يسميها أصدقاؤها «الحاجة العزيزة»، وهو اللقب الذي صارت تنادى به منذ أن أدت مناسك الحج، ويتهمها خصومها بنشر الدعارة والكفر، ولكن عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، تفتح هنا قلبها لقراء «المساء» لتروي جوانب مؤثرة من حياتها. - كيف بدأ تعاملك مع الأطفال المتخلى عنهم؟ < في تلك الفترة، بدأت مشكلة الأطفال المتخلى عنهم تفرض نفسها، وبالموازاة مع ذلك، وبالضبط في سنة 1973، تعرفت على فتاة طردتها والدتها لأنها كانت حاملا من علاقة غير شرعية. كان الجو باردا، وفي تلك الفترة كنت قد صرت أما وبدأت أعرف معنى الأمومة. رفضت الأم العازبة أن تجهض وفق ما طلبت منها أمها. وفي طريقها المجهول، وجدت يافطة علق عليها اسم جمعيتنا، ثم دخلت. - كانت الجمعية بدأت تعنى بأمور الأمهات العازبات منذ تلك الفترة؟ < لا أبدا، فالأم العازبة قصدت مقر جمعية التخطيط العائلي، لم نكن نعمل في هذا المجال، لكننا تعاطفنا معها كنساء، أما كمؤسسة فلم يكن بمقدورنا أن نصنع شيئا من أجلها، أكثر من ذلك أن إحدى صديقاتي استقبلتها في بيتها دون أن ندرك خطورة الفعل الذي نقدم عليه، المهم أننا تعاملنا معها على هذا النحو من باب الإنسانية فقط. كان أمر هذه الفتاة مهما بالنسبة إلينا، واقترحنا عليها أن تدلنا على بيت أسرتها من أجل لقاء أهلها، ووعدناها بأننا لن نفصح لهم عن مكانها إلا بإذنها. - وهل قبلت الفتاة؟ < نعم، وبالفعل ذهبنا للقاء ذويها، غير أن والدتها لم تستقبلنا استقبالا جيدا. سبق للفتاة أن نبهتنا إلى أن والدتها امرأة حادة الطباع، لكننا قررنا خوض التجربة. - كانت أول قضية أم عازبة تشتغلين عليها، إذن؟ < بالفعل، المهم أنني قابلت الأم، بعد جهد كبير، وكان أول ما صدر عنها أن قالت لي «بغيتي تهضري معايا على ديك المسخوطة». استغللت مناسبة عيد المولد النبوي، وبدأت أحاول إقناع الأم بالصفح عن ابنتها وعدم رميها في الشارع، وعندما انتهيت من الكلام، طلبت مني الأم الانصرام لأن زوجها يعمل في الأمن وهو مسلح دائما، وإذا علم بالأمر فإنه لن يتردد في قتلي أنا ورفيقتي. - هل شعرت بالخوف في تلك اللحظة؟ < بخوف كبير، لكننا لم نغادر وطلبنا منها أن تتركنا ننتظر زوجها متحملتين العواقب. حضر الرجل، وقلت له: «طالبا ضيف الله وبغيت نهضر معاك». صمت الزوج الذي ظل يمعن فيّ النظر، وطلبت منه أن نجلس على انفراد. قبل الزوج الحديث معي دون أن يعرف الموضوع، وأدخلني إلى غرفة نومه. ساعتها، سألته إن كان لديه مفتاح الغرفة.. فمنحني إياه، فقمت بإغلاق الغرفة. سألته إن كان مسلحا، أجابني بنعم، فطلبت منه أن يضع السلاح في خزانة غرفة النوم ففعل. ومباشرة بعد ذلك، قلت له إنني أريد أن أتحدث إلى الأب والإنسان وليس إلى الشرطي، وبدأت في إقناعه بضرورة الرفق بابنته لأنها أخطأت والإنسان خطاء بطبعه... وغير ذلك من أساليب الإقناع. وفي لحظة معينة، سألته إن كان يريد رؤية ابنته، فأجاب بنعم. في تلك اللحظة، أحسست بمدى إنسانية الرجل، على عكس ما صورت لنا زوجته، ثم أخذته إلى البيت حيث توجد ابنته. - وكيف كان اللقاء؟ < كان لقاء حارا، حيث ارتميا في أحضان بعضهما البعض وأخذا يبكيان بحرقة كبيرة. - هل كانت الفتاة تعرف والد ابنها؟ < طبعا، إلا أننا اخترنا أن نجتاز المرحلة الأولى من خلال كسب دعم عائلتها، ثم الالتفات إلى موضوع أب الطفل. - فتحت قنوات الاتصال مع والد الطفل أيضا؟ < نعم، وكان صاحب صالون للحلاقة معروف. ذهبت للقائه، وهناك لقيت مواجهة كبيرة من قبل العاملات لديه، وهنا اكتشفت نوع العنف الذي تمارسه المرأة ضد المرأة. هؤلاء النساء كن يعرفن علاقة صاحب المحل بالفتاة، وكن يعرفن أنها حامل منه، وعلى الرغم من كل ذلك لم يتعاطفن معها ومعي أيضا، وتدخلت إحدى الزبونات لتوقفهن عن لغيهن، حيث نبهتهن إلى أنني مجرد فاعلة خير ولا داعي إلى تقريعي بكلام لاذع. كان للفتاة عم يعمل هو الآخر في سلك الشرطة، حيث اتصل به شقيقه، الذي هو والد الفتاة وطلب منه المساعدة. فوجئت في الحقيقة بالأمر، وفوجئت أكثر بموقف الرجل الذي قال لي بالحرف: «أنا لن أتخلى عن أخي وابنته في محنته، لكن لو كانت ابنتي أنا من فعلت ذلك لأخذتها إلى منطقة خلاء وقتلتها ودفنتها هناك». - لم تكن لك تجربة بخصوص قضايا الأمهات العازبات، فكيف تعاملت مع هذه القضية؟ < صحيح، لكننا تمكنا من عقد قران الفتاة على الرجل الذي حملت منه، وكنا فرحين بذلك. المشكلة أنه لم تكن لدينا خبرة، إذ لو كان الأمر كذلك لعمدنا إلى تسجيل عقد ثبوت الزوجية بدل عقد قران جديد لتفادي مجموعة من المشاكل، خصوصا وأن الفتاة كانت حاملا. المهم أن الفتاة استطاعت أن تعود إلى بيت عائلتها مرفوعة الرأس وهي متزوجة بعقد رسمي، فالرجل منحها مهرا قيمته 3000 درهم، وهو مبلغ محترم في تلك الفترة، غير انه أخذه منها بعد الزواج بدعوى كراء منزل. بعد أسبوع، ستضع الفتاة مولودها، وهو ما جعل الزوج يرفع دعوى قضائية ضدها، لأن عقد الزواج يشير إلى أن الفتاة بكر.