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتنبأ بفشل جميع النماذج التنموية التي تأتي عبرهما. وذكر د. بناني أن الراحل استقال عام 1976 من الأممالمتحدة بسبب اختلافه مع توجهاتها، وأنه "صرّح عام 1978 أن أهم مشكل بين الجنوب والشمال هو المشكل الثقافي، وأن الحروب القادمة ستكون حضارية بالأساس وليست عسكرية ومالية فحسب. وقد اعتبر المنجرة أن الحرب على العراق (حرب الخليج الثانية) تعدّ الحرب الحضارية الأولى في هذا الاتجاه، إذ تتّسم هذه الحروب بمحاولة هيمنة قيم معينة ستؤدي إلى ردّ فعل حضارات أخرى، كما تُعرف بأنها تكون داخل حدود البلدان وخارجها وأطرافها متعددون عكس الحروب التقليدية." وتحدث د. الشرقاوي عن تأملات المنجرة في غلبة الواقعية السياسية وقوة المنظومة الغربية، وكيف تولد لديه مفهوم نقدي للغرب بنيويا واستراتيجيا. فعلق د. سعيد السالمي، وهوأستاذ محاضر في جامعة "فرانش كونتي" الفرنسية ومنتج برامج استقصائية منها سلسلة "خارج النص: حلقات عن صدام الحضارات"، بقوله "إذا أردنا أن نفكك صدام الحضارات، عادة ما يشار إلى صدام الحضارات عند المنجرة كما يشار عند هنتغتون. ولكن يختلف عنه المنجرة عندما يتحدث عن الصدام بين حضارتين اليهودية والإسلامية مثلا، بينما يكون الصدام لدى هنتغتون بين وجهين دمويين بين هاتين الحضارتين. أما المنجرة لا يخصص هذا الوجه الدموي، إذ يقول إن الحضارة الإسلامية مستهدفة من الحضارة اليهودية والمسيحية. وجانب من نقده حتى نخرج من أسطرته، لأنه كان ذو مسار في البيولوجيا، وهو الذي أثر في منذ بداياتي..كما لديه جانب نقدي في تعامله مع العلوم الحقة، ثم في تعامله مع الجانب الأمريكي." غير أن الأستاذ السكتاوي نبّه إلى أنه "يتمّ حشر المنجرة في زاوية ضيقة عندما نقول من سبق إلى هذا المصطلح، هل هو المنجرة أم غيره من العلماء؟، بالتالي نجعل من يتابع يفهم أن من دخل سيكون هو الأوّل." وقال إن "المنجرة كان ابن الجنوب، ولكن ليس بالضرورة أنه كان يدافع عنه برؤية مستقبلية. فعندما طرح الحرب على العراق بأنها حرب على الإسلام، والتي وصفها بحرب على الإسلام أقول إنه اشتط في وصف هذه الحرب..فماذا نقول عن حرب صربيا، وعن الحروب الاستعمارية الأولى في أواخر القرن التّاسع عشر وغيرها. فعندما وقعت حرب العراق وسميّت "الحرب على الإسلام"، أقول إن المنجرة كان يقرأ خرائط العهد القديم ويسقطها على عصرنا." وأشار السكتاوي أيضا إلى أن "المنجرة يتحدث عن المسيحية واليهودية، وإذا كان الدين حيّا في نفوس الناس فهو لا يحدّد اتجاهات التطور البشري. والمنجرة يقول إنه تمت في العراق حرب على الإسلام، فماذا نقول عن الحرب في أفغانستان، ألم تربي أمريكا المجاهدين في مختبرات وسمتها المجاهدين؟" أثار الشرقاوي سؤالا آخر ينمّ عن حمولة هوياتية: كيف يمكن أن نرسم المنجرة على مستوى هذه المعيارية: مناضل صوت الجنوب الذي يريد أن يكون للجنوب قوة، في ظل توازن القوى؟ فحاول الدكتور بناني الوقوف عند الفوارق بين المنجرة وهنتغتون، وقال إن "أفكار هنتغتون كانت تخدم صناع القرار الأمريكي، وكانت له تصورات صدامية فيما يخصّ العلاقة بين الشمال والجنوب لدرجة حديثه عن أن "الآخر" المختلف عن الغرب قد يكون خطرا محتملا. لكن المنجرة يريد تشجيع حوار الحضارات، بل يؤكد أنه لو وقع حوار حقيقي ما اندلعت الحروب العالمية، ويشير إلى أن حوارا جديا بين الشمال والجنوب من شأنه تفادي الصدام بينهما." واستعرض بناني كيف أن "المنجرة حذر من أن تصير العلاقة بين الغرب والإسلام أكثر حدة إن استمرت التصورات الغربية الأحادية، خصوصا تطبيق أفكار هنتغتون الذي كان حسب المنجرة ينظّر لخلق مسافة بين الطرفين وكذلك دفع الدول الغربية لاستغلال الخلافات بين الدول بما يقوّي أدوار المؤسسات الغربية الدولية. وفي هذا الإطار، كان المنجرة متخوفا من مخططات لتفكيك العالم العربي، ومحاولة إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية." غير أن سعيد السالمي قال إن "المنجرة يقدم حججه دون أن يدافع عنها، ويصل إلى خلاصاته من خلال التجريب. وتكمن قوته في ثلاث مناح: منحى البساطة، منحى العمق في الفكر والعمق في التحليل، ومنحى الموقف الواضح الجريئ. كما ان المنجرة لا تختطفه المفاهيم التجريدية كما يفرضه التكوين الأنكلوساكسوني الذي يجعله يتجرد من لغة الفكر، كما أنه يقدم الإشكالية بشكل بسيط ولغة دارجة." حضارة أم ثقافة؟ أشار محمد الشرقاوي إلى أهمية مقارنة المفاهيم المتداولة بين المنجرة وهنتغتون، وفي وقت لاحق إداورد سعيد الذي ردّ على فكرة "صدام الحضارات" ب"أسطورة صدام الحضارات"، فقال إن هناك تمازجا بين الثقافة والحضارة تجعل الثقافة أساس الحضارة عندما يجتمع الدين والتراث والتاريخ في بلورة الحضارة. فهل يمكن تفكيك ما هو ثقافي وما هو حضاري؟ فردّ السكتاوي يقول إن "مفهوم الحضارة في أطروحات المفكر المنجرة، ماذا تعني بعدما مات الإله القديم في زمن الإله الجديد: الأنترنت، الحرب الجينومية..وغيرها. هنا نسأل المنجرة عن القيم التي يدعو إليها، هي أيضا جزء من هذه الحضارة التي أنتجها الغرب نفسه، وهي نفس القيم التي يدعو لها الجنوب، فأين الاختلاف؟، بالتالي فالقيم التي يدعو لها أستاذنا المنجرة هي المُسَطرة في مجال حقوق الإنسان. ويمكن أن أقول أيضا، إن سقوط قيم الغرب هي سقوط قيم الإنسانية كلها، لأن الغرب ببساطة خان تلك القيم، وهذا يجعلنا نصل إلى نقطة مركزية هي: الحضارية والإسلام." وقال السالمي إنّ الجواب عليه اختزاله في مفهوم دقيق في هذا التعريف الذي يقدم عادة للحضارة، إذ أن هنتغتون تجاهل تعريف الحضارة في عدة جوانب. وأعتقد أن هناك تعريفا للحضارة بشكل ستاتيكي (جامد)، والأجدر هو تناول الحضارة بشكل ديناميكي، فالأجدر أن نبحث عن المشترك، والمشترك في 2020 ليس هو ما قبله." لكنّ السكتاوي يقول إن "هناك حضارات واحدة في العالم وهي العولمة، وأظن أن ما يجب أن نتفق عليه هو أن نصل إلى أنسنة العولمة، وأنسنة هذه القيم الكونية. وما يمكن أن نقول هو أنه في القديم كان هناك صراع تحت الطاولة، وانهيار لصراع أمريكي بريطاني، وظهرت قوى جديدة تصنع الخريطة الدولية الحالية. المنجرة تحدث عن انهيار الأنظمة العربية، ولا يمكننا أن نقول أنها فعلا انهارت، لأنها أصلا منهارة، ولأن الدول التي كان فيها الربيع العربي هي حاليا تعيد تشكل نفسها بأشخاص آخرين." الميغا أمبريالية: هينمة متحوّرة! تناول المشاركون في الجلسة أيضا مفهوم الميغاأمبريالية عند المهدي المنجرة، كيف تطور عبر كتاباته. وقال بناني إن المنجرة قصد به "وجود دولة وحيدة تتحكم في العالم كما تريد، وهي اليوم الولاياتالمتحدة التي استفادت بشكل واسع من سقوط الاتحاد السوفياتي لفرض نظرتها للعالم." وأوضح السكتاوي علاقة الميغاأمبريالية بممارسة القوة، وأن "القوة كانت تصنع التاريخ، وأنّ التاريخ لا يُصنع بالمفاوضات." فهي هي أعلى درجات الإمبريالية، لأنها "جاءت في أعلى درجات العولمة، في وقت سقطت العديد من الحدود، ولم تعد هناك العديد من المعايير القديمة، إضافة إلى أنّ هذا الإمبريالية تأثرت بتشظي الإمبريالية،" كما يوضح السكتاوي، وأن "يظهر حاليا أن هذه العولمة تكسر وحدة البشرية إلى موجوعات إثنية ووحدات جغرافية مختلفة، ليس فقط مع ترامب ولكن حتى مع بايدن الذي يغذي الأقليات. فالعولمة تتجه إلى اكتساح سيادة الدول، بل انهيار هذه السيادة، وقد بدأت بالكثير من الشركات التي تواجدت، والشركات العابرة للقارات، وظهرت بؤر نزاع مستمرة ومنتشرة في كل مناطق العالم، ووصلنا إلى مرحلة ما بعد الدولة." وذكّر السكتاوي أيضا بانتقاد المنجرة اتفاقية إكس ليبان عام 1955، إذا قال إنّ "الوفد المغربي كان عليه أن يستميت. فالسؤال، هو هل كان للوفد المغرب ما يستميت به. واستنتج السكتاوي أن المنجرة كان "مثاليا وبعيدا عن الواقعية السياسية." حديث الشرق والغرب! حاول الشرقاوي الفصل بين ماهو دولي وما عربي إقليمي في تركة المنجرة، وهل جاء إلى أهله المقصودين أم إلى أهله بالخطأ. فردّ السكتاوي إنّ المنجرة "عندما قارب منطقة التغيير في الشرق الأوسط، اختزلها في الحرب الدينية، والتي سمّاها "الحرب الحضارية"، وقال إن ما يتحكم في هذه المنطقة هو هيمنة او صناعة "ميغا-إمبريالية" متمثلة في اليهودية أو المسيحية، وهو ما جعل المواطن في المنطقة ينظر إلى الموضوع بمنظور ديني ضيق للأسف." لكن الشرقاوي أثار الانتباه إلى "احتمال وجود مغالاة أو محاولة إدخال المنجرة في مربّع الأسطورة، وتحميله أكثر مما يتحمل، أو أنه لديه رؤية أكثر من تلك المفاهيم التي شملت الميغاأمبريالية وقيمة القيم." فقال السالمي إن "الذي يغذي هذه الصفة أو هذه النظرة، أو التمثل ليس ما قاله بخصوص قيمة القيم أو الحرب الحضارية، بل كل ما قاله كمناضل ضد الإمبريالية. فعندما يجمع مع هذا يصور كما قلت. ولم يتحدث بصفته متحدثا عن المغالاة، بقدر ما اقترح علاقة جديدة في العلاقات الدولية، وهي مقاربة ثقافوية، هذه المقاربة أغفلت مثلا الإقتصاد وكمثال السعودية في علاقتها بالنفط. وما قاله المنجرة لا يمكن أخذه هكذا، إن لم نأخذ بعين الاعتبار بطفولته التي تميزت بمقاومة الاستعمار، ونذكر اتفاقية اكس ليبان، وكيف كان يحلم بما كان يحلم به كثير من المناضلين في تلك الفترة." وأضاف السالمي أنه على امتداد العالم العربي الإسلامي العربي الأمازيغي الكردي، أو ما يفضل تسميته شمال إفريقيا والشرق الأوسط، "يظلّ انتماء المنجرة بوصفه مثقفا عضويا إلى هذه المنطقة وتبنيه القضية الفلسطينية لدرجة اختياره لأطروحته في لندن، وهو ما يجعله يقدم بهذه الصفة التي ذكرت في السؤال وليس فقط ما قاله في كتاب "قيمة القيم". وبما أننا في سياق التطبيع، لا بد أن أستحضر ما قاله المنجرة، أن "من يحارب فلسطين هي الحكومات العربية"، ولحسن الحظ أن المنجرة لم يعش إلى هذا العصر." وشدد السكتاوي على "ضرورة ألاّ نقرأ خرائط العالم الآن على ضوء خرائط العالم القديم." ويضيف أننا "عندما نقول العالم العربي، يجب أن نقول تفكيك العامل العربي. فهل هذا العالم كان قبل "سايكس بيكو" بحدوده الآن، فإلى حدود "سايكس بيكو" لم نكن نعرف دولة اسمها السعودية، أو الأردن، أو إسرائيل. ونحن في شمال إفريقيا نتصارع على الحدود، بينما أن هذه الحدود صنعتها فرنسا، ونأتي اليوم لنصبح عبيدا لهذا التفكيك الموجود من قبل. أتذكر ونحن نسمع خطاب حسني مبارك، وبالموازاة خطاب أوباما، وكنا نتمتع بهذا المشهد في ظلّ الفوضى الخلاقة، هل أمريكا تتحدّى الإسلام أو أنّها تركب على صهوة الإسلام." بعد المنجرة على خطى المستقلبيات! يقول عبد الحميد بناني إن "تصورات المنجرة للمستقبل تتبلور في سياق علم المستقبليات الذي برع فيه. ومن ذلك أنه صرّح عام 2006 أن المغرب سيشهد في السنوات الخمس المقبلة انفجارا اجتماعيا، وهو ما وقع عام 2011 عبر مظاهرات حركة 20 فبراير." ويوضح بناني أن المنجرة لم يكن يتبنأ، بقدر ما كان يستخلص المعطيات من تحليل لمعطيات الحاضر والماضي بغية استشراف المستقبل، وهي الاستشرافات التي كانت صائبة كما وردت في كتبه ومحاضراته." ويقول سعيد السالمي إن "المنجرة لا يأتي ويتكلم اعتباطا، بل يشتغل على مؤشرات محددة، وأنه يشتغل في ضوء مؤشرات سوسيو-اقتصادية في ما يتعلق بالمنطقة. واليوم هناك سرعة في الحصول على المعلومة، بينما في عصر المنجرة كان يقطع آلاف الكيلومترات ليحصل على المعلومات، وهذا يحسب له. ومفهوم الميغاإمبريالية صاغه المهدي المنجرة في مقال له في مجلة يابانية، وهنا تدخل البساطة مع العمق عند المنجرة، فعندما نتحدث عن النموذج التنموي وما تسرب عن لقاء شكيب بنموسى مع المسؤولة الفرنسية، فنحن نعود إلى ما قاله المنجرة. لقد أسس مفهوم "الميغاإمبريالية" على: السوسيو اقتصادية وما تعيشه المجتمعات حاليا، إضافة إلى "الإهانة" التي تمارس على المواطن والتي أنذر المنجرة بانفجاره وأنه سينتفض في يوم ما." . وخلص السلمي إلى القول "إن المنجرة لم يقدم بديلا، ولكن البديل هو أن الشعب سيأخذ زمام حكمه بنفسه، كما اعتقد أن من بين الثغرات لدى المنجرة، هو أنه لم ينضر لمشروع مجتمعي كما نتحدث عند الآخرين." يوضح محمد السكتاوي أن أن العالم يعيش "عولمة ضخمة ستستمرّ وتتطورّ. فمنذ أن انهار جدار برلين وغيره من التحولات، ظهر إله آخر اسمه الإنترنت، وهذا لا يعني أن نفكر من منظور ديني، بل يجب أن نفكر كمجتمع واحد، ونناضل ضد أشكال اللامساواة واللاعدالة الموجودة في العالم؛ ولولا وجود الأنترنت في العالم الأنترنت لما حصل الربيع العربي كما حصل. وحتى في ظل الجائحة، عندما أغلق كل واحد بيته على نفسه، كان الأنترنت يجمعنا من خلال فضاء أزرق، وأقول أننا سنخرج بعد الجائحة لنجد عالما آخر. وإذا لم نخطط لما بعد هذا العالم فسنتفاجأ." وقدم السكتاوي استشرافا مثير بأننا "مقبلون على وضع عالمي جديد في هذا الفضاء. والذي لم يكن يتوقعه أي أحد، وهو الفضاء الرقمي. ومن تبسيط الأمور أن نقول إن العولمة ستتسقط، بل إنها ستتقوى، وتقتضي أن نهيئ لها ميثاقا أخلاقيا." وشدد على أن "معركة التغيير لا تنبني على الاقتصاد والتقدم التكنلوجي فحسب، إن لم يصاحبها تقدم ثقافي، معركتنا التي خسرنا فيها هي معركة تطوير العقل، لأنه مازالت تحكمنا عقلية ماضوية. لقد انتبهت الصين أن معركتها من أجل التقدم والتنمية والازدهار، هي معركة من أجل العقول، وهي الآن قوة صاعدة ضاربة." وخلص إلى القول إنه إذا "كنا كدول الجنوب مهددين بالعولمة في ل النظام العالمي الحالي، فإن دول الشمال مهددة بالشيخوخة، وسيكون أبناء الجنوب هم الملاذ للإنقاذ هذه الدول من شيخوختها." أما سعيد السالمي فجادل بأنه يبدو أن الثورة الرقمية الحالية واقتصاديات ما هو رقمي والتحولات الحالية، هل هي عولمة فوق العولمة، وهل لها مكان في ما كان يستشرفه المنجرة؟ وأضاف أن تلك المفاهيم التي تناولتها جلسة النقاش إن تم تجميعها، فيمكن وقتها الحديث عن العولمة الرقمية؟ وقدم ثلاث خلاصات: أولا، توفر المعلومة، وهو ما لم يكن متوفرا في عهد المنجرة. ثانيا، انهيار الفوارق الثقافية، فعندما يوقف مدير فيسبوك حساب رئيس أقوى دولة في العالم، فنحن في عالم جديد، وهذا العالم لا يمكن أن يكون إلا في صالح المستضعفين. ثالثا، مع عولمة الصورة لم يعد لهذا الإشكال وجود، ولكن ماذا بعد، يعني أن المواطن في جنوب السودان أو المغرب أو الجزائر أو غيرها، ماذا بعد هذا الانفجار. وخلص السالمي إلى القول إن المهدي المنجرة كان في آخر أيامه أكثر واقعية، خاصة في الدلائل التي اعتمدها في تبرير دخول أمريكا إلى العراق، وقد كانت حججه اقتصادية محضة، وأن "الرقمنة تذهب في اتجاه نضال المنجرة ضد الإهانة والظل واللاعدالة وغيرها من القيم، فمثلا تجد أن شرطيا قتل مواطنا بدم بارد، فلا يمكن طي تلك الصفحة من الاعتداء لأن شخصا وثقه وبث الفيديو على الإنترنت."